قبل عدة أشهر، يبدو الأمر الآن وكأنه ذكرى بعيدة.
أمر الملك هيرمان راينهاردت بالزواج من كلوديل.
فذهب راينهاردت إلى العاصمة وواجه كلوديل مباشرة.
«يا له من قرارٍ حكيم، جلالة الملك!»
أخذ الكونت دوتريش يصفّق بحماسٍ لكل كلمةٍ نطق بها الملك.
لكن كلوديل بقيت بلا تعابير طوال الوقت.
كانت فاتنةً لدرجةٍ تخطف الأنفاس، لكنها بلا حياة.
ظلّت صورتها، مثل دميةٍ خزفيةٍ فاخرةٍ مصنوعةٍ بدقّة، عالقةً في ذهنه.
‘لكن… ما هذا النظرة بحق الإله؟’
لكن كلوديل التي قابلها مرّةً أخرى في غرفة العروس كانت مختلفةً تمامًا عما كانت عليه من قبل.
وكأنها قابلت شخصًا عزيزًا اعتقدت أنها فقدته إلى الأبد.
كان وجهها مليئًا بالفرح، ونظرت إليه شاردة الذهن.
«راينهاردت.»
… ذلك الصوت المفجوع.
فجأة، بدا وكأنها أصبحت شخصًا آخر.
ثم، عند دخولها غرفة النوم، أظهرت كلوديل ردّ فعلٍ غريبٍ مرّةً أخرى.
كانت تتمسّك بأغطية السرير بإحكامٍ وتنظر إلى راينهاردت بتوتر، كأرنبٍ أمام وحشٍ بري
في البداية، اعتقد أنها كانت خائفةً من قضاء الليل مع زوجها الجديد.
لذا تراجع راينهاردت خطوةً إلى الوراء.
«إذا كنتِ لا ترغبين، فلا بأس. لن أجبركِ.»
«سعادتك …»
«سواء أمضينا الليلة معًا أم لا، فأنتِ سيدة فالديمار في النهاية.»
لكن الأمر لم يكن كذلك.
في اللحظة التي تجرّأت فيها كلوديل على خلع ثوب نومها الذي كان يغطّي جسدها بالكامل، أصيب راينهاردت بالصمت.
[هيرمان رويال تشيرينجن فلاندر]
صرّ راينهاردت، الذي تذكّر الندوب التي نُقِشَت على جسد كلوديل، أسنانه بقوّة.
‘كيف يُمكن لأحدٍ أن ينقش اسمه على جسد إنسان؟’
اتّسعت عيناه البنفسجيتان ببرود.
يا له من تملّكٍ حقير ومُذِل!
‘حتى الحيوانات لا تُعامَل بهذه القسوة…’
ربما أراد هيرمان يحاول إذلال راينهاردت من خلال هذا الزواج بأيّ طريقةٍ ممكنة.
ففي النهاية، كان هيرمان دائمًا هكذا.
كان ملك مملكة فلاندر، وابن عم راينهاردت الأكبر بأربع سنوات.
منذ الطفولة، كان هيرمان يحاول تقييد راينهاردت.
«مهما تفاخرتَ بأنكَ الدوق الصغير أو أيًّا ما كنت، فأنتَ لا تزال دائمًا تحت قدمي!»
لم يكن يتردّد في إهانته، وأحيانًا كان يضربه أو يقرصه بعيدًا عن أعين الآخرين.
بالطبع، بعد أن كبر راينهاردت ولم يعد ذلك الطفل الصغير وأصبح أكثر احترامًا فجأة، لم يعد هيرمان قادرًا على فعل ذلك كما كان.
‘مهما كانت شخصيته القاسية، كيف يُمكنه أن يعامل الآخرين وكأنهم لعبة؟’
ربما لهذا السبب.
قبل أن يشعر بالإهانة، شعر بالأسف على كلوديل.
لم تكن مجرّد شخصٍ عادي، بل السيدة الجديدة لفالديمار، حاكمة الشمال.
