جلالة الملك.
كان المكان الذي حدّده الفيكونت دوتريش لبيع ابنته بأغلى سعر.
لم يكن لديه أدنى نيّةٍ لفشل هذه الصفقة.
ولهذا، لم يبخل الفيكونت بأيّ جهدٍ ليجعل ابنته تتماشى مع ذوق الملك.
«يقال إن ذوق جلالة الملك يميل إلى الجمال الهشّ الذي يكاد ينكسر.»
عَلِق صوتٌ مليءٌ بالجشع في أذن كلوديل.
بتلك الكلمات فقط، أصبحت كلوديل تعيش على قطعة خبزٍ جافٍّ وحفنةٍ من الخضار في اليوم.
أمضت الليالي وهي تحفظ قصائد جميلة، وخاطت حتى تورّمت أصابعها.
شربت ماءً مغليًا بأعشابٍ غريبةٍ للحصول على صوت كالعندليب، وتعلّمت الغناء حتى بُحَّ صوتها.
درست لغةً قديمةً نادرة الاستخدام إلّا في الكتب المقدسة، وتعلّمت الرسم، أحد أهم فنون السيدات.
ومع ذلك، ظنّت كلوديل أن أبيها يحبّها.
لأنه أعطاها تعليمًا جيدًا.
لأنه وفّر لها كلّ ما تحتاجه من مأكلٍ وملبسٍ ومأوى.
حتى لو كانت طرق حبّه قاسيةً عليها، فهو يحبّها.
أو… بصراحة.
… لو لم تقنع نفسهاب التفكير بهذه الطريقة، لما استطاعت التحمّل.
وهكذا، عندما بلغت كلوديل الثامنة عشرة، أصبحت خطة الفيكونت دوتريش الطموحة حقيقة.
« كلوديل دوتريش، أمام جلالة الملك.»
مرتديةً فستانًا يُبرِز جسدها النحيل الذي يفضّله الملك، تقدّمت كلوديل أمام الملك وانحنت.
تدفّق شعرها الفضي بأناقةٍ كأنه مصنوعٌ من ضوء القمر.
عيناها الزرقاوان كبحيرةٍ جليديةٍ باردة.
جسدها النحيف الذي يبدو وكأنه سيتحطّم إذا ما أمسك به أحد.
كلوديل التي أمامه بدت كجنيّةٍ صُنِعت من الجليد ونُفخ فيها ضوء القمر.
جمالها الشفاف الذي يبدو وكأنه سيذوب بلا أثرٍ مع شروق الشمس.
أمال الملك ذقنه وتفحّص الشابة التي ترتجف أمامه بتأنٍّ.
وسرعان ما ظهر ارتياحٌ عميقٌ في عينيه القاسيتين.
«جميلة.»
رحّب الملك، الأكبر من كلوديل بثماني سنواتٍ فقط، بالزهرة التي نُشّأت تمامًا وفقًا لذوقه.
وهكذا، دخلت كلوديل جحيمًا جديدًا.
***
بدأ الملك هيرمان بدأ على الفور بالبحث عن رجلٍ مناسبٍ ليكون زوجًا صوريًا لكلوديل.
ففي ذلك الوقت، كان للملك بالفعل زوجة، وبحسب قانون المملكة، يجب أن يبقى الزوجان مخلصين لبعضهما.
اتخاذ امرأةٍ غير متزوّجةٍ كعشيقةٍ كان يُعتبر إهانةً للزواج المقدّس الذي تحميه الآلهة.
لذا، عادةً ما كانوا يزوّجون العشيقات برجالٍ وهميين لإضفاء الشرعية على الأمر.
كان الرجل الذي اختاره الملك هو البارون بالمر.
في مقابل أن يتزوّج كلوديل، وعد هيرمان بتسديد ديون البارون بالمر.
لكن قبل أن يزوّجها، أكّد الملك مُلكيّته لها كعشيقة.
[هيرمان رويال تشيرينجن فلاندر]
نقش اسمه على جسد كلوديل.
حتى يتذكّر كلّ مَن يشاركها الفراش أنها عشيقة الملك.
وهكذا، في ليلة الزفاف…
«حتى لو كانت عاهرة…»
صرّ البارون بالمر أسنانه وهو يرى اسم الملك منقوشًا أسفل صدر كلوديل.
ومع ذلك، لم يترك فرصة امتلاك أجمل امرأةٍ في المملكة بشكلٍ قانوني.
في تلك الليلة، أُغمي على كلوديل مرارًا من شدّة الألم.
بعد ذلك، أخلف هيرمان وعده بتسديد ديون البارون بالمر.
وأصبح تعامل البارون مع كلوديل أكثر قسوة.
خاصّةً عندما كان الملك يستدعيها لقضاء الليل، كان البارون يُمسِك بشعرها غاضبًا كالشيطان.
وبعد عامٍ من ذلك، مات البارون بالمر في حادثة صيدٍ غامضة. وأصبحت عائلة بالمر، التي لم تسدّد ديونها، في حالةٍ يُرثى لها.
انتشرت شائعاتٌ عن أن الملك قد يكون له يدٌ في موت البارون، لكن الحقيقة ظلّت مجهولة.
***
زوّج هيرمان كلوديل مرّةً أخرى لعائلةٍ أخرى.
لأنه كان عليها أن يكون لها زوجٌ ليبقى لها مُسمّى ‘العشيقة”.
كان الرجل الثاني الذي تم اختياره هو الكونت فارنيزيو، أحد أكثر النبلاء نفوذًا في المملكة.
على الرغم من كونه ابنًا غير شرعي، إلّا أنه استولى على لقب العائلة بدعمٍ من الملك.
