الفصل 99
تحدّثت نينا أثناء تناولها الإفطار بلا مبالاة.
«مادي، رأيتُ جنّيّةً اللّيلة الماضية.»
«واه، حقًّا؟»
ارتبك يوليكيان و العم والتر (نوكس)، لكنّ مادي ردّت بهدوء.
«نعم. كانت جنّيّةً طفلةً بشعرٍ أشقر وعينين زرقاوين. هربتْ عندما التقتْ عيناي بعينيها.»
قطّعت نينا الطّعام إلى قطعٍ صغيرةٍ بوجهٍ خالٍ من التعبير، وضعته في فمها ومضغته جيّدًا.
«هه، ههه… جنّيّة، يا للعجب. مدهشٌ جدًّا.»
عندما تحدّث العم والتر ، نظرت إليه نينا بنظرةٍ خاطفة، أنهت مضغ الطّعام ثمّ أجابت.
«كانت جميلةً جدًّا. يبدو أنّ جنّيّاتٍ تعيش في قصر الدّوق الكبير. مكانٌ رائعٌ حقًّا تعيش فيه، صاحب السّموّ الدّوق.»
سعل يوليكيان الذي كان يشرب الماء بقوّة، وغطّى فمه بمنديلٍ بسرعة.
لأوّل مرّة، علّمت مادي نينا آداب السّلوك.
«نينا، لا يجوز ذلك.»
«ماذا؟»
«الضّحك أثناء شرب الماء غشّ.»
لم تكن تعلّم آداب السّلوك.
كانت قاعدةً ضمنيّةً أثناء الأكل، لا تستحقّ حتّى تسميتها آداب الطّعام.
لا تضحك أثناء شرب الماء.
في هذه الأثناء، أومأ العم والتر موافقًا كأنّ ذلك منطقيّ.
سألت نينا باستغراب.
«… هل ضحكتُ؟»
«قلتِ صاحب السّموّ الدّوق بينما تتحدّثين بغير احترام، فأربكتِ حبيبي. ماذا لو اختنق حبيبي؟ هل تريدين الموت؟»
«لا. لقد حصلتُ للتوّ على صديقة، لا أريد الموت.»
«حسنًا. وأنا لا أريد قتلكِ.»
«شكرًا. طباعكِ حادّة، وقبضتكِ قاسية، لكنّ قلبكِ دافئ تجاهي.»
«لسانكِ حادّ.»
كح!
كحّ يوليكيان مصطنعًا وأشار إلى مادي بعينيه.
تظاهرت مادي بعدم الفهم.
«نينا. من الآن فصاعدًا، إذا أردتِ نداءه صاحب السّموّ الدّوق، استخدمي الاحترام، وإذا أردتِ الحديث بغير احترام، ناديه باسمه.»
فكّرت نينا قليلًا ثمّ أومأت برأسها باختصار.
«سأناديه يوليكيان من الآن. كما أناديكِ مادي.»
«آه، انتظري. يبدو يوليكيان حميميًّا جدًّا. حبيبي ملكي.»
«لكنّني لا أستطيع نداءه بلقب. إذا ناديته صاحب السّموّ الدّوق بلقب، قلتِ إنّكِ ستذبحينني وتعرضين رأسي على البوّابة الشّماليّة.»
هذه المرّة، سعل العم والتر الذي كان يأكل، وأهيم تيلي، ودانيال جميعًا.
لحسن الحظّ، كان يوليكيان لا يزال مذهولًا ولم يضع شيئًا في فمه.
استمرّ الحديث المرعب بين النّبيلة نينا والعامّيّة مادي .
«صحيح. إذن ناديه الدّوق فقط.»
«هل يمكنكِ تقرير ذلك كما تشائين؟»
«نعم، إنّه رجلي.»
«آه.»
فتحت نينا عينيها على وسعهما ثمّ رفعت زاوية فمها قليلًا مبتسمة.
«الحبّ مذهل. يشبه السّرقة في أنّكِ تأخذين جزءًا من حقوق الآخر.»
«صحيح. أنا لصّة الحبّ.»
«هل سرقتِ يومًا عندما كنتِ تعيشين في الحيّ الفقير؟»
«أجل. السّوار الذي ارتديتِه هذا الصّباح الآن على معصمي.»
«كح! كولك! كولك! أووه! آخ! آه، هذا، كح! هل البهارات في السمك المشويّ كثيرة جدًّا؟!»
