اهتزّت الطاولة الخشبيّة الصلبة اهتزازًا خفيفًا بسبب الخنجر الذي غرسه يوليكيان فيها بعمق.
«تريدون أن تعيش كآلة مرّة أخرى؟ ……تجرؤون على زوجتي؟»
غرق مجلس النبلاء في صمت لحظيّ بسبب غضب الدوق الأعظم، لكن بعضهم ظلّ مصرًّا على رأيه.
«……لكن فيركينغ تشفى بسرعة مهما جُرحت، وقوّتها القتاليّة هائلة. إنها قوّة نادرة…… لا يملكها أحد.»
تجمّدت نظرة يوليكيان.
كأنّ الهواء حوله تجمّد برودة. حدّق في النبيل الذي تكلّم ثم قال.
«ألا يكفي أن تحميني أنا؟ كما تقولون، قد أصبح إمبراطورًا.»
«……نعم؟»
«من الطبيعي أن يتولّى أقوى شخص في الإمبراطوريّة حراسة الإمبراطور عن قرب. هل هناك قانون يمنع أن تكون هذه الزوجة؟»
نظر يوليكيان إلى الخنجر المغروس في الطاولة وضحك ببرود قاتل.
«فيركينغ؟ بل أنا أحبّ ذلك.»
صرخ النبلاء مذهولين في آن واحد.
«تعني أنكما ستستمرّان في الحياة الزوجيّة؟!»
«في السجلّات المكتشفة عند الإمبراطورة السابقة، هناك ما يثبت أن فيركينغ واحدة أبادت جيشًا بأكمله!»
أجاب يوليكيان بنبرة خالية من العاطفة.
«رائع. إذًا سأكون آمنًا حتى لو هاجمني جيش.»
«وهل ستسكت الدول الأخرى؟ كم عدد الجنود الذين فقدوهم، وتصبح مثل هذه إمبراطورة! قد تنشب حرب!»
«سأعتذر بشدّة.»
«هل تجهلون معنى أن يعتذر من سيصبح إمبراطورًا؟ الانحناء يعني……!»
«مات الناس!»
قاطع يوليكيان النبيل وصرخ غاضبًا.
«ومع ذلك تمنعونني حتى من الاعتذار؟ يجب أن أزور كلّ مواطن وأعتذر له شخصيًّا وهذا لا يكفي! الإمبراطورة السابقة هي الفاعلة، وجدّي الإمبراطور السابق تستر عليها ودعمها. هل لأنهم ماتوا أصبح الاعتذار غير ضروري؟»
«لكنّ سموّ الإمبراطور السابق هيلدون كون روندينيس تعرّض للحادث لأنه كان يحاول كشف كلّ الحقيقة، لذا ليس على سموّ الدوق الاكبر أن……»
نظر يوليكيان في عيون النبلاء واحدًا واحدًا وسأل.
«هل سأصبح إمبراطورًا؟»
نظر النبلاء إلى بعضهم بدهشة ثم أجابوا.
«من غير سموّك يستطيع اعتلاء العرش؟»
«إذًا يجب أن أعتذر أكثر. من يرتدي التاج ليس العظيم، بل من يحمل المسؤوليّة.»
كانت كلمات الإمبراطور السابق هيلدون كون روندينيس.
شعر بعض النبلاء المسنّين أنّ روح هيلدون النبيلة الدافئة انتقلت إلى يوليكيان كما هي.
لم يعد كبار السنّ يريدون إضافة كلمة.
في قلوبهم، الإمبراطور الوحيد هو يوليكيان.
واصل يوليكيان.
«الاعتذار للدول الأخرى لا يعني الركوع التام. بقيت أدلّة على أنهم كانوا يعدّون للحرب، فلن يطالبونا بتعويضات مبالغ فيها.»
«……وهل سيسكتون إذا علموا أن فيركينغ ما زالت حيّة؟»
«لا يمكننا تركها هكذا بالطبع.»
أشرق وجه نبيل في منتصف العمر فرحًا، ظنّ أنّ يوليكيان قرّر معاقبة فيركينغ أخيرًا.
لكن كلا.
«إذا بقيت بجانبي سأطمئنّ. لأن مادي لن تحرس أمامي سواي أنا فقط. آه، وابني أستريد أيضًا.»
«……لكن مع ذلك فيركينغ……»
قال يوليكيان جملة واحدة فقط.
«لا طلاق.»
«سموّ الدوق الاكبر، أنت آخر فرد ملكيّ بقي في الإمبراطوريّة. قد تعتلي العرش، فكيف تستقبل مثل هذه إمبراطورة؟!»
«لا طلاق.»
«هذه ليست مشكلة تحلّ بالعناد. من سيقبل مثل هذه إمبراطورة؟ كان يجب إبطال الزواج أصلًا، وأنتم ترفضون حتى الطلاق!»
«لن أتطلّق. لن أتطلّق، آآآه. لا أسمع. لن أتطلّق. لن أتطلّق. آآآآآه.»
غطّى يوليكيان أذنيه بيديه وكشفهما كما تفعل مادي حين تبكي متدلّلة، ثم أرخى ملامحه في وجه غبيّ.
نظر إلى الفراغ بتعبير طفوليّ واستمرّ.
«آآه. لا أسمع شيئًا. آآه. فيركينغ؟ أحبّها. آآه. فارس حراسة ممتاز. نوفّر أجر الحارس ضعفين. آآه. لا أسمع. لن أتطلّق أبدًا. آآه. لا أسمع، لا أسمع.»
ضرب نبيل الطاولة بكلتا يديه ووقف.
