ردَّ راينهاردت بصوتٍ حادٍّ كأنه يبصق الكلمات.
“ليس قذرة، بل جلالته الذي اقترف هذه الأفعال الفظيعة هو القذر.”
رمشت كلوديل بنظرةٍ فارغة.
كانت هذه المرّة الأولى.
أوّل مرّةٍ ترى فيها راينهاردت، ذلك الرجل الهادئ المتّزن، يُظهِر مشاعرَ شديدةً كهذه.
“لن تختبري شيئًا كهذا مرّةً أخرى… لن أدعكِ تعانين.”
لم يستطع كبح غضبه المتأجّج، فصرّ أسنانه بقوة.
تشنّجت عضلات فكّه الصلب.
“سأحميكِ بأيّ طريقة… بأيّ ثمن.”
في تلك اللحظة.
عانقت كلوديل رقبة راينهاردت بكلّ قوّتها.
* * *
في تلك الليلة، أدركت كلوديل أن قضاء الليل مع رجلٍ يمكن أن يكون ممتعًا وسعيدًا.
طوال العلاقة، كان راينهاردت يراقب مشاعرها بدقة، يتحرّك بحذرٍ كي لا يؤذيها.
لم يسبق لأحدٍ أن أبدى لها هذا القدر من الاهتمام.
بل، لم تتوقع قط أن يُسمَح لها أن تُمنَح اهتمام …
“……”
بطريقةٍ ما، شعرت وكأنها على وشك البكاء.
دفنت كلوديل وجهها بين ذراعيه.
لم يدفعها راينهاردت بعيدًا.
بدلًا من ذلك، قام بتسوية شعرها الفضي الأشعث وعانق كتفيها بقوّة.
تجرّأت كلوديل على أن تتمنّى أن تدوم هذه الليلة إلى الأبد.
* * *
لكن، لم يكن القدر يومًا في صفّها.
في أحد الأيام، وصلت أخبارٌ مروّعةٌ إلى قلعة دوق فالديمار.
“رُفِع بلاغٌ إلى القصر الملكي!”
صرخ أحد خدم فالديمار، الذي دخل راكضًا، وقد شحب وجهه من الرعب.
“اتّهموا دوقية فالديمار بالتآمر للخيانة العظمى!”
“خيانة؟!”
“مـ ما هذا بحق الجحيم!”
كان الحاضرون من أتباعٍ وخدمٍ هناك في حالة هياج.
“والمُبلِغ…”
توجّهت عيونٌ محتقنةٌ بالدم نحو كلوديل، الواقفة بجانب راينهاردت.
“إنها الدوقة!”
شعرت كلوديل كأن الأرض تنهار تحت قدميها.
اغرورقت عيناها بالسواد.
“……”
“……”
في خضمّ الصمت المطبق.
“ذهب الفيكونت دوتريش لرؤيته جلالته وهو مَن قدّم البلاغ شخصيًا! ألم تكوني على علمٍ بهذا، سيدتي؟!”
صرخ التابع في كلوديل مرّةً أخرى، وعيناه المحتقنتان بالدم تحمرّان.
“لم أكن أعرف. حقًا لا أعلم.”
“سمعتُ أن الدوقة أرسلت خادمةً مؤخرًا! تلك الخادمة أدلت بشهادتها!”
“…غريت؟”
اختفى التعبير من وجه كلوديل.
غريت…
تلك الخادمة التي أرسلها الفيكونت دوتريش لمرافقتها.
هي نفسها التي سلّمتها خنجرًا فضيًّا في يوم زفافها عندما حاولت الانتحار.
طلبت مؤخّرًا إنهاء خدمتها والعودة إلى مسقط رأسها، فأذنت لها كلوديل.
“لا… هذا ليس صحيحًا.”
شدّت كلوديل على ساقيها لتمنع نفسها من الانهيار.
ومع ذلك، ظل ذهنها فارغًا.
“لم أفعل ذلك، أنا لم…”
“أعلم ذلك، كلوديل.”
في الوقت نفسه، جاء صوتٌ هادئٌ يؤكّد كلماتها.
كان راينهاردت.
بصوتٍ هادئ، كما لو كان يُعلن حقيقةً واضحة.
“أنتِ لم تخونيني.”
دقّ المسمار مثبّتًا إياها مجددًا.
* * *
بدا أن الملك كان قد حسم أمره بإدانة عائلة فالديمار منذ البداية.
قبل أن يتمكّن حتى من تبرير موقفه، اندفع الجيش الملكي.
قرّر راينهاردت البقاء مع بعض الفرسان لشراء الوقت، بينما يُجلّي الشخصيات الرئيسية من القلعة.
ومن بينهم كانت كلوديل.
“عليكِ مغادرة هذا المكان الآن. سأحاول كسب بعض الوقت هنا.”
“لكن، دوق؟!”
“سأتبعكِ قريبًا.”
بدا راينهاردت وكأنه لن يتراجع إلّا إذا تأكد من هروبها أولًا.
“هل كذبتُ عليكِ من قبل؟”
هزّت كلوديل، التي طانت تنظر إلى راينهاردت بعينين دامعتين، رأسها نفيًا.
ابتسم راينهاردت ابتسامةً مطمئنةً لزوجته.
“ثقي بي.”
لامست يدٌ كبيرةٌ دافئةٌ خد كلوديل، ثم ضبط قلنسوة رأسها.
وأخيرًا، قبّل راينهاردت جبينها كما لو كان يختم ختمًا وهمس بحنان.