أمسك العم والتر بحلقه فجأة وسعل بقوّة، فقطع الحديث.
حاول العم والتر بجهد، لكنّ ذلك لم يؤثّر في نينا.
«مدهش. كنتُ أرتديه بالتّأكيد.»
«خشيتُ أن يتّسخ أثناء الأكل، فارتديته لأعيده.»
«حسنًا. أنتِ دقيقةٌ ولطيفة، مادي.»
رفع يوليكيان السّكّين ونظر إلى مادي، مرّرها ببطء على عنقه.
كان يعني أعيديه بهدوء.
رفعت مادي السّكّين وضربت رأس السمكة المشويّة.
كان يعني لا تتفلسف.
سعل يوليكيان مرّة أخرى.
«اليوم، يسعل الكثيرون أثناء الطّعام.»
«أجل.»
التقطت مادي لحمًا من داخل رأس السمكة وأكلته، مشيرةً بكتفيها.
«مادي.»
«هيّا، دعينا نأكل.»
كان لدى نينا فضولٌ كبيرٌ تجاه صديقتها الجديدة.
تجاهلت كلام مادي.
فمادي لا تغضب حقًّا. ولا تتأذّى من أسئلتها.
نظرت نينا إلى مادي بعينين مليئتين بالفضول.
«مادي، هل تحبّين حتّى الاختناق في حلق صاحب السّموّ الدّوق؟»
«مجنونة؟ لا، بل إنّ الاختناق يؤلم الحلق. أخشى أن يتألّم حبيبي.»
«إذا مضغتِ الطّعام جيّدًا وشربتِ الماء قليلًا قليلًا، لن تختنقي.»
«إذا كان الحظّ سيّئًا، يحدث. ألم تختنقي يومًا؟»
«لحسن الحظّ لا. لكنّني لا أعرف مدى الألم، فلا أستطيع التّعاطف.»
«هل تريدين تجربة الاختناق؟»
«حسنًا.»
ما إن قالت نينا الإيجاب حتّى نهضت مادي من مقعدها فجأة.
لم يكن هناك وقتٌ للمنع.
أمسكت مادي بقارورة الماء على الطّاولة، وأمسكت رأس نينا وأمالتها إلى الخلف.
بقيت نينا هادئةً حتّى مع إمالة عنقها 90 درجة.
«مادي! ماذا تفعلين؟!»
صرخ يوليكيان مذهولًا، وضع السّكّين والشّوكة ونهض.
عبست مادي شفتيها كطفلةٍ مدلّلة، مرجّفةً كتفيها.
«إيي. أنتَ تعاقبني فقط. لم أمسك شعر نينا، بل وضعت يدي فوق رأسها وأملتُ قليلًا. قالت إنّها لم تختنق يومًا، فأردتُ أن أعطيها التّجربة.»
«نينا، أو بالأحرى الآنسة نييتن. سعيدٌ بصداقتكما، لكن لا داعي للّعب بهذه الطريقة الخشنة.»
أدارت نينا عينيها فقط مع إمالة عنقها وأجابت الدّوق.
«لا تقلق. أيّها الدّوق. أنا لا أحبّ الدّوق، ودعوتُ أمّي وأبي كشاهدي زواج، لذا قالت مادي إنّها ستغفر لي ثلاث مرّات إذا تفلسفت. لن تقتلني.»
خرجت تنهيدة “ها!” من فمه لا إراديًّا من الدّهشة.
نظر يوليكيان إلى مادي بفمٍ مفتوحٍ غير قادرٍ على إغلاقه.
رفعت مادي حاجبيها كأنّه لا مشكلة.
دون وعي، قال العم والتر بصوتٍ منخفض جدًّا: «يا للحسد.»
أمسك يوليكيان برأسه.
استمرّت مادي في تجربة اختناق نينا.
«نينا. افتحي فمكِ. إذا صعب، اضربي جسدي.»
«نعم.»
تدفّق الماء من القارورة مباشرةً إلى فم نينا.
ابتلعت بضع رشفاتٍ في البداية، لكنّ مع إمالة العنق واستمرار تدفّق الماء، اختنقت أخيرًا.
«كح، كهك! كح!»
أغمضت نينا عينيها بقوّة وسعلت، لكنّها لم تدير رأسها ولم تضرب جسد مادي.
«نينا، إذا صعب، أدري وجهكِ.»
«كح! هه، كهف! كولك! ك، كهك! كح!»
