لكن حين تلقي نظرة خجولة عليه وتحمرّ خدّاها، يدرك أنّ ذلك التقدّم للزواج قبل قليل لم يكن كذبة.
الكونتيسة نييتنيا ليست محتالة كمادي تستطيع خداع القلوب، إذًا فهي صادقة بالتأكيد.
ابتلع نوكس رشفة خمر بقلب معقّد.
في هذه الأثناء، كانت مادي تملأ كأسي نينا ونوكس ثم تفرغ الزجاجة في حلقها مباشرة، فشعر نوكس بالضيق منها.
تحدّثت نينا مع مادي بهدوء.
«مادي تشرب الخمر كأنّها تصبّه.»
«ليس “كأنّها تصبّه”، بل هي فعلًا تصبّه في حلقها.»
«مذهلة. يقال إنّ الإنسان إذا سكر يصبح كلبًا، فهل يحدث هذا مع مادي أيضًا؟»
«أنا لا أسكر.»
«رائع.»
«وما مقدارك أنتِ يا نينا؟»
نظرت نينا إلى الخمر المتماوج في كأسها ومالت برأسها.
«لم أشرب يومًا حتى أسكر. علّموني أنّ الشرب بهذا الشكل قلّة ذوق.»
«جميل.»
«نعم. ويمكن القول إنّ مادي أيضًا مليئة بالذوق من هذه الناحية.»
«أنا دائمًا مليئة بالذوق.»
«كصديقة، وبكلّ صراحة، مادي تقع في خانة “بلا ذوق”.»
«قلتُ لكِ إنّني أتحمّلك ثلاث مرّات فقط.»
ابتسمت نينا ابتسامة عريضة.
«التحدّث مع مادي ممتع جدًّا. ممتع للغاية.»
بدت نينا سعيدة من قلبها حقًا.
تألّق شعرها الأشقر الفاتح في ضوء المدفأة.
نظرت إلى مادي ثم إلى نوكس بالتناوب، ثم رفعت الكأس إلى شفتيها.
حين شربت الرشفة الأولى وهمّت بالثانية، مدّ نوكس يده فجأة ومنعها.
«…اشربي ببطء! هذا خمر قوي!»
«كهخ!»
فوجئت نينا بصوته العالي المفاجئ فاختنقت وسعلت.
«كان يمكنك قوله بهدوء، لمَ تصرخ هكذا؟ يا لك من أحمق.»
عابت(انتقدت) مادي نوكس وهي تسحب منديلًا من جيب ما وتمدّه إليها.
«كهخ، كهخ. شكرًا، شكرًا يا مادي.»
«مبارك، هذه أوّل مرّة تختنقين فيها بحياتك. المرّة السابقة أجبرتكُ أنا على الاختناق.»
غطّت نينا فمها بالمنديل وسعلت باستمرار.
«صـ، كهخ! صحيح. لكن، كخم! مادي.»
«ماذا؟»
«نوكس ليس أحمق. كه! كهخ!
لقد كان قلقًا عليّ للتو.»
«أجل.»
نهض نوكس فور سماعه السعال، وضع كأسه ونظر حوله، أحضر قنينة الماء من الطاولة بجانب السرير ثم اكتشف فجأة أنّه لا يوجد كأس.
«أختي، لمَ يوجد قنينة ماء بدون كاملة ولا كأس واحد؟»
«رأتني ريلي صباحًا أعطش فأفرغتُ الإبريق كاملًا في حلقي، فتنهّدت وقالت إنّها ستقلّل أواني الغسيل من الآن فصاعدًا.»
«لكن يجب أن يكون هناك كأس على الأقلّ!»
في ارتباكه، أفرغ نوكس كأسه من الخمر دفعة واحدة وعبس بشدّة، ثم أدخل يده في الجيب الخارجي لجاكيت مادي وسحب منديلًا آخر.
«…يسرق المناديل أمام عينيّ.»
«المنديل الذي أعطيته لسيّدة الكونتيسة كان منديلها أصلًا. هذا منديل صاحب السموّ الاكبر. ولديّ مناديل أخرى في أماكن مختلفة.»
«لهذا أكره الشركاء الأذكياء.»
