كما لو كانت تخشى أن تغيّر كلوديل رأيها، سارعت كونتيسة مانفريد بتسليم الكؤوس الفضية.
من ناحيةٍ أخرى، طلبت كلوديل من الحرفي بيدرو فحص الكؤوس.
وركّزت في الوقت ذاته على تفصيل بدلة راينهاردت الرسمية.
“أحيّيكِ للمرّة الأولى، سعادة الدوقة.”
انحنى التاجر بأدب.
أومأت كلوديل برأسها قليلاً.
“حسناً، تفضّل.”
كان اليوم المحدّد لفحص أقمشة البدلة.
امتدّت الأقمشة الملوّنة على الطاولة كأنها حديقة زهور.
بدأ التاجر بشرح خصائص الأقمشة واحدًا تلو الآخر.
“هذا الحرير مستوردٌ من الشرق. التطريز جميلٌ جداً، أليس كذلك؟”
“بالفعل. لكن الدوق لا يفضّل الألوان الزاهية بهذا الشكل.”
“آه، إذن ما رأيكِ بهذا القماش؟ يتميّز بملمسٍ صلبٍ ومتين ……”
“لا، يبدو أنه سيكون مزعجاً بعض الشيء عند ملامسته للجسد. هل هناك أيّ شيءٍ آخر؟”
بعد ذلك تكرّر الرفض عدّة مرّات.
انفجر التاجر بعرقٍ بارد.
‘يبدو أن الأمر أصعب مما كنتُ أتوقع.’
كانت دوقة فالديمار زبونةً متطلّبةً أكثر من معظم النبيلات.
لم تكن وقحة.
ولكن معاييرها الثابتة وذوقها الرفيع في اختيار المنتجات جعلا من الصعب إرضاؤها.
في النهاية، تنهّد التاجر باستسلام وبدأ بطيّ الأقمشة بعناية.
“إذاً، سأُحضِر لاحقاً أقمشةً أخرى وأعرِضُها عليكِ ……”
“انتظر.”
لكن في تلك اللحظة …
أوقفته كلوديل.
“ما ذلك القماش؟”
داخل صندوق حفظ الأقمشة.
كان هناك قطعة قماشٍ واحدةٍ لفتت انتباه كلوديل.
كان قماشاً أسود اللون قاتم.
“آه، أتقصدين هذا؟”
نشر التاجر القماش بحذرٍ أمام كلوديل.
من بين الأقمشة الأخرى، ذات الألوان الزاهية، برز اللون الأسود الفاحم بفخامة.
“إنه أعلى أنواع القماش جودةً لدي، لكن لونه غامقٌ بعض الشيء. وليس فيه عناصرٌ زخرفيةٌ مثل اللمعان أو غيره.”
ألقى التاجر نظرةً خاطفةً على تعابير كلوديل.
“بما أنكِ قلتِ أنكِ تبحثين عن قماشٍ لبدلةٍ رسمية، كنتُ متردّداً في عرض هذا عليكِ.”
كان ذلك مفهوماً.
عادةً ما يتم تفضيل الأقمشة الزاهية لصنع البدلات الرسمية.
في الماضي، كانوا يرتدون بدلاتٍ داكنةٍ بكثرة، لكن بعد تتويج الملك الحالي ذو الأذواق الباذخة، تغيّرت صيحات الموضة تدريجياً.
لكن،
‘يبدو أن هذا القماش سيناسب الدوق.’
رفعت كلوديل القماش بيدها.
في نفس الوقت، اتسعت عيناها دهشة.
“إنه أخف مما كنتُ أتوقع؟”
“بالتأكيد. نحن لا نتعامل مطلقاً مع الأقمشة منخفضة الجودة.”
أجاب التاجر بفخر.
مرّرت كلوديل يدها برفقٍ على سطح القماش.
‘ملمسه على البشرة جيدٌ أيضاً.’
ربما لأنه فارس، كان راينهاردت حسّاساً تجاه الأشياء التي تلامس جسده.
خصوصاً أنه لا يفضّل الملابس التي تقيّد حركته.
كان يحاول إخفاء ذلك، لكن أدنى تصلّبٍ في تعبيره كان واضحًا.
