الفصل 108
ردّت مادي ببرود.
«لا تبدّد قوّتك عبثًا واخرج.»
«أووخ… أنتِ أنفقتِ قواكِ لحماية أستريد، وأنا… لا زلتُ بخير…»
صبّ يوليكيان كلّ قوّته في جسده وحاول رفع الشجرة.
صوت «كادددك» واتّسعت الفجوة قليلًا.
«اخرجِ، اخرجِ بسرعة يا مادي.»
نظرت مادي إليه في صمت ثم زحفت من تحت بقايا الشجرة.
ثم أمسكت ياقة يوليكيان وسحبته دفعة واحدة.
«أووخ!»
خرج يوليكيان مذهولًا ونظر إلى مادي بذهول.
مادي بعبوسها المعتاد، وبقايا الشجرة الضخمة التي كانت تحته، وهو الذي سُحب كأنّه غسيل يُرفع من الأرض.
سأل يوليكيان بنصف جدّية ونصف مزاح.
«…لم تكوني مستلقية تحتها لأنّها دافئة، صحيح؟»
«لنخرج يا يوليكيان.»
لسبب ما، لم تردّ مادي على المزاح.
لم يكن هناك وقت.
كلّ شيء حولهم أصبح بحر نار، ولم يعد هناك مكان للهروب.
الدخان الكثيف يمنع فتح العينين، وحتى لو ضيّقوها فالدخان الأسود واللهب البرتقالي يعميان الرؤية.
«مادي؟ مادي؟»
جذبت مادي يوليكيان إليها واحتضنته بقوّة.
«…ماذا تفعلين…؟»
«يوليكيان. غطّ وجهك.»
«ماذا؟»
«وجهك هو ثروتك.»
فور انتهائها من الكلام، حملته مادي كأميرة وانطلقت نحو النافذة.
نحن في الطابق الثالث.
«واجانغ!» تحطّمت النافذة، وهبّ هواء بارد.
التهبت النار أكثر حين لامست الهواء.
احتضنت مادي يوليكيان، واحتضن يوليكيان مادي بقوّة.
بينهما دفء أجسادهما فقط.
همست مادي بصوت خافت جدًّا.
«سأحميك…»
داست مادي على الأماكن التي لم تحترق بعد، واستخدمت الأعمدة، عبرت الطابق الثاني، ثم قفزت نحو الأرض.
لفّت جسدها تلقائيًا لتستقبل الصدمة.
لكن يوليكيان استخدم وزنه الأثقل ليلفّ جسده هو الآخر.
أمسكت مادي شعره وسحبته إلى الجهة المقابلة.
«آااه!»
«كونغ!» سقطا على الأرض.
بسبب شدّ شعره في اللحظة الأخيرة، استقبلت مادي الصدمة بظهرها ومؤخّرتها.
تأوّه يوليكيان وهو يتلوّى من الألم، ثم استعاد وعيه بسرعة ونظر إلى مادي.
«مادي! مادي! هل أنتِ بخير؟»
«هشش. العظام تلتحم الآن، لا تلمسني.»
استلقت مادي على العشب عابسة.
كسر عظام بعد زمن طويل.
حملت رجلًا قويّ البنية وقفزت، وهو يتلوّى يمينًا ويسارًا فلم تستطع الهبوط بثبات.
نظرت مادي إلى يوليكيان غاضبة وقالت.
«من الآن فصاعدًا، افعل ما أقوله فقط.
إذا قلتُ اخرجا اخرج، إذا قلتُ ابقَ ساكنًا فابقَ ساكنًا.»
في السابق كان سيجرح، لكن ليس الآن.
ابتسم يوليكيان بوجه محمّر من النار ابتسامة رقيقة.
«بما أنّك تعبسين هكذا، فالظاهر أنّكِ لستِ في خطر. لكن ابقي هكذا حتى تلتحم عظامك كاملة.»
