الفصل 14
الرجل الذي كنتُ أبحث عنه لم يكن هناك.
في ذلك الزقاق المسدود، كان هناك رجل آخر أعرفه.
تراجعتُ دون وعي.
“إلى أين؟”
كان شعره أسود داكن، وعيناه الذهبيّتان كوحش يحدّق بي، وتعبيره يبدو كأنّهُ غاضبٌ.
الدوق الأكبر سيرفيل بيريارت.
بعد سنوات من اللقاء، بدا كما هو، وفي الوقت ذاته مختلفًا جدًا.
تراجعتُ خطوةٍ أخرى دون وعي. أمال الدوق رأسه قليلًا، وهو يضع يده في جيبه، وقال:
“هل ستهربين مجدّدًا؟”
“إن أمكن.”
لا أعرف من أين أتت الشجاعة، لكنّني جمعتُ قوتي وتحدّثتُ.
لكن صوتي ارتعش، فأصبحت كلماتي بلا جدوى.
“هاه.”
ضحك الدوق بسخريةٍ.
كانت ضحكته باردة وحزينة، فتساءلتُ.
في تلك اللحظة، اقترب منّي بسرعة، وأنا، بحماقة، هربتُ نحو الحائط بدلاً من مخرج الهروب.
فكان ظهري يلامس الحائط بالطبع.
“بحثتُ عنكِ طويلًا…”
كان صوته خافتًا.
“كنتِ هنا.”
اقترب الرجل الضخم، مستندًا إلى الحائط، يضغط عليّ.
“بحثتُ عنكِ طويلًا، أيتها الطبيبة.”
“لمَ…هـ-هل هناك مكانٌ يؤلمكَ؟”
حاولتُ الابتسام، لكن شفتيّ ارتعشتا، ولم أستطع. كنتُ خائفة جدًا.
رجل وسيم لكن مهيب، كلمات الدوق الشرير سيرفيل بيريارت الحارّة انسكبت على رأسي.
“مكان يؤلمني؟”
سخر منّي.
لمَ يعاملني هكذا؟
أردتُ الاحتجاج، لكن الجوّ لم يسمح بذلك.
عبس وقال:
“قلبي يؤلمني، أيتها المعلّمة آيليت.”
“ماذا؟”
“منذ هربتِ، هذا المكان يؤلمني.”
أمسك قماش صدره كأنّه يعصره، وعبس، واقترب بوجهه منّي.
“آه.”
تراجعتُ مذعورةً، لكن لم يكن هناك مكان للهروب.
أمال رأسه قليلًا وسأل بنبرة لوم:
“لمَ رحلتِ؟”
“كان لدي أسبابي.”
“ما هي؟”
ابتعد قليلًا وتنفّس بسرعة. لكنّني لم أجب، فعبس وسأل بسرعة:
“هل كان هناك من يضايقكِ؟ ألم تفكّري بمشاركتي؟ أم أنّني لم أكن جديرًا بثقتكِ؟”
“لم يكن هناك أحد. فقط مللتُ ذلك المكان، وأردتُ الرحيل بسرعةٍ.”
أردتُ الهروب من نظرته الذهبيّة الحارقةِ كالشمس.
شعرتُ أنّني سأحترق إن بقيتُ.
بعد صمت قصير، سأل:
“…لدرجة أن تتركينني؟”
“…نعم.”
“ها.”
مرّر يده بعنف في شعره، وبدا مذهولًا.
بذلتُ جهدي لأكذب دون أن أرمش، لأبقى على قيدِ الحياة.
يجب أن أكون شخصًا لا علاقة له بالدوق بيريارت.
‘لكن لمَ يتألمُ قلبي هكذا؟’
لم أفهم، لكنّ الألم كان حقيقيًا.
ذكريات عائلتنا مرّت كشريط، تخدش قلبي بألم.
نظر إليّ بتعبير متألم وغاضب وقال:
“لقد وعدتِني يومها. إذا رحلتِ، ستأخذينني. لكنّكِ أخذتِ ذلك الثعلب وتركتني؟”
لامني الدوق، فعضضتُ شفتيّ.
“لم يكن لديّ خيار يومها.”
“ها، نفسُ الإجابةِ.”
أطلق ضحكة ساخرة قصيرة.
“آيليت، هل هذا وزن وعدكِ؟”
“آسفة.”
“هل هذا كلّ شيء؟ اعتذار تافه؟ لقد بحثتُ عنكِ كالمجنون لسنتين!”
ضغط عليّ الدوق مطالبًا بإجابة، لكن لم يكن لديّ المزيد لأقوله.
منذ أن أدركتُ أنّكَ الشرير وهربتُ جبانةً لأعيش، انتهت علاقتنا.
تخلّيتُ عنكَ قبل أن أصبح بائسةً، وتتخلى أنتَ عني.
نعم، من وجهة نظركَ، ربّما أنا شخص حقير.
لكن لم يكن لديّ خيار، كان عليّ تجنّب التورّط مع شرير مثلكَ لأعيش.
ابحث عن القدّيسة التي تحبّها حقًا وكن سعيدًا.
إذا ارتبطتَ بالقدّيسة، يمكنكَ أن تعيش كدوق عاديّ، وليس شريرًا.
‘إذن ، هكذا ستكون هناك نهايةٌ سعيدةٌ حقيقيّة لكَ، وللجميع.’
كتمتُ دموعي بصعوبة وقلتُ بقسوة:
“ابتعد. مرّت سنوات، لمَ تتحدّث عن الوعود؟ أنتَ الدوق الأكبر بيريارت النبيل. افتح حياة جديدة بسلطتكَ ومكانتكَ.”
