خرجت ميلودي من المعبد المنهار وتوجهت مباشرةً نحو خارج الحاجز، ولم يبقَ في مكانه سوى أثرٍ باهتٍ على الأرض حيث لم ينبت العشب بعد.

“اختفى إذًا.”

تساقطت بضع قطعٍ من جهاز تعطيل السحر المحطم من معصم ديونيس، فتوقف برهةً يتأمل المكان بصمت.

“ميلودي!”

ثم جاءها صوتٌ يناديها من بعيد، فالتفتت لترى إيدوين يلوّح لها بيده، فانطلقت نحوه مسرعة.

“أبي!”

كان وجه إيدوون مرهقًا بعد المعركة الطويلة، لكنه بدا هادئًا ومطمئنًا، وكانت أشعة الشمس التي استعادت بريقها تتناثر فوق شعره الأخضر الزيتوني.

“وماذا عن الوحوش؟”

“اختفت…..عندما زال النور والظلام معًا. ما الذي حدث هناك بالضبط؟”

بدأت ميلودي تسرد ما جرى في المعبد، غير أن ملامح ديونيس ما لبثت أن تغيرت عندما وصلت إلى الجزء الذي قالت فيه أن رايون حاول المساومة مستخدمًا حياتها كذريعة.

“ألم تقل أنكَ أنقذتها من الخطر؟”

زمجر صوته موجّهًا حديثه إلى رايون، الذي كان قد تبعها ووقف الآن إلى جوارها، فأدار رأسه بتوتر.

“بعد أن أخذتها بدأت أستعيد وعيي…..لكنني حقًا أردتُ أن تراها بنفسها. لأن تلك التصدعات التي كنا نتحدث عنها في الحاجز، بدت لي وكأنها متصلةٌ بذلك الوحش..…”

تعمقت الظلال على وجه ديونيس وهو يستمع إلى تبريرات رايون الواهية.

“أي أنكَ لم تذهب لتوقفه، بل لتعاونه إذًا.”

“…….”

“لكن الحقيقة أيضًا أن صاحب السمو أنقذ حياتي.”

تدخّلت ميلودي مدافعةً عنه، لكن ذلك لم يُخفف من توتر الموقف. و ساد الصمت البارد بينهم، حتى تدخل إيدوين مشيرًا إلى رايون.

“حسنًا، هل يمكنني أن أعرف من هذا الذي خطف ابنتي ثم أنقذها؟”

“إنه ولي العهد.”

“آه، إذًا وريث فالكاراس..…”

وقبل أن ينحني إيدوين احترامًا، رفع رايون يده ليمنعه.

“لا حاجة لذلك. إن كنت والد ميلودي، فأنت بمثابة والدي أيضًا.”

“هاه؟ ولمَ يكون الأمر كذلك؟”

قطب إيدوين حاجبيه في حيرة، وفجأة انحنى ديونيس وقبّل جبين ميلودي أمام الجميع.

ثم رمقه بنظرةٍ مباشرة تحمل معنىً واضحًا: هل ترى؟

“لم أدرِ أنكَ تعتبرني كالعائلة حقًا، يا صاحب السمو.”

“ماذا تعني بهذا؟”

“ألا يكفي أنكَ تُظهر الاحترام لوالد حبيبتي لتثبت كم تفكر بي؟”

فانتفض رايون فورًا وقد احمرّ وجهه.

“من قال أنها حبيبتك؟!”

“من الطبيعي أن تكون كذلك.”

أجاب ديونيس بثقةٍ وهو يمرر أصابعه على خد ميلودي برفق.

بينما تجمدت ميلودي في مكانها وهي تعضّ شفتها بخجلٍ شديد؛ صحيحٌ أنهما تبادلا القُبل، لكن التصرف بهذه الجرأة أمام الآخرين كان أمرًا يثير ارتباكها. 

احمرّ وجهها كالتفاح، ففتح رايون فمه بذهول.

“أنتِ….لا تقصدين حقًا..…”

و وسط نظراتهم المتوترة، أومأت ميلودي بخجل.

“بلى، نحن…..نحب بعضنا.”

