“يجب أن أسلم الإكسير بنفسي مرة في الأسبوع؟!”
لا يمكنني حتى أن أُكلّف شخصًا آخر بإيصاله بدلاً مني!
“دوق، أعترف أنني ارتكبت خطأً، ولكن هل هناك سبب حقيقي يجبرك على فعل هذا؟”
“إن لم أجعل الأمور واضحة، فقد تكذبين عليّ مرة أخرى. هيا، وقّعي.”
ناولها القلم بنفسه، ممسكًا بيدها بحزم.
“كذب؟! ماذا يمكن لشخصٍ بسيط مثلي أن يكذب بشأنه على الدوق، إن جاز لي السؤال؟”
“قد تدّعين أنك ستسلمين الإكسير ثم تهربين، لذا لا بد أن أقابلك شخصيًا. وقد تزعمين أنك شُفيت تمامًا بينما لم تفعلي، فتتوقفي عن تزويدي بالإكسير، لذلك أنا من سيحدد ذلك.”
… حسنًا، صحيح أنني أخطط للهروب، ولكن بعد أن أفي بوعدي أولًا.
لكن إن نطقت بذلك، فأخشى أن يزداد فينسنت جنونًا.
“علاوة على ذلك، فقد خدعتُ الدوق بالفعل.”
لا يزال أثر الجنون مسيطرًا عليه، وإن استفززته أكثر، فقد تحدث كارثة.
لم يكن أمام كورنيليا خيار سوى التوقيع على العقد، وهي تأمل أن يتعافى فينسنت بلاك قريبًا.
وقف فينسنت بلاك عند النافذة، يحدّق في الطابق السفلي.
كانت كورنيليا آيريس، التي عاشت سابقًا باسم كاميليا روس، تغادر قصره مسرعة كأنها تهرب.
مال رأس فينسنت قليلاً وهو يتأملها.
“لماذا تحاولين الفرار مني باستمرار؟…”
بعد أن نادت اسمي بتلك اللهفة…
لا تزال ذكرى شفتيها الملامستين لوجنتي أثناء نوبة جنوني واضحة في ذهني.
لا أفهم مشاعرها، ولهذا السبب أرغب في إبقائها قربي أكثر.
تناول العقد الجديد الذي كتبه، حيث كان توقيع كورنيليا الرقيق مرسومًا عليه كعصفور مسجون داخل قفص.
“لن تفلتي مني، كورنيليا آيريس.”
ارتسمت على شفتيه ابتسامة أشبه بجنون متوهج.
تصدر خبر القبض على فروع عائلة بلاك، الذين حاولوا اغتيال فينسنت، الصفحة الأولى من الصحف.
وتزامن صدور الخبر مع يوم الصلاة الشهري في المعبد، حيث اجتمع نبلاء العاصمة لمناقشة شؤون آل بلاك.
“هل سيتم إعدام الكونتيسة جييلين مونس والبارون تالين بلاك؟”
“إذن، كان جنون الدوق فينسنت بلاك بسبب التسمم، وليس مرضًا وراثيًا! هذا يعني أنه بات قادرًا على أداء واجباته كدوق بشكل طبيعي.”
“ولكن… هل هذا صحيح حقًا؟”
وسط همسات القوم، انطلقت جملة بصوت خافت:
“الشخص الذي أنقذ الدوق فينسنت بلاك من الخطر… لم يكن سوى الليدي كورنيليا آيريس.”
سمعت كورنيليا بنفسها تلك الكلمات، وهي التي لم تكن راغبة في حضور الصلاة لولا إلحاح ليديا.
اختبأت خلف عمود وهي تتسلل، قبل أن تدرك أنها أصبحت محور الأحاديث.
“حتى الدودة تمتلك وسيلة للنجاة، يا له من أمر مدهش!”
“ربما اكتشفت السم بالصدفة، لكن بفضلها نجا الدوق بلاك.”
