بعد لحظات.
استرخت تعابير وجه راينهاردت وهزّ كتفيه.
“بصراحة، كنتُ أفكّر في أن أتدخّل حينها، لكنكِ تعاملتِ مع الموقف بشكلٍ جيدٍ لدرجة أنني لم أجد فرصةً للتدخّل.”
“أنا سعيدةٌ لأنكَ راضٍ …”
أمسكت كلوديل بحافّة فستانها بقوّة.
مجرّد إطراءٍ بسيطٍ جعل فمها حلوًا كما لو أنها ابتلعت ملعقةً من السكر.
“أنا سعيدٌ أيضًا.”
ردّ راينهاردت على صوتها الخافت بابتسامةٍ مشرقة.
في تلك اللحظة.
“آه، صحيح.”
غيّر موضوع الحديث كما لو أنه تذكّر شيئًا فجأة.
“بخصوص التاجر بورغيس الذي ذكرتيه.”
“…..”
لمعت عينا كلوديل التي كانت متحمّسةً طوال الوقت ثم هدأت.
أكمل راينهاردت حديثه بهدوء.
“لقد اعترف بكلّ شيء.”
“فهمت.”
أومأت كلوديل برأسها بهدوء.
الآن اكتملت جميع الاستعدادات. لم يتبقَّ سوى الكشف عن جرائم عائلة كونت مانفريد أمام الجميع.
“إذن، ما الذي تنوي فعله، دوق؟”
“بالطبع يجب معاقبتهم بشدّة.”
أجاب راينهاردت بحزم.
“كيف تجرؤ على محاولة تدمير مراسم أداء القَسَم المقدّس لمصالحها الشخصية.”
وافقت كلوديل في داخلها أيضًا.
لكن كلامه لم ينتهِ بعد.
“لكن شخصيًا…”
نظر إليها راينهاردت من زاوية عينه ثم أضاف وهو يعبس.
“ما يزعجني أكثر هو تجرّؤها على التلاعب بسيدة فالديمار.”
سيدة فالديمار.
تأمّلت كلوديل هذه الكلمات بصمت.
كانت تعلم جيدًا أن الموقف كان جادًّا.
ومع ذلك، لم تستطع منع قلبها من الشعور بالدغدغة كما لو كانت تلامسه ريشة …
“لذلك أريد أن أُثبت للجميع خطأ مانفريد في هذه الفرصة. فقط بهذه الطريقة لن يكون هناك مَن يجرؤ على لعب مثل هذه الألاعيب في المستقبل.”
“هل هناك أيّ شيءٍ يمكنني مساعدتكَ فيه؟”
“كلّا، دعيني أتعامل مع هذه المسألة بنفسي.”
هزّ رأسه راينهاردت ثم تابع بقلق.
“لا داعي لأن تقلقي، كلوديل. ألم تتعبي بالفعل بما فيه الكفاية بسبب مراسم القَسَم؟”
“إنه فقط واجبي كدوقة … لكن.”
في تلك اللحظة، كانت عيناه البنفسجيتان تحدّقان فيها بثبات. غيّرت كلوديل حديثها على عجل.
“شكرًا لرعايتك. وجودكَ بجانبي يمنحني حقًا الكثير من الطمأنينة، سعادتك.”
في تلك اللحظة، رمش راينهاردت بعينيه في صمت.
ثم سألها متعمّدًا بصوتٍ مستمتع.
“حقًا؟”
“هاه؟”
“هل تشعرين بالطمأنينة بوجودي حقًا؟”
في الحقيقة، لم يقصد راينهاردت شيئًا خاصًا من سؤاله. لكن ردّ فعل كلوديل على هذا السؤال كان يفوق تصوّره.
بدت عيناها الزرقاوان تلمعان بعزم.
“بالطبع.”
أومأت برأسها بجدية.
“من بين جميع الأشخاص الذين قابلتُهم في حياتي، الدوق هو …. الأكثر قوّةً وموثوقية.”
كما تشرق الشمس من الشرق وتغرب في الغرب.
وكما يتدفّق المطر من السماء إلى الأنهار ثم إلى البحر.
كان صوتها حازمًا كما لو كانت تقول حقيقةً بديهية.