«هل سمعتَ كلامي؟ ستواصل عمل أشياء خطرة كهذه؟»
همّ يوليكيان بالنهوض، ثم رفع كتفيه وسقطهما كما تفعل مادي، وابتسم ابتسامتها.
«أجل، سأفعل؟»
«ماذا؟»
«أنتِ أيضًا لا تستمعين لي؟»
بدأ يوليكيان يوجّه الناس الذين يركضون مذعورين لإطفاء الحريق.
«آندي! أحضر سلّمًا من القبو الخارجي!
جوزيف! وصل الخرطوم واستمرّ في الضخ!
أنزو يمسك طرف الخرطوم ويصعد السلم ويصبّ الماء من الأعلى! البقية يستمرّون بصبّ الدلاء في الطابق الأوّل!
أحضروا كلّ ما يصلح دلوًا!»
«سنساعد أيضًا!»
اكتشف أهل القرية الحريق فجاءوا راكضين يحملون دلاء وأحواض كبيرة بكلتا يديهم.
حتى الحرّاس الذين يحرسون مدخل القصر انضمّوا إلى عملية الإطفاء، فتدفّق الجميع إلى الداخل.
لكن لم يبدُ أحد منهم سيّئ النيّة.
شمّر أهل القرية عن سواعدهم واصطفّوا من الصنبور حتى القصر لمساعدة إطفاء النار.
«…عشر سنوات من أعمالك السيّئة ذهبت هباءً. لو كنتَ حقًا قمامة لاحتفلت القرية حين احترق القصر. من كان يتوقّع أن يأتي كلّ هؤلاء؟»
«…معكِ حقّ.»
ضحكت مادي ساخرة وهي مستلقية.
ارتفع طرف فم يوليكيان تدريجيًا.
مسح فكه المحترق كأنّه تلقّى لكمة قوية (هذه المرّة لم تكن من مادي) وقال:
«…معكِ حقّ، عشتُ حياة خاطئة. لم أتوقّع هذا أبدًا.»
«أليس كذلك؟»
استدار يوليكيان نحو مادي وابتسم ابتسامة مشرقة كزهرة متفتّحة.
«ارتاحي حتى تلتحم عظامك يا عزيزتي.»
«عزيزتي؟»
«…آه، لا أستطيع. سأبقى أناديكِ مادي فقط.»
رغم أنّ القصر كله يحترق، كان وجه يوليكيان مغطّى بالابتسامات.
مقارنة بفقدان إنسان، فالقصر لا شيء.
لم يعد يرتجف من القلق حتى الاختناق.
بفضل ازدياد عدد المساعدين، بدأ اللهب يخمد أسرع ممّا توقّعوا.
بدأ اللهب البرتقالي يتلاشى تدريجيًا.
في تلك اللحظة، انطلق جسم صغير من بعيد، دفع الرجل الذي يمسكه وجرى نحو مادي كأنّه يطير.
كان أستريد.
ركض أستريد بقدميه القصيرتين وهو يلهث ويبكي نحو مادي.
مدّ يوليكيان يديه ليمسكه، لكن أستريد انحنى بسرعة وتفاده.
مهارة اكتسبها من لعبة الاستغماية اليومية مع مادي ونوكس في القصر.
بالطبع تفاجأ يوليكيان وهو يرى يديه فارغتين.
“تفادني…؟ وسريع أيضًا…؟ هل أدرّبها على الرجبي*؟”
(الرجبي هي لعبة رياضية جماعية مشهورة في بريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا.
تُشبه كرة القدم الأمريكية لكن بدون تلك الدروع الحديدية .)
مرّت هذه الفكرة السريعة في رأسه.
قفز أستريد-بذرة الرجبي- في حضن مادي.
«كهخ!»
«…أو، أوو، …أوو، هق.»
كان بكاؤه العالي مختنقًا في حلقه.
سعلت مادي عدّة مرّات، ثم رفعت يدها وربتت على شعر أستريد.
«أنا بخير. طفلي، مادي لم تصب بأذى أبدًا. مادي ساحرة قويّة جدًّا.»
