“عندما يُحتضن النور بداخله، لا يهم شكله الخارجي. إنه الجسد المقدس الذي ستحلّ فيه القداسة.”
تلألأت عينا القديس ببريقٍ من الحماس وهو ينظر إليه.
“أحمقٌ مجنون.”
تمتم رايون بذلك بغير قصد، فابتسم القديس بهدوء.
“آه، هل قلتُ ذلك بصوت عالٍ؟”
“من الطبيعي ألا يفهم من لم يُختَر من قِبل المعبد.”
نظر رايون إليه بنظرة اشمئزاز، نافذ الصبر من ذلك الإيمان المشوب بالهوس. و لم يستطع تخيل أن القداسة قد ترغب يومًا في التجسّد في جسدٍ بشع كهذا.
“ولا أرغب أن أفهم أصلًا.”
لم يرد القديس، بل بدأ ينقش حروفًا غامضة على حجر الحاجز. و بعد فترة قصيرة، دوى صدى خطوات في الممر، ثم ظهر كبير الكهنة يدخل المكان.
“القديس أنقذنا، يا سموك.”
نظر إليه رايون بدهشة وسأله،
“هل رأيت ذلك الشيء أيضًا؟ الوعاء الذي يزعم أنه يحتوي القداسة؟”
صمت كبير الكهنة للحظة، ثم رفع رأسه، وعيناه تلمعان بنفس الترقب الذي كان في عيني القديس.
فرفع رايون يده إلى جبينه متنهّدًا. هل حقًا عليه أن يتحالف مع أمثال هؤلاء كي يحافظ على عرشه؟
تزعزعت قناعته. لم يكن ملمًّا بالتاريخ كثيرًا، لكنه كان يعلم جيدًا أن الممالك التي قامت على جنون الدين انهارت أسرع من قلاع الرمل أمام المد.
“ربما كان التحالف مع السحرة الهاربين أهون من مصافحة هؤلاء المجانين.”
تمتم بذلك بصوتٍ خافت.
ثم خرج من الغرفة برفقة كبير الكهنة، ولم يلبث أن ظهر أمامهما فرسان الهيكل المقدس يركضون نحوهما، و دروعهم البيضاء مغطاةٌ ببقع الغبار وآثار المعركة.
“سموك، نرفع لكم التحية.”
قال القائد أهفين ذلك وهو ينحني أمامه.
“هل رأيتَ ذلك أنت أيضًا؟”
“نعم، جميعنا رأينا اللوحة الجدارية قبل مجيئنا. هل رآها سموك كذلك؟”
“اللوحة الجدارية؟ عن ماذا تتحدث؟”
“!”
ارتسمت الصدمة على وجه كبير الكهنة، فتراجع خطوة. و لاحظ رايون ذلك، فأطلق ضحكةً قصيرة وسحب يده عبر شعره بعصبية.
“يبدو أنكم تخفون المزيد من الأسرار…..كم أن هذا مثيرٌ للاشمئزاز.”
عندها، خطا أهفين خطوةً للأمام، ونظر مباشرةً إلى كبير الكهنة.
“جئتُ لأطلب الحقيقة من قداستك.”
فاشتد وجه كبير الكهنة، ووقف في مواجهة القائد، بينما رايون يراقبهما مكتوف الذراعين.
كان واضحًا أنه على وشك سماع شيءٍ بالغ الخطورة.
***
بعد أن اجتاحت الآلام أجساد من يحملون القوة المقدسة، لم يعرف أهفين متى سقط أرضًا.
كان الألم المفاجئ، الذي اجتاحه ككارثة طبيعية، يسحقه بلا رحمة، دون أن يمنحه لحظةً واحدة للمقاومة.
جسده المدرب لم يسعفه، ورأسه كاد ينشطر نصفين، والنيران كانت تمزق عظامه من الداخل. حتى التنفس صار عذابًا.
“توقف….أرجوك.…”
“أنقذوني….أرجوكم..…”
ترددت صرخات الألم من كل جانب، بينما حاول هو جاهدًا أن ينهض، دون جدوى.
كان عليه أن يذهب إلى ميلودي. ذلك التفكير وحده بقي عالقًا في ذهنه المتداعي.
وفي غمرة وعيه المتلاشي، لمح من خلال بصره المشوش ظلًّا صغيرًا يقترب منه. كانت هيئةً ضئيلة، لا يتعدى طولها خصره.
جلس القادم أمامه، وحدّق في عينيه مباشرة.
“يا للعجب، هل جنّ العالم بأسره؟ أم أنني أنا من فقد عقله؟ الكهنة يتألمون…..رغم أنهم ليسوا سحرة.”
عرف أهفين الطفل في الحال. كان هو الساحر الصغير الذي أسره ذات يوم — طفلٌ في التاسعة من عمره.
“إنه مؤلم، أليس كذلك؟ يؤلم حقًا. أنا أيضًا لم أستطع تحمل ذلك في البداية. لكن إذا جلست ساكنًا، يخف الألم قليلًا….بعد يومين تقريبًا….لا، ربما أسبوع…..أو ثلاثة….لا أذكر. لكن في النهاية..…”
حاول الطفل أن يبتسم، إلا أن ابتسامته خرجت مشوهة، كمن نسي كيف يبتسم، فتقلصت شفتاه بطريقةٍ غريبة جعلت وجهه يبدو عبثيًا مؤلمًا.
“المعاناة لا تنتهي أبدًا، هل تعلم؟ الألم لا يصبح مألوفًا، مهما طال. كنتُ سأبقى أتألم حتى موتي.”
