***
هرب ديونيس إلى الحديقة ليتجنب أصوات الكهنة التي لا تنتهي.
و في الخارج كان الهدوء يخيّم كأنه كذبة.
“يبدو أن الدوق أيضًا يجد صعوبةً في احتمال هذه الطقوس المملة.”
أحد النبلاء في منتصف العمر، الذي كان قد خرج من القاعة مثله، بادر بالكلام. و ديونيس اكتفى بإيماءة رأسه كجواب، ثم واصل سيره. و خلفه لحقه روهان بخفة.
“هل جسدكَ بخير يا سيدي؟”
قال ذلك بقلق وهو يمد زجاجة مسكّن. لكن ديونيس أبعد يده بصرامة.
“أنا بخير تمامًا.”
روهان، وهو يراقب وجهه الشاحب، سأله بدهشة،
“لا تقل إن الأداة السحرية قد اكتملت.”
“يبدو كذلك.”
أضاء وجه روهان فرحًا، لكن ملامح ديونيس ظلت جادة.
“قبل ذلك، هل عرفت شيئًا عن القديس؟”
“الأمر هو…..أن الكهنة في المعبد يخفونه بإحكام شديد، سيأخذ الأمر بعض الوقت.”
وبينما كان ديونيس غارقٌ في التفكير، تابع روهان،
“لا أشعر أن الأمر طبيعيٌ هذه المرة. مزعجٌ أن شخصًا يحمل قوةً مقدسة قد قتل إنسانًا.”
فهو أيضًا، حين استمع إلى الصوت المسجّل في الأداة، شعر برفضٍ داخلي. ربما بسبب أنها قوةٌ مقدسة.
وصلا إلى طرف الحديقة عندما اخترق الصمت صراخ امرأة.
“ابتعد! لا تقترب! لا تقترب مني!”
فالتفت روهان نحو مصدر الصوت،
“إنه من جهة المصحّة.”
حين وصلوا، وجدوا عند طرف الحديقة امرأةً بملابس المرضى ساقطةً على الأرض.
“ليهلين! نحن نحاول مساعدتكِ فقط!”
“كاذبون!”
ظهرت قدماها الجريحتان وثيابها الملطخة بالتراب. و في الجهة المقابلة كان يقف كاهنان يحملان زجاجة دواء بتردد وارتباك.
وكانت ليهلين تلوّح بغصنٍ وهي تحدق فيهم بعينين متحفزتين.
“هل تظنون أني سأثق بكم؟ قلت ابتعدوا عني!”
“ما الأمر؟”
و حين رأت ديونيس، اتسعت عيناها.
“أرجوكَ، أرجوكَ ساعدني….”
وسرعان ما انسابت دموعٌ على وجنتيها الشاحبتين.
“نشرف برؤيتكَ يا دوق. كنا نحاول إعطاءها الدواء لكنها فجأة هربت. لا داعي للقلق.”
لكن ليهلين هزّت رأسها بشدة.
“لا! إنهم يريدون قتلي.”
خرج صوتها الضعيف من بين شفتيها الجافتين.
“ذلك الماء المقدس…..حاولوا إجباري على شربه.”
“لقد قلنا لكِ مرارًا أنه علاج.”
وبينما تبادل الكهنة نظراتٍ حائرة، اقترب ديونيس منها ببطء.
“انهضي.”
ارتجفت عيناها وهي تنظر إلى اليد الممدودة، لكنها أمسكت بها ونهضت مترنحة. عندها قطّب ديونيس حاجبيه، والتفت إلى الكهنة بصوتٍ حاد،
“هل هناك سبب لتجبروا أحدًا على ما يرفضه؟”
“لكنها كانت تتعرض لنوبات، فأردنا علاجها.….”
“هل يمكنني فحص الدواء؟”
“بالطبع.”
ناولوه الزجاجة، فرفعها نحو ضوء الشمس. و لم ير أي حبيباتٍ زرقاء فيها.
“مع ذلك، لا أريده. أرجوكَ، دعني أغادر من هنا.”
