الفصل 18
سيرفيل كان يوبّخني كأنني طفلة صغيرة أحدثت مشكلةً.
وما زاد الطين بلّة، أنّ كل ما قاله كان صحيحًا، فعبستُ بشفتي وتذمّرت.
“أنا أُعاني من تأنيب الضمير فعلًا، حسنًا؟
ثم إن هذا ليس من شأنك يا دوق.
لا تتدخل من فضلك.
رغم أنني ممتنّةٌ على المساعدة، طبعًا.”
“لا، لي الحق في التدخل.
فأنا زبونك القيّم، أليس كذلك؟
أنت قلتِ هذا بنفسك، أليس كذلك؟”
“……كلام لا يُصدّق.”
قلتُ ذلك فقط لأني لم أجد شيئًا آخر أقوله، ولا أذكر أنني وصفته بـ ‘القيّم’.
‘يا للغرابة.’
رمقته بنظرة جانبية، فردّ سيرفيل وقد شبك ذراعيه وحدّق بي:
“هل كرهتِ حقًّا فكرة أن تصبحي الطبيبة الخاصة بقصرنا؟
حسب علمي، كنت سأمنحك معاملةً ممتازة، بل أفضل بكثير من أي طبيب في أي قصر آخر.”
فجأةً شعرت باليقظة.
هذا هو العرض الثاني.
المنصب الذي يُعني بأن أكون طبيبة الشرير.
رفضت بسرعةٍ.
“نعم، كما قلت سابقًا، إذا كنت سأذهب إلى مكان ما، فأنا أريد أن أصبح طبيبة في أفضل موقع.
إذا أردت تلقي العلاج، يمكنك القدوم إلى القصر الإمبراطوري.”
قلت ذلك بابتسامة هادئة، بينما بدا أن وجه سيرفيل تجمّد قليلًا.
“القصر الإمبراطوري، ها.”
راح يفرك ذقنه فجأة وينظر إليّ بتأمّل.
تذكّرت حين قال من قبل، إنه مطارد من قبل الإمبراطور، وتعرّض لمحاولات اغتيال.
‘إن كان هذا صحيحًا، فالدخول إلى القصر قد يكون أخطر حتى من البقاء هنا.
من هو الشرير الحقيقي إذن؟’
وحتى أعرف الحقيقة، عليّ دخول القصر كطبيبة.
بينما كنت غارقة في التفكير، هزّ سيرفيل رأسه وضحك بهدوء.
“حسنًا، جرّبي ذلك إذن.
لن يكون الأمر سهلًا.
وفي النهاية، ستعودين لأن المعاملة التي نقدمها هي الأفضل.”
عبستُ وأنا أرى وجهه الواثق.
“لماذا تظن أنني سأصبح طبيبتكَ؟”
“ألستِ ترغبين في كسب المال؟
أظن أن هذا كان هدفك من البداية.
وقد عرضت عليكِ أجرًا كبيرًا جدًا.”
“آه.”
كنت أجمع المال طوال الوقت في الجبال.
كنت أريد أن أفتح عيادة في العاصمة.
ربما ظنّ سيرفيل أن المال هو هدفي في الحياة.
يا له من رجلٍ غبي.
هدفي الحقيقي هو ألّا أكون طبيبته.
كنت أجمع المال لأفتح العيادة فقط حتى أتهرّب منه.
وها أنا الآن أقف وجهًا لوجه أمامه.
بما أن اللقاء قد حصل، قررت أن أواجهه، وأحاول معرفة الحقيقة، دون أن أقترب منه كثيرًا.
رفعت ذقني بنظرة متحدّية وقلت:
“سنرى من سيكون على حقٍ.”
“حسنًا.”
ضحك سيرفيل بخفة، ثم قال إن الوقت قد تأخر وأصرّ على إيصالي للمنزل.
بما أنه لم يكن من النوع الذي يستمع لكلام الآخرين، لم أحاول منعه، وعدنا إلى منزلي معًا بخطى بطيئة.
نظر إلى منزلي ومحل الأعشاب الخاص بي بنظرة غير راضية، ثم علّق:
“ألا ترين أن هذا المكان صغير جدًا لتعيشي فيه مع ذلك الثعلب؟”
“كافٍ تمامًا، حسنًا؟
لو كان أكبر، لصعُب عليّ التنظيف.”
ضحك سيرفيل بخفة، وتظاهر بأنه ينظّف.
“آه، التنظيف.
أنت لا تجيدين التنظيف أصلًا.
حتى آين ليس موهوبًا في التنظيف.”
“التنظيف؟
نعم، الدوق كان بارعًا فيه.
ربما لا تقوم به الآن، لكن تلك كانت موهبةً حقيقية، للأسف ضاعت.”
ضحكت بخفّة، فابتسم هو وبسط يده.
“لو أتيتِ كطبيبة في قصرنا، سأقوم أنا بتنظيف وترتيب غرفتك.
ما رأيكِ؟”
نظرت إليه مذهولةً.
هذا العرض كان جنونيًا.
“هل جننت؟
كيف يمكن لصاحب القصر أن ينظّف غرفة موظفه!
أنت فعلاً مضحكٌ، هياهيه!”
“……أول مرة تضحكين منذ لقائنا من جديد.”
هل هذا صحيح؟
نظرت إليه محرجةٍ.
عينيه الذهبيتين، اللامعتين حتى في الظلام، كانتا تهتزان كأوراق القصب في العاصفة.
“أنا أحب هذه اللحظة.
لم أشعر بهذا السلام منذ مدة طويلة.”
“……حسنًا، أنا لا أكرهكَ يا دوق.”
عندها، أمسك سيرفيل بأطراف أصابعي.
تركت يدي دون مقاومةٍ.
