“ما هذا، ذلك التعبير؟”
كان يبدو وكأن فينسينت بلاك قد تجاوز حدود الإنسانية بتلك النظرة.
ضيّقت كورنيليا عينيها.
“لستُ بحاجة لأن تصدقني، لم أخبرك بهذا لأجلك.”
“لا.”
رفع فينسينت سيفه فجأة، مما جعل كورنيليا تنتفض رعبًا.
“عليّ أن أصدقك، وإلا فلن أتمكن من شرب الإكسير الذي ستقدمينه لي.”
“لكن… لماذا أخرجتَ السيف؟!”
أيها المجنون!
نظر فينسينت إلى كورنيليا التي شحب وجهها، ثم سألها بوجه يفيض بالدهشة:
“إذن، بمَ سنكتب عقدنا؟”
“بمَ… بماذا سنكتبه؟”
ما الذي يقصده فجأة؟
بينما كانت كورنيليا تحاول استيعاب كلماته، أدركت شيئًا فجعلها الذهول يعتريها.
“لـ… لا تقل لي…!”
أومأ فينسينت برأسه كما لو أنه يؤكد ظنونها.
“سنكتبه بدمائنا.”
بدون تردد، قرّب سيفه من طرف إصبعه، مما جعل كورنيليا تصرخ وهي تتشبث بذراعه.
“هل جننت؟!”
“لن أقطع يدكِ، سأكتب بيدي أنا فقط.”
“أي كتابة بالدم؟! هناك قلم بالفعل!”
أخرجت كورنيليا قلمًا بسرعة من بين طيات ملابسها. كان القلم الذي أحضرته لكتابة عقدها مع أحد المزارعين. عندها فقط، أنزل فينسينت سيفه.
“كان عليكِ إخباره بذلك مسبقًا.”
“وهل منحتني فرصة لذلك؟”
رمقته كورنيليا بنظرة غاضبة.
“ثم إن الشخص الطبيعي لا يفكر بقطع إصبعه لمجرد أنه لا يجد قلمًا!”
نظر إليها فينسينت بتمعّن، ثم قال بصوت بدا عليه القليل من الأسى:
“أرجوكِ، تفهّمي… إنه تأثير الجنون.”
فجأة، اغرورقت عيناه بالدموع.
“مهلًا، لا تجعل الأمر يبدو وكأنني أنا المخطئة هنا!”
تنهدت كورنيليا وأخرجت الورقة، واضعة إياها على صخرة مستوية، ثم بدأت بكتابة العقد.
وقف فينسينت مكتوف الذراعين وهو يقول:
“سأدفع أي ثمن تريدينه، فقط اذكري المبلغ.”
“سأعطيك الإكسير مجانًا.”
“ماذا؟!”
اتسعت عينا فينسينت من الصدمة.
“أعتبر أن ركبتك الثمينة كدوق كانت كافية كتعويض لي، وهذا يكفيني.”
مجرد تقديم الإكسير كان يربطها به بما فيه الكفاية، ولم تكن ترغب في المزيد من التعقيد عبر المال.
“على أي حال، لم أعد بحاجة إلى المال الآن.”
كانت كتابة العقد مجرد وسيلة لوضع حدود واضحة بينهما.
توقفت كورنيليا لوهلة عند السطر الأول، ولكنها سرعان ما حسمت أمرها وبدأت الكتابة بثقة.
حرصت على التأكيد على السطر الأخير تحديدًا.
بعد أن كتبت نفس المحتوى على نسخة فينسينت من العقد، وقّعت سريعًا.
“إذا لم يكن لديك أي اعتراض على المحتوى، فلتوقّع يا دوق.”
ناولته القلم، فأخذه فينسينت وبدأ في قراءة العقد بتمعّن.
<العقد>
تقدم كورنيليا آيريس إكسيرًا مجانيًا إلى فينسينت بلاك.
يتم تقديم الإكسير مرة واحدة أسبوعيًا بعد اكتمال تصنيعه.
بمجرد شفاء فينسينت بلاك من الجنون، سينفصل الطرفان تمامًا، بغض النظر عن أي ظروف.
تغيّرت تعابير فينسينت وهو يقرأ العقد.
“هل لاحظ أنني استخدمت اسمًا مستعارًا؟”
بما أنه كان معزولًا عن المجتمع بسبب جنونه، فقد ظنت كورنيليا أنه لن يكتشف الأمر بسهولة.
راقبته بقلق وسألته:
“هل هناك مشكلة في العقد؟”
تأمل فينسينت الوثيقة قليلًا، ثم هز رأسه أخيرًا، ووقع بتعبير بدا عليه الاستياء.
وهكذا، احتفظ كل منهما بنسخة من العقد.
“سأعطيك الإكسير فور انتهائي منه.”
“وأين سنلتقي؟”
“اختر أنت المكان وأرسل لي رسالة، على هذا العنوان.”
لو أرسلت كورنيليا الرسالة بنفسها، فهناك احتمال كبير أن تقع بين يدي تاليان أو غرايس، لذا كان من الأفضل أن يكون فينسينت هو من يرسلها.
“حسنًا، سأحدد الموقع قريبًا وأخبرك.”
“حسنًا، إلى اللقاء إذن.”
انحنت كورنيليا برقيّ، ثم استدارت للمغادرة.
لكن بمجرد أن ابتعدت خطوات قليلة، تغير تعبيرها تمامًا.
“بناءً على حالة فينسينت، يجب أن أحصل على بذور عشبة هايم في أسرع وقت ممكن.”
كانت تلك العشبة تنمو بسرعة، لذا لم يكن زراعتها مشكلة، بشرط أن تجد البذور أولًا.
