تحوّلت قاعة العبادة إلى سكونٍ مطبقٍ، ولم يكن ذلك لأنّ الجميع اكتشفوا حقيقةً جديدةً، بل لأنّ دوق برُودي إيفانز، الذي كان يُبغض خطيبته بشدّة، قد وقف اليوم للدفاع عنها.
وكانت أكثر من فاجأها ذلك هي كورنيليا نفسها. إذ شعرت بالارتباك والدهشة، بل وأحسّت بالشفقة تجاه كورنيليا الحقيقية التي تعرّضت للاتهام الظالم، فتمتمت دون وعي:
“حقًّا… هل كان الأمر كذلك؟”
نظر إليها برُودي بنظرةٍ مشوبةٍ بالشفقة، ثم همس بصوتٍ خافت:
“أنا فقط اختلقت الأمر.”
في تلك اللحظة، تلاشت كل مشاعر الشفقة من قلب كورنيليا، واستعادت رباطة جأشها.
لكن فجأة، ارتفع صوت جيك صارخًا:
“هذا لا يثبت أن الآنسة كورنيليا هي من أنقذت دوق بلاك!”
ثم أضاف بصوتٍ حاد:
“يبدو أنكم نسيتم جميعًا أي نوعٍ من النساء هي كورنيليا…!”
كان جيك يستعدّ مجددًا لكشف ماضيها الأسود أمام الجميع.
“تبًّا، هل أخرج فحسب؟”
كانت كورنيليا قد عقدت العزم على ذلك، وأحكمت قبضتها على طرف ثوبها، لكنها لم تكن بحاجةٍ للهروب.
“هل هذا يُعدّ دليلًا كافيًا؟”
شقّ الجمع نفسه إلى الجانبين، ليظهر من خلاله صاحب الصوت الواثق، وهو يسير بخطواتٍ ثابتة.
رجلٌ وسيمٌ بعينين سوداوين حالكتين كظلام الليل…
إنه فينسينت بلاك، دوق بلاك.
بعودته للحياة، أصبح وجهه أكثر نضارةً، ما زاد من جاذبيته الآسرة. وحين ارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ باردة، سمعت النساء من حوله صوت أنفاسهنّ المتقطّعة بوضوح.
وبدا أن فينسينت كان معتادًا على تلك النظرات، إذ تقدّم إلى جيك بكل هدوء، وانحنى قليلاً ليحدّق في عينيه مباشرةً.
“انظر إليّ جيدًا… كيف أبدو لك؟”
“تـ… تبدو بصحةٍ جيّدة، يا سيدي…”
تلعثم جيك وقد اختفت جرأته السابقة تمامًا.
ابتسم فينسينت ابتسامةً ساخرة ثم قال:
“وكل ذلك بفضل الآنسة كورنيليا التي تقف هناك.”
ثم استدار إلى كورنيليا وتقدّم نحوها، لكنه دفع برُودي إلى الجانب بشكلٍ غير ملحوظ، ومدّ يده إليها قائلاً:
“أودّ أن أعرب عن امتناني لمن أنقذت حياتي، هل تسمحين لي؟”
دون أن تدرك، مدّت كورنيليا يدها إليه، فركع فينسينت على ركبةٍ واحدة أمامها، وانحنى ليطبع قبلةً على ظاهر كفّها… علامةً على شكره العميق لها.
“هـ… هه!”
لكن كورنيليا، التي لم تعتد على مثل هذه التصرفات، ارتبكت تمامًا، بينما رفع فينسينت زاوية شفتيه مستمتعًا بردّة فعلها، ثم وقف مجددًا.
لكنّ الشخص الذي صُدم حقًّا لم يكن كورنيليا وحدها، بل برُودي أيضًا، الذي انفجر غاضبًا:
“ما الذي تفعله؟!”
رفع فينسينت حاجبه ببرودٍ، وقال بلا مبالاة:
“أعبّر عن امتناني لمن أنقذتني، هذا كل شيء.”
“وهل يُعبَّر عن الامتنان بهذه الطريقة؟! خاصةً تجاه امرأة مخطوبة؟!”