فاتسعت عينا رايون بصدمةٍ صامتة.

“آه…..”

ثم صدر صوت تأوهٌ خافت من خلفهم، فالتفتوا ليجدوا أهفين يقف ممسكًا بصدره ووجهه شاحبٌ كالرماد.

“…..أنهيتُ علاج المصابين.”

قال ذلك بصوتٍ متعب، فاقترب منه إيدوين بقلق.

“ألا تزال جراحكَ تؤلمكَ؟”

“ليست الجراح…..لكن ثمة ألمٌ هنا….في صدري. يمكنني السير، سأنزل لأتابع العلاج.”

و استدار أهفين مبتعدًا بخطواتٍ متثاقلة، ثم كاد يتعثر وهو يبتعد عنهم.

***

وعندما نزلوا إلى القرية، رأوا الأسطح وقد بهت لونها حتى غدت رماديةً شاحبة، والنباتات جافةٌ كأنها أُحرقت. 

و في كل مكانٍ كان الناس ينقلون الأنقاض ويعملون لإعادة ترتيب ما تهدّم.

“انظروا، الجنود قادمون!”

تعالت صيحات الفرح بين سكان الإمبراطورية الذين تعرفوا على الجنود من بعيد، لكن كلما اقتربت القافلة منهم، ازدادت ملامح القلق على وجوه السحرة، وتبادلوا النظرات بصمتٍ ثقيل.

ثم تحدّث إدوين وهو يبطئ خطاه بصوتٍ متعب،

“أعتقد أننا….علينا الآن الخروج…..من الحاجز.”

نظرت ميلودي إليهم بوجهٍ متصلب. فقد كان مشهد السحرة المتوقفين عند مدخل القرية، غير قادرين على التقدم أكثر، يمزق قلبها.

فتحّدث إدوين بهدوء وهو يوجه كلامه إليها،

“لا تنظري إليهم بذلك الوجه يا ملاكي، أنا أعلم أن هذه مسألةٌ تحتاج إلى وقت.”

“لكن ألن ترافقنا إلى الداخل؟”

“حسنًا، فور عودتي إلى القصر، سأصدر مرسومًا إمبراطوريًا يعلن براءتكم، بصفتي ممثلًا عن الإمبراطور نفسه.”

قال رايون ذلك، ومع ذلك لم يجرؤا على دخول القرية. 

عندها استدعى ديونيس الكشاف الذي أرسله مسبقًا.

“كيف هو حال القرية؟”

“باستثناء بعض الجرحى بإصاباتٍ طفيفة، الجميع بخير. الجميع يتحدث بحماس عن الوحش الذي ظهر في المعبد.”

ثم ألقى الكشاف نظرةً نحو السحرة وأكمل قوله،

“كما يتحدثون أيضًا عن السحر الذي هزم ذلك الوحش…..الظلام الذي محا النور.”

تجمدت نظرات السحرة نحو القرية. 

كان من الصعب عليهم تصديق أن الناس عرفوا أن السحر هو من أنقذهم. فتقدم أحدهم بخطواتٍ مترددة،

“هل…..نذهب؟”

“وماذا في ذلك، هل أنتم أخطر من الوحش نفسه؟”

“ماذا لو لعنونا وطردونا؟ أو رشقونا بالحجارة؟ أو طالبوا بسجننا مجددًا؟”

“إن حدث ذلك، فسنعود إلى خارج الحاجز، لا بأس. سيأتي اليوم الذي يتقبلوننا فيه.”

لكن القلق ظل يثقل صدورهم، فوضع كل واحد منهم يده على قلبه، محاولًا تهدئة أنفاسه.

***

كانت الشوارع مكتظةً بالناس. وعندما ظهر الفرسان، علت أصوات الهتاف في السماء.

“وااااه!”

قبضت ميلودي على يد إدوين بقوة. و كانت يده باردة كالثلج من شدة التوتر.

ثم صرخ أحدهم فجأة،

“إنهم السحرة!”

ساد الهمس بين الحشود، وتراجع السحرة بخطواتٍ صغيرة. لكن صوتًا آخر دوى بعدها مباشرة،

“حين حاول الوحش ابتلاع هذه الأرض، من وقف في وجهه مخاطِرًا بحياته؟!”

