و أحد الفرسان الذي انحنى ليتفقد الكهنة الممددين على الأرض رفع رأسه بوجهٍ شاحب وهو يرفع تقريره.
“إنهم يتنفسون، يا صاحب السمو. يبدو أنهم في حالة إنهاكٍ حاد بسبب نفاد طاقتهم المقدسة.”
لكن شيئًا في الأمر لم يكن منطقيًا. فلم يكن هذا نتيجةً عادية لمحاولة صدّ انكسار الحاجز.
اقتربت ميلودي تتفحص الكهنة واحدًا تلو الآخر، حتى وقعت عيناها على شيء لامع يطوّق معاصمهم — أساور فضية لم ترَ مثلها من قبل.
ما هذا؟
مدّت يدها لتتحقق منها، لكن الكاهن الأقرب منها انتفض فجأة وفتح عينيه. ثم تمايل واقفًا، وفي عينيه فراغٌ لا روح فيه.
رفع رأسه نحو تمثال المعبد وبدأ يردد تعاويذ متقطعة بصوتٍ مبحوح. وظهر شعاعٌ خافت من الضوء ارتجف فوق كفّيه المرتعشتين.
“يا…..قداسة.…”
ثم انهار أرضًا وهو يلهث، كما لو كان يحتضر، أكثر من شكل المتعب من تفريغ الطاقة.
هذا المشهد لم يكن مهيبًا، بل مخيفًا ومشوّهًا.
في تلك اللحظة، أمسك رايون بمعصم ميلودي بقوة، وجرّها معه متحدّثاً بصوتٍ منخفضٍ حاد،
“انظري أمامكِ فقط وامشي.”
امتزج في صوته القلق والتوجس، وكأن شيئًا فظيعًا ينتظرهما في الأعماق.
و من خلف تمثال المعبد فُتح ممرٌّ معتم تفوح منه رائحةٌ معدنيةٌ كريهة — رائحة دمٍ قديمٍ متخثر.
بدا كأنه يؤدي إلى أعماقٍ سحيقة تحت الأرض. فترددت ميلودي لحظة، ثم خطت وراءه إلى الظلام.
“إلى أين تأخذني؟”
“اقتربنا…..بعد قليل ستفهمين.”
عند نهاية الممر، انفجرت أمامهما إضاءةٌ حادة، لم تكن دافئة كالضياء المقدس، بل قاسية تلسع البصر.
و في مركز القاعة الكبرى، كانت الجدران تصطفّ عليها مئات المصابيح الجدارية التي صنعها صنّاع الأدوات السحرية طوال فترة عملهم في المعبد. وبينها، جثث الكهنة الذين سقطوا منذ قليل.
فهمست ميلودي بدهشةٍ مكتومة،
“لماذا…..توجد هذه المصابيح هنا؟”
و كأن الرجل الواقف في منتصف القاعة سمعها، فرفع رأسه ببطء.
كان شعره البنفسجي مربوطًا إلى الخلف، و خصلاته المتناثرة تغطي كتفيه، وعيناه الذهبيتان تشعّان ببرودٍ مزعج. وقد ابتسم بترحابٍ مصطنع،
كان صوته ناعمًا، لكنه بثّ في النفس نفورًا غريزيًا.
وفجأة، عادت إلى ذاكرة ميلودي صورةٌ واضحة — ذلك الصوت نفسه، الصوت الذي سمعته عبر آلة التسجيل حين قُتل كبير الكهنة.
“أيها القدّيس، لقد جلبتُ صانعة الأدوات السحرية.”
“مرحبًا، جئتما في الوقت المناسب. كنّا نفتقر إلى الأيدي العاملة.”
إذًا…..لم يجلبني لأنني طفلة الكاهنة؟
فكرت ميلودي بدهشة، لكن القدّيس كان قد بدأ يقودهما إلى داخل القاعة، أمام صفوف المصابيح المتلألئة.
“يبدو أنكم بحاجة إلى مزيدٍ من هذه المصابيح.”
“المزيد؟ بل حتى هذا العدد لا يكفي. انظري إلى هذا، أيمكنكِ قراءته؟”
ناولها حجرًا أزرق نُقشت عليه رموزٌ سحرية معقدة. و تلقّته ميلودي بحذر، وبدأت تفكّك النقوش بعينيها، ثم تمتمت بدهشةٍ خافتة،
“إنه مزيجٌ بين رموز الرون ومعادلات السحر…..لرفع تردد تفاعل الطاقة المقدسة.”
“صحيحٌ تمامًا.”
كانت الصيغة محفّزةً لفضولها إلى أقصى حد. و لم يسبق أن رأت تركيبًا سحريًا بهذه الغرابة — مثيرٌ ومريب في الوقت ذاته.
“باستخدام هذا النموذج، يمكن مضاعفة الطاقة المستخلصة من الكهنة عشرات المرات…..بل يمكن توليد حاجزٍ يغطي العاصمة بأكملها، وربما الإمبراطورية كلها. لكن……يبدو أن هناك مشكلةً في الاستمرارية.”
“لقد قرأتِ الصيغة بدقة مذهلة. خسارةٌ أن أحدًا لم يُدرك قيمتكِ الحقيقية حتى الآن.”
قال القدّيس ذلك بنبرةٍ مبتهجة، وعيناه تلمعان بلذةٍ خبيثة.
“أليس كذلك، يا ميلودي؟”
تجمّدت يدها حين سمعت اسمها.
