حين وضعته في القبو، لم يصل تأثيره إلى الطابق العلوي، لذلك كان لا بدّ من وضعه في منتصف الطابق الثاني.
لكن كبير الخدم انتفض غاضبًا قائلًا أنه لا يمكن وضع شيء بشعٍ كهذا في منتصف الممر.
“المكان ظاهرٌ للعيان فور الصعود من المدخل. لا يمكن أبدًا أن نضع شيئًا كهذا، يسيء إلى شرف عائلة الدوق، في مكان مقدس فيه تمثال المعبد! هذا لطخةٌ على وجه الدوق!”
لكن، يبدو أن وجه الدوق سيظل وسيمًا حتى لو لطّخوه، لكنها لم تستطع قول ذلك في وجه كبير الخدم الجاد.
“و لكن ما الذي تصنعينه بالضبط؟ كنت أظن أن الأدوات السحرية تُستخدم للعربات أو للإنارة فقط.”
سألتها آنا وهي تتفقد المخزن، ولم يكن بوسعها أن تخبرها صراحةً عن فائدة هذا الشيء.
“ينقّي الهواء وينعش الذهن. و يقوّي المناعة، يقلل الالتهابات، ويقلل احتمالية الإصابة بالأمراض، مما يطيل العمر. إنه خلاصة هندسة الأدوات السحرية.”
قالت ذلك بوجه مصطنع الجدية، فصُدمت آنا وأجابت بدهشة.
وفي اليوم التالي، جاءت آنا مبتهجةً لتقول أن بعض الخادمات شُفين فجأة من الزكام. أما ميلودي، فاكتفت بالضحك.
“بالمناسبة، اذهبي إلى الحدادة خلف ساحة التدريب. الحدادون هناك مهرةٌ جدًا. مع أني رسمت لهم شيئًا بسيطًا، صنعوه بهذه الروعة. إن تحسّن شكله، قد يسمح كبير الخدم بوضعه في الطابق الثاني.”
نظرت ميلودي بين الرسم الذي خطّته آنا على الورقة، وصندوق المجوهرات الذي تحمله بيدها. و لم تصدق أن بضع خطوط استطاعت أن تتحوّل إلى هذا الشكل المتقن.
“ألم ترسميه بشكل مبالغ في التبسيط؟”
“هذا أفضل ما عندي.”
“هل هذا…..سحلية؟”
“إنه طائر.”
بعد أن رأت ميلودي كيف أن رسومات آنا تزداد سوءًا كلما حاولت بجد، قررت أن تجرب حظها وتذهب إلى الحدادة.
كان المكان لا يختلف عن ساحة حرب. بصوت الطرق المتواصل لم يتوقف، والنيران التس كانت تتصاعد بلا انقطاع.
الحدادون كانوا يغرقون في العمل والاجهاد وهم يدقون الحديد بلا كلل.
وبينهم، أحدهم رفض طلب ميلودي فور أن سمعه.
“مستحيل.”
قال ذلك بحزم. كان رجلًا ضخمًا، ذو شعر بني داكن ولحية كثيفة، واسمه غرسون.
“إنه شيءٌ يخص الدوق.”
“وهل هناك شيءٌ هنا لا يخص الدوق؟ في وقت الحملة، نحتاج حتى إصبع نملة، لذا تنحي جانبًا من فضلكِ.”
“هذه المطرقة!”
رفعت المطرقة التي جاءت بها فجأة، بينما كانت منزعجةً من أسلوبه وكأنه يطرد الذباب.
“أكثر ما أدهشني منذ قدومي إلى قلعة الدوق، هو هذه المطرقة. وزنها متوازنٌ تمامًا. وانسيابيتها مثالية. لم أرَ شيئًا بهذه الجودة في حياتي.”
“همم…..نعم، لقد صنعتها بعناية.”
بالتأكيد، فقد قالت ذلك بعدما علمت أنه صنع معظم الأدوات المستخدمة في الورشة، وظهرت لمعة فخر على وجه غرسون.
“أحتاج إلى براعة حرفي مثلكَ.”
“ومن لا يحتاج؟ نحن نطرق ليلًا ونهارًا، ومع ذلك لا ننتج سوى حفنة من الأسلحة. لدينا مئات الفرسان، وتعرفين كم من السيوف تتلف في صيد الوحوش؟ لا تزعجيني وابتعدي من فضلكِ.”
“أهذا يعني، إن توفر لكَ وقتٌ لاحقًا، فهل يمكنكَ صنعه؟”
“أتعنين وقت فراغ؟”
زفر غرسون طويلًا، ثم نظر إلى زملائه الذين يعملون بجنون، وتابع كلامه.
“ولا واحدٌ من هؤلاء عاد يومًا إلى بيته في الوقت المحدد. ذاك هناك لم يعلم أن زوجته هربت إلا بعد ثلاثة أيام. وذلك لم يرَ عائلته منذ أن انتقلوا قبل شهرين. أما أنا، فما زلت أشعر بغرابةٍ مع أطفالي كلما رأيتهم. حتى الجار أصبح أكثر ألفةً مني لديهم.”
“ألا يمكنكَ أن تطلبي من الدوق توظيف حدادين إضافيين؟”
“هذا ما نفعله باستمرار. وما الفائدة؟ بمجرد تعيينهم، يفرّون.”
كوانغ، كوانغ-
مع كل ضربة من مطرقة غرسون، كانت القطعة الحمراء من الحديد تفرد تحتها. و وضع المعدن الساخن في الماء البارد وتابع حديثه.
“الفرسان يخاطرون بحياتهم في كل مهمة تطهير. أقلّ ما يمكننا فعله هو إعطاؤهم سلاحًا يتحمّل المعركة. و لولا ذلك، لكنت أنا الآخر قد هربت منذ زمن.”
