* * *
في اليوم السابق لمغادرة كلوديل إلى دوقية فالديمار.
زارها والدها الفيكونت دوتريش بعد غيابٍ طويل.
“أبي…”
نهضت كلوديل بفرحٍ واضحٍ على محيّاها.
حتى تلك اللحظة، كانت لا تزال تحتفظ بقليلٍ من الأمل.
أن يوجّه لها كلمةً دافئةً واحدةً على الأقل لابنته المسافرة.
… كان هذا كلّ ما تمنّته.
“إذا أنجزتِ هذه المَهمة بنجاح، ستُمنح عائلتنا مكافأةً كبيرةً من جلالة الملك.”
قال الفيكونت بتعبيرٍ مشوبٍ بالحماس.
وفي نفس الثانية، تلاشت نظرة الترقّب على وجه كلوديل كما تختفي فقاقيع الصابون.
إنه أبي كما عرفته دائماً.
فلماذا لا أتوقّف عن توقّع شيءٍ مختلف؟
لكن كلام الفيكونت لم ينته بعد.
“لهذا السبب، كلوديل…”
تلوّن وجه الفيكونت دوتريش فوق عيني كلوديل الزرقاوين.
تلك التعابير اللامعة المتحمّسة بنشوةٍ وضيعة.
أمسك الفيكونت كتفي ابنته بقوّة.
“ماذا عن محاولة انتحار؟”
“……”
ما هذا الكلام؟
لم تستطع كلوديل فهم كلام أبيها للحظة.
واصل الكونت بكلامٍ متحمّس.
“أنتِ تعرفين سبب إتمام جلالته لهذا الزواج، أليس كذلك؟”
“إنه…”
“لكسر غرور فالديمار المتغطرس!”
لم يكن هناك أيّ أثرٍ لقلق الأب على ابنته.
كلّ ما هنالك كان رغبةٌ جامحةٌ في نيل رضا الملك.
نظرت كلوديل إلى أبيها بوجهٍ خاوٍ.
كانت تعرف أيضاً.
أنها لن تكون أكثر من زوجةٍ مُذِلَّةٍ للدوق فالديمار.
لكن…
‘على الأقل، لم أكن أريد سماع هذا منك يا أبي…’
في تلك اللحظة، هاجمتها الحقيقة التي كانت تتجاهلها بجهد.
‘لم أكن ابنتكَ منذ البداية.’
زهرةٌ مُعدّةٌ بعنايةٍ لتناسب ذوق جلالة الملك.
أداةٌ لإحياء عائلة دوتريش مرّةً أخرى.
هذه كانت قيمتها الوحيدة في عيني أبيها.
“عروسٌ جديدةٌ تحاول الانتحار بسبب حبّها لرجلٍ آخر.”
“أبي، هذا…”
“كرجل، أعرف جيداً كم هو مهينٌ أن تتزوّج بامرأةٍ تحبّ رجلاً آخر!”
ازدادت قوّة يديه على كتفيها.
“أسعدي جلالة الملك يا كلوديل، وسيكافئنا مكافأةٍ كبيرة.”
وفي اللحظة التي التقت فيها عيناها بعينيه المتلألئتين بالطمع.
شعرت أن كلّ شيءٍ أصبح بلا معنى.
“حسناً، سأفعل ذلك، أبي.”
* * *
بعد أيام، في غرفة استقبال عروس فالديمار.
قدّمت الخادمة التي أرسلها والدها تحت ستار أنها خادمتها خنجراً فضيّاً لكلوديل.
أخذته كلوديل بوجهٍ هادئ.
لم تكن تريد الموت حقاً.
لكنها شعرت أنها لا تبالي إذا ماتت فعلاً.
‘إذا مِتُّ هنا حقاً…’
بينما كانت تحدّق في النصل الفضي الحاد، تساءلت فجأة.
‘هل سيشعر أبي وجلالة الملك بالأسى حتى ولو قليلاً على موتي؟’
بالطبع لا.
ابتسمت ابتسامةٌ باردةٌ وقطعت معصمها دون تردّد.
تقطير.
سال الدم الغزير كالمطر، صبغ فستان الزفاف الأبيض الناصع باللون الأحمر في لحظات.
* * *
وبصراحة، كانت محاولة انتحار كلوديل فعّالةً للغاية.
‘يا إلهي، العروس الجديدة حاولت الانتحار؟!’
‘لابدّ أنها أحبّت جلالة الملك بهذا القدر.’
‘بغض النظر عن ذلك، كم يجب أن تكره الدوق لمحاولة ذلك في يوم الزفاف…’
تهامس النبلاء فيما بينهم.
ومع ذلك، وصلت سمعة فالديمار إلى الحضيض.
‘أن تصبح هذه العاهرة سيدة فالديمار!’
‘كيف تتجرّأ على تشويه سمعة فالديمار…!’
صرخ الجميع مطالبين بالتخلّص منها فوراً.
لكن رينهاردت نفسه، الشخص المعني بالأمر، لم ينخرط في هذا الغضب.
اكتفى بإصدار أوامر بعلاجها جيداً.
