لم يتراجع سيرفيل، بل غضب منّي:
“ألا تثقين بي؟ أليس عليكِ تصديقي إذا قلتُ ذلك؟”
“أثق بكَ، لكنني أحتاج إلى دليل. هكذا أنا.”
قلتُ بحزم.
أصبحت عيناه حزينتين.
تنهّدتُ بعمق:
“متى قلتُ إنني لا أثق بكَ مطلقًا؟ ليس هذا ما أعنيه.”
“إذن، ألغي ذلكَ. هذا يكفي. أظهري ثقتكِ بي!”
“لمَ أنتَ عنيد هكذا؟ إنّها مجرّد شراكةٍ لمرة واحدة! شريك في الحفل الأول!”
“ومن يعلم ماذا سيحدث؟ ألا تخافين؟ كادت أذنكِ تُثقب بقرطٍ في مكتبه!”
عندما رفع صوته، رفعتُ صوتي أيضًا:
“سأكون حذرةً الآن! ولديّ مكانة مختلفة تمامًا عن ذلك الوقت.”
صرّ سيرفيل على أسنانه وحدّق بي:
“عنيدة. ألا يمكنكِ الاستماع لي ولو مرة؟”
“العنيد هو أنتَ أيضًا!”
طق طق.
بينما كنا نتشاجر بصوت مرتفع، سمعنا طرقًا وانفتح الباب.
ظننتُ أنّ جدّي جاء للتهدئة، لكن الشخص الواقف كان غير متوقّع تمامًا.
كان الإمبراطور إدوين.
“آه.”
فتحتُ فمي مذهولة، ثم استعدمتُ رباطة جأشي وتحيّيته:
“أحيي شمس الإمبراطورية، جلالة الإمبراطور.”
“أحيي جلالة الإمبراطور.”
حيّا سيرفيل بفتور.
ابتسم إدوين:
“من الرائع رؤيتكما هكذا. آنسة آيليت، وسيد الدوق بيريارت.”
“نعم، جلالتكَ.”
“نعم، حسنًا.”
‘ما الخطب معه؟’
حتى لو كان أخاه، أيجوز التحية بهذا الفتور؟
نظرتُ إلى سيرفيل، موحية له أن يكون أكثر تهذيبًا، لكنه حافظ على تعبير غير مبالٍ، بل بدا منزعجًا.
على الأرجح، بما أنّهما لا يتوافقان، يشعر بالضيق من هذا اللقاء.
لكن ألا يجب إخفاء ذلك علنًا؟
‘لم يكن هكذا من قبل، لمَ تغيّر؟’
هذا الرجل ليس عديم اللباقة الاجتماعية.
“إذن، هذه غرفة الآنسة آيليت لهير.”
بينما كنتُ قلقة وأتذمّر داخليًا، لم يبدُ إدوين منزعجًا من ردّ سيرفيل، بل ابتسم ونظر إليّ فقط ودخل الغرفة.
“نعم، جلالتكَ. تفضّل.”
“آه، وآسف لقدومي دون إشعار.”
“لا، لا بأس، جلالتكَ. أن نستضيفكَ في مكان متواضع…”
ارتجف صوتي.
شعرتُ بالواقع فجأةً.
إمبراطور يُفترض أن يكون في القصر الرائع، يأتي إلى هنا مع مساعديه وفرسانه، إلى غرفتي الصغيرة مقارنة بمكتبه.
ما الذي جاء به؟
قرّرتُ الالتزام بالأدب أولاً:
“السيدة أوليفيا…”
“لا، لا بأس.”
كنتُ سأطلب من أوليفيا تحضير الضيافة، لكن إدوين رفض.
نظرتُ إليه متعجبة، فابتسم بلطف وهو يضع يديه خلف ظهره:
“لا حاجة للشراب الآن.”
“ماذا؟ ألم تأتِ للتحدّث معي؟”
“نعم، صحيح. هذا هدفي.”
أشرق وجه إدوين، بينما ازداد وجه سيرفيل سوءًا.
يا إلهي، إنّه سيء جدًا في إدارة تعابيره.
جلالتكَ لم يفعل شيئًا بعد، لكن إذا واصلتَ تقطيب وجهكَ، قد تُسحب بتهمة الخيانة بسبب تعبيركَ يا سيرفيل!
قلقتُ كثيرًا، فقرّرتُ التدخّل:
“ههه، لقد تشاجرنا للتو، لذا الدوق في مزاج سيء. لا تسيئوا الفهم.”
“آه، هكذا إذن. سمعتُ صوتًا كهذا من خلف الباب.
لا بأس، ما دمنا لم نتشاجر أنا وآيليت، أليس كذلك؟”
ابتسم إدوين.