قهقه فينسينت ساخرًا:
“أيوجد شخصٌ يهمل خطيبته بهذا الشكل، ثم يتظاهر بأنه يهتم بها الآن؟”
تجّعد جبين برُودي، ولم يكن واضحًا إن كان ذلك من الغضب أم الندم.
“من الآن فص—”
“آه! ها أنتما هنا! دوق بلاك، والآنسة كورنيليا!”
قاطع صوتهما صوت رجلٍ عجوز ذو نبرةٍ واثقة، ليظهر كلٌ من الماركيز تشيستر والقاضي جيمس.
اقترب القاضي جيمس من كورنيليا وسألها مباشرةً
“آنسة كورنيليا، هل أعددتِ الإكسير الذي تحدثتِ عنه؟”
ما إن سمع الحاضرون كلمة إكسير، حتى بدأوا بالهمهمة باندهاشٍ شديد.
“إكسير؟”
“هل يقصدون ذلك العقار الأسطوري؟”
“لكن، لماذا يسأل القاضي كورنيليا عنه؟”
اغتنم فينسينت الفرصة وأجاب بصوتٍ واضح:
“لأن من أنقذني كان إكسير الآنسة كورنيليا.”
“أجل، لقد شهدنا ذلك بأعيننا!”
قال الماركيز تشيستر وهو يضحك بمرح، ثم قطّب جبينه فجأة وهو يحدّق بشخصٍ معيّن:
“السيد الشاب جيك؟ لماذا تبدو متجهم الوجه هكذا؟”
“لا… ليس هناك شيء.”
احمرّ وجه جيك خجلاً، ثم استدار راكضًا وهو يتمتم بضيق.
“تبــ//!”
هزّ الماركيز تشيستر والقاضي جيمس رأسيهما بأسف.
ثم تقدّم أحد النبلاء نحو كورنيليا قائلاً
“هل فكّرتِ في بيع الإكسير؟”
“بالطبع، لديّ نية لبيعه.”
“رائع! بالمناسبة، تمتلك عائلتنا شركة تجارية كبيرة، ما رأيكِ في تسويق الإكسير من خلالها؟”
فوجئت كورنيليا بحماس الرجل الشديد وسألته:
“ألا تريد التحقق من عيّنةٍ أولًا قبل عقد الصفقة؟”
“ليس ضروريًا، فلدينا دوق بلاك هنا كدليلٍ حيّ على فعاليته!”
بالرغم من أن كلامه لم يكن منطقيًا، كان واضحًا أنّ الإعلان العلني عن وجود الإكسير قد خلق منافسةً محمومة.
وهكذا، سرعان ما انهمر بقية التجار والنبلاء نحو كورنيليا، كلٌّ منهم يعرض عليها شروطًا أفضل لعقد الصفقة معها.
“تعاملي مع شركتنا، لدينا شبكة توزيع واسعة!”
“يمكننا أن نقدم لكِ نسبة أرباح أعلى من أي شركة أخرى!”
حتى برُودي وفينسينت لم يستطيعا إيقاف هذا الحشد الغفير.
“يا إلهي… أي مشهدٍ دنيوي هذا داخل قاعة العبادة! لابدّ أن الحاكم سعيدٌ جدًّا برؤيته!”
وكأن الأمور لم تكن سيئةً بما فيه الكفاية، دخل القساوسة إلى القاعة، وكان بينهم ليديا.
فصرخت كورنيليا بأعلى صوتها
“انتظروا جميعًا!”
ساد الصمت على الفور، فنظرت إليهم قائلةً بحزم
“إن كنتم راغبين في عقد صفقةٍ معي، فلتقدّموا عروضكم عبر وثائق رسمية!”
ثم وضعت يدها على صدرها وقالت بنبرةٍ مهيبة
“لكن… هذا المكان مقدّس، لذا أفضّل أن نُنهي الحديث عن المال هنا. جئتُ إلى قاعة العبادة لأتحدث عن الإيمان، لا عن التجارة.”
