مدّت ميلودي يدها من النافذة المفتوحة، فتساقطت قطرات المطر على راحتها.
“يا له من جوٍ جميل.”
رمشت آنا، التي كانت تنفض الغبار، ثم التفتت نحو الخارج.
“لكنها تمطر بغزارة.”
“أنا أحب الأيام الممطرة.”
فأمالت آنا رأسها بدهشة.
“لكن ألم تقولي المرة الماضية أنك لا تحبين المطر لأنه يغيّر من استجابة نواة السحر؟”
“أنا اليوم لا أعمل على أدواتٍ سحرية.”
قالت ميلودي ذلك وهي تحدّق في الخارج، ثم التقطت قطعة بسكويت. و ما إن قضمتها حتى انتشر الطعم الحلو في فمها مع صوت قرمشة.
“لكن الأمر غريب، لا أدوات ولا كتب. و لم تفتحي حتى كتابًا واحدًا اليوم. لماذا هذا الاسترخاء المفاجئ؟”
ارتسمت ابتسامةٌ متكلفة على وجه ميلودي وهي تبتلع البسكويت.
اليوم، لم تستطع أن تركز في أي شيء، فكل شيءٍ بدا عائمًا.
“كنت أفكر أن العالم حقًا جميل.”
“مع هذا الجو الكئيب؟ ماذا ترين بالضبط؟”
سألت آنا باندهاش.
“صحيحٌ أنه غائمٌ قليلًا.”
“قليلًا؟ بالكاد نرى الحديقة. آه، هنا، هناك قشةٌ عالقة.”
استدارت ميلودي، فرأت في يد آنا عود قش صغير.
“…..كيف وصل هذا إلى هنا؟”
لكنها كانت تعرف السبب. فمررت أصابعها في شعرها محاولةً إخفاء الأمر، فيما حدقت آنا فيها بنظرات مشككة.
“وهنا أيضًا. هل سقطتِ في الإسطبل أو ما شابه؟”
“لا…..”
تجنبت ميلودي نظراتها وهي تزيل بقايا القش. وسرعان ما تجمّعت على الطاولة كومةٌ صغيرة.
“تبدين مثل تلك الكونتيسة، أليس كذلك؟ التي انكشف أمر خيانتها لزوجها بسبب عود قش.”
“صحيح، كان الأمر كذلك.”
أخذت ميلودي تهز شعرها بإحراج، بينما أضافت آنا بنبرة متذمرة قليلًا،
“لكن أليس هذا مزعجًا؟ أن يقترب شخصان من بعضهما جسديًا من دون أي كلمةٍ عن مشاعرهما.”
و كأن قلبها هبط فجأة. أهذا أمرٌ سيئ؟
لم يكن كذلك…..فقد كان الشعور رائعًا. بل إن ديونيس بدا وكأنه يبادلها الشعور.
“إذاً ما الذي يجب أن يحدث أولًا؟”
“الاعتراف.”
“وكيف يُفعل ذلك؟”
“إما برسالة، أو بزيارةٍ مع زهرة أو خاتم.”
“رسالة….زهرة….وخاتم.…”
دونت ميلودي هذه الكلمات في دفتر صغير متظاهرةً باللامبالاة. ثم ظلت تحدق طويلًا في تلك الكتابات حتى بعد خروج آنا.
“إذاً، الاعتراف أولًا.”
***
عندما دقّت الأجراس معلنةً بدء حفل التتويج، أوقد الكهنة المشاعل من كل جانب.
ثم دخل بينديكت، الذي سيصبح الكاهن الأكبر الجديد، مرتديًا ثيابًا بيضاء مطرزة، متوجهًا نحو وسط المعبد. وخلفه عشرات الكهنة يحملون المصابيح.
“لقد نجونا من أن تُعلّق جثة الكاهن الأكبر على الأسوار.”
“مقابل انحنائه للإمبراطور. لقد صار المعبد أضحوكة.”
أدار الكهنة الشيوخ أعينهم وهم يرون رايون يصعد نحو المعبد، متذمرين من خرق العادات. إذ لم يحدث قط أن شارك ولي العهد في طقوس المعبد.
“أكان لا بد من هذا؟ لم نعد ندري لمن هو حفل التنصيب هذا أصلًا.”
وبينما كان أهفين يبتعد عن حشد الكهنة بخطواتٍ مسرعة، لمح ديونيس بين النبلاء، يتابع المراسم بوجه باردٍ متضجر.
‘إذاً السيدة ميلودي لم تأتِ.’
ترك أهفين الطقوس خلفه ودخل من باب صغير خلف المنصة. كان مكانًا سريًا لم يكن يُعرف بوجوده.
وما إن أُغلق الباب، انقطعت الضوضاء فجأة.
“منذ متى يوجد مثل هذا المكان؟”
في الليلة السابقة، كان ديرين يتحدث بحماس لا ينقطع عن “القديس”. قال أنه صادفه أثناء مراقبته للكاهن الأكبر، ومن تلك اللحظة صار مريدًا متحمسًا له.
لكن بالنسبة لأهفين، الذي عرف بظروف موت الكاهن الأكبر سيريل، كان الأمر مقلقًا. فالقديس نفسه هو من أدان سيريل، لكن ما فعله لم يكن عقوبة، بل مذبحة.
فقد عُثر على جثته مخنوقة، خاليةً من أدنى قطرة ماء، موضوعةً أمام تمثال اامعبد.