تمسكت ليهلين بثيابه بتوسل. فنظر إليها ديونيس بتأمل، ثم التفت إلى الكهنة،
“ستُؤخذ هذه الفتاة إلى قصر الدوق.”
“لكنها ما زالت مريضةً ولم تشفَ بعد.”
“لا أظن أن علاجها ممكنٌ هنا.”
“ولكن…..”
“إن كنتم تريدون حقًا شفاؤها، فلا سبب للرفض.”
“……..”
تدخل روهان ليفض النزاع،
“سنطلب رسميًا من المعبد السماح لليهلين بزيارة قصر الدوق.”
لم يجد الكهنة ما يعارضون به، فاكتفوا بالانسحاب بوجوهٍ متحرجة.
“سنساعدكِ على العلاج في القصر.”
“شـ…..شكرًا جزيلاً.”
قالت ليهلين ذلك وهي تنحني وتمسح دموعها.
“في الحقيقة السيدة ميلودي كانت قلقةً على الآنسة ليهلين، لذا كان من حسن الحظ أن التقينا هكذا.”
فابتسمت شفتا ديونيس ابتسامةً باهتة وهو يصغي إلى همهمة روهان.
“صحيح.”
ثم أخرج روهان منديله وقدمه لليهلين.
“سأذهب الآن لمقابلة الكهنة. أليس هناك ما تودين أن أحضره لكِ؟”
“لا…..لا يوجد.”
رمق ديونيس ثوبها الطبي المهلهل بنظرة متفحصة.
“ألستِ بحاجة إلى حذاء؟ سيكون من الأفضل أيضًا أن ترتدي معطفًا.”
و عندما أدركت أن عينيه سقطتا على قدميها، حركت أصابعها بتوتر واحمر وجهها.
“آه…..الحذاء فقط، أرجوكَ.”
“سأحضره لكِ حالًا.”
وما إن غاب روهان عن الأنظار حتى شدّت قبضتها أكثر على طرف ثوبها. و كان وجهها الشاحب يفضح ارتباكها بجلاء.
عندها أدار ديونيس نظره نحو مقعد خشبي في طرف الحديقة.
“اجلسي وانتظري. سيستغرق الأمر بعض الوقت.”
وبينما كانت ليهلين تنفض شيئًا من التراب العالق بثوبها، ترددت قليلًا قبل أن تنطق بخفوت.
“لم أتوقع أن تأخذني معكَ.”
“لم أكن أتوقع أنا أيضًا. لكن ثمة من سيسعد برؤيتكِ.”
“أنا…..سيسعد برؤيتي؟”
“أجل. فلا تقلقي. بعد أن يُستكمل علاجكِ سأرسلكِ إلى أي مكانٍ ترغبين به.”
فارتسمت على ملامح ليهلين مسحة حزن.
“…وإن لم يكن لي مكانٌ أريد الذهاب إليه؟”
“إذًا يمكنكِ الذهاب إلى أي مكان.”
اتسعت عيناها بدهشة كمن سمع قولًا لم يخطر بباله من قبل.
و كانت تسرق النظرات نحوه بين الحين والآخر، أما هو فقد ظل محدقًا في المعبد وقد غمره شرودٌ عميق.
***
“إنها زهرةٌ ريفنه. تخفف من آلام الأعصاب.”
قالت ميلودي ذلك وهي تجوب الدفيئة خلف قصر الدوق وتقطف زهرةً كبيرة بحجم قبضة اليد. و كان لونها كالعنبر، لكنها تفوح برائحةٍ كريهة.
فكرت أنه ما دام عليها أن تقدم الزهور كهدية، فالأجدر أن تختار ما له نفع، لذا أخذت تتأمل بستان الأعشاب الطبية.
و بينما كانت تتمعن في الزهرة، توقفت آنا التي كانت ترش الماء برذاذ صغير، ومسحت قطرات الماء عن كُمها.
“آه، رائحتها مقززةٌ حقًا. ليست جميلةً حتى، فكيف خطر ببال أحدهم أن يأكلها؟”
ترددت ميلودي قليلًا. فحتى وإن كانت هدية، ألن يكون من الغريب أن تحمل رائحةً كريهة؟
عندها أشارت إلى زهرةٍ أخرى بجانبها.