إذا لم يحقق بدقّةٍ في ماضي شريك حياته، فسيكون الأمر غريبًا.
وهكذا اكتشف راينهاردت ماضي كلوديل …
‘يبدو أنها لم تكن سعيدةً أبدًا.’
كان كل أزواجها السابقين قساة.
وفي الوقت الذي عانت فيه كلوديل من حياةٍ زوجيةٍ مؤلمة، كان الشخص الوحيد الذي استفاد من ذلك هو الملك.
ومع ذلك، سرعان ما انتشرت شائعاتٌ عنها بأنها ‘ساحرةٌ تأكل أزواجها’.
لكن…
‘هل كان لكلوديل أيّ خيارٍ في كلّ تلك الزيجات؟’
كان راينهاردت متشككًا بشأن هذا السؤال.
لأنه قبل سنوات، كان قد شهد بنفسه الوضع المأساوي لكلوديل.
كانت وليمةً ملكية، كان هيرمان ثملًا وقد أجلس كلوديل بجواره.
في ذلك الوقت، كانت كلوديل قد فقدت زوجها الأول منذ وقتٍ ليس ببعيد.
كان الناس يتهامسون من حولها.
لم يمضِ وقتٌ طويلٌ على وفاة زوجها، وهي بالفعل تتودّد إلى الملك!
«كلوديل يجب أن تشكرني، أليس كذلك؟»
ضحك هيرمان بصوتٍ عالٍ وأحاط كتفيها بذراعيه.
«بفضلي، عشتِ حياةً جيدةً كسيدةٍ للنبلاء. مَن غيري كان سيرتّب لكِ مثل هذه الزيجات إن لما أكن أنا؟»
نظر راينهاردت إلى ثرثرة هيرمان، فشعر باشمئزازٍ عارمٍ في عينيه.
لكن هيرمان لم يتوقّف عند ذلك.
«حسنًا، كلوديل فاتنة، لكنها لا تزال من أصلٍ وضيع، ليس بيدي حيلة.»
على الرغم من كل تلك الكلمات القاسية، ظلّت كلوديل تبتسم كاللوحة.
لم تُظهِر أيّ مقاومةٍ أو غضب.
وهذا ما جعل راينهاردت يشعر بالأسف على مظهرها العاجز.
هو، هيرمان، وكلوديل…
كانوا جميعًا بشرًا يتنفّسون، لديهم غرور، وعي، يفكّرون بأنفسهم، ويتدفّق دمٌ دافئٌ في عروقهم.
منذ البداية، لم يعاملها أحدٌ كإنسانةٍ مساويةٍ لهم.
لقد عاملوها كدميةٍ جميلةٍ لكنها رخيصة.
وتعاملت كلوديل أيضًا مع الأمر وكأنه شيءٌ طبيعي.
ربما كان لوالديها دورٌ في جعلها تستسلم لهذا المصير.
فما كان لأبٍ عاقلٍ أن يدفع ابنته لتصبح عشيقة الملك من أجل مجد عائلته.
‘لكن… كان يمكنه على الأقل أن يتمنّى لها السعادة.’
في المملكة، هناك أسطورةٌ قديمةٌ عن تمنّيات سعادة العروس.
“أشياء جديدة” لتبارك حياة العروس الجديدة.
“أشياء مستعارة” تشير إلى علاقة العروس الجيدة مع الآخرين.
“أشياء قديمة” تشير إلى ارتباط العروس بعائلتها.
و”شيءٌ أزرق” ليجلب الحظ السعيد للعروس.
لكن كلوديل في يوم زفافها لم يكن لديها أيٌّ من هذه الأشياء.
على الرغم من وفاة والدتها مبكّرًا، كان بإمكان والدها أن يوفّر لها هذه الأشياء لو أراد.
“…آه.”
في تلك اللحظة، أطلقت كلوديل أنينًا متألّمًا.
