كانت مدّة السقوط من المنحدر قصيرة جدًّا. لم تظهر تلك المشاهد المتتالية التي يتحدّث عنها الناس.
سُمعت فقط صوتُ ارتطامٍ خافتٍ كأنّه «بوف»، ثم انقطع كلّ شيء فجأة، وغرقت الرؤية في ظلامٍ دامس، دون أن يبقى عقلٌ يُدرك شيئًا.
عاد الزمن إلى الوراء مجدّدًا.
وجدت يان نفسها واقفةً أمام المنحدر مرّة أخرى.
«لا أستطيع الموت إذن.»
لم تفرح.
كانت تعتقد أنّ هذه الحياة ستنتهي يومًا ما.
أن تستمرّ حياةٌ بلا نهاية؟
أن أعيش هكذا دائمًا… أعيش… ثم أعيش…
لأفعل ماذا؟
شكّت يان لأوّل مرّة في وجودها ذاته.
لم يكن هناك من يجيبها، ولا من تستطيع أن تسأله أصلاً.
لذا تعمّدت يان أن تُصاب برصاصة أثناء مهمّة.
فكّرت أنّ الرصاص ربّما يكون مختلفًا.
لكنّه كان موتًا بطيئًا كالسابق.
شفاءٌ أبطأ بكثير من المعتاد، ونزيفٌ سريع جدًّا.
دوارٌ، وثقلٌ في الجفنين.
أغمضت عينيها لحظة، وعندما فتحتهما كانت فوّهة البندقية تُصوّب نحوها مجدّدًا.
تفادَت يان الرصاصة، وقتلت الرجل.
ثم رفعت تلك البندقية وأطلقت النار على رأسها.
هذه المرّة لم يكن بطيئًا.
ماتت دون أن تشعر بألمٍ يُذكر.
لكنّ الزمن عاد إلى ما قبل أن تُصوَّب البندقية نحوها.
يبدو أنّه يعود إلى ما قبل لحظة الخطر المميت مباشرة.
فهمت قاعدة واحدة، لكنّها لم تفهم السبب.
حزنت يان قليلاً لأنّها لم تعد قادرة حتى على اختيار الموت.
لم يعد بإمكانها فعل أيّ شيء كما تشاء.
حياتها لم تعد ملكها.
منذ تلك اللحظة، لم تفشل يان في أيّ مهمّة ولو مرّة واحدة. أيًّا كانت صعوبة المهمّة، كانت تحلّها دائمًا وتعود إلى العشّ.
هكذا أصبحت يان أكمل «فيركين» صنعه الدكتور شيتروفسكي.
انتهى الحلم الذي رأته في قصر الكونت لامدا عند هذا الحدّ.
لو استمرّت تعيش هكذا فقط، لما ذهبت إلى قرية القمامة أبدًا.
لكنّ في ذاكرة مادي، قرية القمامة موجودة بوضوح.
ذلك المكان الذي لم تستطع الموت فيه، ولم يكن هناك أملٌ بالخروج حيّة، ما زال حيًّا في ذهنها.
صدمة أنّ الدكتور تخلّص منها ما زالت كأنّها حدثت بالأمس.
«سأتذكّر قريبًا.»
لم تعتبر مادي الأمر جدّيًا.
في تلك اللحظة بالذات، كان يوليكيان يستمع إلى أحدث الشائعات من نوكس.
«يقولون إنّ أخي الكبير وغدٌ من الدرجة الأولى.»
«…هل تشرح لي بالتفصيل؟»
بدأ نوكس، الذي أصبح مساعد يوليكيان،
مرتديًا ملابس أنيقة، يقدّم التقرير بلطف.
«تسلسل الأحداث في أذهان الناس كالتالي: وقع الدوق الأكبر في حبّ امرأة من حيّ الفقراء. وعد بالزواج. لكن اتّضح أنّ لتلك المرأة ابنًا. بل ابنٌ لم يكن يعلم بوجوده حتى. ما إن كشف الأمر حتى اختفى الابن. وتأجّل الزفاف إلى أجل غير مسمّى. انتهى.»
«…نعم.»
«يقولون إنّه وغدٌ قذرٌ تخلّى عن الابن الذي شوه سمعته، وعن المرأة التي ربّت ابنه، ليعود يتظاهر بالعزوبية. ولهذا تتزوّج اختي الآن من لامدا بارتولوز.»
«هناك شوكٌ في كلامك… هل أنت أيضًا تعتقد ذلك؟»
مال نوكس رأسه ثم أعاد الدفتر إلى جيبه.
«أنا بالطبع مساعد أخي الكبير، فأثق بكلامك. وأنا أرى عن قرب كم تبذل من جهد للعثور على أستريد.»
«أليس كذلك؟ لقد طلبتُ منهم أن يجعلوا سمعتي قمامة، لكن لم أتوقّع أن تكون بهذا الشكل.»