كم كانت هذه الثقة الهائلة ساحقةً؟
وجد راينهاردت نفسه مذهولاً للحظة.
“… دوق؟”
في هذه الأثناء، وبغض النظر عن كيفية تفسيرها لهذا الصمت.
أصبحت كلوديل متوترةً بعض الشيء.
“هل قلتُ شيئًا خاطئًا؟”
“آه.”
استعاد راينهاردت وعيه وهزّ رأسه على عجل.
“لا. الأمر فقط.”
ما هذا الشعور بالفخر بحق السماء؟ حقيقة أن كلوديل تعتمد عليه بصدق … بطريقةٍ ما ….
“أنا سعيدٌ جدًا.”
ارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ جميلة.
كانت ابتسامةً مشرقةً كسماءٍ صافيةٍ بعد المطر.
***
صبيحة اليوم التالي.
تجمّع الضيوف النبلاء في القاعة المركزية لدوقية فالديمار منذ الصباح الباكر.
كان ذلك لحضور مراسم أداء القسم.
“هل لاحظتُم غرف الضيوف؟”
“كانت الغرف نظيفةً بدون ذرة غبار.”
“لقد أشعلوا المدفأة مسبقًا، كانت الغرفة دافئةً بمجرّد دخولنا.”
“ليس هذا فحسب. كان الفراش مريحًا جدًا.”
“صحيح. لا أعرف متى آخر مرّةٍ نمتُ بهذه الراحة…”
بدا النبلاء راضيين للغاية.
في نفس الوقت، ابتسمت الخادمات المنتظرات بهدوءٍ في الجوار ابتسامةً خفيفة.
«أريد أن أهتمّ بغرف الضيوف.»
صوت السيدة الجديدة الهادئ تردّد في آذانهن.
«في النهاية، قاعة الطعام هي مكانٌ سيقضون فيه وقتًا قصيرًا، لكن غرف الضيوف هي المكان الذي سيقضون فيه أطول وقت.»
بناءً على كلماتها، اهتمّ خدم القصر بغرف الضيوف بأكبر قدرٍ ممكن.
اهتموا بغسل الملاءات وتنظيف الغرف.
وأشعلوا النار في المدفأة قبل ساعةٍ من وصول الضيوف.
ورؤية هذا الإشادة العظيمة، أشعرتهم أن تعبهم طوال هذا الوقت قد تمّت مكافأته بعض الشيء.
في هذه الأثناء وسط ضحك وثرثرة الناس، كانت كونتيسة مانفريد الوحيدة التي بدت قلقة.
‘لا يمكن أن يبقى الحال على هذا النحو.’
بعد إعادة التفكير، يبدو أنها استشاطت بسهولةٍ كبيرةٍ أمس.
ومع ذلك، لم تستطع منع الغضب الذي يغلي في داخلها.
‘لكن تلك الفتاة أيضًا. كيف يمكنها تجاهل نصيحتي بهذا الشكل؟’
من ناحيةٍ أخرى، فإن لحم الرنّة هو في الحقيقة طعامٌ شائعٌ في الشمال.
لا بد أن الآخرين يرون الكونتيسة حسّاسة.
‘… على أيّ حال، يجب أن أعوّض النقاط التي خسرتُها أمس.’
بينما كانت كونتيسة مانفريد تعضّ شفتيها بتوتّر، ظهرت كلوديل.
وصادف أن راينهاردت لم يكن بجانبها.
‘جيد.’
تألّقت عينا الكونتيسة.
اقتربت الكونتيسة بخفّةٍ من كلوديل وبدأت حديثها بلطف.
“مرحبًا، سيدتي الدوقة. هل نمتِ جيدًا الليلة الماضية؟”
“آه، كونتيسة مانفريد.”
نظرت كلوديل إلى الكونتيسة بوجهٍ يعتريه بعض الأسف.
“أنا آسفةٌ حقًا بشأن ما حدث أمس. هل شعرتِ بتحسّنٍ الآن؟”
… هل هي حقًا تشعر بالأسف؟
يبدو أنها تتعمّد ذكر أحداث الأمس، هل هذا خيالي؟
بل إنه مع كلمات الاعتذار هذه، لاحظت أن بعض النبلاء ينظرون إليها بنظرات ‘مُبالَغة’.
