عندما أحضرتُ نوكس لأوّل مرّة، سلّمتُ مادي منزلها بالكامل.
تركتْ مادي نوكس وغابتْ أيّامًا عديدة دون عودة.
عندما اكتشف نوكس أنّ الطّعام في الخزانة قد نفد، خرج إلى الشّارع بشكل طبيعيّ.
بينما كان يسرق محفظة أحد المارّة، التقى نظره مع مادي القادمة من الاتّجاه المقابل.
أراد نوكس أن يقول ‘مرحبًا.’ لكنّه تذكّر المحفظة في يده.
لمعن عينا مادي بلمعان.
سقطت المحفظة بقوّة.
التقطت مادي المحفظة من الأرض بسلاسة وأعادته إلى صاحبها.
وفي الأثناء، قالت إنّها تقوم بمهامّ، فإن احتاج أحدًا شيئًا فليأتِ إليها في أيّ وقت، وأعطته بطاقة أعمال رديئة مصنوعة من ورق ممزّق.
رأى نوكس مظهر مادي الواثق فاعتقد أنّه لن يُوبّخ.
كان وهمًا.
عندما عادت مادي إلى نوكس، أمسكته بقوّة مرعبة وسحبته إلى المنزل، ثمّ أحضرت مطرقة من مكان ما.
[يجب أن أكسر هذه اليد الشّقيّة تمامًا.]
[آه! أنتِ تفعلين الشّيء نفسه! سرقة الجيوب! لماذا أنا فقط!]
[ذلك الرّجل كان ذاهبًا لشراء هديّة عيد ميلاد ابنته، أيّها الأحمق الغبيّ!]
[كـ، كيف عرفتِ ذلك؟ هل تعرفيه؟]
[هل يأتي رجل يرتدي ملابس متسوّل إلى ذلك الحيّ التّجاريّ بحافظة نقود ليطلب؟ كانت الحافظة تحتوي فقط على عملات صغيرة. كان يجمع أجره اليوميّ ليشتري دمية لابنته ويتردّد أمام متجر الدّمى! ما كان يحمله في يده اليسرى كعكة!]
[بعض النّاس يحتفلون بعيد ميلادهم ويتلقّون الهدايا! لكن ما علاقتي أنا بذلك! ألم تكوني تقولين دائمًا إنّه طالما لم أُقبض عليّ فلا بأس!]
[هذا الوغد يتكلّم كثيرًا. يا!]
[ماذا!]
[إذا سرقت، فسرق من الأغنياء! إذا فقدوا محفظتهم، يقولون رائع، يشترون أخرى! سرق من أولئك الّذين يغنّون وهم سعداء!]
فهم نوكس الكلام لكنّ العادة لا تُصلح دفعة واحدة.
أراد نوكس كسب المال بسهولة.
سرق جيوب النّاس الّذين يبدون سهلين في الحيّ التّجاريّ، وكلّ مرّة يُقبض عليه من قبل مادي.
[أنتِ تتبعينني فقط؟!]
[أنت الّذي تقع في يدي! أيّها الرّديء!]
[لا أُقبض عليّ من الآخرين! أنتِ فقط تراقبينني!]
[لكن لماذا هذا الهيكل العظميّ لا يزداد لحمًا ويطول فقط؟! ألا يجب أن يزداد وزنك؟!]
[لماذا؟! لتبيعيني؟]
[حتّى لو أردتُ بيعك، كيف أبيع شخصًا نحيفًا هكذا. حتّى لو دفعتُ، لن أتمكّن من تسليمه. لذا زد وزنك لأحصل على السّعر الكامل!]
في ذلك الوقت، اعتقد نوكس حقًّا أنّ مادي تحتفظ به لتبيعه.
في إحدى اللّيالي، بكى نوكس لوحده من حزنه على حاله.
اعتقد أنّه وقع في يد ساحرة شرّيرة.
كان عمره حينها خمس عشرة سنة فقط.
ثمّ في يوم ما، أحضرت مادي غطاءً جديدًا ورمته على السّرير.
نظر نوكس، الّذي انتهى من غسل الأطباق، إلى مادي بوجه شاحب غاضب.
[……لا أنوي مشاركة السّرير معكِ. إذا كان هذا السّبب في إحضاري، أطلقي سراحي.]
قالها بوجه خائف، لكنّ مادي غيّرت تعبيرها إلى أكثر خوفًا بعد سماع كلام نوكس.