“يعجبني هذا القماش.”
أشرق وجه التاجر عند سماعه كلمات كلوديل.
“آه، حقاً؟”
“نعم. سأسأل الدوق عن رأيه أولاً……”
لكن في تلك اللحظة،
دق دق.
سمعوا طرقاً على الباب، وظهر رجلٌ وسيم.
كان راينهاردت.
“كلوديل. سمعتُ أنكِ تعملين اليوم فجئتُ لأراكِ.”
“أحيّي صاحب السعادة، سيدي الدوق.”
فزع التاجر وانحنى برأسه.
أومأ راينهارد برأسه رداً على التحية ثم وبّخ كلوديل بمزاح.
“بجيدة، ألا تُتعبين نفسكِ هكذا؟”
“آه، لقد أتيتَ في الوقت المناسب.”
رحّبت كلوديل براينهاردت بوجهٍ مشرق.
ثم عرضت عليه القماش الذي اختارته بحذر.
“دوق، أخطط لاستخدام هذا القماش لبدلتكَ الرسمية لحفل القَسَم. إذا لم يعجبك، هل يمكنكَ إخباري؟”
“همم، البدلة الرسمية …..”
نظر راينهاردت إلى القماش بابتسامةٍ مجبرة.
في الواقع، كان دائماً يتجنّب البدلات الرسمية. للحصول على مظهرٍ أنيق، كان عليه التضحية بجزءٍ من راحته الجسدية.
إضافةً إلى ذلك، الألوان الزاهية والمزركشة التي تأتي من العاصمة تحت اسم الموضة.
لم تكن تناسب ذوقه إطلاقًا.
لكن،
‘همم؟’
عندما نظر إلى القماش نظرةً شاردة الذهن، اندهش راينهاردت.
لأن القماش الذي عرضته كلوديل كان مختلفاً تماماً عن البدلات الرسمية التي اعتاد راينهاردت عليها.
القماش الأسود القاتم غير اللامع بدا فاخراً بحد ذاته.
أضافت كلوديل على الفور.
“اتّباع الموضة أمرٌ جيد، لكنني أعتقد أن هذا اللون سيناسبكَ أكثر.”
“……”
بدلاً من الرد، مسح راينهاردت القماش.
بدا أن ملمسه مريحٌ في راحة يده. وكان خفيفًا أيضًا.
نظر راينهاردت إلى كلوديل بوجهٍ مشرق.
“أعجبني حقًا.”
“حقًا؟”
“بالتأكيد. شكرًا لكِ على عملكِ الجاد، كلوديل.”
لم تكن مجرّد كلماتٍ جوفاء، بل كانت تناسب ذوقه حقًا.
كأنها قرأت ما في داخله تماماً.
تابعت كلوديل بصوتٍ مبتهج.
“إذن سأستدعي الخياط. مع أنه أخذ قياساتكَ من قبل، لكن من الأفضل أخذ مقاساتٍ جديدة. وأيضاً ……”
أثناء استماعه لثرثرة كلوديل، شعر راينهاردت بشعورٍ طفيفٍ بعدم الارتياح.
‘لكن، لماذا كنتِ تتحدّثين عن ملابسي فقط كل هذا الوقت؟’
ضيّق راينهاردت عينيه وحدّق في كلوديل باهتمام.
“همم، كلوديل؟”
“نعم؟”
“أعتقد أن هذا سيكفي لملابسي. على أيّ حال، هل اخترتي قماشاً لخاصّتكِ، كلوديل؟”
نظرت كلوديل إلى راينهاردت بتعبيرٍ محتار كما لو كانت تسأل لماذا يسأل هذا.
ثم…
“بالنسبة لملابسي …أعتقد أنه يمكنني إرتداء شيءٍ مما لديّ.”
جاءه ردّها غير مبالٍ إلى حدٍّ ما.
‘نعم، كنتُ أعرف أن هذا هو الأمر.’
كتم راينهاردت تنهيدةً كانت تريد الخروج، وهزّ رأسه بحزم.
“لا يمكن ذلك.”