وظلت الأسئلة عالقةً في ذهن أهفين: لماذا لم يظهر كائن مقدس مثله إلا الآن، ولماذا بهذا العنف المروّع؟
وفوق ذلك…..
‘من هو طفل القدّيس بحق؟’
فقد ظلّ الصوت الأخير المسجّل في الأداة السحرية داخل جثمان الكاهن الأكبر يرنّ في ذاكرته.
في الواقع لم يكن هناك الكثيرون الذين اطلعوا على ذلك التوقع، فانتشرت حولها مجرد شائعات.
قيل أن كاهنة التعويذة فقدت قدرتها واختفت بعد ذلك. لكن من خلال التسجيل يمكن الاستنتاج أن الأمر كان من فعل ذات الكاهن الأكبر أيضًا.
لقد اعتقد أن ابن الكاهنة لن تقدر على إيذائه لأنه تأكد من أنها لم تعد موجودةً في هذا العالم.
لكن يبدو أنه قد فشل.
فمن بالضبط قال القديس أنّه “طفل القدّيس”؟ فالشخص الوحيد الحاضر آنذاك في ذلك المكان كان القديس نفسه.
عند عبور الممر الطويل، ظهر أمامهم فضاءٌ أبيض كأنما يطغى عليه الضوء حتى يعمي. توهّجت الأضواء التي تملأ السقف والجدران كلها في تزامن. و لم يكن ثمة أثرٌ للظلام.
“أيها الفارس، أهلاً بكَ.”
ظهر رجلٌ فجأة أمامهم بلا أي إنذار، وكان وجهه من الصعب تقدير عمره. بدا عليه كأن الزمان لم يطل مع وجوده.
و تحت خصلات شعره البنفسجية الطويلة، حدقت عينان ذهبية في أهفين بثبات. و في تلك اللحظة، صار بإمكانه أن يفهم كلام ديرين.
“أتشرف بلقائكَ، أيها القديس.”
كان فيه ما يفوق قدرة المرء على مجرد الاقتراب — شيءٌ ساحق لا تُقدر له الجرأة.
“يبدو أن في وجهكَ الكثير من الأسئلة. تتسائل لماذا دعوتكَ إلى هنا، أليس كذلك؟”
“..…نعم.”
نظر إليه أهفين بوجه مفعم بالاستغراب؛ فقد كانت دعوةً مفاجئة من كائن طالما تحاشى الظهور.
“لقد عشت طويلًا لأستعيد القداسة. أطول مما تظن.”
“هل تعني أن القداسة سُلبت من شخص ما؟”
“إنها تختفي من هذه الأرض رويدًا رويدًا.”
كان هذا القول من كلمات الكاهن الأكبر صحيحًا على الأقل.
ثم أضاف القديس ذلك كأنما يواسِيه.
“لكن لا تقلق. سأستعيدها حتمًا. لقد قارَب الأمر على الاكتمال.”
ابتسم القديس ابتسامةً باهتة وأخرج شيئًا.
“كان من الصعب إكمالها. لكنني وجدت هذا بالصدفة. هل تود أن تعرف ما هو؟”
ما عرضه كان قلبًا سحريًا ذابًا. وهناك نقشٌ سحري طفيفٌ لا يزال مرسومًا عليه.
“يبدو أنه قطعةٌ من أداةٍ سحرية مكسورة.”
“هو شظيةٌ من الأداة التي سُجل عليها صوت الكاهن الأكبر.”
“!”
كان يقصد جهاز التسجيل الذي أدخلوه في الكاهن الأكبر.
“هل تعلم من قتل الكاهن الأكبر؟”
“…..ألم تُجزِهِ بنفسك، أيها القديس؟”
“لا. رغم أني قبضت على عنقه، إلا أن الذي سلب أنفاسه الأخيرة كان هذا القلب السحري.”
لمع القلب في يد القديس كوميضٍ يخطف الأنفاس. فتوقف أهفين عن التنفس.
“هذا يعني…..”
يعني أن وفاة الكاهن الأكبر كانت بسبب تفاعل تسممي من القلب السحري. وصانعة هذه الأداة كانت ميلودي.
“هذا قدرٌ منسوب. أن تكون صانعة الأداة هي طفل القديس — هذا يعني أن عليها تُتمَّ تلك الأداة التي ستصنع جسد القوة المقدسة بيديها.”
ابتسم القديس ابتسامةً مريبة.
لم تُدرك آذان أهفين مغزى الكلام الغامض، بل بقيتى في ذهنه حقيقةٌ واحدة: أن ميلودي كانت طفلة الكاهنة الراحلة منذ زمن.
“سمعتُ أنكَ تعرف من صنع هذه الأداة.”
“…….”
قضّم أهفين شفتيه اليابستين.
“أحضِر لي هذا الشخص.”
قال القديس ذلك كحكم لا رجعة فيه.
_______________________
ويت ويت ويت طول الوقت القديسة وطفل القديس الي كان يدورونه طلعت ام ميلودي وبنتها؟؟ يعني ام ميلودي كانت كاهنة! طيب ابوها ساحر كيف تزوجوا ذول😭
والزفت ذاه الحين يبي ميلودي 🤨 أهفين ياويلك ان كانك رجال امسك يد ليهيلين وهج معها
المهم احب آنا شكل ميلودي بتعترف اول🤏🏻 هلهاهاهاهااهاهاعاها
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات