***
“لماذا؟ كيف حدث هذا؟ وماذا عن الأداة السحرية؟”
كان خبر وفاة الكاهن الأكبر صادمًا إلى حدّ أطفأ الحمى المتأججة في لحظة. فأمطرت ميلودي أسئلتها على روهان.
“ما زلنا نتحقق من الأمر. فآخر ما سمعته عنه أنه هرب من القصر الإمبراطوري.”
“من قتل الكاهن الأكبر؟”
لم يكن قد أُعلن بعد رسميًا عن علاقة الوباء بحجر الشفق الأزرق. أي أن الوقت لم يكن كافيًا لتسريب الأمر وإثارة الغضب.
“إما أن هناك من أراد طمس القضية بموته، أو أنه قُتل بيد أحد حاملي الضغينة.”
أجاب روهان. وفي كلتا الحالتين لم يكن الخبر مبشّرًا.
“لا داعي للقلق. كان سيموت على أية حال.”
قال ديونيس ذلك ببرود.
“يبدو أن تأثير العلاج لم يكن مجديًا عليه بسبب ما يحمله من قوةٍ مقدسة. وحتى لو لم يكن كذلك، لما عاش طويلًا.”
لقد قتل الكثيرين، ثم عوقب بحكمة، فكان إعدامه مجرد مسألة وقت.
“لكن ألم يُطلق سراحه عمدًا لنحصل على المعلومات؟ إن انكشف هذا، ألن يقع السيد أهفين في ورطة؟”
فارتعش حاجبا ديونيس عند قولها.
“هل أنتِ قلقةٌ عليه؟”
كان إطلاقه في الأساس مجرد فخ، لاستعماله طُعمًا لكشف المتورطين في تفشي الوباء.
وعندما أومأت برأسها، أدار ديونيس وجهه ممتعضًا.
“من ساعده على الهرب لم يكن أهفين، بل السيد ديرين.”
“وهل قد يتعرض السيد ديرين للخطر إذاً؟”
شهقت ميلودي بقلق.
“لو خضع ديرين للاستجواب، فسينكشف أنني من أعطاه الأمر.”
“وهذا يعني أن الجميع قد يصبحون في خطر.”
بدا على وجهه ضيقٌ واضح، لكنه لم يُضف شيئًا آخر، واكتفى بالردّ بلهجة جافة،
“سوف تُنقل الجثة إلى السجن. وسنُسجّل رسميًا أنه مات في محبسه. ولن يقع أحدٌ في مأزق.”
حينها فقط تنفست ميلودي الصعداء.
“لكن بعدها يجب القبض على كل من ساعد الكاهن الأكبر بعد هروبه. والعدد ليس بالقليل.”
“قيل أنه التقى خلال يومين بثمانية عشر شخصًا من كهنة وخدم ونبلاء.”
“ثمانية عشر؟!”
“نعم. وأحدهم سينطق بالحقيقة عاجلًا أم آجلًا. فلا داعي أن تقلقي.”
كان يتحدث وكأن الأمر قد حُسم.
لكن لو كانت وفاة الكاهن مجرد تضحية لإخفاء جرائم المعبد، فهذا لم يكن نهاية، بل بداية.
“مهما جرى في الداخل، فالمعبد هو من سيتولى معالجته. أنتِ ركّزي في شأنكِ فقط.”
قطع ديونيس الطريق أمامها.
وبالفعل، لم يكن هذا من شأنها. فالكشف عن الحقيقة والحكم فيها هو عمل المعبد. لكنها لم تستسغ فكرة تجاهل ما يخص صانعي الأدوات السحرية لمجرد أنهم تورطوا.
“لكنها قضيةٌ عملنا عليها معًا.”
“صحيح، إلى حدود حماية صنّاع الأدوات. أما هذا فمختلف. أترغبين في هدم المعبد؟”
ترددت ميلودي لحظة. هل أنا أريد هدمه؟
كان في قلبها غيظ، نعم. لكن حقدها لم يكن على المعبد كله، بل على الكاهن الأكبر وبعض القلة فقط.
كانوا في الأصل شفاءً للناس. صحيحٌ أن جشعهم جعلهم يطالبون بأثمان باهظة، لكنه لم يكن سببًا لكرههم جميعًا.
ومع ذلك…..
“إن افترضنا مثلًا أن المعبد ارتكب أمورًا عظيمة الفداحة، وأنه حين تُكشف يسقط المعبد كله…..فهل سينال السحرة المعتقلون حريتهم؟”
صمت ديونيس لحظة قبل أن يجيب،
“لا، سينقلون إلى سجون القصر الإمبراطوري. سيتغير المكان فقط، لكنهم سيبقون تحت المراقبة.”
فارتسم الحزن على وجهها، بينما تابع بنبرة أخف،
“لكنهم على الأقل سيتحررون من حاجز المعبد، وهذا ليس بالأمر السيئ.”
فتحدّثت ميلودي على الفور.
“أودّ لو أحقق في الأمر إن أمكن.”
تلاقت نظراتهما.
“قد يكون مجرد خصومةٍ شخصية، لا أكثر.”