“آه، أنا حقاً لستُ بحتاجةٍ لـذلك……”
“بما أنكِ اخترتِ قماشًا لملابسي، أعتقد أنه سيكون من العدل أن أختار قماشًا لملابس كلوديل، أليس كذلك؟”
“هاه؟ سعادتكَ سيفعل ذلك؟”
رمشت كلوديل عينيها في ذهول.
عندما رأى راينهاردت تعبيرها، الذي بدا كأنها لم تتوقع ذلك تمامًا، شعر ببعض الأسف عليها.
“بالتأكيد. هل من الغريب أن يختار الزوج قماشاً لزوجته؟”
“لا، لا أقصد أنه غريب.”
تمتمت كلوديل بصوتٍ خافت.
سألها راينهاردت بخبث.
“إذن، ألا يعجبكِ أن أختار لكِ أنا؟”
“……”
حدّقت كلوديل مباشرةً في راينهاردت بنظرةٍ شاردة.
“من المستحيل ألّا يعجبني ذلك.”
همست بصوتٍ خافتٍ كصوت النملة.
“أنا … أحبّ كلّ ما يختاره الدوق لي.”
ابتسم راينهاردت وبدأ بفحص الأقمشة بعنابة.
كانت نظراته جادّةً للغاية.
بعد تردّدٍ طويل، اختار أخيراً قطعة قماش.
“ما عن هذا؟”
“……”
حدّقت كلوديل في القماش بنظرةٍ فارغة.
كان مصنوعاً من حريرٍ سميك.
ذكّرها لونه الأزرق الصافي ببحرٍ بعيد.
ابتسم راينهاردت.
كانت ابتسامةً منعشة، طفولية.
“أعتقد أنه سيناسبكِ، كلوديل.”
“……”
حدّقت كلوديل في راينهاردت كما لو كانت منوّمة.
ربما أنتَ لا تعرف أبداً.
حقيقة أن كلّ حركةٍ بسيطةٍ كهذه منكَ تجعل قلبي يخفق.
كأنني نباتٌ ذبل طوال حياته في الظل، يتعرّض لأوّل مرّةٍ لحفنةٍ من أشعة الشمس في تلك اللحظة.
بالنسبة لي، أنتَ معجزةٌ كهذه ……
“…نعم، أحببتُه. شكراً لك.”
أومأت كلوديل برأسها، وخدودها محمرّة.
في ذلك الوقت.
دق دق.
طُرِق الباب مرّةً أخرى.
أجابت كلوديل، بصوتٍ مفعمٍ بالحماس.
“ادخل.”
كان الشخص الذي ظهر من خلف الباب هو كبير الخدم.
انحنى كبير الخدم بأدب.
“أحيّي الدوقة، وكذلك سيدي الدوق.”
“……”
في لحظة، شعرت كلوديل وكأنها قد رُشّت بماءٍ بارد.
أصبحت عيناها، اللتان كانتا ناعمتين كما لو كانتا تريان عن حلمًا بعيدًا، حادّتين فجأة.
كانت كلوديل قد أوعزت إلى كبير الخدم مسبقاً.
بغض النظر عمّا كانت تفعله، بمجرّد ظهور نتائج المَهمة التي كلّفتُه بها، عليه أن يأتي إليها فوراً.
إذن، سبب مجيء كبير الخدم إلى كلوديل في هذه اللحظة ……
“لديّ أمرٌ عاجلٌ لأُبلِغه للسيدة.”
نظر كبير الخدم إلى التاجر من زاوية عينه، ثم قال ذلك بشكلٍ غامض.
ارتسمت الحيرة على وجه راينهاردت.
“ما الأمر؟”
“يمكنكَ الذهاب الآن.”
أخرجت كلوديل التاجر أولاً.
ثم انحنت بعمقٍ لراينهاردت.
“دعني أعتذر أولاً. أنا آسفة.”
“تعتذرين؟ لا، كلوديل. أولاً، فلترفعي رأسكِ ……”
حاول راينهاردت باضطراب أن يرفع كلوديل.
واصلت كلوديل بصوتٍ منخفض.
“في الواقع، كنتُ أشكّ في أحد أعضاء قَسَم الشمال.”
“…… ماذا تقصدين بهذا الكلام؟”
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 22"