كان ديونيس قد سمع بالفعل عن ليالي رايون المنحرفة. فكلما خرج في حملة، كان هو يجلب زوجات النبلاء إلى هذا المكان.
“دَعْه وشأنه. سيغادر بنفسه عند بزوغ الصباح.”
وفور انتهاء كلامه، سُمِع صراخٌ أشبه بصرخة الرعب في مكانٍ ما. لكن ديونيس تجاهله تمامًا وتوجه نحو المبنى الفرعي.
وقد بدا على حارس الباب ملامح الارتباك.
“الدوق؟!”
“أين غرفة صانعة الأدوات السحرية؟”
“في الطابق الثاني. لكنها لم تعد اليوم بعد، على ما أظن.”
ارتجف حاجباه قليلًا. و أدار رأسه نحو القصر الرئيسي وحدّق به. لكن لم يكن هناك ضوء في أي نافذة.
“أين يواصل سموّه أفعاله المجنونة؟”
تفاجأ كبير الخدم من نبرة الدوق الغاضبة، لكنه رد بهدوء دون أن يظهر ارتباكه.
“…..في غرفة الدوقة.”
“دلّني عليها.”
وفي تلك اللحظة بالضبط، خرجت امرأةٌ خائفة من مدخل القصر الرئيسي.
“آآااه..…! شبح! شبح!!”
كانت تصرخ بكلمات غريبة وهي تركض، لكنها ما إن رأت مجموعة الفرسان حتى تنفّست الصعداء.
“أتيتم لإنقاذي..…”
“من تكونين؟”
تجمدت الكونتيسة فجأة حين سمعت الصوت المتعالي، ثم رفعت رأسها مرتجفة.
فكتمت أنفاسها للحظة. فقد كان أمامها رجلٌ ضخم، يبعث في النفس رهبةً لا توصف.
“الـ…..الدوق؟!”
حتى في الظلام، كان وجهه الوسيم يشعّ كالنور، فما كان من الكونتيسة إلا أن احمرّ وجهها خجلًا.
أمير القدر التعيس، الذي أنجبته الإمبراطورة فيونا. الوحش الجامح الذي لا يستطيع أحدٌ تملّكه.
هذا الرجل الذي يمزق الوحوش بسيفه بضربة واحدة، لم تكن تتوقع أبدًا أن يحمل ملامح بهذا القدر من الرقة.
حين تلاشى الخوف، بدأت ملامح الاغواء التي كانت منسيةً تنكشف من جديد.
فبعثت الكونتيسة ديرين، من بيت يوناوود، بإغراء خفي وهي تبعثر ملابسها لتكشف عن نصف صدرها الممتلئ، ثم مالت بجسدها نحو ديونيس.
“أنا ديرين، من أسرة الكونت يوناوود…..أرجو المعذرة على مظهري هذا، لقد كنت مرعوبةً فعلًا..…”
لكن ديونيس تراجع بوجه خالٍ من الاهتمام، محافظًا على مسافة لا تصل فيها حتى أطراف ثوبها إليه.
أما من أمسك بذراعها حين كادت تتعثر، فكان كبير الخدم ابيض الشعر.
“هل أنتِ بخير؟”
قال ذلك وهو يساعدها على الوقوف، محاولًا إخفاء انزعاجه من الموقف.
فنظرت ديرين إلى ديونيس بدهشة لم تصدقها.
“سيدي الدوق..…؟!”
لكنّه كان قد ابتعد بالفعل، وابتلعته عتمة الردهة.
سار بخطوات واسعة حتى توقف أمام غرفة الدوقة. المكان الذي يُعدّ أضعف نقاط الحاجز السحري، والأبعد عن الألم…..
و غريزته كانت تصرخ: ميلودي هنا. ففتح الباب بعنف، فإذا برايون يزحف على أربع في الداخل.
رداءه نصف مخلوع ومتدلٍ عند خصره، وقميصه مفتوح، ورائحة الكحول تفوح منه بقوة.
“ما الذي تفعله هنا، يا صاحب السمو ولي العهد؟”
قطب جبينه تلقائيًا من قبح المشهد. لكن رايون، غارقًا في ثمالة شديدة، استقبله بفرحٍ كأنما رأى منقذًا.
حدّق ديونيس فيه بعينٍ ممتلئة بالضيق حتى الجنون، بينما رايون أشار إلى داخل الغرفة وصرخ.
“هناك دميةٌ خزفية تطير في الهواء. تبا، من دسّ شيئًا في جواربي؟!”
فجأة، ضُغط حذاء ديونيس بشدة على قدم رايون العارية.
“آخ!”
رايون حاول أن يحرر قدمه ملتويًا بجسده كله، لكنه لم يستطع أن يتحرك قيد أنملة.
طَق-
ثم دوى صوتٌ وكأن عظامه تتحطم.
“أيها الوـ…..أاااه!”
