بعد أن انتهت مادي من سرد كل القصة، أغمضت عينيها بهدوء.
لم تجد الشجاعة لتنظر إلى يوليكيان.
والدك مات وهو يحميني، وأنا تركتُ حتى جثته في الجبل وهربت.
بل عشتُ حتى الآن ناسية هذه الحقيقة القاسية كلها.
بعد أن سمع كل هذا الرواية المريعة، لن يستطيع أن يغفر لي على الأرجح.
لن نتمكن بعد اليوم من النظر إلى بعضنا بوجه مبتسم كالسابق. مشاعره غير الناضجة ستستفيق كأن أحد سكب عليها ماء باردًا.
‘لأنني أنا من سلبتُ والد يوليكيان.’
قالت مادي بصوت هادئ منخفض كأنها كانت تتوقع كل شيء.
«أعلم أنك تود قتلي الآن، لكن الوقت لم يحن بعد.»
لم يُجب يوليكيان بشيء.
تنفّست مادي نفسًا ضحلاً، ثم جمعت قواها وقالت بصوت أكثر حدّة.
«سأنقذ أستريد. ثم سأقتل إمبراطور راباديت والإمبراطورة وابنتهما كلّهم. سأنتقم بنفس الطريقة. لن أتوقف حتى أتأكد أنك في أمان تام.»
ما إن انتهت كلمات مادي حتى فتح يوليكيان فمه أخيرًا، ودار رأسه نحوها.
«وماذا سيحدث بعد أن ينتهي كل شيء؟»
«سأتولّى ترتيب الأمور بنفسي.»
«ماذا تعنين؟»
«بعد انتهاء الانتقام، لن يكون هناك سبب لوجودي بعد الآن.»
عبس يوليكيان وسأل مجددًا.
«تقصدين أنك ستقتلين نفسك؟ قلتِ إنك لا تموتين حتى. بأي طريقة ستفعلين ذلك؟»
أمسك يوليكيان يد مادي بقوة وجذبها نحوه.
درات مادي رأسها ببطء نحو الجانب الذي يرقد فيه يوليكيان، حتى تواجهاه وجهًا لوجه.
كانت عينا يوليكيان ممتلئتين بالغضب المحمّر.
«ستقررين الموت بمزاجك؟ مرة أخرى بقرار منك وحدك……»
سحبت مادي يدها من يده.
لا يمكن أن يظلا ممسكين بأيدي بعضهما هكذا إلى الأبد. في الحقيقة، كان يجب ألا تمسك يده من الأساس.
لأنني أنا من تركت والده.
أطلق يوليكيان يدها بسهولة غير متوقعة مقارنة بقوة إمساكه.
انزلقت يد مادي نحو عيني يوليكيان، ومسحت دموعه التي لا تعرف متى بدأت تسيل.
«كل ما في الأمر أنني أعود إلى مكاني الطبيعي.»
ارتجفت حواجب يوليكيان عند كلامها.
بدا على وجهه تعبيرات متعاقبة: كمن فقد شيئًا عزيزًا، ثم كمن يشعر بالظلم، ثم نظر إليها بعتب لحظي، ثم ضحك ضحكة خفيفة كأنه فقد عقله، ثم عاد إلى وجه خالٍ من التعبير بارد تمامًا.
لم يعد وجه يوليكيان دافئًا كالسابق.
كانت مادي مستعدة لهذا منذ اللحظة التي فتحت فيها فمها، فلم تتأثر.
واجهت مادي عينيه الزرقاوين بهدوء.
لم تعد قادرة على قراءة أي عاطفة على وجهه.
كان من الأفضل ألا ترى فيهما الدفء السابق.
لأن شيئًا لن يتغير سواء غضب أم حزن.
شرحت مادي خطتها المستقبلية ليوليكيان.
«بعد أن ينتهي كل شيء، سأزيّف موتي ثم أختفي تمامًا من العالم بأي طريقة. معنى الموت هو الزوال التام للوجود.»
«تزييف الموت؟ كيف؟»
«بأي طريقة كانت.»
لمعت عينا مادي الخضراوان ببريق مخيف وواضح بشكل مرعب.
لم يكن في نبرتها لمسة المزاح المعتادة، ولا الأسلوب الرسمي الذي تستخدمه عندما تخاطبه كضيف.
كانت كجندي لا يتلقى سوى الأوامر.
جلس يوليكيان، فنهضت مادي تبعًا له.
«……إذن ستتولين انتقامي نيابة عني، صحيح؟»
«هذه هي الطريقة الوحيدة لأسديد ديني لصاحب السمو السابق. العرش أيضًا سيعود إلى صاحبه الحقيقي.»
تمتم يوليكيان بصوت يحمل ضحكة خفيفة كأنه يحدّث نفسه.
«ستجعلينني إمبراطورًا……»
«إذا أردت أكثر من ذلك، فهذا ممكن أيضًا.»
