عاد أَهفين إلى العاصمة فتصلب وجهه أمام المشهد الذي انبسط أمامه، إذ كان فرسان الهيكل المقدّس يصطفّون بصفوفٍ منتظمة أمام بوابة القصر وهم يرتدون دروعًا بيضاء ناصعة.

“لذلك، ما سبب وجودكم هنا إلى الآن؟”

تذمّر قائد الحرس موجّهًا حديثه إلى ديرين الذي وقف في طريقه بوجهٍ متحير.

“أرني الوثيقة الرسمية، هل تمت الموافقة على هذا من قِبل المعبد الأعلى؟”

“نحن لا ننتمي إلى المعبد الأعلى. فرسان الهيكل المقدّس تمّ حلّهم بإجراءاتٍ غير رسمية قبل يومين. نحن هنا فقط لمساعدة الحرس.”

“إن كنتم ترغبون بالمساعدة، فالتحقوا رسميًا بوحدة الحرس أولًا. أم أنكم لن تلاحقوا السحرة؟”

“لستُ أفهم ما تعنيه، ما رأيكَ أن نعالج جرحى الحرس بدلًا من ذلك؟”

“لدينا كاهن علاج بالفعل في وحدة الحرس..…”

“رجاءً، تجاهلونا لبضعة أيام فحسب، سنكون هنا كأننا غير موجودين.”

“أنتم تطلبون غضّ الطرف عنكم، لكنكم تقفون علنًا أمام الجميع.”

انتهى الجدال أخيرًا، فتراجع قائد الحرس بخطوةٍ وعلى وجهه ملامح ضيقٍ لا يخفيها، تدلّ بوضوح على أنه وافق مكرهًا.

“ما الذي يجري هنا؟”

“القائد!”

ما إن اقترب أَهفين حتى أسرع الفرسان المقدّسون نحوه.

“هل أنهيتَ ما خرجت من أجله؟ لقد حرسنا المكان بإحكام تام.”

فنظر إليهم أَهفين متفحصًا وردّ بصوتٍ هادئ،

“سمعت أنكم اشتبكتم مع الكهنة، هل الجميع بخير؟”

“نعم، الأمر أنّنا حين حاولنا محو الآثار لتأخير الملاحقة، أعلن المعبد أن جميع فرسان الهيكل خانوا إرادة المعبد وحاولوا القبض علينا. في البداية كدنا نتراجع، لكنهم استخدموا القوة أولًا..…”

كان أَهفين يظن أن المعبد، لعلمه بما يخفيه، لن يجرؤ على التحرك المتهور، غير أن الواقع خالف ظنه. لقد كان ذلك سوء تقديرٍ منه.

“لكن فجأة جاء فرسان الدوق واحتووا الموقف، وبعدها بقليل صدر مرسومٌ إمبراطوري أنهى النزاع.”

“مرسومٌ إمبراطوري؟”

“لستُ متأكدًا من فحواه، لكن قيل أنه يأمر بوقف الملاحقة.”

وهذا يعني أن دِيونيس استخدم حيلةً لإنهاء الموقف بأكمله، ومع ذلك أعاد أَهفين إلى هنا.

أما السبب فربما كان،

‘هل يريد مني أن أتعامل مع أمر السحرة؟’

قبض أَهفين على مقبض سيفه بقوة. 

كان دِيونيس ساحرًا، وإن لم يتحول إلى ذلك بين ليلة وضحاها، فلا شك أنه أخفى هويته منذ زمنٍ طويل.

كان من الصعب تصديق أنه احتمل هذا العذاب طوال تلك السنين، لكن بعد أن عرف الحقيقة انقشعت كل الشكوك التي راودته نحوه؛ رفضه للعلاج، ونفوره الغريب من المعبد، كانا كلاهما بسبب ذلك.

‘ويبدو أن السيدة ميلودي كانت على علم بالأمر أيضًا.’

بدأ أَهفين يدرك أخيرًا مصدر الرابط الخفي بين الاثنين، لكنه لم يفهم لِمَ يشعر بالضيق في صدره حيال ذلك.

“من الآن فصاعدًا، علينا أن نكشف حقيقتهم للعالم.”

فقد أُطفئت النار المستعجلة المتمثلة في مساعدة السحرة على الهرب، وباتت المرحلة القادمة هي الأهم. 

بدأ أَهفين يناقش مع الفرسان ما يجب فعله تاليًا، و من أين ينبغي أن يبدأوا لتصحيح خطايا المعبد.

ولم تمضِ فترةٌ طويلة على بدء الاجتماع حتى ظهر شخصٌ عند بوابة القصر يطلب مقابلته.

“لقد عدتَ إذاً.”

كان روهان. بدا و كأنه كان يعلم أن أَهفين سيعود إلى هنا.

“أليس من واجبكَ أن تبقى بجانب الدوق؟”

“الدوق تنازل عن لقبه، فأصبحت حرًّا تمامًا، مثلكم.”

وأشار إلى فرسان الهيكل وهو يتابع كلامه،

“ما الذي تنوي فعله بعد ذلك؟”

“سأتوجه إلى الدير، وهناك سأبدأ بكشف حقيقة المعبد للعامة.”

“الحقيقة، ها؟”

تمتم روهان باستغراب، ثم غيّر الموضوع.

“لا تغادر العاصمة في الوقت الراهن.”

“إن كنت قلقًا بشأن ملاحقة السحرة، فالدوق أنهى الأمر بالفعل.”