“إذًا، لماذا تحاولين تجنّبي دائمًا؟”
“…….”
في الحقيقة، كنت أستمتع بقضاء الوقت معه، كما في الماضي.
لكنني خُفت.
حتى لو لم أكن طبيبته، مجرد ارتباطي به قد يؤدي إلى نهاية مأساوية.
كنت خائفةً.
أنا جبانةٌ.
فهذا الرجل الطيب واللطيف الآن، قد يصبح الشرير الحقيقي في هذه الرواية إن ارتبطت به أكثر.
سحبت أصابعي من قبضته وتراجعت.
ثم دفعت باب المنزل وقلت ببرود:
“شكرًا على اليوم.
لكنك لا تحتاج إلى القلق عليّ بعد الآن.
سأطلب المساعدة من آين لاحقًا.”
“آيليت.”
“تصبح على خير، يا دوق.”
وأغلقتُ الباب.
كنت أشعر بوضوح أنه لم يغادر بعد، لكنني لم أتمكن من فتح الباب.
ما الذي سيحدث لنا؟
هل عليّ أن أصبح طبيبة في القصر الإمبراطوري حتى أكتشف الحقيقة، وأشعر بالأمان، ثم أستطيع أن أراه مجددًا؟
‘ربما.
لتحريف الرواية، يجب أن أُحرّفها تمامًا.’
لم أكن أرغب في إيذائه.
لذا، كان عليّ أن أبذل جهدي.
قررت أن أذهب لرؤيته غدًا مباشرة.
* * *
إدوين تعمّد أن يأخذ شومان في نزهة إلى الجهة الخلفية من القصر الإمبراطوري.
فاليوم هو موعد وصول الأعشاب النادرة، كما أخبرهُ مساعده.
“همم.
هل هي من هنا؟”
كان إدوين يحمل شومان، الذي كانت ساقه قد تعافت تقريبًا، لكنه أبقى الضمادة عمدًا.
أرهف سمعهُ بـ.
“مرحبًا!”
جاء الصوت الذي كان يتوق لسماعه من بعيد.
“آيليت!
مرحبًا بكِ.
أتين في إجازة طارئةٍ اليوم.
شرب كثيرًا البارحة.”
“هاها، فهمت.
لقد أحضرت الأعشاب التي طلبتها.
سأدخل الآن.”
“شكرًا لك، أحسنتِ عملًا.”
جلس إدوين على المقعد، ثم تلاقت عيناه مع تلك المرأة ذات الشعر البيج الفاتح، التي كانت تدخل.
عيناها البنفسجيتان كانتا تتلألآن كالجواهر تحت ضوء الشمس.
“أيد!”
نادته باسمه المحبّب دون تردد.
كانت جميلةً جدًا في تلك اللحظة.
وشعر بقلبه ينبض بشدةٍ من شدة السعادة.
“شومان، ها هي.”
قال إدوين بصوت منخفض قاتم.
شومان، الذي لم يكن يحب الناس عادة، كان يعلم أن سيده سعيدٌ بلقاء تلك المرأة القادمة من بعيد.
الكلب الوفي شومان، الذي يعرف طباع سيده الصعبة، أدرك أيضًا أنه عليه أن يحسن التصرف مع من يحبّه سيدهُ.
كان يحب آيليت أيضًا.
فهي الوحيدة التي عالجت ساقه عندما علقت في مصيدة فئران.
إدوين لم يطلب من أي طبيب بيطري أو حتى القديسة مساعدتهُ، لذا أصبحت آيليت منقذته الوحيدة.
“هوهو!”
نبح بفرح، لكن إدوين وبّخه:
“كن مهذبًا.
هي الوحيدة التي عالجتك يا شومان.”
ربّت إدوين على رأسه وهمس بهدوء، ثم أنزله على الأرض.
شومان، وإن تعافى تقريبًا، كان لا يزال يعرج بساقهِ المصابة، فخرج لاستقبال آيليت.
فتحت آيليت عينيها دهشةً حين رأته.
“أوه، يبدو أن شومان لم يُشفَ بعد؟
كنت أظن أن الجرح تعافى تمامًا في هذا الوقت.”
“ربما كانت المصيدة قد غرزت عميقًا أكثر مما نظن.
حتى الطبيب البيطري قال ذلك.”
كذب إدوين دون أن يرمش.
آيليت، التي حرّرته من المصيدة بنفسها، بدت حائرة، لكنها لم تجد ما تقوله.
جلست، وفحصت الجرح.
لم يكن هناك شيء غريب سوى العلاج الذي قدّمته سابقًا، لكنها صدّقت كلامهُ.
“شومان، ابقَ هادئًا، حسنًا؟”
أخرجت مرهمًا، ودهنت الجرح، ثم بدّلت الضماد.
ربّتت على رأسه وأخرجت له قطعة لحم مجفف كانت قد جهّزتها مسبقًا.
“أحسنتَ.”
“هوهو!”
“تناولها بهناءٍ.”
نظر إدوين إلى شومان وهو يلتهم اللحم، وقد بدا عليه شيء من الدهشة.
“يبدو أنه يحبها.
مع أنه من الصعب إرضاؤه.”
“في بيتنا، هناك مَن يحب هذا النوع من اللحم، فجلبتُ قليلًا منه.”
ابتسمت آيليت بهدوء، كأنها تتذكّر شخصًا ما.
أمال إدوين برأسه متسائلًا.
“هل تملكين كلبًا؟”
“ليس كلبًا تمامًا…
لذا أصنع له لحمًا خاصًا.”
ترددت آيليت وتلعثمت في كلامها.
أطلق إدوين صوتًا خافتًا وضحك، وقرر أن يعرف لاحقًا ما هو الحيوان الذي تربيه.
التعليقات لهذا الفصل " 18"