«حسن علاقتكما شأن، وكونها نشأت كآلة قتل شأن آخر تمامًا!»
عبس يوليكيان.
تكلّم نبيل مسنّ جالس بهدوء وكأنّ كلام الآخر أزعجه.
«مهما طال الزمن القاسي الذي جعلها تُدعى آلة قتل، فإنّ الدوقة قد تحرّرت من غسيل الدماغ. ركعت واعتذرت لأهالي الضحايا وللشعب في قاعة المحكمة!»
«إذًا لا داعي أصلًا لأن يعتذر سموّ الدوق الاكبر! اعتذرت هي بالفعل، فلماذا يعتذر هو مجدّدًا؟!»
«أليس اعتذار الجاني واعتذار المسؤول الحاليّ نفس الشيء! بل أليس اعتذار الدوقة أمرًا طيّبًا؟ الزوجان يتحمّلان المسؤوليّة معًا ويعتذران للشعب!»
قرّر يوليكيان في سرّه أن يعيّن هذا الرجل وزيرًا، أو ربما وزير ماليّة، فحكمه سليم.
بالنسبة ليوليكيان الذي اتّخذ قراره، لم يعد هذا الاجتماع سوى مشاحنة لا طائل منها.
«ننهي الاجتماع هنا.»
«سموّك!»
«هل بقي شيء للنقاش؟ سأعتذر للشعب، ولن أتطلّق. لا شيء في ذلك يخالف الواجب، فما المشكلة؟»
قلع يوليكيان الخنجر المغروس بسهولة.
«وأنت، هل تطلّق زوجتك فورًا إذا أخطأت؟ يا للإنسان بلا إيمان.»
خرج يوليكيان من قاعة الاجتماع بهذه الكلمات.
لحسن الحظ، كان نصف النبلاء المتبقّين قد اقتنعوا نصف اقتناع بروايته.
المشكلة في النصف الآخر.
لم يستطيعوا انتظار نتيجة المحكمة المؤجّلة، فذهبوا إلى القضاة.
وطلبوا منهم طلبًا واحدًا فقط.
إعدام.
جريمة قتل البشر ليست بالهينة، فليُعاقبوا بالعقابًا يليق بها.
إذا رفض سموّ الدوق الاكبر الطلاق مهما حصل، فالحلّ بسيط: إخلاء منصب الدوقة ولو بالقوة.
ألحّ النبلاء على القضاة قائلين مرارًا: «هذا رأي الشعب».
طال تأمّل القاضي قبل إصدار الحكم.
مرت أيّام هكذا.
في تلك الأثناء، طالبت مادي يوليكيان بالطلاق، فرفض، ثمّ طالبت مجدّدًا، فرفض مجدّدًا.
أمر يوليكيان كلّ الخدم في القصر الإمبراطوريّ وقصر الدوق الاكبر بالصمت التام.
لا يتكلّمون بكلمة عن أن مادي طلبت الطلاق.
يقولون إنّ خطيب محتال يستطيع أن يردّد قصّة حبّه كنصّ راب حرّ في أسابيع، أمّا يوليكيان فأصبحت الدموع بالنسبة له كعلكة.
«تحاول أن تتركني. أنا لم أستعدّ أبدًا…… مادي هي هديّة أبي الأخيرة لي وآخر أثر له. بل هي نفسها أملي في الحياة. فكيف……»
«يا إلهي، سموّك…… أن تبكي بهذا الوجه الجميل……»
«تقول إنها تريد الطلاق من أجلي. أنا…… لا أستطيع العيش بدون مادي الآن. لو علم النبلاء المعارضون سيمزّقونني أكثر…… أنا……»
لحسن الحظ، كانت الآنسة نيتنا أليكسيون في صفّ يوليكيان ومادي.
الآنسة نيتنا التي كانت تكره حتى حضور السهرات في بلدها، ظهرت فجأة في سهرات بلد آخر وبدأت تصنع الرأي العام.
«يا للعار على من لا يعرف جمال الحبّ.»
«الآنسة نيتنا محقّة! من سمع قصّة سموّ الدوق الاكبر يوليكيان وسموّها مادي، كيف يطلب منهما الانفصال؟!»
«ناهيك عن أنّ لديهما طفلًا. من يتحمّل ضغط الطفل؟»
«صحيح. أيّها السادة، الأمير أستريد الشبيه بالجنّيّة عانى من فقدان النطق سنوات، ثم فتح فمه حالما رأى مادي بعد اختطافه.»
«يا للرومانسيّة……!»
«لا يمكن فصل مادي عن الأمير أستريد!»
«تكفيها عقوبة على أخطائها! لكن الانفصال مستحيل!»
«كصديقة مادي المقرّبة، مادي كانت تقول إنها كانت تقتل بأقلّ ألم وبأسرع طريقة ممكنة. ألطف قاتلة في الوجود.»
«……يا آنسة نيتنا، هذا قليل……»
«آه.»
لحسن الحظ، كان نوكس الفرامل بجانب جرّافة نيتنا الكاملة السرعة.
نوكس الذي لم يستطع رفض طلب نينا أن يرافقها إلى الحفل لأنّها بلا صديق ولا حبيب، كان يرافقها فقط ويعيدها إلى غرفتها بهدوء في كلّ مرّة.
وبالطبع، كلّما تكرّر ذلك، كان والدا نيتنا يخطّطان لنوكس كصهر بكلّ قوّة في قلوبهم.
هكذا مرّ أسبوعان، وأشرق يوم الحكم النهائيّ على مادي.
التعليقات لهذا الفصل " 173"