“يا لها من محظوظة!”
لم تعلم إن كان ذلك مديحًا أم سخرية، لكن كورنيليا تجاهلتهم واتجهت إلى زاوية القاعة.
إلى أن اخترق مسامعها صوت ساخر
“وهل تصدّقون ذلك؟”
لم تستطع منع نفسها من الالتفات… خطأ فادح، فقد التقت نظراتها بنظرات جاك.
“اللعنة!”
رسم جاك ابتسامة متكلفة أثارت اشمئزازها، فأسرعت في تحويل نظرها عنه.
“لكن الصحيفة أكدت أن الليدي كورنيليا آيريس هي من اكتشفت السم!”
حاولت إحدى الفتيات الاعتراض، لكن جاك اكتفى بهز كتفيه بابتسامة مغرورة ومزعجة
“خبر كاذب بلا شك. من الأسهل تصديق أنها متواطئة في الجريمة.”
“حقًا…؟”
“بناءً على ماضيها، يبدو ذلك معقولًا…”
يا لكم من سُذَّج! ألا تملكون أي رأي ثابت؟!
أصيبت كورنيليا بالإحباط وهي ترى مدى هشاشة عقولهم.
كيف يستطيع الإمبراطور التعامل مع رعايا بهذا التقلب؟
هل هذا ما جعله مجنونًا مثلي؟
لقد صرت أقلق حتى على هايدن سنو، رغم أنني لم أقابله قط!
بدت محاولة تحسين صورتها مستحيلة مجددًا.
“سأجلس بهدوء وأتذمر إلى الحاكـــم حول سبب وضعي في هذا الجسد.”
همّت بالجلوس، ولكن…
“ها هي الليدي كورنيليا آيريس بنفسها!”
لو لم يكن نداء جاك متعمّدًا، لكانت كورنيليا قد جلست دون أن تتسبب في هذا الموقف الحرج. لكنها توقفت في منتصف حركتها، ووجدت نفسها محط أنظار الجميع.
والمفاجأة الأكبر كانت أن من بين هؤلاء الأشخاص… كان برودي أيضًا.
وكعادته، كان محاطًا بالسيدات.
رغم بروده العاطفي، فإن مظهره الذي بدا كهدية من السماء جعله محط إعجاب جميع النبيلات غير المتزوجات. حقيقة كونه مخطوبًا لم تكن تهم أحدًا.
“مهما لاحقته كورنيليا عن قرب، كان برودي يتجاهلها عن عمد.”
ومع ذلك، كان لطيفًا ومهذبًا مع جميع النساء الأخريات، حتى لو كان ذلك مجرد قناع سطحي. لكنه لم يمنح كورنيليا حتى هذا القدر الضئيل من المجاملة.
لكن المشهد بينهما اليوم كان مختلفًا.
برودي كان هو من ينظر إلى كورنيليا، بينما كانت كورنيليا هي من تتجاهله.
بوجه خالٍ من التعبير، على عكس ما كان عليه الحال دائمًا مع النساء اللواتي أحطن به.
أدارت كورنيليا نظراتها بشكل غريزي، ولكن للأسف، كان الشخص الذي وقع نظرها عليه هو جاك.
“تبــ//ـا، لا مهرب من هذا الجحيم.”
لقد وجدت نفسها في مأزق لا فكاك منه.
“لمَ لا تتحدثين بنفسك يا ليدي كورنيليا؟ هل دفعتِ المال للصحفي ليكتب مقالًا كاذبًا؟”
جاك، كما هو متوقع، بدأ بسرد رواية رخيصة. كان يعلم أن معظم الناس لن يصدقوا أن كورنيليا هي من أنقذت الدوق بلاك، لذا لم يكن لديه ما يخسره.
كما أنه لم ينسَ إذلاله بسببها في متجر الأثاث، وكان يبحث عن فرصة للانتقام.