في المقابل، وعد بتقديم امتيازات مناجم الحديد للملك، وأن يكون زوجًا صوريًا لكلوديل.
لكن الكونت فارنيزيو كان يكره كلوديل.
«يا لكِ من عاهرةٍ قذرة، تتصرّفين كسيدةٍ لعائلة فارنيزيو…»
ربما كان كرهه نابعًا من شعوره بالنقص بسبب أصله غير الشرعي.
لكنه مع ذلك كان مهووسًا بها.
«اللعنة! كلوديل، هل تفكّرين في جلالته مرّةً أخرى؟»
كان يمسك بكتفيها بعنف.
«أنتِ زوجتي أنا!»
غضبه، شعوره بالنقص، ورغبته المريضة في التملّك…
كل ذلك انسكب على كلوديل دون رحمة.
عاشت كلوديل في خوفٍ دائمٍ كأنها تمشي على جليدٍ رقيق. تحاول إرضاء الملك والكونت في آنٍ واحد.
من ناحيةٍ أخرى، استاء الملك من جرأة الكونت في التعبير عن امتلاكه لها.
«من الواضح أن الكونت فارنيزيو عاجز!»
أسرع الفيكونت دوتريش، كلسان الأفعى، باتّهام الكونت.
«كيف لرجلٍ به عيبٌ أن يكون زوجًا لامرأة؟!»
في الحقيقة، كان سبب عدم حمل كلوديل هو الأدوية التي أُجبِرت على تناولها كعشيقةٍ للملك.
بسبب ذلك، أجبر الملك كلوديل والكونت على الطلاق.
وأصبح الكونت فارنيزيو أضحوكة، يعيش غارقًا في الخمر والدخان حتى تدهّورت صحته.
ثم استدعى الملك كلوديل إلى جانبه بسرعة.
وعندما عادت إليه، رأت شيئًا واضحًا.
الابتسامة الخبيثة المرسومة على شفتي الملك.
«كلوديل.»
مدّ الملك يده وأمسك ذقنها برقة.
عندما التقت عيناهما، شعرت بقشعريرةٍ تسري في جسدها.
«تذكّري جيدًا، حتى لو تزوّجتِ برجالٍ آخرين…»
أحكم قبضته على ذقنها.
«فأنتِ مِلكي.»
إلى الأبد.
في همسه اللزج كالمستنقع، غرقت كلوديل في اليأس بصمت.
***
بعد ذلك، بدون أيّ راحة، تم ترتيب زواجها الثالث.
لكن هذه المرّة، لم يكن للشرعية.
بل كان الزواج بهدف الإهانة.
«أنا فضولي … كيف سيتشوّه وجه راينهاردت الفخور…»
ابتسم هيرمان بلطفٍ نحو كلوديل.
«عندما يُجبَر على اتخاذ امرأةٍ تناوب عليها الرجال زوجةً له.»
راينهاردت فون فالديمار.
رأس عائلة دوقية فالديمار، إحدى أعرق العائلات في مملكة فلاندر.
وابن عم هيرمان، الذي كان يحمل تجاهه عقدة نقصٍ منذ زمنٍ طويل.
كانت عائلة فالديمار أعرق من العائلة المالكة.
فقد قدّمت العديد من المَلِكات، وكان من الشائع أن تتزوّج أميرات فلاندر من دوقات فالديمار.
ليس ذلك فحسب،
كان راينهاردت يُعتبر أكثر الحكّام كمالًا منذ قرن.
يحظى بثقة الشمال واحترام الشعب.
كان لديه ما لم يملكه هيرمان، محبة الشعب.
هيرمان، الذي كان يحسد ويحاول تقييد عائلة فالديمار المزدهرة،
أخيرًا رتّب هذا الزواج المهين.
«كلوديل، ما عليكِ فعله من الآن فصاعدًا هو…»
همس الملك بخبث.
«أن تظلّي دوقة فالديمار لأطول فترةٍ ممكنة … وتلطّخي سمعة راينهاردت.»
كانت طريقته في الكلام توحي بأنه لا يشكّ للحظةٍ أنها امرأةٌ دنيئة.
رغم أنه هو مَن جعلها عشيقة، وهو مَن جعلها موضع سخط الجميع.
«لكنني سأفتقدكِ. لن أراكِ كثيرًا الآن.»
غمز بعينيه كالأفعى.
«ستسعدينني، أليس كذلك؟»
«…نعم، جلالتك.»
انحنت كلوديل بعمق، مُواريةً قلبها المكسور.
بصراحة، كانت تعتقد أن راينهاردت سيرفض هذا الزواج.
فـ’كلوديل العاهرة القذرة’ لم تكن لتليق براينهاردت الرائع.
لكن…
«سأقبل هذا الزواج.»
أعلن راينهاردت ذلك ببساطة.
«هذا غير مقبول!»
«كيف تُدخِل هذه المرأة كسيدةٍ لعائلة فالديمار؟!»
عارضت عائلة فالديمار وحلفاؤها الأمر بشدّة.
حتى النبلاء الآخرون رأوا أن هذا الزواج إهانةٌ مبالغٌ فيه.
لكن راينهاردت قال.
«ألا تعلمون جميعًا أن البلاد في حالة فوضى؟»
كان ذلك صحيحًا.
منذ تتويج هيرمان، ازدادت الفجوة بين العائلة المالكة ودوقية فالديمار.
وكان الشعب مَن يدفع ثمن ذلك.
ولهذا، قرّر راينهاردت أنه لا يمكنه الاستمرار في مشاهدة الصراع بين العائلتين.
«إذا كان هذا الزواج سيختم الخلاف بين العائلتين…»
تبع كلماته تنهيدةٌ خفيفة.
«فهذا صفقةٌ رابحة.»
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 2"