ساد الصمت.

“حين أحرقت أنوار الوحش هذه الأرض، من أنقذنا كان الظلام نفسه!”

عندها تقدم أهفين إلى الأمام وتحدّث بصوتٍ مفعم بالصدق،

“لقد عشنا طويلًا مؤمنين بحقيقةٍ مزيفة. خفنا من السحرة، ونبذناهم، واعتبرناهم مختلفين عنا. لكننا اليوم أدركنا من هو العدو الحقيقي.”

ثم وجه نظره نحو السحرة،

“من خاطروا بحياتهم لحماية أبناء الإمبراطورية، من دافعوا عن هذه الأرض التي نبذتهم…..هم هؤلاء أمامكم.”

ثم صرخ رايون بصوتٍ قوي مشيرًا إليهم،

“باسم نائب الإمبراطور، وباسم الإمبراطورية، نقدم شكرنا واعتذارنا. من اليوم، لن يضطر السحرة للاختباء بعد الآن. إنهم أبطال الإمبراطورية ورفاقنا في هذا الوطن!”

ثم التفت إلى الناس وتحدّث بصوت مهيب،

“من الآن فصاعدًا، لن يكون في هذه الأرض تفرقةٌ بين ساحر وعادي، بل جميعنا أبناء إمبراطوريةٍ واحدة، تحت سماءٍ واحدة!”

نظر الناس إلى بعضهم البعض. و بعضهم أومأ برأسه موافقًا، وآخرون بدت على وجوههم علامات التردد.

ثم تحدّث طفلٌ بصوت بريء،

“أمي، هؤلاء هم الذين هزموا الوحش؟”

“نعم يا عزيزي، هم من أنقذوا القرية.”

عندها تقدم رجلٌ في منتصف العمر بخطواتٍ حذرة، ونظر نحو السحرة، ثم انحنى قليلًا،

“لقد…..بذلتم جهدًا كبيرًا، نشكركم.”

وبعده، تبعه شخصٌ آخر، ثم آخر، حتى بدأ الناس يتقاطرون نحو السحرة. 

ورغم أنهم ما زالوا يحتفظون بمسافةٍ فاصلة، إلا أن نظراتهم لم تعد باردة.

أخذ السحرة ينظرون حولهم بدهشة، وبعض وجوههم اغرورقت بالدموع. ومن بين الحشود، سُمع أنينٌ خافت،

“في الحقيقة…..كانت والدتي ساحرةً أيضًا.”

كانت اعترافًا خجولًا، لكنه فتح الأبواب. فبدأ الناس يتحدثون، واحدًا تلو الآخر. 

فالساحر كان ابن عم أحدهم، وصديقًا لآخر. فساد الدفء مكان التوتر.

وعندما وصلوا إلى العاصمة وسط الترحيب، كان الغروب يلون السماء بالذهب. عندها تحدّث ديونيس وهو ينظر إلى الجميع،

“لقد كان يومًا طويلًا، أحسنتم جميعًا.”

كانت أشعة الغروب الذهبية تنسكب فوق أطلال المعبد. لكنها هذه المرة لم تكن مخيفة، بل كانت دافئة، هادئة، ومجرد غروبٍ عادي.

وقف السحرة جنبًا إلى جنب مع الناس، ينظرون جميعًا إلى السماء نفسها.

ثم سأل إدوين بصوتٍ خافت،

“هل انتهى كل شيءٍ حقًا؟”

فابتسمت ميلودي له،

“لا، لم ينتهِ…..إنها البداية.”

وغابت الشمس، وجاء الليل الدافئ الذي لم يعد أحدٌ فيه يرتجف خوفًا.

_________________________

الفصل فيه كرنج شوي ولا انا فيني نوم؟ 

بس هاه شفتوا المؤلفه ضيعت فصل كامل على السحره والمفروض عن ديونيس وميلودي ! 

بس احسن شي يوم يبوس جبهتها قدام رايون😭 عسااا حتى اهفين انجرح يضحك 

Dana