بعد تذوّق الاختناق عدّة مرّات، أدارت رأسها وضربت جسد مادي عندما شعرت بالاختناق التّام.
وضعت مادي القارورة فورًا على الطّاولة.
«نينا، أنتِ تتحمّلين جيّدًا. حتّى لو أُخذتِ وتعرّضتِ لتعذيب الماء، لن تفتحي فمكِ. رائعة.»
«كهك، هه، هك. حقًّا؟ يبدو أنّ لديّ موهبة، كولك! ك، كهف! هم! »
«نعم. عادةً يستسلمون سريعًا. شجاعة.»
«لكنّ الاختناق يؤلم الحلق حقًّا. يجب أن أحذر من الضّحك عندما يشرب الآخر الماء.»
«أجل، هكذا نتعلّم شيئًا فشيئًا.»
كانتا الهادئتين الوحيدتين.
دفع يوليكيان الصّحن جانبًا وانحنى على الطّاولة.
«أيّها الدّوق، هل أنتَ مريض؟»
أجاب يوليكيان منحنيًا على سؤال نينا.
«… فقط، الحياة… مؤلمةٌ بشكلٍ عامّ.»
«يا للأسف.»
نظرت نينا إلى مادي مرّة أخرى.
«مادي، ما شعور ألم الحياة؟ لم أجرب ذلك يومًا.»
وضعت مادي قطعة سمكٍ كبيرة في فمها، مضغتها وابتعلتها ثمّ سألت.
«هل أجعل حياتكِ مؤلمة؟»
«لا!»
«لا!»
نهض العم والتر ويوليكيان من مقعديهما.
«مادي، أنا لا أريد حياةً مؤلمة. لا أحد يريد تجربة الألم عمدًا.»
نظرت مادي إلى نينا صامتةً للحظة على كلامها.
رمشت مادي ببطء مرّةً ثمّ رفعت زاوية فمها فقط مبتسمة.
«صحيح. أنا أيضًا.»
انتهى الإفطار بفوضى.
أحضر يوليكيان مادي ووالتر إلى مكتبه بعيدًا عن أعين الآخرين.
«ماذا كنتم تفعلان بالضّبط؟ إلى متى لعبتما الاختباء أمس؟»
خلع والتر الشّعر المستعار وعاد نوكس.
ابتسم نوكس بخجل كأنّه محرج وأجاب.
«ههه. حتّى طلوع الشّمس.»
«… كيف لا تنامان الطّفل إلى ذلك الوقت؟»
«طلعت الشّمس مبكّرًا.»
«صحيح. هل هذا الشّرق؟»
«يبدو كذلك. أختي.»
مسح يوليكيان وجهه جافًّا للمرّة لا يعلم كم، ونظر إليهما بالتّناوب.
«في اللّيل، يجب أن ينام الطّفل. هكذا يكبر.»
«لكن أيّها الأخ الأكبر، متى يلعب الطّفل إذا نام ليلًا؟ في النّهار يبقى ساكنًا في الغرفة.»
رفعت مادي التي كانت تضع يديها خلف ظهرها يدها اليمني.
«هل يمكن حفر نفق؟ في يومين، يمكنني وأستريد التّجوّل في القصر كلّه. آه، هل الأرض ضعيفة هنا؟»
أجاب نوكس بسرعة.
«للاحتياط، هل نثقب الجدار؟ أستريد يحبّ اللّعب بالرّمل بالمجرفة.»
صرخ يوليكيان غاضبًا.
«اللّعب بالرّمل! هو الإمساك بالرّمل واللّعب به! لتعلّم الملمس! ليس حفر نفق! هل، هل، هل تخطّطان للهرب؟! هل هذا سجن؟!»
أصدرت مادي صوت “هينغ” ولوّت جسدها.
«أستريد مشرق ولطيف الآن، لكنّه في الحقيقة مسجون. هينغ!»
رمش يوليكيان بعينين مصدومتين كمن ضُرب على رأسه، ثمّ حدّق في مادي مباشرة.
«أنتِ. منذ دخولكِ هذه الغرفة، كان لديكِ فكرة، أليس كذلك؟ ماذا تريدين فعله؟»
صفّقت مادي بفرحٍ ووجهٍ مشرق.
«اسم العمليّة: ‘في الحقيقة، كنتُ حبّكَ الأوّل.’!»
لم يعجبه اسم العمليّة.
التعليقات لهذا الفصل " 99"