تقيّأت مادي في مكانها.
[أووووه!]
[آه! قذر! ماذا تفعلين!]
[تفو! كح، تفو! أوه، يا……. معدتي ضعيفة……. من يفعل مثل هذا مع عائلته……. هذا غطاؤك فقط. لا تقل مثل هذا الكلام مرّة أخرى. آه، معدتي تحرق. يا. أنت نظّف. تقيّأتُ بسببك. وإذا أردتَ الخروج، اخرج في أيّ وقت. لم أحبسك أبدًا.]
خرجت مادي تتمتم، ونظّف نوكس قيئها.
عند التّفكير، كانت مادي محقّة.
لم يُحبس أبدًا، وبقاؤه هنا كان اختياره.
رغم الشّجار اليوميّ مع مادي، بقي في المنزل بنفسه.
كان هناك كلّ ما يريده المتشرّد اللّاجئ نوكس.
منزل دافئ، غطاء ناعم، طعام يُعاد ملؤه عند النّفاد، شخص يوبّخه قلقًا عليه.
مثل عائلة.
بعد تهوية الغرفة وتغطية الغطاء الشّتويّ الثّقيل، سالت الدّموع بشكل غريب.
عائلة.
دارت هذه الكلمة في رأسه، فمسح نوكس دموعه بقوّة على الغطاء وهو يتنشّق.
كان ذلك بعد عام تقريبًا من العيش في منزل مادي.
بعد مرور المزيد من الوقت، عندما تخلّص نوكس أخيرًا من جسده الهيكليّ، ابتسمت مادي راضية واقترحت.
[تعال نعمل معًا. نقوم بمهامّ متنوّعة بدلاً عن الآخرين. لا تسرق محافظ المتسوّلين الضّعفاء في الشّارع بعد الآن.]
[أوه. ألا يمكنني العيش كما حتّى الآن بأعمال المنزل؟]
[أيّها الوغد الماكر الخجول. بعد أن صحّحت عادة سرقة الجيوب بالمطرقة، لا تفكّر في كسب العيش بالعمل. أحتاج يدًا مساعدة، فتعال نعمل معًا.]
[……ما نوع العمل؟]
[نقل أشياء إذا طلب أحد، أحيانًا تحقيق في خلفيّات الآخرين؟ وأحيانًا نادرة تمثيل متخفّي؟ آه، أحيانًا يطلبون صيد الحشرات. لا تقلق. لن ألوّث يديك بدماء قطرة واحدة.]
[……تحقيق في الخلفيّات. لا يبدو عملًا نظيفًا جدًّا.]
[أنظف من هذه الطّاولة الّتي لم تمسحها جيّدًا. آه، سأتقيّأ. انظر إلى الغبار هنا.]
[آه! لا تتقيّئي! اخرجي وتقيّئي! لا تتقيّئي في منزلي!]
[أيّها الوغد! لماذا هذا منزلك! إنه منزلي!]
[إذا عشتُ فيه أكثر من عام، فهو منزلي! آه، أغلقي فمك!]
أغلق فكّ مادي الّتي تحاول فتحه مازحةً بالقوّة.
ثمّ عضّت لسانها ففاجأتها وضربت ضلوع نوكس، وبدأ نوكس من ذلك اليوم يناديها أختي.
قالت مازحةً مخيفة إنّها كان يجب أن تضربه منذ زمن، لكنّ مادي اعتنت به حتّى التأم ضلعه.
كما تعتني بعائلتها حقًّا.
[أختي، هل لديكِ عائلة؟]
[أووووه!]
[آه! أكره هذا حقًّا! الأسوأ! آه! فقط اخرجي! لا تأتي!]
رغم ذلك، لم تتحدّث عن عائلتها مرّة واحدة، فتوقّف نوكس عن السّؤال منذ وقت.
قرّر أن يكون أخًا لمادي.
إذا قال عائلة صراحةً، تكره ذلك، فيقول شريك أعمال، لكن بالنّسبة لنوكس كانت مادي عائلة.
في ذكرى عائلته الحقيقيّة الّتي مزّقتها القذائف فلم يبقَ جثّة أو ثوب، تأتي الأخت المزيّفة مادي بشراب جيّد إلى المنزل.
في ليلة الذّكرى، يوضع خمسة أكواب خمر على الطّاولة، وبعد الطّعام تشرب مادي الكلّ.