«ماذا؟ لماذا تطلب أن تكون سمعتك قمامة؟»
«لا، لا شيء.»
هزّ يوليكيان يده بسرعة وصدّ نظره.
تغيّر صوت نوكس إلى نبرة ذات معنى.
«لكن يا أخي، أو بالأحرى سمو الدوق الأكبر.»
«ماذا؟»
«هل… هو فعلاً ابن أختك؟»
«حتى أنت؟»
«قلتُ لك إنّني أرى اختي مادي منذ سبع سنوات! كيف أعرف إن كانت قد ولدت طفلاً قبل ذلك؟»
«كنتم معًا سبع سنوات كاملة! لو كانت تربّي طفلاً لكنتَ علمت!»
«لم نعش معًا! كنتُ أراها تقريبًا كلّ يوم، لكنّها أعطتني منزلًا وذهبت إلى مكان آخر! كيف أعرف إن كانت تربّي طفلاً هناك؟!»
«أنا أعرف مراحل نموّ أستريد! أنا من ربّاه! بالأحرى، المربية التي جلبها كروكتون هي من كانت تعتني به!»
«إذن لماذا تتزوّج أختي من ذلك الوغد «سيبالام»؟!»
جلس نوكس على الأرض يدقّ بقدميه ويبكي كطفل مدلّل.
«آه، أكره ذلك الوغد. أكرهه حقًّا. لقد ضرب أختي. حاول قتلها. آه آه. لماذا تتزوّجه؟ إذا أرادت القتال فلتقاتله فقط. لماذا الزواج؟ المشاكل الزوجية لا تحلّ بقطع الرقبة بالسكين. لماذا تفعل هذاااا.»
كان فاقدًا عقله تمامًا.
لم يتوقّف نوكس عن الهذيان، ثم أمسك في النهاية بسروال يوليكيان.
«أوقف أختي يا أخي الكبير. قل لها لا تتزوّج. أوووه.»
«أنا أثق بمادي، لماذا لا تثق أنت؟»
«وااه. تثق بمادي حتى في هذا الوضع؟ نسيتَ؟ أختي محتالة.»
«لامدا لم يعرض المال على الأرجح. بل عرض صفقة أخرى وطلب من مادي الزواج.»
«لماذا تظنّ أنّه لم يعرض المال؟»
فكّر يوليكيان قليلاً، ثم قرّر أنّ هذا المقدار لا بأس به، فأخبر نوكس.
«لا داعي أن نتزوّج كالآخرين تمامًا. المهمّ فقط أن نكون قد تزوّجنا. يكفي أن نفعل ذلك أوّلاً مهما كان.»
«لكن علينا أن نجد أستريد. الزواج مهمّ بالطبع، لكن أستريد؟»
«مادي تعرف مكانه بالفعل. يبدو أنّها مقيّدة بسبب الزواج. منذ اختطاف أستريد، دخلت القصر مرّة واحدة فقط لتطمئن على حالة فيليب ثم خرجت، ومنذ أيّام تبقى داخل القصر.»
«صحيح.»
«يبدو أنّ لامدا قيّدها بحفل الزفاف. لكن في رأيي، مادي تعرف مكان أستريد بالفعل. وإذا لم تتحرّك الآن فذلك لأنّ…»
دار عقل يوليكيان بسرعة.
ما الذي تقدّره مادي إلى هذا الحدّ فلا تتحرّك خطوة واحدة خارج القصر؟
هي نفسها تعلم أنّها ستحصل على 4 مليارات فقط إذا أحضرت أستريد.
التقت عيناه بعينيه في المرآة الصغيرة جدًّا على المكتب.
لا.
مستحيل.
ضحك يوليكيان ضحكة خفيفة وهزّ رأسه.
«ما بك يا أخي؟»
«لقد افترضتُ للحظة فرضية سخيفة جدًّا ثم تخلّصت منها فورًا. مستحيل أن تظلّ تحرس هذا القصر فقط من أجل هذا.»
برم نوكس شفتيه.
لم يفهم كلام يوليكيان السابق أبدًا.
مهما فكّر، الشخص الذي يجب أن يكون مع اختي مادي ليس «سيبالام»، بل الدوق الأكبر يوليكيان، صهري وأخي الكبير.
حتى أنّهما لا يخبرانه بشيء واضح ويكلّفانه بالعمل فقط، فهما متشابهان تمامًا.
هذان الاثنان قدرٌ مكتوب.
خرج نوكس من الغرفة لينفّذ ما كلّفه به يوليكيان.
الأشياء التي يجب تجهيزها لم تكن كثيرة كما توقّع.
وثيقة موافقة الزواج من الإمبراطور والإمبراطورة التي حصل عليها سابقًا، وبعض الشهود.
التعليقات لهذا الفصل " 120"