“شكرًا لتفهّمكَ…”
“….”
واصلتُ دفع سيرفيل الذي ظلّ صامتًا، لكن الإمبراطور نظر إلينا بالتناوب وضحك:
“جئتُ اليوم لطلب من آيليت.
سنكون شريكين في الحفل الأول، أليس كذلك؟”
“نعم، جلالتكَ.”
“عادةً، يرتدي شركاء الحفل الأول ملابس متطابقة.”
آه، هكذا إذن.
لم أكن أعرف الكثير عن الحفل الأول بعد.
أومأتُ وقلتُ:
“إذن، هل أحضرتَ مصمّمًا؟”
“لا، كنتُ سأفعل…”
ابتسم وأكمل حديثهُ.
“لكنني أردتُ زيارة متجر الأزياء بنفسي للتجربة.
وأيضًا، التجوّل في شوارع العاصمة والخروج في موعد مع الآنسة آيليت.”
موعد.
شككتُ في أذنيّ، وسألتُ مذهولة:
“ماذا؟ مـ-موعد؟”
“نعم. ألا يمكن؟”
فتحتُ فمي.
ابتسم إدوين.
ساد الصمت.
هل هذا منطقي؟
الإمبراطور إدوين مخطوب للقدّيسة يوربيلا، لكنّه يريد موعدًا علنيًا مع امرأة أخرى أمام الشعب؟
بينما كان الجميع مذهولين وصامتين، تقدّم سيرفيل:
“هذا غير مقبول.
أليس جلالتكَ مخطوبًا للقدّيسة؟
هذا ليس تصرّفًا نموذجيًا أمام الشعب…”
“آه، لا تقلق بشأن ذلك.”
قاطعه إدوين بضجر:
“لا يهم.”
“ماذا؟”
“انفصلتُ عن يوربيلا هذا الصباح.
أعلنا ذلك رسميًا ونشرنا الخبر.”
ماذا؟
اتّسعت عيناي، فكرّر إدوين بلطف وطلب:
“لقد انفصلتُ، آنسة آيليت.
أنا أعزب الآن.
فهل تقبلين دعوتي لموعد؟
أرجوكِ.”
يا إلهي.
شعرتُ كأنّ عقلي توقّف، وأصبح ذهني فارغًا.
ما الذي يحدث؟
الإمبراطور وقدّيسة يوربيلا انفصلا فجأة؟
في تلك اللحظة، تذكّرتُ علاقة سيرفيل ويوربيلا، ونظرتُ إليه.
بدت تعابيره جادّة.
‘آه، هذا خبرٌ جيد له.’
هل يفكّر في كيفية إعلان علاقتهما علنًا الآن؟
شعرتُ بألم في صدري.
هل هو سعيد لأنّهما لن يضطرا لإخفاء حبّهما بعد الآن؟
‘أنا أتألم هكذا.’
شعرتُ بالضيق.
ثم رأيتُ الإمبراطور.
نعم، ربما أنسى حبّي بلا مقابل برجل آخر؟
قد يكون الإمبراطور يخفي شيئًا، لكن مظهره على الأقل لائق.
صرختُ بحماس:
“حسنًا، لنذهب، جلالتكَ!”
“رائع، آنسة آيليت.”
“آنسة آيليت، لحظةٌ.”
ناداني سيرفيل بنبرة توبيخ صارمة، لكنني تجاهلته.
أنتَ سعيد بطريقتكَ.
وأنا يجب أن أنسى حزني بطريقتي.
“سأستعدّ للخروج.”
تحت نظرات سيرفيل المخيفة، استعددتُ للخروج مع الإمبراطور.
* * *
“مرحبًا، يا قدّيسة.”
“أهلاً، قدّيسة.”
“قدّيسة، هل وصلتِ؟”
بينما كانت القدّيسة يوربيلا تصعد درج المعبد الكبير، اصطفّ الكهنة وتحيّوها باحترام.
ردّت بإيماءة وواصلت الصعود.
كانت القدّيسة رمزًا للمعبد، مثل البابا.
بجمالها وأعمالها الرحيمة، كانت محبوبة الشعب، وربما أكثر تأثيرًا من البابا.
لكن هذه القدّيسة عادت إلى المعبد حاملة أمر فسخ خطوبة.
ليس اتفاقًا، بل أمرًا.
في طقس الخريف البارد، تطاير شعرها الفضي بحزن.
همس الكهنة والقساوسة بحسرة وهو يرون ظهرها.
انتشر خبر فسخ الخطوبة في المعبد.
انتشر الخبر عبر الإعلانات الرسمية والصحف بسرعةٍ.
التعليقات لهذا الفصل " 49"