خطر ببالي أن من يجهل ما جرى قبل ذلك قد يراه ضربًا من التنمّر الأعمى، فاشتدّ الصداع في رأسي.
أجل، فكيف يمكن لمن جاء بصحبة كاهن أن يُرى في صورة شرير؟ من يشهد مرّةً واحدة القوّة المقدسة وهي تعالج الجراح وتبيد الوحوش، يستحيل عليه أن يشكّ في طهارتهم.
كما أنّ من رأى السحر يدرك بسهولة الخراب الذي قد تجرّه تلك القوّة المشؤومة.
وسط هذا القصر الفسيح، كان ديونيس وحيدًا تمامًا.
في تلك اللحظة، لمحَت ميلودي من خلف النافذة ظلًا ضخمًا، فاندفعت من غير وعي نحو الحديقة.
“سيّدي الدوق.”
“يبدو أن عنقكِ…..بخير.”
كان واقفًا وحده في حديقةٍ مقفرة لم يعتنِ بها أحد.
و انعكس ضوء القمر على وجهه فبان إرهاقه الشديد. لقد رحل الكاهن، لكن لا بدّ أنه ما زال يصارع الألم.
كانت كلماته كسكين حادّ، وهذه المرّة بدت صادقةً لا مصطنعة. حتى ميلودي شعرت بغصّة في صدرها.
“لا أتظاهر بشيء…..أنا فقط قلقةٌ عليكَ.”
“قلقة؟”
انعقد حاجبا فجأة بغضب.
“لماذا؟ هل رقّ قلبكِ على الوحوش التي لا تجرؤ حتى على التنفّس داخل الحاجز؟”
“ليس هذا ما أقصده.”
“إن لم يكن كذلك…..هل تعلمين ما الذي كان يفعله ذلك الساحر الذي ساعدتِه قبل أن أقوم بإلقاء القبض عليه؟ لقد آذى إنسانًا. كان يضع تلك الآلة التي أهديتِها له، و شرب الخمر، ولوّح بسحره فأفقد شقيقه بصره.”
“……!!”
“ومع ذلك، لم يتصل بالمعبد لأنه من العائلة. فقبض عليه الفرسان. وهكذا…..وجدتِ نفسكِ هنا.”
“كيف..…؟”
“هل تشفقين على الوحوش الساحرة؟ إذاً كان عليكِ أن تتوقّعي ما قد يفعله الوحش الذي آويته. أم أنكِ بعد كل ما آلت إليه حالكِ ما زلتِ لم تستفيقي من وهمكِ؟”
“وما حالتي هذه برأيكَ؟”
“أنكِ تعملين من أجل وحش آخر.”
ارتسمت على شفتي ديونيس ابتسامةٌ ملتوية، فارتجف جسد ميلودي تحت وطأة رهبة خانقة. و أرادت أن تهرب، لكنها تماسكت.
“أحببتُ المعمل كثيرًا. لطالما حلمتُ أن أصنع كل ما أريده دون أن أقلق بشأن المال، ولو لمرةٍ واحدة في حياتي. ثم..…”
نظرت إلى الدم الذي تجمّع فوق أوراق يابسة، أحمر وأسود وباهتًا، كأنه انعكاس لهيئته هو.
“ذلك الشخص…..كل ما أراده هو أن يعيش حياةً عادية، مع من يربطه بهم دم واحد. في مكان لا يطارده فيه الوحوش. لو لم يولد على ذلك النحو، لما آذى أحدًا.”
“وهل حلمٌ كهذا يليق بوحش؟”
“ولِمَ لا؟ حتى أبناء الوحوش يحلمون. على الأقل، دع السيد روهان يعالجكَ. فالجرح الناتج عن نواة سحرية يدوم طويلًا، وسيؤلمكَ كلما لامسه الماء.”
شعرت ميلودي بثقل يخنق صدرها، فاستدارت فجأة.
كانت تعرف أن الطريق الذي تسلكه يبتعد عن المعمل، لكنها لم ترد أن تبقى قربه لحظةً أخرى.
وسط صمت ثقيل، جاء صوته من خلفها.
“ذاك الطريق يؤدي إلى ساحة التدريب.”
“لا يهم.”
“الدخول ممنوعٌ على الخدم.”