“لكنني لا أريد أن أخسر أمامه.”
خصوصًا أمام شخص مثله.”
رفعت كورنيليا زاوية شفتيها بابتسامة ساخرة، وكأنها تخبره بوضوح أنها مستعدة لمواجهته.
“يبدو أن المقالة لم ترقَ لك كثيرًا؟ لكن مجرد كراهيتك لها لا تعني أن بإمكانك تغيير الحقيقة.”
لم يكن الموقف كما توقعه جاك، فبدلًا من أن تنهار كورنيليا، واجهته بكل ثقة. ونتيجة لذلك، بدأ الناس من حولهم يترددون.
“أوه؟ هل يمكن أن يكون ذلك صحيحًا؟”
“ألم تكن مجرد إشاعة؟”
كانوا يتأرجحون كالقصب في مهب الريح.
“يا لهم من أتباع عديمي الشخصية!”
شعر جاك بتغيير الأجواء، فرفع صوته ليعيد السيطرة:
“هذا لأنك تقولين أمرًا غير معقول! أنقذتِ الدوق بلاك؟!”
“وهل هناك سبب يمنعني من إنقاذه؟”
زفر جاك ساخرًا.
“تريدين سببًا؟ سأخبرك إذن.”
“هيا، فلتقل ما لديك.”
“ماذا فعلتِ مع الدوق إيفانز؟ لقد لاحقته بلا هوادة وأثرتِ له المتاعب.”
“أنا لم—”
“زعمتِ أن البحيرة خطيرة، فتسببتِ بإلقاء الدوق إيفانز في الماء، وسرقتِ كأس نبيذه بحجة أنه قد يكون مسمومًا، ثم سكرتِ وأحدثتِ الفوضى، و—”
انهمرت فضائح كورنيليا من فم جاك كالسيل الجارف.
“توقف… توقف!”
“أعترف بخطئي! فقط توقف عن الكلام!”
“يا إلهي، يا كورنيليا المجنونة، كم من الكوارث صنعتِها دون أن أدري؟!”
تحولت ملامحها إلى اليأس، وزاد جاك حماسةً وهو يرى تأثير كلماته عليها.
“كيف يعقل أن تكون كورنيليا آيريس، التي كادت أن تودي بحياة خطيبها مرارًا، قد أنقذت الدوق فينسنت بلاك؟”
“…”
في الواقع، كان منطقه صلبًا للغاية بحيث لا يمكن دحضه.
“صحيح، لقد فعلت ذلك حقًا…”
“لقد كان الدوق إيفانز في خطر حقيقي حينها…”
بدأت الهمسات الساخرة تتردد في المكان، وكان واضحًا أن كورنيليا بدأت تفقد عزيمتها.
لكن عندها…
“ما قيل عن الليدي كورنيليا ليس صحيحًا تمامًا.”
خرج برودي من بين السيدات، مما أصاب الجميع بالذهول.
“الشخص الذي توقعتُ أن ينتقدني أكثر من غيره… يدافع عني؟”
“هل أنا أحلم؟”
لكنها لم تكن تحلم. كان الشخص الذي تحدث حقًا هو برودي إيفانز، خطيبها الذي اعتاد أن يدير ظهره لها دائمًا.
“في ذلك الوقت، كان هناك وحش مفترس مختبئ بالقرب من البحيرة، وكان النبيذ فاسدًا بالفعل، ولو لم تفعل شيئًا، لكنتُ قد تعرضتُ لمكروه.”
نظر برودي إلى كورنيليا بعينين دافئتين.
“كل ما فعلته الليدي كورنيليا كان بدافع القلق عليّ، ولم يكن أيٌّ من تصرفاتها بلا سبب.”
التعليقات لهذا الفصل "23"
يا ربي الشخصيه هذه محبيتهاش يا رب ما يكون البطل ارجو الحرق، لأن علي هذا المبدأ تفهم الروايه