لم يمضِ وقتٌ طويل حتى توقفت يد ميلودي التي كانت تضرب بالمطرقة.
و كانت الطاقة المقدسة المتدفقة من الوحش تضطرب بعنف، فيما تماوج الضوء في أرجاء الغرفة.
“انتهيت.”
خرج الصوت من بين شفتيها دون وعيٍ منها.
فتحقق القدّيس من الدوائر السحرية التي نقشتها، وكانت عشرات الرموز الرونية تتشابك وتتوهج ببريقٍ ساحر.
“هذا هو…..يا له من تشكيلٍ جميل بالفعل.”
تمتم بانبهارٍ يغمره الحماس.
عندما وصلت ميلودي إلى المعبد كان الفجر قد بزغ، والآن لم يتبقَ على الظهيرة سوى القليل.
لقد أوشكت النهاية.
“الآن أطلق سراحي.”
تردد قليلًا قبل أن يردد تعويذته، وسرعان ما انحلت قواها وسرت في جسدها رخاوةٌ جعلتها تترنح وهي تحاول أن تبقي نفسها واقفة.
“سموك.…!”
ثم هرولت نحو رايون الملقى عند المدخل. كان فاقد الوعي، لكن أنفاسه الضعيفة دلت على أنه لا يزال حيًا.
ثم أمسكت ميلودي بيده ووضعته قرب قدمَي الوحش.
“هااااه.”
أصدر من رايون صوت شهيقٍ عميق، إذ بدأت جراحه تلتئم على الفور تحت فيض الطاقة المقدسة. و رمشت عيناه الباهتتان، اللتان تشبهان السماء الغائمة، ببطءٍ شديد.
“لقد وعدتَ أنكَ لن تؤذي أحدًا، أليس كذلك؟ عليكَ أن تفي بوعدكَ.”
قالت ميلودي ذلك وهي تساعده على النهوض.
“…..وهل كنتُ أنا أيضًا ضمن ذلك الوعد؟”
ها، ها…..انطلق ضحكٌ ضعيف من شفتيه.
أشارت ميلودي نحو صانعي الأدوات السحرية الذين ما زالوا في الزاوية يصنعون مصابيح الحائط.
“انتهى كل شيء، دعنا نخرج من هنا.”
عندها مسح القدّيس بيده على الوحش بحنوٍّ غريب.
“لن يخرج أحدٌ قبل أن يتحرك هذا الكائن.”
– “انهض!”
ما إن نطق بكلمة التفعيل حتى ارتجت الأرض، وأضاءت العين المغروسة في رأس الوحش بلونٍ ذهبيٍ لامع. و دوّى صريرٌ أشبه بعواء الوحوش في أذنَي الجميع.
رفع الوحش جسده الضخم ببطء ومدّ يده، و عندما بلغ سقف القاعة، تساقطت كتلٌ من الحجارة.
تشعّبت الشقوق على الجدران كشبكة عنكبوت، واهتزّ المكان كله وكأنه سينهار. ومن بين الشقوق المنهارة تدفقت أشعة الشمس، كاشفةً مظهر الوحش القبيح بكل وضوح.
“آه، أخيرًا..…”
بدأت الدوائر السحرية المنقوشة على جسده تتوهج بالذهب مع ضوء الشمس، فقد حان وقت الظهيرة تقريبًا.
اختبأ القدّيس في مكانٍ لا تصل إليه أشعة النور، وبدت عيناه الذهبيتان تلمعان بجنون.
“يا قوتي!”
في تلك اللحظة تمامًا، اهتزّ المكان كله بعنف. و التفت القدّيس حوله باضطراب.
“ما هذا؟”
كانت اهتزازاتٌ قوية منتظمة تتردد من الأعلى، وكأن مطرقةً عملاقة تضرب المعبد من فوق.
دوي! دوي! دوي!
وفي لحظةٍ واحدة، فُتح ثقبٌ هائل في السقف، ومن خلاله انهمرت خيوطٌ من الظلام، تخترق نور الطاقة المقدسة وهي تدور في دوامةٍ مظلمة.