لكن روهان قاده خارج الأسوار وأشار إلى الأفق حيث كان حاجزٌ سحري يلمع بخفوت كخطٍ فضي بعيد، ثم قال أمراً صادماً،

“لقد اكتشفنا أن حاجز العاصمة بدأ يتصدّع. وقد قال صاحب السمو أن قوة فرسان الهيكل ستكون ضرورية قريبًا.”

فهزّ أَهفين رأسه غير مصدق.

“لقد أنقذنا السحرة، فلا ينبغي أن تظهر أي شقوق.”

ففي التوقّع القديم ورد أن تصدّع الحاجز يبدأ بموت السحرة. صحيحٌ أن بعضهم فقد حياته أثناء الهروب، لكن من نجا كان أكثر عددًا.

توجهت عينا روهان إلى أَهفين بنظرة يملؤها الاستفهام.

“أتقصد أن للسحرة علاقةٌ بتصدّع الحاجز؟”

“نعم، هذا صحيح.”

قطّب أَهفين حاجبيه، فجهل روهان بالأمر يعني أن دِيونيس هو الآخر لا يعلم توقّع السحرة.

ومع ذلك كشف عن هويته وساعدهم؟ 

قبل أن يغوص في أفكاره أكثر، انطلق صوت روهان من جديد.

“لقد تفقدت الوضع على طول الحاجز، وتبيّن أن حاجز العاصمة متضررٌ أكثر من سائر المناطق.”

ارتجف عمود ظهر أَهفين قشعريرةً مع سماع التقرير المتتابع. 

كان الوضع أخطر مما ظنّ. عندها فقط أدرك السبب الحقيقي الذي جعل دِيونيس يعيده إلى هنا.

‘يبدو أنه أعادني لأحمي العاصمة.’

أومأ روهان برأسه موافقًا كما لو كان يؤكد صواب استنتاجه.

“من الآن فصاعدًا، سيتبع فرسان الدوق أوامركَ يا سيد أَهفين.”

هل كان إنقاذ السحرة غير كافٍ لمنع التصدّع؟ 

ارتسم ظلّ قلقٍ عابر على وجه أَهفين وهو يرفع بصره إلى الحاجز المتلألئ.

***

حين وصل رايون إلى القصر الإمبراطوري، لم يتمكن لوهلةٍ من استيعاب ما يجري. 

الحاجز، التمرّد، وأسئلة رجال المعبد التي كانت تنهال عليه من كل صوب، وكل تلك الفوضى كانت تنبع من سببٌ واحد — غياب الإمبراطور عن الوعي.

“أتقولون أن جلالته ما زال فاقداً للوعي؟”

“نعم، والمعبد يرفض تقديم العلاج له.”

“أهذا كلامٌ يُصدّق!”

ارتفع صوت رايون غير مصدّق، فارتجف كتفا مساعده.

“لقد التمسنا منهم أن يحضروا إلى هنا بأنفسهم.”

يا للسخرية المتزايدة. لكن ترك الأمور هكذا حتى يموت الإمبراطور لم يكن خيارًا ممكنًا.

لقد بدأ البعض فعلًا يشكّ برايون بسبب تخلي الدوق عن لقبه.

‘لماذا ينهار في هذا الوقت بالذات!’

كان ينبغي أن يموت فقط بعد أن تُحلّ كل الأمور. فلو مات الإمبراطور الآن، فلن يتمكن رايون من وراثة العرش بشكلٍ شرعي.

وربما لا يوجد ما هو أسوأ من أن تقترب من العرش ثم تُنتزع منه أمام رغماً عنكَ.

وإن كُشف في هذا التوقيت ما يعنيه حقًا أن يكون المرء ساحرًا، فستؤول الخلافة حتمًا إلى دِيونيس.

“تباً.”

بعثر رايون شعره بعصبية، ثم اتجه فورًا نحو المعبد الأعلى. فقد كان عليه أن يُفيق الإمبراطور بأي ثمن.

بينما كان الكهنة مجتمعين في قاعة المعبد يرددون التعاويذ بلا انقطاع. و أشعتهم تتوهّج، ومع ذلك كان بعضهم يسقط من الإرهاق دون أن يتوقف الباقون عن الترديد.

لقد زار هذا المعبد مرارًا، لكنه لم يشعر من قبل بهذا البرد الغريب الذي يسري في أجوائه. 

فمسح ذراعيه المرتجفتين، وقد غمره شعورٌ غريب بالرهبة.

“سمو الأمير.”

ما إن دخل قاعة المعبد حتى انحنى له كبير الكهنة، بينديكت، بتحيةٍ رسمية، غير أن عينيه كانتا تشعّان بعداءٍ خافت.

“كيف تجرؤون على عدم إرسال كاهن لعلاج جلالته! أتدرون أن ما تفعلونه خيانةً صريحة؟”

قالها رايون ذلك بنبرةٍ قاسية، لكن بينديكت خفّض رأسه قليلًا وأجاب ببرودٍ ثابت،

“نحن نخدم المعبد، لا الإمبراطورية.”

“ماذا قلت؟”

“تفضل من هنا، يا سموك. القدّيس بانتظارك.”

_______________________

يجحد ويناديهسمرع ضحكتت اول مره اشجع بينديكت تكفى ارضخ رايون 

الفصل مافيه المهم الي يضحك اهفين انلعب عليه هههع

Dana