«ما هذا… ما هذا؟ صاحب السّمو الدوق الأكبر… لا بدّ أنّ لك سببًا لمنعي من الاندفاع فورًا، أليس كذلك؟ يمكننا القبض على الإمبراطورة… لا، على القاتلة ومعاقبتها، أليس كذلك؟»
فتح يوليكيان كومة الأوراق التي قدّمها الخادم.
لم تكن عن فيركينغ، بل عن قرية القمامة.
بالتّحييد تقارير مراقبة أرسلها أشخاص معيّنون إلى الإمبراطورة.
ربّما أرادت أن تشعر وكأنّها تراقب حيوانات صغيرة.
أو ربّما اعتبرت نفسها عالمة تنظر إلى فئران تجارب.
كانت مليئة بمحتوى مرعب.
كيف تمضي الأيّام في قرية القمامة، من قال ماذا، من أصاب نفسه اليوم، من كان يعاني إلى درجة الانتحار… كلّها مسجّلة بالتّفصيل.
وأيضًا أنّهم نفّذوا أعمال قنوات مائيّة كمشروع وطنيّ، ثمّ نشروا وباءً عبر تلك القنوات.
وأنّهم أجروا أعمال حفر في منطقة كثيرة الأمطار بحجّة خلق فرص عمل.
في العام التّالي، تسبّبت الأشجار المقطوعة بلا حساب في انزلاق تربة دمّر قرية بأكملها تقريبًا.
تشتّت النّازحون الذين فقدوا وطنهم في كلّ مكان، صاروا فقراء، ثمّ عادوا مرّة أخرى كفئران تجارب للإمبراطورة.
يصابون بالعدوى، يموتون، يُجرحون، يحترق متجرهم الذي كدّوا للحصول عليه، يموتون جوعًا، يمرضون مجدّدًا.
كانت سجلّات مليئة بكلّ أنواع النّهايات البائسة للبشر.
الأكثر رعبًا هو أنّها تُكتب ببرود تامّ.
أعراض المرض، معدّل الوفيات، الطّرق التي اتّخذها الأطبّاء لمنع العدوى، وكيف أغلقت مدينة بأكملها وانهارت… كلّ ذلك مسجّل.
هل يمكن لإنسان أن يكون بهذا القسوة؟
كان المرسلون مختلفين، لكنّ خانة المرسل إليه كانت تحمل رمزًا تصويريًّا غريبًا واحدًا.
ختم رآه من قبل.
بعد أن تغيّرت مادي بشكل غريب، زار يوليكيان مقرّ المرتزقة في قرية القمامة التي توجّهت إليها آخر مرّة.
كان نفس الشّعار المتبقّي خلف ستارة ممزّقة.
إذن هذا رمز الإمبراطورة.
وكان هناك أيضًا مذكّرات تبدو وكأنّها مزّقت من دفتر يوميّات.
كانت عن رجل يخلط بين الحبّ والثّقة.
<يومًا ما سأقتله بيدي. هل ستقول لي حينها إنّك تحبّني «بصدق»؟ أم ستشعر بالظّلم لأنّك خُدعت؟ أنا فضوليّة جدًّا.>
<عندما قلتُ لك إنّ وليّ العهد أهانني، ارتجفت من الغضب. ذهبتُ إليك عمدًا وأنت تعذّب نفسك كلّ ليلة بذنب قتل أخيك. ارتجفتَ لكنّك استندتَ إليّ وكأنّني ملاذك الوحيد. يا لك من أحمق.>
ارتجف جسد يوليكيان كلّه من الغضب.
هذه المجنونة لا تعتبر حياة النّاس شيئًا يُذكر، بل داست أيضًا على قلب الإمبراطور الذي أحبّها.
لا يمكن غفران ذلك مطلقًا.
استدار يوليكيان فجأة وانطلق بخطى سريعة نحو مكان ما.
* * *
فتّش الفرسان قصر الأميرة من كلّ جانب فلم يجدوا أيّ ممرّ.
سمع الإمبراطور الخبر فحزن بشدّة، لكنّه رفض تصديق أنّ الإمبراطورة هي الجانية.
«هناك شهود يقولون إنّ الإمبراطورة كانت في قصرها، فماذا تقولون؟! ما الدّاعي لأن تقتل الإمبراطورة ابنتها؟!»
قال ذلك، لكنّ كلام ميلر المريب كان قد خطر بباله فجأة.
لكنّه لم يرد تصديقه فحسب.
قاد الإمبراطور الفرسان بنفسه إلى قصر الإمبراطورة.
كانت الإمبراطورة قد سمعت خبر ميلر، فكانت تبكي وتنتحب وتعيث في غرفتها فوضى.
كانت تبدو كأمّ فقدت طفلتها، طبيعيّة تمامًا.
اقترب الإمبراطور منها دون تفكير ليعزّيها.
في تلك اللحظة ظهر يوليكيان من خلفه.
تجوّل يوليكيان في الغرفة ببطء، وكأنّه لا يرى الإمبراطور ولا الإمبراطورة ولا الخادمات.
«يوليكيان! ماذا تفعل؟! كيف تجرؤ على دخول غرفة الإمبراطورة!»
لم يجب يوليكيان على صراخ الإمبراطور.
«لا أعرف أيّ سوء فهم لديك، لكن الإمبراطورة فقدت ابنتها أيضًا! إذا حاولت قتل الإمبراطورة متّهمًا إيّاها بناء على شهود مزعومين، فلن أسكت…!»
لم يكد الإمبراطور يُنهي كلامه.
ضرب يوليكيان الجدران هنا وهناك، ثمّ لفّ تمثالًا صغيرًا.
كرددددك.
سُمع صوت شيء ينفتح.
نظر يوليكيان إلى الإمبراطورة بنظرة مليئة بالاشمئزاز وقال للإمبراطور.
«لقد وجدت الممرّ السّريّ.»
«…مـ، ماذا.»
ركل يوليكيان الخزانة بقدمه فهوى،
وكان خلفه بالفعل ممرّ ضيّق بالكاد يمرّ منه شخص واحد.
التعليقات لهذا الفصل " 166"