“هــ…هـــاه؟!”
سقط أحد الخدم أرضًا من شدة الذعر، بينما سخر فينسنت منه بازدراء.
“ماذا قلت للتو؟”
“أـ، أنـا… لقد أخطأت! أرجوك، فقط دعني أعيش…!”
“لست متأكدًا، ولكن ألا تظن أن موت شخص لا يستطيع التمييز بين ما يجب قوله وما لا يجب سيكون أكثر راحة للجميع؟”
“د، دوقي… آه!”
ما إن لامس نصل السيف جلده حتى فقد الخادم وعيه من شدة الرعب.
‘لقد تركت خدشًا بسيطًا فقط على عنقه.’
سقط الخادم المغشي عليه فوق جسد الخادم الآخر الذي كان ملقى بالفعل على الأرض.
“أوه، أوه…!”
أطلق أحد الخدم الآخرين صرخة مرتعبة ظنًا أن زميله قد مات، ثم فقد وعيه بدوره.
“كم أنتم مثيرون للشفقة.”
غادر فينسنت الغرفة بخطوات واثقة، وسيفه لا يزال في يده.
بشعره الأسود وعينيه القاتمتين، بدا ذلك الرجل الوسيم الطويل وهو يمشي في الممر بوجه بارد كأنه فهد يستعد للانقضاض على فريسته.
توقفت خطواته عند باب قاعة الاجتماعات.
في الداخل، كانت عائلة بلاك الفرعية تعقد اجتماعًا حيويًا.
البارون تالين بلاك، عمه.
والكونتيسة جييلين مونس، عمته.
كانا يعيشان في قصر عائلة بلاك منذ سنوات، بحجة مساعدة فينسنت في إدارة أمور الدوقية، مدعين أنه لم يعد قادرًا على إدارتها بسبب جنونه.
ولكن السبب الحقيقي وراء بقائهم كان واضحًا له، حتى لو لم يكن قادرًا على منعهم بسبب نوبات جنونه المتكررة التي تفقده السيطرة.
عندها، سمع فينسنت أصواتهما من داخل القاعة.
“تالين، هل تقول إن ذلك الكاهن قال بالفعل إن هناك مهدئًا للجنون؟”
“نعم. لا يمكنه تحقيق الشفاء التام، ولكن من يتناوله بانتظام سيتمكن من العيش وكأنه تعافى تمامًا.”
اتسعت عينا فينسنت، فاقترب أكثر من الباب، وأرهف السمع.
“يمكن صناعة علاج الجنون باستخدام أوراق عشبة الهييم.”
“عشبة الهييم؟” سألت جييلين بنبرة متفاجئة، وكأنها تسمع الاسم لأول مرة.
أجابها تالين، “لن تكوني قد سمعتِ عنها من قبل. فقد كانت تُعتبر نبتة عديمة الفائدة، لذا لم يكن أحد يهتم بزراعتها.”
‘ولكن، تلك العشبة قادرة على تهدئة جنوني؟’
عليه أن يجدها فورًا، حتى لو اضطر إلى البحث في أنحاء البلاد كلها!
ويبدو أن تفكير تالين وجييلين لم يكن بعيدًا عن ذلك، ولكنهما كانا يخططان لشيء آخر.
“إذن، علينا العثور عليها وإبادتها تمامًا! يجب أن يُدمر عقل فينسنت بالكامل حتى نتمكن من السيطرة على دوقية بلاك.”
“جييلين، لقد أخبرني الكاهن أيضًا أن هناك أرضًا في العاصمة تصلح لزراعة عشبة الهييم!”
“ماذا؟ وأين تقع هذه الأرض؟”
“لا يعرف. لقد عذبناه حتى الموت، لكنه لم يكن يعلم حقًا.”
“هل تخلصتَ من ذلك الكاهن كما يجب؟”
“بالطبع. لن يصل إلى مسامع فينسنت شيء عن عشبة الهييم.”
بمجرد أن سمع ذلك، هرع فينسنت إلى مكتبته بأقصى سرعة.
فقد تذكر شيئًا مهمًا.
‘هناك كتاب نباتات في مقتنيات والديّ!’
قبل سنوات، عندما بدأ جنونه فجأة، طاف والداه البلاد بأسرها بحثًا عن علاج له.
لكن في طريق عودتهم من إحدى المناطق الريفية، تعرضت عربة نقلهم لحادث مروع أودى بحياتهم.
‘إنه بسببي. كل هذا بسببي…!’