“من الأفضل أن تصطحب كاهنًا معكَ في المرة القادمة التي تأتي فيها إلى هنا، فلن تخرج سالم الجسد.”
ترك ديونيس رايون يتلوى من الألم على الأرض، والتفت إلى رئيس الخدم،
“ويليام، اصطحب سموّه.”
“أمركَ يا سيدي.”
وبعد أن تأكد من اختفاء رايون، توجه ديونيس إلى المكان الذي سلب كل انتباهه منذ لحظات.
“اخرجي الآن.”
في الممر المؤدي إلى غرفة الملابس، ظهرت خصلة شعر بلون أوراق العشب من خلف منظرٍ بدا غير طبيعي.
و لامس أنفه عبير صابون خافت، ناعم و لطيف.
“متى وصلت؟”
“الآن فقط. ماذا كنتِ تفعلين؟”
“كنت أحمي المنزل، من متسلل شرير وسيئ ودنيء ومنحرف. هل رأيته؟ لقد هرب مرعوبًا وهو يجر ذيله.”
وأثناء حديثها، رفعت ميلودي دميةً خزفية قديمة لتريه إياها.
تلك العينان الخضراوان العميقتان اللتان التقتا بعينيه ذكّرته بالغابة التي أقام فيها أثناء حملته.
“استفدت قليلاً من هذه، ومن الأداة السحرية الخاصة بالانكسار.”
“سيئ ودنيء، فهمت. لكن منحرف؟ هل رأيتِ شيئًا بنفسكِ؟”
كان نظره موجّهًا إلى السرير الذي ما زال في حالة فوضى.
“آه، لا! كان ذلك من أثر هروبه، ولم أتمكن من رؤية شيء لأنهم لم يكملوا أصلاً!”
ارتبكت واحمرّ وجهها، فارتسمت ابتسامةٌ مائلة على شفتي ديونيس.
“لم يحصل شيء. لكن، ألا تلاحظ شيئًا مختلفًا؟”
رمشت ميلودي بعينيها الواسعتين وهي تنظر إليه بوجهٍ يفيض ترقّبًا.
“لم أشعر بأي ألم…..هل هو هذا؟”
أشار ديونيس إلى الأداة السحرية الموضوعة قرب النافذة، فبدت ملامح الدهشة على وجه ميلودي.
“كيف اكتشفتَ مكانها؟”
“كانت ظاهرةً للعين.”
“وأين بالضبط؟”
“رأيتها، هل عليّ أن أشرح أكثر؟”
“كان من المفترض ألا يراها حتى رئيس الخدم..…”
رغم ذلك، ظلت ميلودي تتفحّص الأداة السحرية بوجه جاد لفترة.
وبينما يحدّق إليها، رفع ديونيس بصره فرأى بورتريه الإمبراطورة فيونا.
غير أن تجاعيد الثوب، واليد الموضوعة برفق على البطن، والبطن المنتفخ كما لو كان يحمل حياة في داخله…..بدت كلها بشكل فائق الوضوح.
كان ذلك الموضع الذي وُسم فيه رايون بوسم أسود قاتم.
كان ذلك الفعل الذي ارتكبه بعد أن تجلت قوته كمستخدم للسحر، معلنًا نيته في محو عار العائلة الإمبراطورية.
“يبدو واضحًا قليلًا، أليس كذلك؟”
قالت ميلودي ذلم، وقد اقتربت منه دون أن يشعر.
“…..…”
“حاولت جعله باهتًا…..لكن الطيف تسرب حتى الخلف، فلم أستطع محوه تمامًا. استخدمت أداةً سحرية لتغيير التركيب، لكن إن أخطأت، كنت سأمحو اللوحة كلها…..مع ذلك.”
استدارت المرأة التي كانت تحدق في البورتريه وابتسمت له.
“جميلة. إنها صورةٌ عائلية جميلة.”
هل لأن الألم قد اختفى؟ كانت عيناها تلمعان، وخدّاها محمران.
حتى في الظلمة التي غطّت الأرجاء، بدت ملامحها بشكل غريب، واضحةً جدًا.
فمسح ديونيس الموضع الذي لامسته أصابعها مجددا، وفجأة شعر بتوقٍ لذلك الدفء.
***
في اليوم التالي، استُدعيت ميلودي من قبل ديونيس.
“كيف هو شعوركَ؟ هل نِمتَ قليلًا؟”
“بفضلكِ.”
عادت النضارة إلى وجهه الصخري كأن الحياة دبت فيه من جديد، فأشرق بحق.
لم يكن سوى تجاعيد جبينه التي انبسَطت، لكن رؤوس الخادمات التفتت فجأة، وسمع صوت شهقة محتبسة.
بينما نظرت ميلودي إليه كما لو أنها نسيت كيف تُغمض عينيها.
“هذه من حملة القضاء على الوحوش. تفقديها، قد تحتاجين شيئًا منها.”
عندها فقط، انتبهت ميلودي إلى المواد السحرية الملقاة على أرض المكتب.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 15"