حـــــدّقت كورنيليا بذهول في يد فينسنت الممسكة بردائها.
بالرغم من أنه كان يفتقر إلى الطاقة وكأنه على مشارف الموت، إلا أن قبضته على ثوبها كانت مشدودة بقوة.
عروق زرقاء بارزة على يديه الهزيلتين.
يدٌ متوسّلة كأنها لن تفلتها أبدًا.
“يا، يا آنسة…”
حتى الخادم بدا في حيرة شديدة ولا يدري ما ينبغي عليه فعله.
“يجب أن أضع حدًا لهذا.”
كان هدف كورنيليا أن تحافظ على علاقة باردة، تكاد تكون قاسية، مع الأبطال الثلاثة الذكور.
“لكن التخلي عن شخص مريض يتوسل إلي ليس مجرد قسوة… بل تصرف لا إنساني تمامًا.”
وفي تلك الأثناء، لم يكن فينسنت يُخفّف قبضته على ثوبها.
تنهدت كورنيليا بعمق.
“لا خيار أمامي.”
“لنأخذه إلى غرفة نومه معًا.”
قالت ذلك للخادم.
“يا إلهي! فينسنت سقط مجددًا؟”
“ماذا سنفعل؟ هذا مقلق للغاية.”
لكن نبرات أصواتهم لم تحمل أدنى درجات القلق.
كانا عمّه، البارون تاليان بلاك، وعمّته، الكونتيسة جيلين موناس.
بمجرد دخول فينسنت إلى القصر، وهو متكئ على الخادم بينما يمسك يد كورنيليا، هرعا نحوه بسعادة غامرة.
كان من الواضح أنهما كانا يراقبانه طوال الوقت. بمعنى آخر، كانا يشاهدان بصمت بينما كان يحتضر.
“لقد تكرر هذا الأمر كثيرًا… أليس من المحتمل أن يموت حقًا هذه المرة؟”
قال تاليان، وهو يتمنى ذلك بوضوح في عينيه.
“لا تقل شيئًا كهذا! ماذا لو حدث له شيء خطير بالفعل؟”
حتى مع تعابيرها الزائفة، لم تستطع جيلين إخفاء البرود في نظراتها.
شعرت كورنيليا بقشعريرة تسري في عمودها الفقري من هذا الكم من الشر.
“إنهم ينتظرون فقط موت فينسنت.”
تأملت كورنيليا في فينسنت، الذي كان يئن بألم.
شعره الأسود البارد كليلة شتوية، وبشرته الشاحبة كالثلج النقي الذي لم تطأه الأقدام.
وجنتاه الغائرتان، اللتان حُفرت عليهما آثار العذاب الطويل، وأنينه الذي لم يستطع كتمانه.
“ألا يشعرون حتى بالشفقة عليه؟”
“لو نظروا فقط إلى هذا الوجه الوسيم، لكان عليهم أن يشعروا ببعض الذنب، أليس كذلك؟”
شدّت كورنيليا قبضتيها، ثم نظرت إلى تاليان وجيلين.
لكن لم يكن هناك أدنى أثر للتعاطف أو الندم في وجهيهما.
“هذا يجعلني أعيد التفكير في قراري.”
كانت تنوي فقط وضعه في سريره والمغادرة.
لكن فكرة تركه بين يدي هذين الشخصين جعلت قدميها تتجمد في مكانها.
شعرت أنه إذا تركته وحده، فقد يتخلصان منه بصمت.
“وفوق كل شيء…”
“هذا يذكرني بوحدتي في حياتي السابقة.”
بعد أن وفرت المال الذي أرادته والدتها لتعويض شقيقها الأصغر، تدهورت أوضاع سارة المالية بسرعة.
عملت لساعات إضافية، بل وأخذت وظيفتين، ثم ثلاث وظائف.
لكن لجسد الإنسان حدوده.
— “أمي، لقد انهرت… هل يمكنك القدوم إلى المستشفى؟”
— “لماذا تسقطين الآن وتزعجينني؟ لست طفلة، هل يجب أن آتي حقًا؟”
— “قالوا إنني بحاجة إلى وصي…”
— “إذا أتيت، فمن سيطعم أخاك؟ أنتِ كبيرة بما يكفي لتدبري أمورك بنفسك… أنا مشغولة، سأغلق الخط.”
شعرت كورنيليا بروح سارة ترتجف في أعماقها.