إذًا هو يعرف تمامًا من تكون.
“من الواضح أن العالم قد رتّب لقائي بكِ.”
ابتسم ابتسامةً واسعة، وصوته يرتجف بحماسٍ غير طبيعي.
“أتساءل…..كيف ستصفين أداتي السحرية يا ترى؟ تعالي، سأريكِ. الطريقة التي سنُنهي بها شرخ الحاجز نهائيًا.”
تردد خطى رايون خلفها كان واضحًا. فتنفّست بعمق ثم تبعتهم، رغم القلق الذي خيّم عليها.
وحين وصلت ميلودي إلى نهاية القاعة، انحبست أنفاسها.
فهناك، في عمق المكان، وقف مخلوقٌ هائل الحجم — كتلة لحمٍ مشوّهة كأنها جُمعت من بقايا وحوشٍ سحرية، ينبض جسده بنورٍ غريب يتسرّب من بين أوصاله المتشققة.
حتى ميلودي التي اعتادت رؤية المخلوقات الممسوخة، اضطرت أن تغضّ بصرها من شدة فظاعته.
وكانت النقوش التي قرأتها قبل قليل محفورةً على كامل جسده.
“ما هذا……بحق؟”
ابتسم القدّيس ابتسامةً هادئة وردّ بوقارٍ زائف،
“أليس جميلاً؟ إنه الجسد الذي سيعيد القوة المقدسة بنفسه…..ليجعل هذا العالم طاهرًا.”
تقلص وجه ميلودي بشيءٍ بين الرعب والاشمئزاز. و أدركت أن الضوء الذي يتسرّب من بين كتل اللحم ليس سوى الطاقة المقدسة المنزوعة من الكهنة المنهكين.
يا إلهي…..إن كمية القوة المحبوسة هنا تكفي لتغمر المعبد بأسره.
وفوق ذلك، كانت القوة تتضخم بفعل الدوائر السحرية المنقوشة هنا، فالنور الذي ينبعث من هذا الكيان البشع كان يفسد توازن العالم.
“إذًا، من حطم الحاجز كان أنتَ.”
فابتسم وكأنه يقول: هذا هو الجواب الصحيح.
***
القديس، ميريل.
في زمنٍ سحيق، كان هو أيضًا مجرد كاهن عادي.
وبدأت مأساته ذات يوم، حين التقى بساحر.
لقد سُحر بتلك القوة الجميلة التي تدمر كل شيء. و قد رغب بالقوة التي تعاكس ما كان يملكه.
ومنذ ذلك اليوم، غاص ميريل في دراسة النقوش الرونية القديمة. فقد كان عبقريًا، وسرعان ما تمكن من ابتكار دائرةٍ سحرية.
لكن النتيجة كانت باطلة؛ فما صنعته يداه لم يكن سوى أشجارٍ كثيفة تنمو بلا توقف.
الناس رأوا في ذلك غابةً معجزة، لكن ميريل لم يكن يبحث عن الحياة، بل عن قوة الدمار.
لقد اشتاق إلى قوةٍ أعظم، حتى أنه انتزع طاقته المقدسة بأكملها وحاول استبدالها بالسحر.
لكن في تلك اللحظة، ما غمر جسده لم يكن الظلام بل الفوضى.
بدأ جسد ميريل يشبه أجساد الوحوش، واستمر الفساد والتشوه تحت جلده، حتى لم يعد قادرًا على رؤية ضوء الشمس أو شفاء أحد.
و كل من لامس يده كان يتحول إلى وحشٍ مثله.
“أبي…..أنقذني.…”
وفي النهاية، لم يستطع سوى أن يشاهد أحبّ الناس إليه يتحول إلى وحشٍ ويموت أمام عينيه.
“أيها الوحش!”
أرسلت الإمبراطورية السحرة لقتله، وهناك، وسط القوى السحرية التي كانت تسعى لقتله، أدرك الحقيقة.
“كل هذا بسبب السحر…..بسبب تلك القوة النجسة التي تملكونها!”
حوّل كل من عرف حقيقته إلى وحوش، وألقى باللوم على السحرة الذين جاؤوا ليقتلوه. ثم، ليبقى في صورة “القديس”، صنع حجرًا أزرق سماويًا حبس فيه طاقة الكهنة. وباستخدام تلك القوة، أخذ يشفي الناس وهو يهتف،
“الساحر إنسانٌ فاسد، يجب أن يُبادوا جميعًا!”
لكن كلما مات ساحر، ظهرت شقوقٌ في العالم، ومن تلك الشقوق خرجت وحوشٌ تشبهه تمامًا.
و بدلًا من قتل السحرة، بدأ ميريل يسجنهم في قبوٍ صنعه بيده، ليقضوا حياتهم في عذابٍ أبدي.
“العالم سيغفر لي.”
حاول بكل ما يملك أن يُعيد الأمور إلى نصابها وأن يكفّر عن خطاياه، لكن الحظ لم يجبه قط.
حينها قرر أن يُعيد القوة المقدسة بنفسه ليعيد كل شيء إلى ما كان عليه، ليُصلح حياته التي تحطمت بشكلٍ مريع.
لكن، مهما حاول، لم يستطع أن يُكمل ختم القداسة. فقد بقيت القطعة الأخيرة ناقصة…..وقد مرّ على ذلك عشرون عامًا بالفعل.
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 134"