بينما تضحك مادي خفية، مسح نوكس كأسه بجدّ ثم صبّ الماء وناوله لنينا.
ابتسمت نينا المحمّرّة وجهها من السعال وتناولت الكأس.
«شكرًا يا نوكس. كخم! همم. أنت لطيف جدًّا.»
«أوووه، إذا كنتما ستفعلان هكذا فتزوّجا. أوووه. إذا لن تتزوّجا فلا تعاملها بلطف. أوووه.»
انهالت مادي بالسخرية.
رمقها نوكس بنظرة حادّة ثم أعاد الكأس الفارغ من نينا.
«هل… تريدين المزيد من الماء؟»
«أنا بخير الآن.»
تراجع نوكس بتشنّج كمن يقف على قدميه للمرّة الأولى ثم جلس مجدّدًا.
عمّ الصمت الثلاثة من جديد.
أمسكت نينا كأسها ومالت به يمينًا ويسارًا متظاهرة بالشرود.
«…أتساءل ما الذي لم يعجبكَ بيّ؟»
تحرّكت شفتا نوكس، ابتلع ريقه ثم أجاب بصعوبة.
«لم أرفضك لأنّ شيئًا بكِ لم يعجبني.
رفضتُ لأنّه… لا يوجد سبب يدفعكِ للزواج بي أصلًا.»
أمسكت نيتنيا كأسها بقوّة حتى ابيضّت مفاصلها.
“لا سبب للزواج؟ قلتُ له إنّني أحبّه!”
لكن، بشكل غريب، لم ينفتح فمها بسهولة كالعادة.
تردّدت.
خافت أن تسمع كلمة الرفض مجدّدًا.
بينما تتردّد نينا، سأل نوكس.
«أنا أيضًا أتساءل. لمَ… قلتِ ذلك فجأة؟»
رفعت نينا رأسها ونظرت إليه.
تفحّصته بعناية من قمّة رأسه حتى أخمص قدميه طويلًا، ثم أجابت.
«لا أدري.»
«ماذا؟»
«لم أحبّ أحدًا من قبل في حياتي. لذلك لا أستطيع أن أقول إنّ وجهك هو نوعي المفضّل، ولا أستطيع أن أقول كبطلة رواية رومانسية “أحببته لأنّه لطيف” لأنّني رأيتك اليوم للمرّة الأولى. ببساطة…»
تنفّست نينا بعمق كمن اتّخذ قرارًا، ثم رفعت عينيها ونظرت إليه مباشرة.
«ببساطة أنت تعجبني. لم أكن أعلم حتى الأمس، لكن منذ الليلة أشعر أنّني بدأت أفهم معنى الحبّ.»
سُمع صوت «أجق أجق».
كانت مادي جالسة في الداخل، تتناول ذرة مشوية وتأكلها بنهم وهي تنظر إلى نوكس ونينا المقعدين متقابلين.
رفعت ركبتيها على الكرسي، ضمّتهما بذراعيها، ودارت الذرة وهي تأكل «أجق أجق» باهتمام واضح.
حين التقت عيناها بنوكس لوّحت بيدها.
«تابع يا فتى، اعتبرني غير موجودة.»
يا لها من وقحة!
حدّق نوكس في مادي بكلّ قوّته ثم خفّف نظرته وعاد إلى نينا.
أجق أجق.
«سيّدة الكونتيسة نييتنيا… الحبّ ليس شيئًا يُقرّر في لحظة.»
«هل جرّبت الحبّ من قبل؟»
«…نعم.»
أجق أجق.
«أوووه. كذب، ناقص درجة. أنا أعرفه منذ أن كان في الخامسة عشرة أو السادسة عشرة، ولم يقع في الحبّ أبدًا. عمل فقط.»
«ألم تكوني أخته الحقيقية؟ ثم لمَ التقيتما أوّل مرّة وهو في الخامسة عشرة؟»
«أمّي مختلفة. لذلك التقينا حينها للمرّة الأولى.»
أجق أجق.
«آه، مفهوم. كنت أتسأل نفسي لمَ ملامحكما مختلفة تمامًا.»
التعليقات لهذا الفصل " 105"