“حياة جديدة؟ إذن، هل أنتِ راضية عن حياتكِ هذه؟”
برقت عيناه، ونظر إليّ كأنّه سيبتلعني، فتجمّدت.
“بالطبع، ويمكنكَ أن تكون سعيدًا أيضًا بدوني.”
“المكان الذي أكون فيه سعيدًا هو بجانبكِ، آيليت.”
تفاجأتُ. لمَ يقول رجل بمكانة الدوق مثل هذا؟
حياتي مع متجر الأعشاب البسيط تختلف عن حياته.
“ما الذي تقولهُ؟”
هدّأته وقُلتُ:
“انظر حولكَ. سعادتكَ قريبةٌ منكَ.”
“عن ماذا تتحدّثين، يا آيليت؟”
قبض يده على الحائط وصرخ بصوت مكتوم.
عضّ شفته السفلى، وزفر بحرارة، ونظر إليّ بتعبير كأنّه سيبكي.
“إذا كنتِ ستفعلين هذا، لمَ أنقذتني؟”
“سموّك.”
“لن أستسلم.”
ما الذي لن يستسلم له؟
“لا يمكننا أن نكون أصدقاء. لا يمكننا العيش كعائلة كما كان. دعنا نعيش هكذا.”
“لا.”
أمسك معصمي، وأخذني إلى متجر الأعشاب، وفتح الباب، ودفعني إلى الداخل.
“أتركني!”
“آيليت! أ-أنتَ، هـ-هل أنتَ سييت؟”
ركض آين نحوي، فأطلق الدوق معصمي. تنهّدتُ وسألتُ آين:
“المريض؟ هل هو بخير؟”
“اختفى بينما تبعتكِ. لمَ أحضرتِ هذا الرجل؟”
نظر آين إلى سييت، أو بالأحرى الدوق، لأوّل مرّة منذ فترة، وابتسم بسخرية.
حدّق الدوق في آين وقال:
“مرّ وقت طويل، أيّها الثعلب.”
“أيّها الأحمق.”
أظهرا العداء علنًا.
أخفاني آين خلف ظهره.
“تعالي، يا آيليت.”
نظر الدوق إلينا بامتعاض وقال ببطء:
“ذلك الرجل من قبل كان سكرتيري، حاول الإمبراطور تسميمه وقتله.”
“ماذا؟”
لحظة، الإمبراطور؟ بطل القصّة؟
”الرجل الوسيم اللطيف الذي يبدو كأنّه يشعّ نورًا حاول قتل سكرتير الدوق؟”
تحدّثتُ دون وعي كما وُصف في الكتاب، فعبس الدوق وآين معًا.
“هل نوعكِ هو الإمبراطور؟”
“هل تحبّين رجلًا كهذا، يا آيليت؟”
لامني الاثنان بنظرات غاضبة.
“لا، ليس هذا هو المهم الآن!”
تلعثمتُ. بصراحةٍ، لم أرَ وجه الإمبراطور، فلم أعرف حتّى إن كان نوعي المفضّل.
نظرتُ خلسة إلى الدوق بيريارت، الذي أصبح أكثر أناقة.
‘نوعي المفضّل هو أنتَ، أيّها الأحمق.’
لكن بما أنّكَ الشرير، لا يمكننا أن نكون قريبين.
تنهّدتُ وقلتُ له بحزم:
“لا تعُد.”
“يبدو كدعوةٍ للعودةِ.”
قال بسخرية، فانتفخت عروق جبهتي.
“كنتَ أفضل عندما كنتَ سييت المطيع.”
“حتّى الكلب المطيع يجنّ إذا تخلّى عنه سيّده.”
“يا للهول.”
تمتمتُ وحدّقتُ به قليلًا. لكن الدوق ردّ بهدوء بتعبير واثق:
“لا تفكّري بالهروب. سأجدُ طريقةً لإبقائكِ بجانبيَ.”
غادر الدوق سيرفيل بيريارت تاركًا هذه الكلمات، وانهرتُ على الأرض من الإرهاق.
“لن تكون الطريقة هي جعلي طبيبتكَ، أليس كذلك؟”
لقد انتهى الأمر.
ليس فقط خطر الانجراف نحو القصّة الأصليّة، بل أيضًا رؤية الدوق بعد فترة أثارت ذكرياتنا الودودة، ممّا جعل قلبي يضعف.
يا إلهي، سأجنّ.
* * *
“عودي بخير، يا آيليت.”
“حسنًا، يا آين. اعتنِ بالمتجر.”
في صباح اليوم التالي، أخذتُ بعض الأعشاب النادرة المُعدّة مسبقًا وركبتُ العربة. كانت للقصر الإمبراطوري.
“لم يأتِ.”
خشيتُ أن يأتي الدوق، أو بالأحرى سيرفيل، إلى متجر توكي للأعشاب صباحًا، لكن كان ذلك مجرّد قلق.
“صحيح، ربّما أراد العثور عليّ لأنّني اختفيتُ فجأةً. لكن عندما وجدني، ربّما شعر بخيبة أمل.”
فكّرتُ بكلّ شيء حتى وصلتُ إلى القصر الإمبراطوري.
عندما ذهبتُ إلى الباب الخلفي المعتاد، اقترب منّي أصغر طبيب قصر، ممتلئ الجسم كعادته، مبتسمًا بمودّةٍ.
“مرحبًا، يا آيليت.”
“مرحبًا بكَ، صباح الخيرِ.”
“أنتِ دائمًا مشرقةٌ. كأشعة الشمس. هههه، ما رأيكِ بتناول العشاء معًا الليلة؟”
ضحك بصوت عالٍ.
‘يا إلهي.’
رأيتُ بقايا طعام ما أكله للتو في فمهِ.
التعليقات لهذا الفصل " 14"