قال ذلك، ثم مد يده ووضعها على جبين أهفين.
لم يستطع أهفين أن يشعر إن كانت يده باردة أم دافئة. لكنه ظل ينظر إلى الطفل وهو يتمتم بكلمات مبهمة…..ثم غاب عن الوعي.
ورأى حلمًا. مخبزٌ مشتعل. و وسط النيران، كان يبحث بيأسٍ عن شقيقته.
لكن في ذلك الحلم، ظهر شخصٌ لم يره من قبل — يدٌ كبيرة امتدت نحوه، حملته بين ذراعيها، وأخرجته من بين اللهيب.
كانت ذراعا ذلك الرجل مليئتين بندوب الحروق…..تمامًا مثل ذراعيه هو.
رأى أَهفين الصغير الرجلَ الذي أنزله في المستشفى. و كان ذلك الرجل هو الساحر الذي أضرم النار في المخبز.
“آسف….آسف….آسف..…”
ظلّ صوته عالقًا في أذنيه.
أهذا حلم؟ أم ذكرى؟ أم الحقيقة التي ظللتُ أتهرب منها حتى النهاية؟
وحين فتح عينيه من جديد، كان أَهفين ممددًا في العشب خارج الحاجز.
لم يكن هناك أي أثرٍ للطفل. كأنه لم يكن موجودًا أصلًا. هل زحف بنفسه حتى وصل إلى هنا؟ أم أن أحدًا ما حمله ووضعه؟ حتى ذلك لم يعد يذكره.
نهض بصعوبة، ومن مكانه كان يرى المعبد الكبير أسفل التل.
تأرجح في خطواته وهو يسير نحوه. و كان ما يزال داخل الحاجز ألمٌ رهيب يعصف بالمكان. فعض على شفتيه وبدأ يجرّ الفرسان المقدّسين واحدًا تلو الآخر إلى الخارج.
واصل عمله بلا توقف، إلى أن أدرك فجأة أن الألم اختفى تمامًا. ففتح الفرسان أعينهم واحدًا بعد آخر.
“سيدي القائد، هل أنتَ بخير؟”
“آه…..لا زالت عظامي تؤلمني. ما الذي حدث بحق؟”
“حقًا…..لم أعش يومًا أفظع من ذلك، ولا أريد أن أعيشه مجددًا أبدًا.”
عند كلماتهم، عادت إلى ذهنه صورة الطفل الساحر.
ذاك الألم الذي عاناه الطفل…..والحقيقة أنه هو من جعله يتألم هكذا. فتمزّق صدره ندمًا.
لقد كان يظن أن ما فعله عدلٌ مقدّس، لكنه لم يكن سوى عنفٍ وحشي مغطّى بثوب الإيمان.
وبعد الإدراك، تدفّق الذنب في قلبه كالسيل. و انهمرت دموعه وخرّ على ركبتيه.
طوال حياته كان يؤمن أنه يُنقذ أولئك السحرة الذين يستحقون الموت، برحمة. لكن أي حياةٍ تلك التي تُعاش تحت عذابٍ كهذا؟ هل يمكن أن تُسمّى حياة؟
“اتبعوني جميعًا…..أريد أن أريكم شيئًا.”
قاد الفرسان معه إلى الجدارية، وما إن رأوها حتى خيّم الذهول على وجوههم. ثم روى لهم ما عرفه عن السحرة.
“لا أستطيع تصديق ذلك…..المعبد لا يمكن أن يكذب!”
“إذاً كنا حتى الآن نُقحم أبرياء في عذابٍ لا يُحتمل؟”
منهم من أنكر، ومنهم من آمن وتألم.
“لم نكن نعرف الحقيقة، لكن هذا لا يجعلنا أبرياء. ومن هذه اللحظة، سأُصلح ما اقترفناه من خطأ.”
فرفع ديرين يده عندها.
“هل…..يا تُرى، الكاهن الأكبر يعلم بأمر هذه الجدارية أيضًا؟”
كان قد أُقيم له تتويجٌ حديثًا فحسب، فارتسم على وجه أَهفين تساؤلٌ مماثل لما في قلوبهم.
***
كان بيندكت واقفًا أمام تمثال المعبد، ومعه ولي العهد.
“جئت أسأل قداستك عن الحقيقة.”
قال أهفين ذلك بصوتٍ حازم.
“رأيت الجدارية المرسومة في المعبد، ما حقيقتها؟”
“إنها تُصور فرسان النور الأوائل الذين تلقّوا قوى القداسة وهم يقاتلون الوحوش.”
“لا، أعني النصف الآخر منها.”
“ليست سوى لوحةٍ قديمة لا معنى لها.”
“يبدو أن قداستك على علم بمحتوى الجدارية المخفية إذاً.”
“!”
تصلّبت ملامح بيندكت، فتابع أَهفين كلامه.
“لقد رأيت نفس اللوحة تمامًا في كتاب توقّعات ميرنا.”
أخرج النسخة التي كانت معه وأراها له، فصمت بيندكت لحظة ثم ابتسم ابتسامةً مصطنعة،
“كتاب توقّعات ميرنا؟ إنه مجرد هراء مليء بقصص عشقٍ تافهة.”
“لم يكن كذلك. فحين فتحته طفلتها، كُتبت فيه قصةٌ مختلفة تمامًا.”
_____________________
يعني معليس اهفين مازعلني وش الندم طاه الفجأه ادري ماكان بيده شي بس حتى البزران؟
واضح الي طلعه برا الحاجز ميلودي 😂
المهم وللمره المليون وين ديونيس 😭
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 122"