أجابت الكونتيسة مبتسمةً ابتسامةً قسرية.
“بالطبع، أنا بخير. اعتذاركِ بهذا الشكل يجعلني لا أعرف كيف أردّ.”
“لكن…”
“بالمناسبة، سمعتُ من التاجر. قيل أن البضاعة وصلت بشكلٍ جيد.”
كان صوتها مشبعًا بتوقّعٍ كبير.
“ما رأيكِ، هل أعجبتكِ؟”
“…..”
في هذه الأثناء، عند هذا السؤال، ابتسمت كلوديل ابتسامةً غامضة. لم تُجِب بأيّ شيءٍ خاص.
‘ما سرّ هذا الرّد الفاتر؟’
في اللحظة التي كادت فيها الكونتيسة مانفريد أن تحمرّ غضبًا، صرخ الخادم بصوتٍ عالٍ.
“بدأت مراسم القَسَم! تفضّلوا جميعًا بالدخول إلى قاعة الشمس!”
مع هذه الصيحة، بدأ النبلاء في التحرّك بسرعة.
نظرت كلوديل إلى الكونتيسة لفترةٍ وجيزة.
‘ها؟’
في تلك اللحظة، ارتجفت الكونتيسة، وتصلّب كتفاها.
كانت نظرتها الزرقاء العابرة باردةً تمامًا بدون أيّ دفء.
“لنذهب.”
ثم دخلت إلى الداخل بخطواتٍ كبيرةٍ دون انتظار رد.
ابتلعت الكونتيسة ريقها الجاف.
بطريقةٍ ما … كان لديها شعورٌ سيئٌ للغاية.
***
قاعة الشمس.
إنه المكان الأكثر تاريخيةً في فالديمار.
حفلات تنصيب الدوقات عبر العصور، وحفلات زفاف الدوقات، وحفلات الجنازات، وغيرها.
كانت جميع الأحداث المُهمِّة تُقام في قاعة الشمس.
ربما بسبب أجوائها المَهيبة المميزة، خفض النبلاء أصواتهم دون وعيٍ عند دخولهم قاعة الشمس.
“لم يتغيّر شيءٌ هنا حقًا.”
“لطالما كانت جميلةً بشكلٍ كلاسيكي.”
انعكست أشعة الشمس الملوّنة بشكلٍ رائعٍ عبر النوافذ الزجاجية الملوّنة التي تجسّد شكل الآلهة.
على المذبح المغطّى بغطاء طاولةٍ أبيض ناصع، وقف تمثال الآلهة مبتسمًا برأفة.
أمامه كان النبيذ وأكواب النبيذ المُعدّة لمراسم القَسَم.
‘هاه؟’
في تلك اللحظة، فتحت كونتيسة مانفريد عينيها على اتساعهما.
الكؤوس … لم تكن الكؤوس الفضية التي أوصت بها.
كانت الكؤوس القرنية القديمة جدًا تحرس المذبح.
‘ما هذا الذي يحدث؟’
شعرت بقشعريرةٍ تسري في عمودها الفقري.
وانتابها إحساسٌ مشؤوم.
كان أوّل مَن تقدّم هو قائد الشمال، دوق فالديمار راينهاردت.
سكب النبيذ الأحمر بنفسه في الكأس القرنية.
رفع الكأس قليلاً نحو تمثال الإلهة مؤدّياً التحية، ثم فتح فمه بهدوء.
“أمام الآلهة نتحدّث.”
صدح صوته الواضح.
“نحن، عائلة دوق فالديمار، نُقسِمُ على الوفاء بعهدنا، وأن نعتبر بعضنا البعض إخوة، وأن نعمل معًا من أجل تقدّم الشمال.”
بهذا القسم.
أتمّ راينهارت قَسَمه بأخذ رشفةٍ من النبيذ.
بعد ذلك، تقدّم نبيلٌ آخر.
تلقّى النبيل الكأس القرنية من راينهاردت وفتح فمه.
“أمام الآلهة نتحدّث. نحن، عائلة فيكونت ديوس، نُقسِم على الوفاء بعهدها، وأزن نعتبر بعضنا البعض إخوة …”
هكذا تابع النبلاء أداء القَسَم واحدًا تلو الآخر.
وأخيراً، جاء دور كونت مانفريد.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 26"