الشخص الذي عانى من الهجران لا يستطيع أبداً أن يهجر غيره.
خصوصًا في مثل هذه المواقف.
“آنسة كورنيليا.”
في تلك اللحظة، اقتربت جيلين بعينين مليئتين بالفضول.
نظرت إليها كما لو كانت مخلوقًا في قفص في حديقة الحيوان.
“كيف تعرفين فينسنت؟”
عند سؤالها، رمقها تاليان بنظرة أشبه بنظرة الضبع الجائع.
لكن كورنيليا تجاهلت نظراتهما وأجابت بهدوء:
“نحن لا نعرف بعضنا. لقد صادفتُ الدوق فاقدًا للوعي في طريقي فحسب، فأحضرته إلى هنا.”
“آه، لا يبدو ذلك صحيحًا. هل تتواصلان في العادة؟”
بدا أن جيلين تحاول دفعها إلى الاعتراف بعلاقة بينها وبين فينسنت.
أدركت كورنيليا على الفور نيتها.
لقد أرادت تشويه سمعة فينسنت باستخدام سمعة كورنيليا السيئة.
“يا آنسة، من الجيد أنك هنا.”
أضاف تاليان بمرح.
“لا بد أنكما تحتاجان لبعض الوقت الخاص، لذا سنترككما وحدكما.”
“سنخرج حتى الخدم، لذا لا تقلقي.”
“لا حاجة إلى ذلك…!”
لكن قبل أن تتمكن كورنيليا من إيقافهما، خرجا بسرعة من الغرفة مع الخدم.
بانغ!
دوّى صوت إغلاق الباب في الغرفة الفارغة.
“يا إلهي… كيف يمكن لهما أن يكونا بهذا الوضوح في تآمرهما؟”
زفرت كورنيليا بذهول.
“لا تذهب… أنا آسف…”
في تلك اللحظة، تمتم فينسنت، الذي كان فاقدًا للوعي، وهو يتألم في نومه.
بدا وكأنه يعاني من كابوس، حيث التوت ملامحه الوسيمة بحدة.
كان يتصبب عرقًا باردًا، وجهه شاحب كالشبح.
“ما الذي يحلم به ليعاني هكذا؟”
أن يكون مريضًا أمرٌ سيئٌ بما فيه الكفاية، فكيف إذا كان يعاني من كوابيس أيضًا؟
غمست كورنيليا قطعة قماش في الماء ومسحت بها جبينه.
فتح فينسنت عينيه قليلًا، وكانت حدقتاه السوداوان مرتجفتين.
“لقد كنتُ مخطئًا… سامحني…”
نظر إلى كورنيليا برجاء.
تنهدت كورنيليا.
“لا أعرف من تعتقد أنني، دوق.”
عند سماعها، مدّ يده الهزيلة.
ترددت كورنيليا للحظة، لكنها أمسكت بيده الباردة أخيرًا.
“لا يمكنني مسامحتك نيابةً عنهم، لكن يمكنني على الأقل الإمساك بيدك.”
عندها فقط، أطلق فينسنت زفرة دافئة واستسلم للنوم مرة أخرى.
“أنا هنا، لذا حاول أن ترتاح. كل شيء سيكون على ما يرام.”
كان فينسنت يركض في ظلام دامس.
من بعيد، كانت عربة والديه تسير مبتعدة.
“أبي، أمي! لا تسلكا هذا الطريق!”
إذا واصلا السير، فإن العربة ستنقلب.
لكنه، مهما ركض، لم يتمكن من تقليص المسافة بينه وبينها.
وفي النهاية—
بانغ!
سقطت العربة من على الجرف أمام عينيه.
“أبي! أمي!”
جثا فينسنت على ركبتيه عند حافة الهاوية، يصرخ بألم.
لقد كان خطأه.
لو لم يكن مريضًا، لما اضطر والديه للبحث عن علاج له في هذا المكان الخطر.
“أمي، أبي، أنا آسف… أرجوكما سامحاني…”
بينما كان يبكي بحرقة، فتح عينيه فجأة.
من خلال رؤيته الضبابية، شعر بلمسة دافئة تهدئه.
كان هناك شخص أبيض ونقي، كأنه ملاك.
“أنقذيني، أرجوكِ… أخرجيني من هذا الكابوس…”
مدّ يده نحوها، وكأنها كانت الأمل الوحيد في ظلامه الدامس.
التعليقات لهذا الفصل "19"