ابتسم كبير الكهنة برضى وهو يهز رأسه موافقًا على كلام كورنيليا، بينما كانت ليديا الوحيدة التي ارتسمت على وجهها ابتسامة ذات معنى، وكأنها فهمت شيئًا ما.
* * *
بعد انتهاء القداس، توجهت كورنيليا إلى غرفة الكهنة للقاء ليديا.
“لقد رأيتكِ بنظرة جديدة.”
كانت ليديا مغمورة بمشاعر التأثر، بينما حاولت كورنيليا إخفاء شعورها بالفخر، متظاهرة بالتواضع.
“أنا في الحقيقة شخص ذو إيمان عميق.”
“آه، لا، لم أقصد ذلك.”
لوّحت ليديا بيدها وكأنها تطلب منها الكف عن الحديث الممل.
“أعني أن تمثيلك قد تحسن.”
“…”
“لقد كدتُ أصدق فعلًا أنكِ تحبين الرب أكثر من المال.”
على الرغم من السنين الطويلة التي قضتاها بعيدًا عن بعضهما، إلا أن ليديا استطاعت كشف حقيقة كورنيليا بسرعة.
نظرت كورنيليا إلى ليديا بغيظ وقد خمد حماسها.
“ألا يمكنكِ مجرد التظاهر بتصديقي؟”
“الكذب خطيئة.”
“إذن، هل تحبين الرب أكثر من المال؟”
“هاه؟ بالطبع أحب المال أكثر.”
أجابت ليديا بكل بساطة دون أن يرف لها جفن، مما جعل كورنيليا تنظر حولها بتوتر، متأكدة من عدم وجود أحد يتنصت على حديثهما.
“حتى كبير الكهنة يحب المال أكثر.”
ابتسمت ليديا وكأنها تطمئنها.
“ما هذا؟! يبدو أن الحاكم مسكين…”
كل أتباعه بهذا الشكل، يا له من وضع!
“هل هذا هو سبب إلقائي في هذا العالم الغريب الذي لا أعلم حتى أصل قصته؟”
“على أي حال، لماذا طلبتِ مني المجيء؟ قلتِ إن لديكِ شيئًا لتخبريني به.”
“لقد رأيت حلمًا.”
“حلم؟ أي نوع من الأحلام؟”
“رأيتكِ مقيدة بشدة في شبكة عنكبوت، وكأنكِ فريسة له.”
“لماذا تخبرينني بهذا الحلم السخيف؟”
“لكن الجزء الغريب هو أن هناك ثلاثة رجال يمسكون بطرف خيوط العنكبوت البيضاء.”
“ماذا؟”
إنه بالتأكيد الأبطال الثلاثة.
“حلم بهذا التفصيل؟ ما أغربه…”
“كان اثنان منهم يرتديان زي الدوق الرسمي، بينما كان الثالث يرتدي زي الإمبراطور الرسمي.”
“…!”
“ألا يوجد أي دوق أو إمبراطور يتسكع حولكِ؟”
في العادة، كان يجب أن يكون الجواب الساخر هو “بالطبع لا!”
لكن كورنيليا استطاعت على الفور أن تتذكر الدوقين اللذين كانا يحيطان بها.
برُودي إيفانز وفينسينت بلاك.
“على ما يبدو، قبل دخول الكهنة، كان دوق إيفانز ودوق بلاك يقفان بالقرب منكِ، صحيح؟”
“هذا…”
“وكان الموقف يبدو وكأنه نزاع غرامي؟”
“ليس كذلك!”
صرخت كورنيليا بغضب، لكن ليديا لم ترتبك، بل ابتسمت بمكر.
“يُقال إن الإنكار القوي هو في الواقع تأكيد…”
“من أين تحصلين على هذه العبارات الغريبة؟”
“إذن، هل هناك إمبراطور يتجول حولكِ أيضًا؟”
ضحكت كورنيليا بسخرية، وكانت متأكدة تمامًا مما ستقوله.
“جلالة الإمبراطور؟ لم ألمح حتى ظله من قبل.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل "24"
مسكينه متعرفش ان ايرين هو جلالته 😂😂 يا رب يكون البطل