الفيركينغ تطيع أوامر العُليا دون قيد، لكن أوامر ولي العهد مختلفة جدّا عمّا كان يصدره الدّكتور.
كانت تأكل السّموم، تتدرّب، تبلع الأدوية يوميًّا لتتجاوز حدود البشر.
وحش.
رُبّيت كوحش.
وكانت تعتقد أنّ ذلك شرف.
نفضت الفتاة الحجر بضيق.
«لستُ عاديّة.»
«ما الذي ليس عاديًّا؟ انظري. عينان، أنف واحد، فم واحد. نحن متشابهان.»
لمس ولي العهد عينيها، أنفها، وشفتيها برفق بأطراف أصابعه وابتسم بلطف.
«لا أعرف عمركِ بالضبط، لكنّكِ أصغر وأنحف من سنّكِ. أعرف أنّ صديقاتك يبدأن العمل بعد التّدريب في الرّابعة عشرة عادةً. رأيتُ الأوراق.»
«لا أعرف. الفيركينغ لا عمر لها.»
«قلتُ لكِ إنّكِ لستِ كذلك.»
«بل أنا كذلك.»
«لم تعد كذلك.»
«أُلغيتُ لكنّني ما زلت فيركينغ.»
«لا، لم تُلغي أصلًا.»
«… بلى. لم أكمل فائدتي فتمّ التّخلّص مني. هذا صندوق قمامة وأنا قمامة.»
«تفف!»
ضمّ ولي العهد شفتيها بإصبعيه كالمقصّ.
«أووب!»
«لم تعودي تحملين هذا الاسم. سنختار لكِ اسمًا جديدًا. ما رأيكِ؟»
«أووب!»
«تحبين الفكرة؟ حسنًا. سأفكّر لكِ في اسم جديد. فهمتِ كلام العمّ؟»
أنزلها على الأرض و ربت شعرها بقوّة.
رفعت الفتاة عينيها الكبيرتين تنظر إليه بدهشة.
مستقبل الإمبراطوريّة يقول كلامًا غريبًا. هل هذا سبب إلقائه في القمامة؟
سألته فورًا.
«لماذا يوجد مستقبل الإمبراطوريّة في صندوق القمامة؟ إلى أين ستذهب سماء الإمبراطوريّة إذًا؟»
«أوّلًا: مستقبل الإمبراطوريّة ليس أنا، بالشّعب. ثانيًا: سماء الإمبراطوريّة تُرى بوضوح من هنا أيضًا. اليوم صافٍ. وبالمناسبة، أنا لستُ بالنّسبة لكِ لا إمبراطوريّة ولا مستقبلها. أنا مجرّد عمّ.»
لم تستطع الفتاة مناداته هكذا.
في اليوم التّالي، جمعها ولي العهد وأعطاها اسم «مادي».
وقال إنّه يعني «ثمينة».
«… أنا ثمينة؟ لماذا؟ لم أُظهر للعمّ… بعد فائدتي الحقيقيّة.»
ضحك ولي العهد بصوت عالٍ وقرص خدّ مادي.
«يكفي أن تكوني كما أنتِ. بالنّسبة لهذا العمّ، أنتِ ثمينة مهما كنتِ.»
«هل لأنّني أنقذتُ حياة العمّ؟»
«لا.»
«إذًا؟»
«لأنّكِ أنتِ مستقبل إمبراطوريّتنا. كلّ طفل في العالم يجب أن يكبر دون ألم. على الكبار واجب تربية الأطفال هكذا.»
أحيانًا يقول العمّ كلامًا لا تفهمه.
عبست مادي، فقرص أنفها هذه المرّة.
«يجب أن تكبري بسعادة، يا مادي.»
«مادي.»
نطقت مادي اسمها ببطء كأنّها تتذوّقه لأوّل مرّة.
من ذلك اليوم، بدأ الجميع بمناداتها مادي.
«مادي!»
«مادي، هل وجدتِ شيئًا للأكل؟»
«مادي! هلّا قلعتِ لنا بعض الطّحلب؟»
ركضت مادي هنا وهناك.
تغيّر جوّ المكان عمّا كان قبل أشهر.
امتلأت وجوه النّاس بالضّوء بسبب أمل الهروب.
لم يشفَ مرضهم، ما زالت وجوههم مليئة بالبقع الحمراء، وأجسادهم مغطّاة بالسّواد، لكنّهم شمّروا عن سواعدهم ونقلوا الصّخور بجدّ.
منذ مجيء العمّ تغيّر كلّ شيء.
لم تعد مادي هي «يان»، ولم يعد النّاس ينتظرون الموت.
في اللّيل، كانت مادي تتسلّل خفية، تصعد البرج الذي بناه العمّ والنّاس، وتحفر الجدار بحجر صغير.
تتساقط أظافرها وينزف دمها، لكنّها تشفى فورًا فلا يهمّ.
النّور الذي وزّعه العمّ يستحقّ عالمًا أكبر. نور كبير جدًّا على قمامة مثلي أن تستأثر به.
قوّة العمّ البرّاقة لا يجب أن تُحبس في مكان كهذا.
«مادي… مادي… أنا مادي. اسمي مادي.»
استقبلت مادي ضوء القمر المنبعث من السّماء الدّائريّة، وابتسمت سرًّا.
«مادي. هيهيهي.»
ضاقت عيناها من الابتسام، وارتفع طرفا فمها.
لم تكن تعلم أنّها ابتسمت ابتسامة كبيرة لأوّل مرّة.
وفي اليوم التّالي، اكتُشف أمرها بسبب التّجاويف التي ازداد عمقها وعددها بشكل واضح جدًّا.
«مادي! أنتِ من فعلتِ هذا، أليس كذلك!»
«لا.»
«قلتُ لكِ لا تكذبي. هناك بقع دم في التّجاويف.»
«… ربّما أصيب أحد.»
وضع العمّ والبقيّة أيديهم على جباههم وضحكوا.
ظنّت مادي أنّ غضبهم انتهى، لكنّ العمّ جلسها على الأرض وقال بجدّية.
«فكّري جيّدًا بما فعلتِ من خطأ.»
بعد دقائق، عاد العمّ، فاعترفت مادي بفخر.
«عصيتُ أمر عدم العمل.»
«خطأ.»
ذهب العمّ.
فتحت مادي فمها بدهشة كطفلة فقدت وطنها.
عصيان الأمر إجابة خاطئة؟
ليس هناك خطأ آخر.
بعد دقائق، عاد العمّ، فأجابت مادي بجدّية أكبر.
«لم أمحُ آثار دمائي في الموقع جيّدًا، فتركتُ دليلًا يمكن تتبّعه.»
التعليقات لهذا الفصل " 133"