«اربطوا أرجلهنّ أيضًا بحيث لا يستطعن المشي إلّا على الرّكب! إذا كان كلام صاحب السّمو الدّوق الأكبر صحيحًا فلا مجال للتهاون!»
لم تبدِ الخادمات أيّ ردّ فعل حتّى وهنّ يُكبّلن بالكامل.
عندما جرّهن الفرسان للخارج قاومن قليلًا بوقوفهنّ على الأرض، لكنّهنّ تحرّكن فور إشارة من الإمبراطورة.
كنّ خاضعات لها خضوعًا تامًّا.
لكنّ يوليكيان، خوفًا من أيّ طارئ، ترك نصف الفرسان في الغرفة ودخل الممرّ مع الباقين.
دخل يوليكيان والفرسان في الممرّ المظلم الأسود.
بقي في الغرفة الإمبراطور راباديت الذي لا يزال مشدوهًا ينظر إلى الإمبراطورة، وكاردين هايم التي أحبّها طوال حياته.
كان الجوّ ثقيلًا رغم أنّ نصف النّاس فقط بقي في الغرفة الواسعة.
تقدّم الإمبراطور ببطء نحو الإمبراطورة، عيناه مثبتتان عليها.
خطا خطوة واحدة بالكاد، ثمّ انهارت ساقاه، فسقط على ركبتيه أمامها كأنّه ينهار.
قبل أقلّ من ساعة كانا والدين فقدا ابنتهما، لكنّ وجهيهما كانا مختلفين تمامًا.
وجه محمرّ منتفخ من البكاء، مبلّل بالدّموع، لكنّه الآن خالٍ من أيّ تعبير.
ووجه لم تسقط منه دمعة واحدة، لكنّه يبدو كمن فقد العالم كلّه.
مدّ راباديت يده المرتجفة نحو وجه كاردين، لكنّا لم يستطع لمسه.
لم يستطع أن يضمّ وجهها بيديه كما اعتاد دائمًا.
«…كاردين، كاردين… ما هذا كلّه؟ ما هذا الممرّ، ومن هؤلاء النّاس؟»
«كنا صغارًا جدًّا حقًّا. أنت لم تتغيّر كثيرًا منذ ذلك الحين حتّى الآن.»
ارتفع طرف فم راباديت قليلًا.
نظرت كاردين إلى عينيه المليئتين بالأمل وابتسمت معه.
«لا تزال وسيمًا، ناضجًا، ساذجًا، وتؤمن بالحبّ. يا لك من أحمق.»
«…كاردين؟»
انحنت كاردين قليلًا نحو راباديت.
«عندما انتشر الطّاعون ومات النّاس، وعندما قلتم إنّكم ستصطادون الفئران أثناء بناء القنوات فمات المزيد… كيف كان شعورك وأنت ترى ذلك؟ حزنت؟ أم أنّ القصر الإمبراطوريّ كان بعيدًا عن تلك الأمراض فلم تهتمّ؟»
«كاردين، ما هذا الكلام؟ لماذا تتصرّفين هكذا؟»
حاول راباديت الابتسام، لكنّ ابتسامته لم تكن جميلة.
رفعت كاردين رأسها ونظرت في وجوه الفرسان واحدًا واحدًا.
«إريك وليتوير اللذان ماتت أمّهما بالطّاعون قبل سبع سنوات، كاديون ولوميد اللذان فقدا والدهما بحادث القناة قبل خمس سنوات… آه، وكودا هناك فقد أخويه معًا، أليس كذلك؟ قرأتُ في التّقارير أنّه بكى حتّى كاد أحشاؤه تنقطع وهو يعانق جثتي أخويه.»
حدّق الفرسان المذكورة أسماؤهم في الإمبراطورة بنظرات كأنّهم سيفترسونها في الحال.
مالت كاردين رأسها بدهشة.
«فقدتم عائلاتكم في مشاريع وطنيّة، فكيف لا تزالون تخدمون الإمبراطور؟ كنتُ أظنّ أنّ أحدكم على الأقلّ سيرفع سيفه ضدّه. آه، أم أنّكم كنتم تخطّطون للانتقام؟ لقد سبقتكم إذن.»
ضحكت كاردين ضحكة خجولة كأنّها آسفة حقًّا.
الوحيد الذي لم يتقبّل الوضع كان الإمبراطور فقط.
«كاردين، أرجوكِ. لا أفهم ما تقولين. لا، أنا…»
هزّ الإمبراطور رأسه يمينًا ويسارًا، ثمّ أمسك يدي كاردين.
«كذب، أليس كذبًا؟ في حالات الطّوارئ الوطنيّة يوجد ممرّ سريّ للهرب في غرفة الإمبراطور. وفي غرفتكِ أيضًا، أليس كذلك؟»
«آه؟ حقًّا؟ يا لك من غبيّ. تتحدّث عن ممرّ سريّ ثمّ تفشي سرّه أمامي، ماذا أفعل الآن؟ سيتوجّب قتل كلّ الفرسان خلفك حتّى يبقى سرًّا.»
«لقد جعلتَ السّلامة دائمًا أولويّة في كلّ المشاريع التي تهدف إلى إنقاذ الشّعب.»
قبّلت كاردين شفتي راباديت وابتسمت ابتسامة عريضة.
«حقًّا، جلالتك ملك عادل.»
ثمّ همست في أذنه بهدوء.
«لذلك استمتعتُ بالعثور على الثّغرات فيك.»
اتّسعت عينا الإمبراطور.
غمر عيني راباديت الخيانة واليأس.
[أحبّك، راباديت.]
الشّفتان اللتان كانتا يومًا تقولان الحبّ، تعترفان الآن بالخيانة.
ابتسمت كاردين بسعادة.
«أنا أسأل بجدّية لأنّني لا أعرف: كيف يكون شعور الخيانة؟»
«…ماذا؟»
«أن تُخان، ومن الشّخص الذي تحبّه بالذّات. في السّابق لم أكن أعرف أنّ هذا يسمّى خيانة، فلم تسنح لي فرصة السّؤال. كنتُ صغيرة جدًّا. لكنّني كبرتُ الآن، قتلتُ ابنتك، وقتلتُ شعبك الذي تحبّه. آه، نعم!»
أغمضت كاردين عينيها وهزّت رأسها كأنّها لا تستطيع إيقاف نفسها، ثمّ ابتسمت ابتسامة نضرة.
«أخوك لم يُهِنني يومًا. كان لطيفًا دائمًا. لو جئتُ إلى جيرنوا أبكر قليلًا، لربّما التقيتُ بأخيك غير المتزوّج، ولما احتجتُ إلى قتله كي أجعلكَ إمبراطورًا.»
«كاردين هايم!»
أمسك راباديت كتفيها بقوّة كأنّه يريد سحقهما.
«كيف… كيف استطعتِ فعل هذا؟!»
«ها أنت تغضب. أرأيت؟ هكذا يكون البشر. إذا فقدوا شيئًا عزيزًا غضبوا. لا يوجد شيء اسمه حبّ كامل.»
مالت كاردين رأسها وخاطبت الفرسان خلف الإمبراطور.
«عندما يخونك من وثقتَ به، حتّى لو كنتَ تحبّه، تشتهي قتله، أليس كذلك؟»
ثمّ عادت بنظرها إلى راباديت.
«أو ربّما لم يكن حبًّا من الأساس. راباديت، ما الحبّ في رأيك؟»
التعليقات لهذا الفصل " 167"