“مــــــاذا؟”
من…ماذا تقصد؟
تساءلت كورنيليا وهي غير مصدقة ما سمعته. أما فينسينت، فاكتفى بابتسامة خفيفة وكأن الأمر لا يستدعي كل هذا الاستغراب.
“لقد كنتِ تنامين على الأريكة بطريقة مؤسفة، فقررتُ أن أنقلكِ إلى سريري.”
“إذن، أين نمتم يا دوق؟”
“أنا؟ نمتُ على الأريكة، لا يمكنني النوم على الأرض، أليس كذلك؟”
شعرت كورنيليا بأن عقلها سيتوقف عن العمل.
لم يقتصر الأمر على قضاء الليلة في قصر رجل غريب، بل نامت أيضًا على سريره! لو علمت جييلين وتاليان بذلك، لكانا سيقفزان فرحًا ويرقصان على هذه الأخبار.
“هذا… لا يجب أن يحدث.”
خرجت الكلمات من فمها دون تفكير، لتتراجع على الفور بعد أن أدركت كيف بدا كلامها.
‘يا إلهي، وكأنني في دراما رومانسية رخيصة!’
وبالفعل، بدا التعبير على وجه فينسينت غريبًا بعض الشيء.
لكن قبل أن يسيء الفهم، أسرعت كورنيليا لتوضيح مقصدها.
“أعني، أنت مريض يا دوق.”
“لكن بفضلكِ، وبفضل الإكسير الذي أطعمتِني إياه، أشعر بأنني أخف بكثير.”
لم يكن يكذب، فاللون قد عاد إلى وجهه الشاحب، وكانت ابتسامته تبدو كمثل قطرات الندى على ورقة خضراء نضرة، رقيقة ونقية.
لكن رغم ذلك، لم تفقد كورنيليا يقظتها، وراحت تحدق في فينسينت بعناية. كان نظرها نافذًا إلى حد جعله يشعر بالحرج، لدرجة أن وجنتيه احمرتا قليلًا.
“مــ…ما الأمر؟”
“كنتُ أتأكد مما إذا كنتَ بخير بالفعل.”
“أم أنكِ مهتمة بي أكثر مما ينبغي؟”
قال ذلك وهو يسعل خفيفًا وينظر بعيدًا، الأمر الذي أذهل كورنيليا.
“أنا فقط أعتني بمريض، لا شيء أكثر.”
ثم أضافت وكأنها تذكرت شيئًا مهمًا:
“هل تذكر نصيحتي السابقة؟”
“أن أشكّك في كل شيء داخل المنزل، من الطعام والشراب إلى الأدوية، وأتوخى الحذر؟”
قال فينسينت بنبرة مطمئنة، وكأنه يود تهدئتها.
“لم أنسَ. كنتُ دائمًا حذرًا. لكن… لا يبدو أن لذلك تأثيرًا كبيرًا.”
قال كلماته الأخيرة بأسى.
‘هذا غير منطقي…’
“كيف كنت تشرب الماء؟”
انحنى فينسينت قليلًا ليخرج زجاجة زجاجية مغلقة من تحت السرير.
“لم أشرب سوى ما جلبته من الخارج.”
“وماذا عن الطعام؟”
“كنتُ أتناول الطعام خارج القصر فقط، ولم أضع أي شيء من هنا في فمي.”
ورغم ذلك، لم تتحسن حالته؟
في القصة الأصلية، كان تاليان وجييلين يضعان عقار الجنون في طعام فينسينت وشرابه.
‘إذن، حتى بعد إزالة السبب، لم يختفِ أثر الجنون؟’
لا بد أن هناك شيئًا آخر.
وضعت كورنيليا يديها على خصرها، وبدأت تتفحص الغرفة بعناية.
عندها، طرأ على ذهنها أمر ما.
‘الرائحة!’
لم تلاحظ ذلك الليلة الماضية، لكن الغرفة كانت تفوح منها رائحة زكية.
تتبع أنفها حتى وجد مصدرها—شمعة عطرية تحترق بجوار سرير فينسينت.
‘قد يكون هذا هو السبب!’
إذا تم خلط السم مع الشمع عند صناعة الشمعة، فمن الممكن أن يؤدي استنشاقه إلى التسمم تدريجيًا.