“أعلم.”
تنهد ديونيس طويلًا، ثم عاد ينظر إليها.
“إن كان هذا ما تريدينه…..فسأجعل الأمر ممكنًا.”
ثم التفت نحو روهان وأصدر أمره.
“اتصل بالمعبد. سنغادر فورًا.”
“هل يجوز أن نذهب هكذا دون إنذار؟”
سألت ميلودي، فارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ متعجرفة.
“من تظنينني؟”
لقد كان أميرًا من سلالة الإمبراطورة، ودوقًا أيضًا. و لطالما نسي أحيانًا أن ميلودي ليست سوى فتاةٍ من عامة الشعب.
أما روهان، فقد أسرع يَعِد بتجهيز العربة.
“حتى لو ذهبنا، فلا تظني أنهم سيبوحون بكل شيء. فلن يجرؤ أحد على فضح نفسه.”
“أي ألا أعلّق آمالًا…..حسنًا.”
شردت ميلودي قليلًا ثم رمقته بنظرةٍ مختلفة.
أن يذهب إلى ذلك المعبد المكروه لمجرد كلمة منها……
أحست بوخز غريب في صدرها، ورجفة خفيفة صعدت من أعماق حلقها حتى نقرَت قلبها.
ولم يلبث أن ارتسم في ذهنها ما كانا يفعلان قبل قليل.
‘كادت شِفاهنا أن تتلامس…..’
كم كان مؤسفًا أن الأمر لم يكتمل.
***
بدأت العربة تتمايل وتدور عجلاتها
. وبينما كانت ميلودي تحدق في القصر الذي يبتعد شيئًا فشيئًا، راحت تتحسس في جيبها جهاز إبطال السحر. فما إن يصلا إلى المعبد حتى يشتد عذابه لا محالة.
لكن إن أعطته إياه فسيعرف أنها أوشكت على إنهاء الجهاز.
لكن لم يطل تردّدها. و بسطت ذراعها بهدوء وقدّمت له السوار. فآلامه كانت أهم عندها من أي شيء آخر.
“هذا جهاز إبطال السحر. ارتده قبل أن نغادر القصر.”
“هل حضّرتِه بهذه السرعة؟”
انفلت من شفتيها تبريرٌ بغير وعي،
“إنه من النماذج الفاشلة…..أظن كان رقم 333.”
“بل 336.”
صحح ديونيس وهو يأخذ السوار منها.
“أحصيتَها كلها إذاً؟”
“لأنكِ من صنعها.”
قال ذلك وهو ينظر إليها بعينين لامست فيهما رقّةً غير مألوفة، فاشتعل صدرها بوخز حار.
“والآن…..قولي لي.”
أدركت أنه قد فهم، فتلعثمت شفتاها. هل تقول أن بنية السحر ما زالت غير مستقرة؟
جملٌ كثيرة كانت لتنساب عادةً، لكنها الآن اختنقت عند طرف لسانها.
“أين…..المكان الآخر؟”
قال ذلك وهو يقترب بوجهه منها كما فعل من قبل. وما إن لمس طرف أنفه أنفها حتى ارتج قلبها.
“ليس هنا؟”
“…..هل تتعمد فعل هذا؟”
“ما الذي أتعمّد فعله؟”
ارتسم على فمه قوسٌ بديع من ابتسامة.
كم كان جميلًا…..لدرجة أنها تساءلت: ماذا كان يتغذى عليه ليصير بهذا الجمال؟
فارتعشت يدها وهي تتمسك بردائه.
‘لا أستطيع.’
لكن بدل أن تنتظر ما سيأتي، هي التي بادرت. وقد أطبقت شفتيها على شفتيه.
شعرت اللمسة الناعمة، ثم انفصل سريعًا تاركًا أثرًا حلوًا كالعسل.
“ما معنى ما فعلتِه الآن؟”
جاء صوته فجأة فأربكها، واتسعت عيناها بدهشة.
“ربما…..فضول؟”
كم تمنّت لو يكف عن السؤال ويكتفي بإعطائها شفتيه. لكنها لم تجد ما تقوله غير ذلك.
وما إن التقت عيناها بعينيه ثانية، حتى رأت كيف انقبض جبينه.
“نعم، فضول. هذا مفهوم.”
لكن صوته بدا حادًا على غير المتوقع.
هل كانت وحدها من استمتعت؟ عضّت ميلودي على شفتها، وهمّت بالابتعاد، فإذا به يلتصق بها أكثر.
“ليس بعد. لم يكفني.”
قال ذلك بصوتٍ مرتجف بالعاطفة. فشعرت وكأن مصباحًا أحمر اشتعل في رأسها.
ثم هوى بوجهه من جديد، وطبع قبلةً أعمق على شفتيها. فشدّت على أطراف ثوبه بكل ما تملك، وكتمت أنفاسها.
______________________
طيب والاعتراف 😔😔😔😔😔😔
ليته كمل بوسه على جبهتها ثم خدها ثم اعتراف ثم خذ راحتك😭
بعدين ميلودي بعد ذا النقره وش فضول؟ قولي احبكككك
Dana
التعليقات