“آه!”
كانت القاعة في حالة فوضى عارمة.
الثريا تأرجحت بخطورة، وكأنها على وشك السقوط في أي لحظة.
شظايا الزجاج المتناثر انعكست عليها الأضواء بحدة، بينما غطت الأرض بقايا طعام ومشروبات مسكوبة.
كعكة مهروسة التصقت بالأرضية، وراح الأرستقراطيون ينزلقون في كل اتجاه بعدما داست أقدامهم على الكريمة المتناثرة.
تحولت قاعة الرقص الفاخرة إلى مشهد أشبه بالجحيم.
“هل هذا كابوس آخر؟”
عضّت سارة شفتيها دون وعي، ثم حدث ذلك—
وسط الحشد المذعور، شقّ شخص ما طريقه بخطوات ثابتة: “طق، طق، طق”.
شعره الأشقر تألق كأنه استأثر برحمة السماء، عيناه اللامعتان كالجواهر سلبتا الأنظار، وملامح وجهه البديعة بدت وكأنها من صنع فنان ماهر.
للحظة، شردت سارة مبهورة، وكأنها فقدت صوابها، لكنها سرعان ما استعادت رباطة جأشها.
كان الرجل الوسيم، الذي بدا وكأنه صُنع من أثمن كنوز العالم، يحدّق بها بازدراء.
شعرت بضيق في التنفس تحت وطأة نظراته الباردة كالجليد.
“أفلتي يدكِ.”
كانت عيناه الخضراوان، اللطيفتان مع شخص آخر، مسمرة على يدها.
تبعت سارة نظرته، ليتجمد دمها. كانت تمسك بشدة بشعر امرأة غريبة!
“آه!”
أفلتت يدها على الفور، مذهولة.
تراجعت المرأة بسرعة، مختبئة خلف الرجل، ثم اشتكت بنبرة مرتجفة:
“سيدي الدوق إيفانز! هذه المرأة مجنونة حقًا! مجرد ذكر اسمك جعلها تثور غيرة وتسبب كل هذه الفوضى!”
جملة واحدة كانت كفيلة بأن تفك شفرة هذا الكابوس.
فجأة، أدركت سارة الحقيقة—
“أنا” من تسببت في كل هذا…
وفي اللحظة التي استوعبت فيها ذلك، تدفقت إلى ذهنها ذكريات ليست لها.
***
“الدوق إيفانز؟ لا يمكن حتى اعتباره رجلًا بحق!”
“يحمل حبيبته في قلبه، لكنه خطب الآنسة فقط لحماية شرفه؟ يا له من جبان!”
“ربما لأنه من سلالة أرستقراطية مهاجرة، لم يستطع التأقلم مع عادات الإمبراطورية بعد. أصله البربري يجعله لا يفهم معنى الوفاء.”
“احذري، آنستي. من يدري متى سيتخلى عن خطيبته كما لو كانت مجرد قمامة؟”
***
كأنها أصبحت بطلة هذا الكابوس الحقيقية، اجتاحتها الذكريات فجأة—كل ما حدث قبل لحظات عاد إليها بوضوح.
كنت مجرد لعبة في أيدي الأرستقراطيين…
الفتاة الساذجة، المغرمة بالحب حتى العمى، لم تكن سوى أداة لتسليتهم.
وكما هو الحال دائمًا، وجد الأرستقراطيون متعتهم في العبث بمشاعرها اليوم أيضًا.
سخروا من خطيبها، نقطة ضعفها التي يعرفونها جيدًا.
وكما في كل مرة، لم تستطع كبح غضبها فانفجرت.
“أهينوني إن شئتم، لكن لا تسيئوا إلى الدوق!”
تذكرت صرختها تلك، تذكرت كيف اندفع الغضب في عروقها حينها.
لكن هذه المرة، لم يكن غضبها نابعًا من الظلم وحده—بل من السخرية القاسية التي تراها الآن بأم عينها.
الرجل الوسيم، الواقف أمامها ببرود، ليس سوى خطيبها.
أما المرأة ذات الشعر المبعثر، التي تختبئ خلفه وتتظاهر بالضعف، فهي الآنسة مارين…
نفسها التي كانت قبل قليل تضحك بسخرية وتستهزئ به أمام الجميع.