“إلى اللقاء، كلوديل.”
بعد ذلك.
دفعها راينهاردت نحو الممر السري خلف الجدار.
بووم!
أُغلق الباب.
حدّقت كلوديل في الباب المغلق بنظرةٍ فارغة.
دوّى صوت الفرسان وهم يركضون عاليًا.
“يجب أن نسرع، سيدتي!”
حثّت الخادمة كلوديل بإلحاح. لكن كلوديل وقفت هناك، ملتصقةً بالأرض، بلا حراك..
‘هل يستطيع الدوق الوفاء بوعده حقًّا؟’
بالطبع سيبذل كلّ ما في وسعه للوفاء بوعده لها.
لكن في هذا العالم، ثمة مواقفٌ حتمية.
ومن وجهة نظر كلوديل، الآن …
‘ الموقف خطير.’
كان الجنود يتدفّقون بلا نهاية.
سيكون من قبيل الانتحار إضاعة الوقت حتى يهرب الآخرين من الدوقية، حتى لو هربوا بأسرع ما يمكن.
إذن.
الطريقة الوحيدة لضمان هروب راينهاردت بأمان…
‘هي أن يضحّي أحدٌ بنفسه كطعم.’
والشخص الوحيد الذي يمكنه ذلك…
….. كلوديل.
‘أستطيع فعل هذا.’
شدّت كلوديل على قبضتها.
لقد عاشت حياتَها كقطةٍ ضالة، تُساق بلا إرادة.
لكن راينهاردت منحها أرضًا تقف عليها، وهواءً تتنفّسه. لذا وأنا أيضًا …
‘أريد أن أحمي الدوق.’
حسمت أمرها.
نظرت كلوديل إلى الخادمة
“لدي معروفٌ لأطلبه منكِ.”
“نعم؟”
نزعت كلوديل رداءها وناولته للخادمة.
“خذي ردائي، وأعطِني رداءكِ.”
“ولكن… لماذا؟”
“ستتظاهرين بأنكِ أنا، وتهربين.”
حالما سمعت الخادمة هذه الكلمات، أدركت ما ترمي إليه كلوديل.
“الدوق لن يغادر حتى يتأكّد من هروبي. لذا يجب خداعه أولًا.”
“لـ لكن…”
“فكّري مليًّا واتخذي قراركِ. بين عشيقةٍ فرضها الملك عليكم، والدوق، عمود عائلة فالديمار…”
اختفت ملامح الضعف من وجه كلوديل، وحلّ محلّها سكونٌ غريب.
“من الواضح مَن الذي يجب إنقاذه، أليس كذلك؟”
* * *
بدا وكأنهم قرّروا إسقاط الدوقية، فاندفع الجنود كموجةٍ عاتية.
“لقد هربت الدوقة بسلام!”
بعد انتظارٍ بدا وكأنه دهر، وصل الخبر الذي طال انتظاره.
اخترق راينهاردت والفرسان الناجون القلائل القوّات الملكية.
لكن القوات الملكية أيضًا كانوا يستعدون للهجوم.
“أحضروا رأس الدوق!”
“لقد وعد جلالته بمكافأةٍ عظيمة!”
تبع الجنود راينهاردت بإصرار.
‘لن ينجح الأمر.’
حاول راينهاردت تجاهل طعم الدم في فمه وشدّ قبضته على اللجام.
‘لقد وعدتُ كلوديل بأنني سأعود إليها.’
لكن حتى مع مهارة فرسان فالديمار، لا يمكن صدّ هذه الأعداد.
أصبح جسده ثقيلًا كقطعة قطنٍ مُشبعة بالماء.
إذا كان راينهاردت، أحد أعظم فرسان المملكة، بهذه الحالة، لكان من المستحيل تخمين مدى إرهاق الفرسان تحت قيادته.
‘هناك جروحٌ كثيرة…’
بانغ!
حبس راينهاردت أنفاسه ولوّح بسيفه بحدّة.
تدحرج فارس الملك الذي كان يعترض طريقه عن حصانه كحزمة قشٍّ متعفّنة.
‘تتظاهرين بأنكِ بخيرٍ من الخارج، لكنكِ وحيدةٌ جدًا من الداخل.’
تحطم!
اخترق سهمٌ خده.
رافق ألمٌ لاذعٌ الدمُ الذي سال على وجهه.
حفّز راينهاردت حصانه، وأخفض جسده قدر الإمكان.
“لهذا السبب، أنا …”
أصبحت رؤيته ضبابية.
لقد بلغ حدّه.
“يجب أن أكون بجانبكِ …”
ولكن بعد ذلك.
انفرج الحصار فجأة.
استخدم الفرسان كلّ قوّتهم لاختراق الحصار المخفّف.
وهكذا، أخيرًا، ساد الهدوء المنطقة المحيطة.
لقد نجحوا في الفرار.
“سعادتك!”
صرخ المساعد الذي كان يمتطي جواده بالقرب من راينهاردت، وهو يلهث.
“بعض القوات بدات بالانسحاب!”
لقد كانت معجزة.
كان أكثر من نصف الجنود الذين كانوا يطاردون راينهاردت ومجموعته عائدين نحو الدوقية.
تنهّد فرسان فالديمار أخيرًا.
مع ذلك، انتاب راينهاردت شعورٌ مشؤوم.
لماذا؟
من غير المنطقي التخلّي عن مطاردة العدو المهزوم. هذا يعني أن هناك شيئًا مهمًّا جدًّا في القلعة يؤخّر هجومهم …
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 5"