تنهدت كورنيليا، لكنها فجأة شعرت بقشعريرة تجتاح ظهرها.
“ما هذا الشعور؟ هل هو… قتل؟”
هل يمكن أن يكون فينسينت قد لحق بها؟
لكنها سمعت أصوات خطوات كثيرة من خلفها.
“…!”
استدارت بسرعة، لتجد مجموعة من الرجال المقنّعين قد أحاطوا بها.
“سلّمي وثائق الأرض بهدوء.”
كانت سيوفهم المشعة باللون الأزرق موجهة نحوها بتهديد.
“وكذلك الوثائق التي أبرمتِها مع دوق فينسينت بلاك.”
عضّت كورنيليا شفتيها.
“منذ متى يتبعونني؟”
كان هناك شيء واحد مؤكد: لقد سمعوا حديثها مع فينسينت.
“إذن، يعرفون أنني الوحيدة القادرة على علاج جنونه.”
“هوية هؤلاء واضحة تمامًا.”
إنهم بلا شك رجال تاليان وغرايس.
تقدم قائدهم بخطوات بطيئة وقال بصوت بارد:
“إذا سلمتِ الوثائق، فسنترككِ تعيشين.”
حتى من نبرة صوته، كان واضحًا أنها كذبة.
“لا شك أنهم سيقتلونني بعد أخذ الأوراق.”
لو كانوا يريدون فقط الوثائق، لكانوا حاولوا التفاوض معها بدلًا من إرسال قتلة ملثمين.
“وفوق ذلك، من المستحيل أن يسمح تاليان وغرايس لشخص يعرف علاج جنون فينسينت بالبقاء على قيد الحياة.”
أخذت كورنيليا نفسًا عميقًا، ثم قالت:
“لدي عرض لكم.”
ضحك الرجال المقنّعون باستهزاء.
“هل تعتقدين أنكِ في موقع يسمح لكِ بالمساومة؟”
“أنتم تعملون بأوامر من تاليان وغرايس، أليس كذلك؟”
نظر الرجال إلى بعضهم البعض بتوتر، وكأنها أصابت كبد الحقيقة.
استغلت كورنيليا الفرصة وتابعت:
“لقد أخبرتُ أحد معارفي أنه إذا لم أعد بحلول المساء، فسوف ينشر طريقة صنع الإكسير في الصحف.”
اتسعت أعين الرجال.
بالطبع، لم تكن قد رتبت لذلك فعلًا.
“من هذا الشخص؟!”
“سأخبر تاليان وغرايس بنفسي.”
“هذا…!”
صرّ قائدهم على أسنانه، ثم همس أحد أتباعه بشيء في أذنه. فتنهد باستسلام، ثم قال بغضب:
“حسنًا، سنأخذكِ إليهما، ولكن ليس وأنتِ سليمة تمامًا.”
“ماذا؟”
“أي هراء هذا؟!”
كان يجب أن يذهب الأمر بسلاسة، فلماذا هذه الوحشية؟
رفع القائد سيفه عاليا، ليضرب ذراعها.
لكن في تلك اللحظة—
بام!
“آه!”
سقط القائد أرضًا بعد أن ارتطمت صخرة كبيرة برأسه.
ارتبك بقية الرجال وهم يصرخون
“مَن هناك؟!”
خرج شخص من بين الأشجار.
كان فينسينت بلاك.
وقف أمام كورنيليا وقال بصوت هادئ
“اختبئي خلفي.”
“ألم تكن تعرف أن عائلتنا مفككة؟”
“هل أنا متنبئّ؟ لم أكن أعلم أنني سأتورط مع عائلتك بهذا الشكل المريع اليوم!”
“هيه! بماذا تتهامسان هناك؟!”
صرخ أحد القتلة المأجورين، فما كان من فينسينت إلا أن استلَّ سيفه.
“ليس من شأنكم.”
وبالتزامن مع كلماته، لوَّح بسيفه.
ثم—
ضربة! صوت تمـــــــزق اللحم!
“آآآه!”
“أاااه!”
امتزج صوت تمزيق اللحم القاسي بصيحات القتلة المأجورين المروعة.
سقطوا واحدًا تلو الآخر، في طرفة عين.
تطايرت الدماء القرمزية على جسد فينسينت، لكن لم يكن فيها قطرة واحدة من دمه.
كان يقاتل بسيفه، مغطىً بدماء خصومه، كأنه ملك الموت نفسه.
رغم أنه كان في صفها، شعرت كورنيليا بركبتيها ترتجفان، فتراجعت خطوة بعد أخرى.
وفي تلك اللحظة، أحست بيدٍ تمسك بها من الخلف.
“توقف حالًا! وإلا سأقتل هذه المرأة!”
كان أحد القتلة المأجورين. كان يلهث وهو يضع نصل سيفه على عنقها، والذعر يكسو وجهه.
التفت فينسينت إليه ببطء، وسيفه لا يزال يقطر دمًا قانيًا.
لم يكن هناك قاتلٌ واحدٌ نجا سواه.
حدَّق الناجي الوحيد في عيني فينسينت المظلمتين والمشحونتين بالقتل، فارتعد من رأسه حتى أخمص قدميه.
حينها، ارتسمت ابتسامة باردة على شفتي فينسينت.
وفي تلك اللحظة، قشعريرة حادة اجتاحت جسد كورنيليا.
الشخص الذي كان يهددها بالسيف خلفها لم يكن أكثر رعبًا من فينسينت وهو يبتسم.
لم يكن هذا تصرف شخصٍ عاقل.
بل كان…
“جنونًا محضًا!”
التعليقات لهذا الفصل "13"