“طاقةٌ سحرية؟”
أغمضت ميلودي عينيها ثم فتحتهما، وفي لحظة تقاطع الظلام والنور اقترب منها أحدهم ولمسها بخفة. فرفعت رأسها بدهشة.
“ميلودي.”
كان ديونيس واقفًا أمامها كما لو خرج من حلم. وما إن رأت ملامحه حتى اجتاحها شعورٌ بالارتياح العارم.
“ديونيس!”
أما رايون الذي كان بجوارها، فما إن رآه حتى تمتم ساخطًا،
“يا له من وغدٍ مزعج.”
“سأعتبرها تحية ترحيبٍ يا صاحب السمو.”
تأملت ميلودي حال ديونيس. كان يبدو متعبًا للغاية، و تكسو جسده جروحٌ عديدة.
“كيف وصلتَ إلى هنا؟”
“الشرح لاحقًا…..فبالكاد أتحمل الوقوف.”
قال ذلك وهو يلهث بخفة، ممسكًا بيدها ليقودها نحو المدخل.
كانت الطاقة المقدسة هنا كثيفةً جدًا، وقوة الوحش المستيقظ تضغط على جسد الساحر بلا توقف.
و رأت ميلودي الآلة المثبتة في يده، آلة إبطال السحر، وهي تتفتت وتتحول إلى رمادٍ شيئًا فشيئًا.
“ديونيس، أنا…..”
لكن قبل أن تتمكن من إخبارِه بنقطة ضعف الوحش، جاء الصوت.
– “اقتلي الساحر.”
صوت القدّيس تمتم في عقلها كهمسٍ شيطاني، وبدأ السوار في معصمها يسخن بشدة حتى أخذ يبتلع وعيها شيئًا فشيئًا.
وفي لحظةٍ واحدة، تجمد جسدها كدميةٍ بلا روح، ثم بدأ يتحرك مجددًا خارج إرادتها.
“لا…..لا تفعل!”
لماذا لم تكسر السوار حين سنحت لها الفرصة؟ لم يدم ندمها طويلًا، إذ كانت يد ميلودي قد أمسكت بالفعل بقطعةٍ حادةٍ من الرخام.
“ابتعد…..اهرب من هنا.…”
– “اقتليه، اقتليه، اقتليه!”
ترددت همسات القدّيس داخل رأسها كمطارقٍ تضرب وعيها.
فتحركت يد ميلودي نحو صدر ديونيس، بينما هو لم يتراجع، ولم يحاول حتى أن يتفاداها، واقفًا أمامها كما كان في حلمٍ رأته من قبل، حيث مات بسببها.
“آه…..!”
خفضت ميلودي بصرها ببطء، لتجد القطعة الملطخة بالدماء مغروسةً في صدره. قطرات الدم الغليظة تسيل على سطحها لتسقط على الأرض.
لم تستطع حتى أن تصرخ. و لم يكن بوسعه أن يتعالج بطاقةٍ مقدسة.
تحطّم!
مد ديونيس يده فجأة وحطم السوار بعنف. فتساقطت قطع المعدن على الأرض بصوتٍ حادٍ متصدع.
“لا تقلقي.”
قال ذلك وهو يهدئها، ثم أخرج القطعة من جرحه بهدوء.
“لكن جرحكَ—”
“هذا لا شيء يُذكر.”
مسح دموعها التي غمرت وجهها بكمّه، و تحدّث بنبرةٍ دافئة،
“هناك سرٌ لم أبح به لك من قبل…..وأتمنى أن تسامحيني عليه.”
“سأسامحكَ، أيًّا كان، فقط لا تمُت!”
صرخت ميلودي بيأس. فلم يهمها أي شيء سوى أن يظل حيًا.
“أنا أُشفى بسرعةٍ كبيرة.”
أخذ يدها ووضعها فوق جرحه، وكان الدم قد توقف، بل إن الجرح نفسه كان يلتئم أمام عينيها بسرعةٍ غير معقولة.
فتحت فمها في ذهولٍ تام، فحتى أمهر السحرة لم يُعرف عنهم شفاءٌ بهذه السرعة.
“إذًا طوال هذا الوقت..…”
“كنت أتظاهر بالألم لأنني أحببتُ أن تعتني بي.”