“الآنسة مارين هي من بدأت…!”
كادت أن تحتج بعنف، لكن صوته البارد أوقفها قبل أن تنطق بكلمة.
“لقد سئمت حقًا من تصرفاتك هذه.”
ارتجفت.
عندما التقت عيناها بوجهه المتجمد ببرود، خارت قواها، وارتخت قبضتها التي كانت مشدودة من الغضب.
لماذا يلومني؟
أنا في صفه.
أنا لم أهِنه، بل هم من فعلوا ذلك!
لكن كلماته التالية سحقتها تمامًا:
“لقد أخبرتك بوضوح أن تتوقفي عن استخدامي كذريعة لإثارة الفوضى.”
كان صوته مشحونًا بالاشمئزاز، ولم يحاول حتى إخفاءه.
“أنا… أنا…”
اغرورقت عيناها بالدموع دون أن تدرك.
شعرت بالظلم يخنقها، يغلي في عروقها حتى كادت تفقد عقلها.
لم تحاول حتى الدفاع عن نفسها، لم تقل إنها فعلت ذلك من أجله.
لكن—
بمجرد أن حرّكت يدها قليلاً، تعمد الحاضرون إسقاط الكؤوس وإلقاء الكعكة، موهمين الجميع بأنها المسؤولة عن هذه الفوضى.
حتى إمساكها بشعر الآنسة مارين لم يكن بلا سبب—كانت الأخيرة تهمس للخدم بأوامر لإسقاط الثريا.
“ربما كانت تخطط لاتهامي بتدميرها أيضًا…”
لكن وسط هذا العبث، أدركت الحقيقة القاسية—
“الدوق نفسه يتحمل جزءًا من اللوم.”
في تلك اللحظة، مالت الآنسة مارين نحو الرجل وهمست بصوت مغموس بالمكر
“لقد غضبت هذه المرأة لأنك، سيدي الدوق، لم ترافقها كشريكة في الحفل بسبب الآنسة غريس.”
في لحظة، تغيرت ملامحه تمامًا.
تلاشت برودة عينيه الخضراوين لتحل محلها نية قاتلة شرسة.
تقدم نحوها بخطوات بطيئة، لكن نظرته كانت كافية لجعل جسدها يرتجف غريزيًا.
نظر إليها كما لو كانت مجرد حشرة يمكنه سحقها بسهولة.
اقترب أكثر… حتى كادت أنفاسه تلامس وجهها، ثم همس بصوت زئبقي، منخفض لكنه مشحون بالغضب المكبوت
“كورنيليا آيــــريس.”
فجأة، اجتاحتها قشعريرة باردة.
“إذا نطقتِ باسم غريس مرة أخرى، فلن أترككِ وشأنك.”
كان صوته الجليدي كفيلاً بخنقها، كأن الهواء نفسه صار أثقل حولها.
ثم، كما لو أنه لمس شيئًا نجسًا، ابتعد عنها بسرعة، واستدار ليغادر قاعة الرقص دون أن يمنحها نظرة أخرى.
كيك… كيكيك…
تعالت الضحكات الساخرة من حولها، تهاوت فوقها كسهام مسمومة.
تُركت واقفة في وضعٍ بائس، لكن الغريب أنها لم تشعر بالغضب أو الظلم هذه المرة.
منذ أن سمعت كلماته القاسية، كان الأمر وكأن ضربة قوية أصابت رأسها.
“كورنيليا…آيــرِّيس؟”
الاسم تردد في عقلها، مألوفًا بطريقة لا تستطيع تفسيرها.
ثم تذكرت—
لقب الرجل الذي نادته به الآنسة مارين قبل قليل
“سيدي الدوق إيفانز.”
شعر أشقر، عينان خضراوان، والكراهية الواضحة في نظرته نحو كورنيليا…
هذا… هذا هو بطل روايتي!
روايتي التي كتبتها— الدوق النادم.
حدّقت سارة في الفراغ، قلبها يخفق بعنف.
“هل يعقل أنني… أصبحت كورنيليا في روايتي الخاصة؟!”
التعليقات لهذا الفصل "01"
الرواية ممتعه 😍 شكرا علي الترجمه يا فنانه 😍😘
اي والله انتي كورنيليا و يا رب ما يكون البايخ هذا بطلك