ربما أدى اندماج الحبكة الأصلية إلى خلق عنصر جديد في القصة.
“هل يمكنني التخلص من هذه الشمعة العطرية؟”
“ألا يعجبكِ عطرها؟ حسنًا، يمكنكِ التخلص منها. في الواقع، لم أقم بإشعالها بنفسي على أي حال.”
وافق فينسينت بكل بساطة.
كما توقعت، لم يكن هو من أشعلها.
تمامًا عندما همّت كورنيليا بإطفاء الشمعة، انفتح باب الغرفة فجأة، دون أي طرق مسبق.
‘تصرّف غير لائق ومزعج…هل هما جييلين وتاليان؟’
توقعت ذلك، لكن حين التفتت لترى الوافدين، اتسعت عيناها بذهول.
“لو علم الدوق أن الماركيز جاء لزيارته، فسيكون سعيدًا للغاية.”
“لكنني أشك في أنه سيتمكن حتى من إدراك ذلك، نظراً لحالته الصحية… أرجو أن تتفهم ذلك يا حضرة القاضي.”
لم يكن الزائران وحدهما.
بل كان هناك عدد من الأشخاص دخلوا الغرفة خلفهما، وكأنهم أُرفقوا بها بالقوة.
‘ما الذي يظنون أنهم يفعلونه في غرفة مريض؟’
جييلين وتاليان، بعد أن رصدا كورنيليا، ابتسما كأنهما وقعا على صيد ثمين.
“ما زلتِ هنا يا آنسة؟ لا تخبريني بأنكِ قضيتِ الليل كله…!”
لكن قبل أن يتمكنا من إكمال كلامهما، قاطعتهما كورنيليا بسرعة مذهلة
“لقد عثرتُ على الدوق فينسينت بلاك مغشيًا عليه في الشارع ليلة أمس، لذا أحضرته إلى هنا. لكنني كنت قلقة عليه للغاية، حتى أنني لم أستطع النوم عندما عدتُ إلى المنزل. ولهذا، جئتُ مبكرًا في زيارة للاطمئنان عليه!”
لم تمنحهم حتى فرصة لالتقاط أنفاسهم، وتحدثت بجملة طويلة وسريعة، حازمة في نيتها قطع أي مجال لسوء الفهم.
كان رد فعل جييلين وتاليان الوحيد هو التحديق فيها بذهول للحظات.
“هذا صحيح، آنسة كورنيليا وصلت إلى هنا قبل قليل لزيارتي.”
قال فينسينت مؤكدًا كلامها.
عندها فقط، لاحظ جييلين وتاليان وجود فينسينت… وقد تحولت وجوههما إلى اللون الأزرق في الحال.
“مـ..ما هذا؟!”
“كيف يمكنك الوقوف هكذا؟!”
بدا وكأنهما يتحدثان عن أمر مستحيل الحدوث.
لكن فينسينت لم يتفاجأ من رد فعلهما، بل اقترب منهما بخطوات هادئة.
مرّ بجانب عمه وعمّته، ثم مدّ يده نحو الرجلين الواقفَين خلفهما.
“لقد مر وقت طويل، ماركيز تشيستر، والقاضي جيمس.”
شعر الرجلان بدهشة غامرة عندما صافحا يده، فقد كان ينبض بالحيوية.
كانا قد تلقيا رسالة من جييلين وتاليان تدّعي أن فينسينت يحتضر، وأن عليهما القدوم لرؤيته قبل أن يفارق الحياة.
لذلك، تركا كل أشغالهما وجاءا مسرعين… والآن يجدانه بصحة جيدة!
شعرا وكأنهما قد خُدعا.
“البارون تاليان بلاك، والكونتيسة جييلين مونايس، ألم تزعموا أن الدوق كان مريضًا بشدة؟”
“أ..أجــــل، لكن بالأمس فقط كان في حالة سيئة جدًا…!”
بدت تبريراتهما ضعيفة.
‘إذن، مخططهما قد فشل.’
لابد أنهما استدعيا هذين الرجلين لإظهار ضعف فينسينت، ربما لتمهيد الطريق لنقل لقب الدوقية إلى شخص آخر.
وكان اختيارهما لماركيز تشيستر والقاضي جيمس ذكيًا—فالأول كان أحد كبار مستشاري الإمبراطورة الأرملة، بينما الثاني هو القاضي المحتمل لقضية وراثة الدوقية.