“حقًا؟ حتى الطريق لا يُسمح لنا باختياره؟”
التفتت ميلودي نحوه تحدّق فيه بغضب، كأن اللوم كله يقع على عاتقه لأنه وضع الطريق بهذا الاتجاه.
“أكان والدكِ ساحرًا؟”
“نعم.”
ارتفع حاجبه بدهشة لم يتوقعها من سرعة جوابها.
“حتى لو راودكَ الفضول، لا تكلّمني. أريد أن أبقى وحدي.”
“وماذا لو لم تستطيعي؟ هذا المكان له طريقٌ واحد فقط.”
تجاهلتْه وتابعت السير متجاوزةً إياه، لكن ما إن خطت بضع خطوات حتى سمعت وقع أقدامه خلفها.
فقررت أن تُبطئ مشيها لعلّه يتقدّمها ويمضي، غير أن ديونيس لم يحاول تجاوزها قط.
و عندما وصلا إلى المدخل توقّفت ميلودي واستدارت لتنظر إليه. و كان على وجهه تعبيرٌ يصعب تفسيره، و كانت عيناه الحمراوان تومضان تحت وهج الضوء.
“لم أتفوّه بكلمة.”
ابتسمت ميلودي بسخرية، كأنها تستهزئ بتفاخره في صمته، لكن فجأة خطر ببالها أنّ أوّل من لامس جسده لم تكن هي، بل ليهلين.
[دفء ملامستها التصقت به بعناد.
كانت لحظةً عابرة، ومع ذلك لم يفهم ديونيس كيف يمكن لدفء واحد أن يربكه إلى هذا الحد.
“ليهلين.”
تفكّك الاسم على شفتيه همسًا، ثم مرّر يده على ظهر كفّه، كأنّه يختبر ما إذا كان بإمكانه الشعور بما تبقّى من ذلك الدفء.
هل لمسها حقًا؟ كان الأمر سريعًا للغاية، أشبه بلدغة بعوضة.]
“بالتأكيد، و مع من قد تتحدّث حتى؟ فأنتَ وحدكَ هنا الآن.”
محَت ميلودي السطر من الكتاب وصعدت الدرج المؤدي إلى المعمل.
غير مدركةٍ أنّ في ظلمة الممرّ الذي تركته خلفها، كانت هناك يدٌ تتحسس دفئاً غريباً.
***
غادر الفرسان في مهمّة لاصطياد الوحوش. أما حياة ميلودي، فظلّت كما هي؛ تتنقّل بين المعمل وغرفتها.
“لم أعد…..أستطِع. هذا لا ينفع.”
ألقت الأداة من يدها بعدما أرهقها العمل وكأنه نزالٌ مع هيكل عظميّ ضخم لوحش هائل.
أرادت أن تمتدّ فعالية أداتها السحرية لتشمل القصر بأسره، لكن الحجم المطلوب صار أكبر مما توقّعت.
ومع ذلك، بدا تخصيصها لجانب مكتب الدوق وحده أمرًا غريبًا…..وكأنّ الألم لن يزول إلا عن الجهة اليمنى من المبنى.
كانت ترغب، على الأقل، أن تمنحه مكانًا يمكنه أن يسميه “بيتًا”. حتى لو أصبح ديونيس في المستقبل شريرًا يقود تمرّدًا.
“قليلًا بعد…..فقط قليلًا أكبر.”
وبينما تواصل التوسيع شيئًا فشيئًا، انتهى بها الأمر وقد صار الجهاز السحري بحجم سرير.
“لو كبّرته قليلًا، قد يغطي تأثيره ساحة التدريب أيضًا.”
‘بهذا الشكل سيتفوّق حجمه على الغرفة نفسها.’
لم تكن واثقةً من قدرتها على منحه مظهرًا أنيقًا، فحاولت أن تجعله مربعًا منتظمًا.
لكن ما إن صنعت واحدًا حتى بدا كالتابوت، وعندما ضمّت اثنين معًا صار أشبه بخزانة ضخمة.
_________________
ضحكت تسوي له تابوت من الحين؟😭
بدينا يا ديونيس اول شي يتبعها والحين يلمس مكان لمساها على يده؟ يامهووس 😘
علاقتهم من البدايه حلوه مافيه مجاملات حتى يوم قال انها قلقانه عنها ذي خلته وقال انت لحالك هاعا
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 10"