“كم أنت قاسٍ! هل تدرك كم قلقتُ عليكَ؟!”
ضربته بخفةٍ على صدره، فأمسك بمعصمها برفقٍ وهو يبتسم بمكرٍ لطيف.
“ستؤذين يدكِ…..إن كنتِ مصممةً على الضرب، فخذي هذا.”
ناولها خنجرًا صغيرًا و تحدّث مازحًا،
“استخدميه بدل يدكِ.”
لكن في تلك اللحظة، دوّى صوت القدّيس وقد تملكه الجنون.
“هاها! يا لها من طاقةٍ سحريةٍ مذهلة!”
تراقصت الكراهية والحقد في عينيه الذهبيتين.
“كل ما حدث كان بسبب تلك القوة النجسة! بسبب السحر اللعين مات طفلي، وتحوّل جسدي إلى لعنة!”
راح يهذي بكلماتٍ مفعمة بالجنون وهو يحرّك يده، فبدأ الوحش يتحرك تبعًا لإشارته. ومع ضوء الشمس، أخذ جسده يكتمل شيئًا فشيئًا.
“حين تعود القداسة، سيُمحى جميع السحرة من وجه هذه الأرض! سينتهي السحر وكل المآسي التي جلبها معه!”
لكن ميلودي تجاهلت صراخه ومدت يدها تشير إلى أولئك المختبئين خلف الضوء.
“صنّاع الأدوات السحرية هناك.”
كان الضوء ساطعًا إلى حدٍ جعل الرؤية شبه مستحيلة.
“أنتما غادرا أولًا. سأخرج الآخرين بنفسي.”
“ألا يمكننا الطيران خارجًا؟”
“يبدو أن سموك ما زلت تظن أنني جني، لا ساحر.”
أجابه وهو يهز رأسه نفيًا. فلم يكن هناك وقتٌ للهرب.
و كانت ميلودي تدرك أنه إن اكتمل تكوين الوحش، فلن يقدر شيءٌ في العالم على هزيمته. فاقتربت بسرعة من ديونيس وهمست،
“لقد نقشتُ على جسده دائرة سحرية تبطل القوى المتضادة، تمامًا مثل آلة إبطال السحر.”
كانت تعاويذ القدّيس قوية، لكنها في النهاية ليست سوى أساليب قديمة.
وبفضل تحطيم رايون للسوار، استعادت ميلودي وعيها للحظات، واستغلتها لترسم بتضحيتها ودمها تعويذةً لا يستطيع قراءتها إلا من يحمل دمها ذاته.
تعويذة تُبطل القوى المتعارضة وتدمر مصدرها، تمامًا كما تفعل آلة إبطال السحر.
وحين تُمحى القوة التي تُبقي ذلك الجسد، سينهار الوحش كله.
لكن في تلك اللحظة، لمع ضوءٌ خاطف، قويٌّ إلى حد العمى. و بدأ ضوء الشمس يمتزج مع الدائرة السحرية في انسجامٍ قاتل.
“آه….”
فتأوه ديونيس بألمٍ عميق.
“أعترف أنكَ تتحمل جيدًا، رغم أن نهايتكَ باتت قريبة. عندما تحل القداسة على هذه الأرض، ستتلاشى كغبارٍ تافه.”
“يبدو أنها لم تعُد بعد…..أليس كذلك؟”
“يا قوتي! اجعليني أتحرر في مجدكِ!”
تعالت صرخات القدّيس المجنون، واشتد وهج الوحش حتى غمر الضوء أعينهم جميعًا.
و حتى حين أغمضت ميلودي عينيها، ظلّ العالم حولها أبيض ناصعًا كالعدم.
_________________________
اخيراااا ديونيس ورعييييييييي
حسبت بتصير دراما يوم طعنته شلون تشالى بسرعه؟😭 المشكلة وسط كل ذاه يقول ابعترف لس بشي ولاتزعلين😂
رايون ماصدق ميلودي عطته وجه شوي
ديونيس: هاااي
عسا عشان يعرف مره ثانيه شلون يصير رجال
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 136"