لم يجب يوليكيان، فتابعت مادي.
«لا تزال هناك دول غير مستقرة. يمكننا اختلاق ذريعة.»
«……تقترحين إشعال حرب؟»
«حرب ننتصر فيها، لا مشكلة إذن. سأضمن الانتصار بالتأكيد.»
«لماذا؟ من أجل ازدهار الإمبراطورية ومجدها؟»
ارتفع أحد طرفي فم يوليكيان بابتسامة مائلة.
«كلا.»
أجابت مادي ببساطة وكأن الأمر عادي.
«من أجل ازدهارك ومجدك أنت وحدك.»
ظل يوليكيان ينظر إليها بصمت، ثم أدار رأسه وصدّ نظره.
«كنت أعلم منذ زمن أن الجثة التي طفت في البحيرة ليست والدي. قالت أمي إن الندوب التي كانت على جسده لم تكن موجودة. قال الطبيب وأنا أيضًا إن الماء هو ما أخفاها، لكن أمي لم تصدق حتى النهاية. قالت إن أبي لم يمت، وسيعود قريبًا.»
«كان بإمكانه العودة تمامًا. لو قضيتُ على الجنود بشكل صحيح. لقد فشلتُ أنا.»
«أنتِ……»
فرك يوليكيان حلقه المبحوح ثم سأل.
«ماذا تريدين مني أن أفعل بالضبط؟ هل تتمنين أن أجلس على العرش الذي ستحضرينه لي وأحكم الإمبراطورية؟»
«ذلك هو مكان صاحب السمو. وصاحب السمو الراحل كان يريد ذلك أيضًا بالتأكيد.»
سمعت ضحكة خفيفة كأن الهواء يخرج من بالون.
التفت يوليكيان إلى مادي.
«تريدين أن أرث إرادة والدي، أليس كذلك؟»
«نعم.»
«إذن يجب تعديل خطتك. لن تموتي. بل لن تستطيعي تركي.»
«فهمت تمامًا أنهم رموه في ذلك المكان اللعين للقمامة. وأن أبي عانى كالكلب. لكن آخر قرار اتخذه والدي بحمايتك ليس مسؤوليتك أنتِ. مادي، استيقظي. أنتِ لستِ يان. أنتِ مادي.»
رمشت مادي بسرعة. قال يوليكيان بصوت أقوى من أي وقت مضى.
«تريدينني أن أرث إرادة والدي؟ إذن سأعاملكِ كإنسانة عزيزة، وسأبذل جهدي كي تعيشي حياة عادية. كي لا تعتقدي يومًا أن مصيرك هو أن تكوني سلاح قتل في ساحات الحروب اللعينة.»
«أنا…… أنا لستُ…… يوليكيان، أنا تركتُ والدك……»
«نعم. لا يزال والدي في ذلك الجبل حتى الآن. لكن من وضعه هناك ليس أنتِ. أنكما لم تتمكنا من الخروج معًا ليس خطأك. هل تفهمين كلامي؟»
ارتجف جسد مادي كأنها وقعت في ماء مثلّج.
«الأمير الإمبراطوري هيلدون لم ينقذك لأنك فيركينغ مفيدة. بل لأنك مادي لا يان. لأن فتاة صغيرة حملت أمل الناس كلهم وتسلقت الأنبوب وحدها. لأنها واجهت الكبار بمفردها مرات لا تُحصى.»
أمسك يوليكيان وجه مادي بكلتا يديه، وقال كأنه ينطق كل حرف على حدة.
«لأنكِ عزيزة.»
في تلك اللحظة، كأن شيئًا ما انكسر بداخلها.
شعرت بإحساس كموج الشمس الدافئة ينبعث من أعماق صدرها.
رفعت مادي يديها لتزيح يدي يوليكيان عن وجهها، كأن عليها أن تهرب إلى مكان ما.
لكن يوليكيان، على عكس لحظة ترك يدها سابقًا، لم يتركها بسهولة هذه المرة.
«انظري إليّ. انظري إليّ، مادي.»
«لا، ليس كذلك. كان بإمكاني…… ربما، ربما حقًا كان بإمكاني إنقاذه…… على الأقل كان يمكننا الخروج معًا……»
«مادي، مادي!»
ثبت يوليكيان وجهها أمام عينيه وسأل.
«سؤال أخير. ماذا أفعل؟ ما الذي تريدينه حقًا؟ سأفعل ما تأمرين. هل أعتبرك عدوة والدي وأكرهك من كل قلبي؟ أم……»
توقف عن الكلام، ثم أرخى صوته وضحك ضحكة ناعمة كأنه يمزح.
كأن كل اللحظات المرعبة التي مرت للتو كذبة.
«أم ببساطة أحبك.»
انفتح فم مادي دون صوت.
تصادمت الجمل التي لم تكتمل في صدرها في كل الاتجاهات وجرحتها.
التعليقات لهذا الفصل " 137"