«ه… هق، هق.»
«قلقتَ عليّ، صحيح؟ أنا حقًا بخير.»
احتضنت مادي أستريد بذراعيها اللتين التأمتا عظامهما أوّلًا.
ثم همست في أذنه.
«تذكّر ما قلته سابقًا؟ تلك المسرحية؟ سنفعلها الآن. تستطيع، صحيح؟»
هزّ أستريد رأسه واحتضن رقبة مادي.
اقتربت مادي من أذنه أكثر وهمست بصوت أخف.
«لا تنسى. أنت طفل عزيز جدًّا على أمّك وأبيك. معي مجرّد تمثيل فقط.»
حين خمد اللهب، التفتت أنظار الجميع نحو يوليكيان ومادي وأستريد.
كان نوكس قد أنهى تقديم نفسه للآخرين بجملة سريعة: «انا أخ مادي الصغير! تسلّلت لأنّني لم أرَ وجهها منذ دخولها القصر! صدقوني! آسف!»
رغم أنّ سكّان القرية تدفّقوا إلى الحديقة، إلّا أنّهم جميعًا يعرفون بعضهم تقريبًا.
ما عدا ذلك الطفل الذي تحتضنه مادي بحنان.
«كان هذا الطفل في القصر أيضًا؟»
«لمادي طفل؟»
«ربّت طفلًا سرًّا…؟»
«كانت أمًّا؟»
ازدادت أصوات الهمهمة.
استغلّت مادي تجمّع الأنظار وصرخت وهي تنظر إلى يوليكيان.
«هذا الطفل … ليس ابنك!»
اتّسعت عينا يوليكيان.
“بالطبع ليس كذلك، ما هذا الكلام؟”
أراد أن يسأل إن كانت تمزح، لكن وجه مادي الجادّ جدًّا أغلق فمه.
«…مـ، ماذا؟»
بدلًا من ذلك خرج صوت أحمق فقط.
مهما حاول يوليكيان أن يناديها «عزيزتي»، تبقى مادي مادي. اللحاق بها صعب.
احتضنت مادي أستريد ونظرت إلى يوليكيان بنظرة لوم.
«أنت حتى لا تتذكّرني.»
«…أنا؟»
رفعت مادي وجه أستريد للجميع كأنّها تُظهره.
جاءت الردود فورًا.
«شعر فضيّ وعينان زرقاوان؟»
«يبدو نسخة من صاحب السموّ الاكبر تمامًا!»
«هل هو ولد أم بنت؟»
عينا فيليب ونوكس اللذين يعرفان أنّه ابن أخته دارتا كحبات ذرة تقلى في المقلاة.
أشار يوليكيان إلى نفسه بإصبعه وسأل بهدوء.
«أنا… أنا الأب؟ لا، كما قلتُ سابقًا لم أفعل أبدًا…»
«أرأيتم! حتى لا يتذكّر! قلتَ لي تلك الليلة إنّك ستمنحني المستقبل، سنبقى معًا!
وأنا الحمقاء صدّقتك مجدّدًا!»
تساقطت دموع مادي.
«…خطأي أنّني وقعتُ في حبّك مجدّدًا وتبعتك. لكن لم أتوقّع أن تنساني والزفاف لم يبقَ سوى أسبوع. أنا… أنا…»
في تلك اللحظة ركض نوكس وأمسك ياقة يوليكيان فجأة.
«أختي ربّت الطفل لوحدها حتى السابعة! أيّها الوغد!»
خفضت مادي رأسها في الوقت المناسب واحتضنت أستريد.
فهم يوليكيان أخيرًا هذا اللغز المبعثر.
ليس تبنّي ابن أخت، بل سيجعلون الجميع يعتقدون أنّه ابنه من الأساس.
حتى نوكس كان مذهولًا قبل قليل.
يا له من شريك حقيقي.
هل أنتم متأكّدون أنّ دماءكما لا تمتزج؟
التعليقات لهذا الفصل " 108"