لأجل والديه، كان عليه أن يتحرر من هذا الجنون. كان عليه أن يحمي دوقية بلاك!
عندما وصل فينسنت إلى المكتبة، وجد كتاب النباتات الذي كان مخبأً في أحد الزوايا.
كان ذلك الكتاب غريبًا للغاية.
‘لأن محتواه كان يتغير باستمرار.’
عندما رأى الحروف تتبدل أمام عينيه كما لو كانت سحرًا، أدرك أن هناك شيئًا مريبًا بشأنه، لذا قام بإخفائه بعناية.
فتح فينسنت الكتاب، وسرعان ما وجد الصفحة التي يبحث عنها—عشبة الهييم!
لكن كما توقع، لم تكن الحروف مستقرة، إذ كانت تتغير كأنها ترقص، فلم يتمكن إلا من قراءة جزء من النص.
“لا يمكن زراعة عشبة الهييم إلا في أرض محفور فيها دائرة سحرية لـ(OO).
ولكن لا يمكن استخدام الأرض إلا بعد مرور (OOO) سنة من حفر الدائرة السحرية، وإلى حينها تبقى مجرد أرضٍ قاحلة.
بعد انتظار طويل، يمكن زراعة عشبة الهييم هناك، وأوراقها تُستخدم كمكون لـ(OOO).
أحدث الأراضي التي تم نقش الدائرة السحرية عليها تقع في (OOO) و(OOOO)، وكذلك في بيريوم.”
“بيريوم!”
انتفض فينسنت واقفًا على قدميه.
بهذه المعلومات، لم يعد هناك ما يدعوه للبقاء.
أمسك بكتاب النباتات بقوة، ثم انطلق مسرعًا خارج المكتبة.
* * *
على أطراف العاصمة، في بيريوم.
كان أحد المزارعين في حيرة من أمره أمام موقف لا يمكنه استيعابه.
“لماذا قد ترغبين في شراء هذه الأرض القاحلة التي لا فائدة منها؟ وبسعرٍ مرتفع كهذا؟”
كانت سيدة نبيلة قد ظهرت فجأة وأبدت رغبتها في شراء هذه الأرض، التي ورثتها عائلته جيلًا بعد جيل، وكانت بالنسبة لهم مجرد عبء.
ليس هذا فحسب، بل وعدت بأنها ستدفع عشرة أضعاف قيمتها إن تم البيع بسرعة.
“لأنني بحاجة إليها لأمر مهم.”
قالت كورنيليا بابتسامة خفيفة.
“هاه… حسنًا، ما دمتِ ستدفعين مبلغًا كبيرًا كهذا، فلا يسعني سوى القبول. لكنني لا أريدكِ أن تنفقي مالكِ على شيء بلا فائدة.”
“إنه ثمن حفاظكم على هذه الأرض طوال هذا الوقت، لذا لا تقلق بشأن ذلك، فقط خذ المال.”
“على أي حال، شكرًا لكِ! بفضلكِ، سيتمكن أحفادي من العيش دون قلق.”
ابتسم المزارع بسعادة وهو يأخذ كيس المال، ثم سلمها وثيقة الملكية ووقع على العقد دون تردد.
“إذن، سأذهب الآن.”
خرجت كورنيليا من منزل المزارع بخطوات نبيلة، تحافظ على وقارها كنبيلة حقيقية.
ثم—
“أخيرًا، أصبحت هذه الأرض ملكي!”
ما إن ابتعدت عن مرأى المزارع، حتى بدأت تقفز بفرح كأرنب صغير.
في “الدوق النادم”، صادفت كورنيليا، بطلة القصة الطيبة، ساحرًا كان يحتضر، وقامت بإنقاذه.
وبالمقابل، كشف لها ذلك الساحر عن سر مهم.
“يمكن زراعة عشبة نادرة في أراضي بيريوم القاحلة. إنها عشبة الهييم.”
بحسب ما قاله الساحر، فإن عشبة الهييم لا تنمو إلا في أرضٍ نُقشت فيها دائرة سحرية قديمة.
‘لكن لا يمكن تفعيل تلك الدائرة السحرية إلا بعد مرور مئة عام من نقشها.’
وحتى انقضاء هذه المئة عام، تبقى الأرض مجرد قفر بلا فائدة.
كان ذلك شرطًا قاسيًا للغاية، لكن لحسن الحظ، كورنيليا كانت البطلة.
“قبل مئة عام، قام أحد السحرة بنقش دائرة سحرية في بيريوم لزراعة عشبة الهييم!”