وانتظر بهدوءٍ حتى تستيقظ.
* * *
وأخيراً…
عندما استعادت وعيها، واجهت مشهداً غريباً للغاية.
“دوق فالديمار؟”
كان هناك شخصٌ ينظر إليها بعينين قلقتين وهي على سرير المرض.
“هل استعدتِ وعيكِ؟”
كان هذا الشخص هو رينهاردت فون فالديمار.
زوجها الثالث الذي كان من المفترض أن يكرهها.
“دوـ… دوق؟!”
نهضت من فراشها مذعورة.
في نفس اللحظة، شعرت بألمٍ حادٍّ في معصمها.
“آه…”
انزلق أنينٌ غير مقصودٍ من بين شفتيها المزمومتين.
حاول رينهاردت المتفاجىء تهدئتها.
“استريحي فقط.”
لكن كيف يمكنها الاسترخاء أمام هذا الرجل؟
هي التي شوّهت سمعته فعلياً.
“……”
أمالت رأسها جانباًَ لتتجنّب نظره.
لم تجد الشجاعة للنظر في وجهه.
“كلوديل…”
نظر إليها رينهاردت بصمتٍ ثم ناداها بصوتٍ هادئ.
“لا بد أن الزواج بي وأنتِ تحبّين رجلاً آخر ليس سهلاً عليكِ. أنا أفهم ذلك.”
… يفهم؟
“ولكنكِ الآن سيدة فالديمار، لذا أرجو منكِ أن تحترمي فالديمار. حتى لو لم يعجبكِ ذلك.”
اتسعت عيناها الزرقاء قليلاً.
“هل… هل تعتبرني…”
تحرّكت شفتاها الجافتان دون وعيٍ منها.
“زوجةً حقيقية؟”
“أليس هذا ما أنتِ عليه؟”
بدا رينهاردت مندهشاً من سؤالها.
“رغم أننا لم نقم بالمراسم، لكننا تبادلنا عقد الزواج.”
“لكن…”
عضّت شفتها السفلية بقوّة.
هو الذي يعتبرها زوجته كأمرٍ مُسلّمٍ به بينما يشير إليها الجميع بأصابع الاتهام.
لا يضربها، ولا يغضب بجنون.
بل يحاول تصحيح أخطائها بهدوء.
لم تقابل شخصاً مثله … من قبل.
“لماذا لا تغضب مني، دوق؟”
سألته فجأةً دون قصد.
“لقد… لقد شوّهتُ سمعتك.”
في تلك اللحظة…
تغيّر تعبير رينهاردت الهادئ للمرّة الأولى.
عضّت شفتها حتى سال الدم.
‘ماذا فعلتُ الآن؟’
لقد بذل جهده لكي لا يغضب منها، وها هي تصنع المشاكل له.
بعد صمتٍ قصير، تحدّث رينهاردت بهدوء.
“كلوديل، أنا لا أعرفكِ جيداً.”
“……”
“لذا كلّ ما لديّ هو تخميناتٌ عن سبب فعلتكِ هذه.”
أمسكت كلوديل بغطاء السرير بقوّة.
أنها تحبّ الملك، وأصيبت بالجنون بسبب هذا الحب.
حاولت الانتحار في يوم زفافها.
لابد أنه يشير إلى هذا الجزء.
‘من الواضح أنه يوبّخني.’
شحب وجهها.
هل سيلكمها؟
أو ربما سيصرخ عليها ويصفها بالعاهرة القذرة؟
لكن هذا كلّه خطؤها…
لكن كلماته التالية تجاوزت توقعاتها بكثير.
“لكنني أعرف أيضاً أن هذه التخمينات مبنيةٌ على أحكامي المسبقة … أو الإشاعات المنتشرة.”
مـ ماذا؟
شكّت كلوديل في أذنيها لوهلة.
لكن رينهاردت ظل هادئاً.
“لذا، إذا أمكن، أريد أن أعرفكِ تدريجياً من الآن فصاعداً. لأنني لا أريد أن أسيء فهمكِ.”
“دوق…”
“لا أريد أن أحكم عليكِ بناءً على أحكامي المسبقة أو الإشاعات.”
نظر رينهاردت مباشرةً في عينيها.
“هذا هو سبب عدم غضبي منكِ.”
أُسكِتت كلوديل للحظة.
لا كره، ولا حقد، ولا احتقار.
فقط تلك العيون البنفسجية الجميلة النقية.
“لكن، من فضلكِ لا تكرّري هذا الفعل.”
نظر رينهاردت إلى معصمها الجريح.
نظرةٌ صارمةٌ لكن حنونة، كشخصٍ يعظ طفلاً أخطأ.
“هل تعدينني بذلك؟”
أومأت كلوديل برأسها في ذهول.
“نعم، سأفعل.”
“جيد.”
ابتسم رينهاردت.
تلك الابتسامة الصافية كصبيٍّ دون ظلٍّ واحد.
دون وعيٍ ظنها، سألت كلوديل راينهاردت
“لماذا… تعاملني بهذا اللطف؟”
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 3"