“ماذا لو كانت هناك طريقةٌ لتقليص الوقت؟”
القرية التي كانت تعيش فيها ميلودي لم يكن فيها حداد، بسبب صعوبة الحصول على الحديد.
لذلك، كان استخدام الأدوات المعدنية لأطول فترة ممكنة أمرًا في غاية الأهمية. وهي الآن تتذكر بعض الأدوات السحرية التي كانت تستخدمها لذلك الغرض.
“أستطيع أن أساعدكَ.”
“هل قلتِ أنكِ صانعة أدوات سحرية؟ لا وقت لدي لأضيعه على أشياء سخيفة. أرواح الناس على المحك، فكيف يمكننا الوثوق بآلات لا حياة فيها؟”
“بالطبع لا يمكنكم ذلك.”
أشارت ميلودي إلى الفرن وسكين الفحم،
“لن أصنع سيوفًا، لكن يمكنني مساعدتكَ في عملية الصقل. الأدوات التي صنعتها سهلة الاستخدام للغاية.”
“هه.”
أطلق الحداد ضحكةً ساخرة، ثم عاد إلى طرق الحديد وكأنه لم يعد يرى أي فائدة من الكلام.
“جرّبها أولًا ثم احكم.”
الإقناع بالكلام لا يعادل الإقناع بالفعل. ومتى ما جرب الإنسان آلةً مفيدة، لا يمكنه العودة إلى ما قبلها.
ميلودي كانت واثقةً من ذلك.
“أنا أصنع أشياء أفضل مما تظن.”
***
“آه….آآآه..…”
الألم أمرٌ لا يعتاد عليه المرء أبدًا.
كان ديونيس يرتجف وهو ينكمش على نفسه. في الزنزانة الضيقة التي بالكاد تتسع لمد ساقيه، لكنه فضل البقاء منكمشًا.
كان شكله في حال يُرثى لها. شعره المبعثر تدلى حتى كاحليه، وجسده النحيل المتيبّس برزت منه العظام.
و وحدهما عيناه الحمراوان كانتا تشعان ببريق وحشي.
“لنبدأ.”
الإمبراطور كان جالسًا في استرخاء على كرسيه الأحمر، يحدّق به.
يوم قدومه كان دومًا يومًا مروّعًا. لأن الألم فيه كان أشد من أي يوم آخر.
ثم ظهرت امرأةٌ ترتدي رداءً أسود قاتمًا، وما إن ظهرت حتى عادت الآلام التي توقفت للحظة، تعود مصحوبةً بالضوء.
كان يعذّب عذاباً يمزّق الجسد كأن كل خلية فيه تتحطم. و حاول جاهداً الإفلات منها، لكن بلا جدوى.
اقترب الإمبراطور خطوةً من خلف القضبان. و عيناه الزرقاوان الشاحبتان كانتا تنظران إليه بثبات، كسماء ملبّدة.
طَنين…..كسر–
وسط وعيه المتعكر، سمع صوت شيء يتحطم.
“هل فشل؟”
“يبدو أن الجسد لم يتحمل القوة.”
“ألا يمكننا انتزاع تلك القوة منه؟”
طاقت كلماتٌ فارغة فوق رأسه كهمسات لا معنى لها. بينما كان ديونيس يلهث، يبتلع أنفاسه كمن يغرق.
و على الأرض، كانت شظايا شفافة مبعثرة في كل الاتجاهات. فمدّ يده، و أمسك بإحدى الشظايا الحادة، وغرسها مباشرة في الحذاء الأبيض الناصع أمامه.
“آآآاااه!”
صرخت المرأة ذات الرداء الأسود وسقطت جانبًا، تتلوّى من الألم. فتوقف العذاب.
ثم حدّق ديونيس بالرجل أمامه. و الإمبراطور نظر إليه من أعلى بعينيه الزرقاوين،
“وحشٌ لا يعرف مقامه.”
“جلالتك، من الخطر الاقتراب.”
“سأروّض هذا الوحش بنفسي.”
***
فتح ديونيس عينيه فوق جثة الوحش.
كان قد حظي بنومٍ نادر، لكن كان هناك شعوراً بالقذارة خيّم عليه. لأنه رأى في حلمه ذكريات الطفولة حين كان في القصر الإمبراطوري.
كييييييك-!
دوّى عواء الوحش في أرجاء الغابة.
في الأرض التي لا تصلها الحواجز المقدسة، ما زالت هناك ثغراتٌ متصلة بالفراغ. ومن تلك الثغرات، كانت تخرج الوحوش.
“ثلاثةٌ منها تقترب من هنا مباشرة!”
صرخ الفارس، فنهض ديونيس واقفًا على الفور.
الوحوش غالبًا ما تكون ضخمة بحجم البيوت، ولها أجسادٌ لزجة كالمستنقعات. أما هذا الوحش، فقد كان يشبه ضفدعًا مشوّهًا.
“استهدفوا الأرجل!”
“إنه قادمٌ من تلك الجهة!!”
انتشر ستة فرسان حول الوحش، يشكلون دائرة هجومية.
ذلك اللسان الهائل للوحش انطلق في كل اتجاه، وفي لحظة، فقد أحد الفرسان توازنه وتمايل جسده بفعل الضربة.
و في لمح البصر، قفز ديونيس أمام الفارس وتصدّى لأنياب الوحش.
____________________
وش ذاه؟ الامبراطور كان يعذب ديونيس عشان ياخذ قوته؟ ولد اختك ياحمار! بعدين ليه؟ مب انكم تكرهون السحر؟
ياعمري وش ذا السوداويه
المهم دونت ووري ميلودي بتعطيك هق
حتى عنها ذي رايحه تزين التابوت لك😔✨
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 11"