‘ولهذا تمكنتُ من العيش بشكل جيد بعد هروبي من برودي.’
لكن لسوء حظ المزارع، الذي لم يكن بطلاً، بقيت عائلته محتفظة بهذه الأرض المجهولة القيمة طيلة قرنٍ كامل.
‘جَدُّه كان ساحرًا، وقد قام بنقش الدائرة السحرية، لكنه مات من الإرهاق قبل أن يتمكن من إخبار أحدٍ بذلك…’
ومرت مئة عام دون أن يدري أحدٌ بالحقيقة.
‘لكن أوراق الهييم التي تنمو في هذه الأرض تُستخدم في صناعة الإكسير!’
كان الإكسير بمثابة دواء معجِز، يمكنه علاج أي مرض تقريبًا.
بمجرد أن تتمكن من صنعه، لن تقلق أبدًا بشأن المال.
‘وأنا أعرف تمامًا كيفية صناعته، لذا لا داعي للقلق.’
فضلًا عن ذلك، كورنيليا تمتلك قوةً سحرية كافية لتفعيل الدائرة السحرية، كما هو متوقع من بطلة القصة.
لهذا، لم تتردد في دفع ثروة طائلة لشراء هذه الأرض.
‘سأجني منها الكثير من المال، لذا عليّ أن أكون كريمة مع البائع.’
حتى لو كان المزارع يجهل قيمة الأرض، فإن استغلال جهله كان ليكون أشبه بالخداع.
‘كما أن عائلته لم تكن في حالٍ جيدة.’
الآن، لم يتبقَّ سوى الحصول على بذور عشبة الهييم.
وهذا كان أكثر تعقيدًا من شراء الأرض نفسها.
‘هل يمكنني العثور عليها بسهولة؟ ربما عليّ البحث عن عالم نباتات أو عطارٍ مختص.’
بينما كانت تفكر في ذلك—
سويش.
شعرت بشيءٍ بارد وحاد يلامس عنقها.
نصل سيف.
“…!”
“من أنتِ؟”
قال الرجل الذي كان أمامها.
‘هذا السؤال من المفترض أن أطرحه أنا!’
لكنها لم تستطع النطق.
عيناه السوداوان، العميقتان كأعماق الظلام، كانتا تحملان تهديدًا قاتلًا جعل لسانها ينعقد.
وجنتاه وهزاله كشفا عن مروره بظروف قاسية، لكن كتفيه العريضتين وذراعيه القويتين أظهرتا أنه ليس شخصًا ضعيفًا.
لم تكن تعلم ماذا يجري، لكنها أيقنت أنه مقاتل بارع.
لكن أكثر ما أثار دهشتها هو—
‘كيف يمكن لشخصٍ أن يكون وسيمًا لهذه الدرجة حتى في موقفٍ كهذا؟!’
كانت كورنيليا ترتجف بينما تتراجع ببطء إلى الخلف، لكنه تقدّم نحوها خطوةً أخرى.
‘اللعنة.’
أدركت أن لا فائدة من المقاومة، فبقيت ثابتة في مكانها.
عندها، أمال الرجل رأسه قليلًا ونظر إليها نظرة حادة.
“بأمر من مَن جئتِ لاغتصاب أراضي بيريوم القاحلة؟”
“…؟”
“تالين؟ أم جييلين؟”
“…”
“لم أكن أظن أنكما ستكتشفان أمر هذه الأرض بهذه السرعة. أنتما سريعان، أم أنني كنت بطيئًا؟”
‘ما الذي يهذي به هذا الرجل؟’
كانت كورنيليا مذهولة. لماذا يتحدث وكأنه يُلقي خطابًا طويلًا مع نفسه؟
لكن ما فهمته من كلماته هو أنه يطمع في أرضها.
أمسكت بوثيقة الملكية في يدها بقوة.
عندها، تذكرت شيئًا كانت قد نسيته مؤقتًا.
‘تالين وجييلين؟’
كانا اسمين ظهرا في بداية رواية “كيف تهربين من ذلك الدوق”.
إنهما أقارب فينسنت بلاك، الذين حاولوا سرقة لقبه الدوقي.
“آه…”
أطلقت كورنيليا شهقة لا إرادية وهي تنظر مجددًا إلى الرجل الواقف أمامها.
شعر أسود… عينان سوداوان كظلام الليل…
وجنتان هزيلتان بسبب الجنون…
ومع ذلك، ملامحه الوسيمة كانت بارزة أكثر بسبب ذلك.
‘فينسنت بلاك…!’
التعليقات لهذا الفصل "11"