تذوّقت مادي وتستمرّ في ملء الخمر.
[آه، أخي كان في الرّابعة عشرة حينها! توقّفي عن ملء الخمر!]
[يا! لو كان أخوك حيًّا الآن، لكان في سنّ شرب معي! كم يريد أخوك تجربة طعم هذا الويسكي الباهظ؟! كم يريد اختبار قدرته على الشّرب؟]
[لا تتكلّمي هراء!]
[واو واو واو واو واو! غررر! واو واو!]
[ألم تجنّي؟!]
مادي كانت كما هي دائمًا.
تتظاهر بالجنون، باللامبالاة، لكنّها لا تتحمّل رؤية الآخرين يعيشون كالجثث.
تجعلهم يعيشون بطريقة ما، يواجهون الحياة.
رغم أنّها تعيش في الجحيم.
لم يرَ نوكس مادي ترتاح أو تنام مرّة واحدة في السّنوات الماضية.
حتّى لو شربت، لا تنام، وغير واضح إن كانت تنام أصلًا.
توقظ نوكس في الفجر المبكّر قائلة ‘حصلتُ على عمل باهظ جدًّا!’، فربّما تقضي اللّيل في المكتب.
صرخ نوكس، الغارق في الذّكريات القديمة، في مادي الّتي تسير متعبة نحو القصر.
“انا قلق عليكِ، فنامي جيّدًا اليوم!”
“أنت تناول دواءك ونام.”
لوّحت مادي بيدها بعشوائيّة واستمرّت في السّير.
رفع نوكس شفته السّفلى وبكى طويلًا.
“آه، سيدي، لماذا تبكي؟”
سألت خادمة عابرة.
“من سيد……. سمّيني والتر براحة. تشاجرتُ مع ابنة أخي فغطّت الدّموع عينيّ…….”
أدرك متأخّرًا أنّه متخفّي فغيّر كلامه.
ضحك نوكس مفاجأة أنّ مادي تناديه ‘نوكس’ بهدوء رغم مظهره هذا.
“يا إلهي. يا للعالم…… مادي لم تتشاجر بقصد سيّء بالتّأكيد. مادي تبدو كذلك للوهلة الأولى لكنّها طيّبة إذا دقّقت.”
ضحك نوكس أنّ مادي تبدو للآخرين أيضًا ‘تبدو كذلك للوهلة لكن طيّبة إذا دقّقت’، فتوقّف عن البكاء وضحك.
كانت مادي شخصًا طيّبًا.
هي لا تعرف ذلك بشدّة، لكن بالنّسبة لنوكس هي كذلك.
* * *
دخلت مادي القصر وحدها.
بعد قتال بكلّ قوّتها لأوّل مرّة منذ زمن، شعرت بجسدها يتمزّق. كانت تريد فقط الاغتسال والنّوم من التّعب.
صعدت درج الطّابق الثّاني ودخلت غرفتها، فكان يوليكيان ينتظرها.
“آه، حبيبي. اليوم متعبة جدًّا. من المنطقيّ أن نهزّ السّرير في يوم إحضار قريب؟ آه، أنا بدون منطق في الإعداد. لكن اليوم حقًّا…….”
“لماذا أعلمتني ذلك العنوان؟ لو قلت إنّه منزل أستريد، لكنتُ وجدته، فلماذا علمتي مدخلًا آخر.”
قاطع يوليكيان كلام مادي وسأل بجدّيّة واضحة.
تنهّدت مادي الّتي بدأت خفيفة وأسقطت كتفيها.
“خوفًا من الكشف.”
“ماذا؟”
“صاحب السّموّ الكبير غير دقيق أحيانًا. إذا كان المدخل مختلفًا، يمكنني إخفاؤه سريعًا حتّى لو تُتبّع.”
سخر يوليكيان وأدار ظهره.
جمعت مادي شعرها المبعثر وقالت.
“……لكن حدث أمر فلم أذهب. أستريد؟ نظّف فيليب غرفة النّهاية في الطّابق العلويّ سرًّا أمس. الطّفل نائم؟”
سألت عن أستريد لكن يوليكيان قال شيئًا آخر تمامًا.
“أنتِ من قتل أبي؟”
التفت ببطء نحو مادي. كانت شفتاه المغلقتين ترتجفان غضبًا.
التعليقات لهذا الفصل " 93"