استدار راينهاردت، مندهشًا، لينظر إلى كلوديل.
“كلوديل؟”
يبدو أنها ترى كابوس.
ظهرت تجاعيدٌ عميقةٌ على جبينها العاجي.
“جـ جلالتك.”
أغلق راينهاردت فمه فجأة.
‘هل ما زالت هذه المرأة تحبّ هيرمان؟’
بتلك الرغبة التافهة في التملّك، رغم أنه ترك عليها أثرًا بشعًا يظهر قذارته.
لدرجة أن تفتقد هيرمان حتى في أحلامها…
لكن في اللحظة التالية.
أدرك راينهاردت أنه ارتكب خطأً فادحًا.
“آسفة… آسفة.”
انهمرت دمعةٌ على خدها الشاحب.
اهتزّت عيناها البنفسجيتان بعنف.
في نفس الوقت، كانت كلوديل تلهث بخفوت.
“أرجوك … أنقذني.”
* * *
في الكوابيس التي كانت تراودها دائمًا، بدا وجود هيرمان كما لو كان أمرًا مفروغًا منه.
“أرجوك … أنقذني.”
كان ذلك اليوم.
اليوم الذي قرّر فيه هيرمان نقش اسمه شخصيًا على جسدها.
“أرجوك، جلالتك. لا تفعل هذا…”
ارتجفت كفأرٍ أمام وحشٍ بري.
في الواقع، لم يكن بوسع كلوديل فعل شيءٍ سوى التوسّل طلبًا للرحمة.
“كفِّ عن البكاء، كلوديل.”
نظر هيرمان إلى كلوديل بنظرةٍ متعالية.
“حقًا، النساء يبالغن في ردود أفعالهن. أنا لا أقتلكِ.”
نقر هيرمان بلسانه كما لو كان يستهجن تصرّفها، ومدّ يده ببطء.
“أنتِ تحبّينني، أليس كذلك؟”
انزلق إصبعه البارد ببطءٍ كالأفعى على بشرتها الناعمة.
حتى وصل إلى المكان المحدّد لنقش اسمه.
أسفل صدرها.
مكانٌ لا يظهر عندما تكون مرتدية ملابسها.
لكن شركاءها في الفراش سيرونه حتمًا.
“إذا كنتِ تحبّينني، فعليكِ تقبل هذا القدر.”
في تلك اللحظة، تساءلت كلوديل حقًا.
ما هو الحب؟
كم يجب أن تتحمّل تحت اسم الحب؟
“أنتِ ملكي، كلوديل.”
أمسك هيرمان بذقنها فجأة.
ابتلعت كلوديل ريقها بصعوبة.
شعرت بالقشعريرة من نظراته الخبيثة التي تلمع بشراسةٍ كحشراتٍ تمشي على جسدها.
“حتى لو دخلتِ في أحضان رجلٍ آخر…”
ابتعث صوته الحار الغارق في التملّك، غير قادرٍ على التغلّب على نزعته.
انطبع هذا الصوت على طبلة أذن كلوديل كختم.
“لا تنسي ذلك، حسنًا؟”
كانت بمثابة لعنة.
ارتجف كتفي كلوديل من اليأس.
هل سأعيش بي أن أعيش هكذا، إلى الأبد، في قبضة هيرمان؟
كطائرٍ محبوسٍ في قفصٍ مقصوص الجناحين.
مجبرةٌ على النظر إلى ذلك الرجل فقط …
لكن فجأة…
“…وديل.”
نادى أحدهم اسمها.
على عكس صوت هيرمان، الذي كان عميقًا كالمستنقع، كان مجرّد صوتٍ عادي.
…… صوتٌ يُعبّر عن قلقٍ حقيقيٍّ عليها.
“كلوديل!”
في تلك اللحظة.
فتحت كلوديل عينيها فجأة.
من خلال رؤيتها الضبابية، رأت راينهاردت ينظر إليها بقلق.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 9"