‘كانا يخططان لاستغلال ضعف فينسينت أمامهما، ولجعل وجودي هنا يبدو مشبوهًا أيضًا.’
لكن فينسينت تجاهلهم وقال
“بما أنكم تفضلتم بزيارتي، دعوني أرحب بكم في قاعة الاستقبال.”
وفي تلك اللحظة، كانت كورنيليا قد أطفأت الشمعة واستعدت لرميها في سلة المهملات، عندما أمسك تاليان بمعصمها بغضب.
“ما الذي تفعلينه؟!”
حاول أن يأخذ الشمعة منها بعصبية.
وعندما أخفتها خلف ظهرها، انضمت جييلين إليه غاضبة
“كيف تجرؤين على التخلص من ممتلكات الآخرين؟!”
تحولت أنظار الجميع نحو كورنيليا، منتظرين تفسيرًا منها.
“بالطبع، هذا ما كنت أتوقعه.”
“تسك، تسك، تسك، لا يعرفون معنى الأدب.”
هزّ كلٌّ من الماركيز تشيستر والقاضي جيمس رأسيهما بأسى، ونقرا بألسنتهما استنكارًا.
لكن فينسينت وحده كان يراقب تالِيان وجييلين بملامح متحفزة وحادة، كأنه على استعداد للانقضاض عليهما في أي لحظة.
أما كورنيليا، فلم تتراجع أمام الضغط الذي كانت تواجهه.
قالت بثبات: “سمعت أن البخور قد يكون مضرًّا بالصحة، لذا كنت أنوي إطفاءه.”
“هذا بخور مهدئ حصلنا عليه بصعوبة من أجل فينسينت!”
قالت جييلين بنبرة تنم عن التوبيخ، وكأنها تخبر كورنيليا بعدم التحدث فيما لا تعرفه، ثم أتبعتها بزفرة متأففة تدل على انزعاجها.
مدّ تالِيان يده قائلاً: “أعطني إياه فورًا.”
لكن كورنيليا تراجعت إلى الخلف، وارتسمت ابتسامة على شفتيها.
“لكن من الغريب أنكما هرعتما بهذه السرعة من أجل بخور واحد، أليس كذلك؟”
“غ… غريب؟!”
ارتفع صوت تالِيان في توتر واضح.
“يبدو كأن لهذا البخور سرًّا كبيرًا.”
حاولت جييلين تدارك الموقف، قائلة: “ذلك لأنه نادر وصعب الحصول عليه، لا أكثر. يا آنسة، أرجوكِ لا تبالغي في الأمر.”
لكن لم يكن لكلامها أي تأثير على تالِيان، الذي كان قد فقد أعصابه تمامًا.
صرخ غاضبًا: “كُفي عن الهراء وأعطني إياه حالًا!”
مدّ يده إلى كورنيليا بعنف، وكأنه على وشك أن يضربها.
لكن…
طَـــــــــــق!───
أُوقِفَت يده في الهواء، إذ أمسك بها أحدهم بقوة.
“ما الذي تفعله؟”
“فِـ..فينسينت؟!”
نظر تاليان إلى فينسينت بذهول، غير قادر على تصديق ما يحدث.
كانت القبضة التي أمسكت بمعصمه قوية لدرجة أنه شعر وكأن عظامه على وشك التهشم. بدا الأمر مرعبًا، وكأن فينسينت قد استعاد قوته بالكامل، مما جعل قلبه يهوي في صدره.
لكن فينسينت لم يُعر ذلك اهتمامًا.
لم يكن في ذهنه سوى فكرة واحدة ‘كدتَ تلمس كورنيليا بيدك القذرة’.
على بُعد خطوات، كانت كورنيليا تراقب المشهد بدهشة، لتراودها فكرة لم تستطع إنكارها
“هــ…هل قام فينسينت بحمايتي للتو؟”
في الحقيقة، لم يكن الموقف بتلك الخطورة. كان تاليان مجرد دمية مترنحة في الهواء، وكان تفادي ضربته سهلًا.
لكن في عيني فينسينت، بدا الأمر وكأن كورنيليا كانت في خطر حقيقي.
التعليقات لهذا الفصل "20"