“وهذه؟ زهرة ساشا. إنها مفيدةٌ للمعدة.”
“السيدة ميلودي تعرف الكثير عن علم الأعشاب أيضًا. لكن أخبريني، لأي غرض تجمعين كل هذا؟”
سألت آنا وهي تتأمل الباقة التي ملأت يدي ميلودي، و لم تكن إلا أزهارًا خشنة وقبيحة المظهر، غير أن ملامح ميلودي وهي تحدق بها كانت في منتهى الجدية.
“أحاول اختيار أفضل الأعشاب. وزهرة الساشا لذيذةٌ نوعًا ما، و يمكن طبخها في حساء.”
“حتى لو كان طعمها لذيذًا فهي في النهاية عشبة. ثم إن زهرة الساشا إذا غُليت يشتد عطرها، فيطغى على كل شيء.”
“ولهذا السبب هي مفيدة. تجعل اللحم ذا الرائحة الكريهة صالحًا للأكل، وحتى الخبز اليابس الذي لا طعم له يصير معطرًا.”
أمالت آنا رأسها بأسى وهي تنظر إليها، ثم ناولتها قطعة بسكويت مغلفة دسّتها في جيبها.
“بسكويت؟ لماذا؟”
“لتأكلي أكثر. سأجلب لكٍ شيئًا ألذ.”
لم تفهم ميلودي قصدها، لكنها هزت رأسها موافقة لمجرد أن الطعام سيكون لذيذًا.
وما لبثتا أن واصلتا التجوال في حديقة الأعشاب حتى لمحَتا الخدم يتحركون في عجلة.
ففتحت ميلودي مظلتها وتوجهت إلى المدخل. وكانن هناك عربةٌ قد دخلت البوابة لتوها.
هل هو ديونيس؟
توتر جسدها فجأة وتيبست أطرافها. فأخفت باقة الزهور خلف ظهرها وأخذت تنتظر أن يُفتح باب العربة.
“آه…..؟”
لكن من ترجل منها كان شخصًا غير متوقع.
“السيد أهفين؟”
“سيدك ميلودي.”
رفع أهفين غطاء رأسه محييًا إياها.
و عندما نظرت جيدًا رأت أن شعار العربة يختلف، لقد كانت عربةً مستأجرة.
“عذرًا لم أستطع مراسلتكِ، فقد كان عليّ أن آتي فورًا لأمرٍ هام.”
بدا كفأرٍ مبتل وقد انهمرت عليه الأمطار قبل ركوبه العربة. قطرات الماء تتساقط من شعره الذهبي.
“لقد ابتللتَ تمامًا. ستُصاب بالبرد، تفضل بالدخول.”
وما إن خلع رداءه حتى اتجهت عيناه إلى باقة الأعشاب التي تحملها ميلودي.
“هل أنتِ مريضة؟”
سأل بقلق، فهزت رأسها نافية.
“لا، هذا فقط.….”
كان عليها أن تقدم الزهور مع اعترافها، لكنها لم تعرف أي زهرةٍ تختار، فانتهى بها الأمر إلى قطفها كلها.
غير أنها لا تستطيع البوح بهذا.
“أردت استخدامها في الحساء.”
“أتُطعمكِ أسرة الدوق مثل هذه الأشياء؟!”
قالها أهفين ذلك بدهشة.
“لا، هم يعدّون الطعام جيدًا…”
“وماذا تفعل أنتَ إذًا هنا؟”
كادت ميلودي أن تفسر، لكن صوتًا مألوفًا قاطعها. فرفعت رأسها لترى ديونيس ينزل من العربة خلف أهفين، وإلى جواره وقفت امرأةٌ بشعر أسود حالك منسدل.
كانت ليهلين.
“…..ليهلين؟”
_______________________
يوم جت بتعترف جت ليهيلين🥰 تكفين لا اعترفي كملي وكأن ماصار شي تكفييييييين
وأهفين كل تبن مب وقتك
المهم ميلودي تضحك مب جايبه ورد طبيعي لا لازم ورد مفيد😭
Dana
التعليقات