سادَ الصمتُ الغرفةَ. لم يتحدّثا لفترةٍ. كانت عيناها موجّهتينَ نحوَ قطعةٍ صغيرةٍ بعيدةٍ من السماءِ الزرقاءِ، وكانَ هوَ ينظرُ إليها. جعلَهُ عطشُها لعدمِ النظرِ إليهِ يحترقُ.
أخيرًا، أدارَ وجهَها لتواجهَهُ. حدّقَ طويلًا في عينيها الباهتتينِ الخاليتينِ من الحياةِ، ثمّ فتحَ فمَهُ:
“‘لماذا لا تنظرينَ إليَّ؟’”
“…”
“‘لماذا لا تبتسمينَ لي؟’”
“…”
“‘ما الذي ينقصُ؟’”
لم تجب. رغمَ أنّ عينيها كانتا موجّهتينَ نحوَ وجهِهِ قسرًا، إلا أنّها لم تكنْ تنظرُ إليهِ. كأنّها ترى شيئًا بعيدًا عبرَ جسدِهِ، أو ربّما لا ترى شيئًا على الإطلاقِ.
احتضنَها.
‘لا بأسَ. حتّى لو لم تبتسمي بعدُ، وحتّى لو حاولتِ الهروبَ، وحتّى لو لم تنظري إليَّ، المهمُّ أنّكِ الآنَ في حضني، وهذا حقيقيٌّ.’
‘ستبقينَ هنا دائمًا.’
‘مع الوقتِ، ستبتسمينَ مجدّدًا يومًا ما.’
***
لقد اعتقد هذا لكن، مع مرورِ الوقتِ، بدأتْ تموتُ كدميّةٍ.
لم تفقدْ ابتسامتَها فقطْ، بل فقدتْ البكاءَ، الغضبَ، وحتّى الخوفَ. كانت تقضي معظمَ وقتِها جالسةً، وجهُها ميّتٌ بلا تعبيرٍ، تحدّقُ بذهولٍ عبرَ قضبانِ النافذةِ إلى مكانٍ بعيدٍ، أو نائمةً.
أصبحَ من روتينِهِ حملُها، عندما تنامُ مترهّلةً على كرسيٍّ مريحٍ عندَ النافذةِ أو على أريكةٍ في وسطِ الغرفةِ، إلى السريرِ.
رغمَ وجودِ أفضلِ الأطبّاءِ، كانت تموتُ يومًا بعدَ يومٍ.
كانوا يقولونَ إنّها كانت ضعيفةً منذُ البدايةِ، وإنّ الصدماتِ التي تلقّتْها أثّرتْ عليها، وإنّها تحتاجُ إلى استقرارٍ نفسيٍّ وجسديٍّ وتغذيةٍ، لكنّ هذهِ كانت نصائحَ غيرَ مفيدةٍ.
كانَ يعلمُ أنّها ضعيفةٌ منذُ البدايةِ. سمعَ أنّها كثيرًا ما كانت تُصابُ بالمرضِ منذُ صغرِها، ورآها كثيرًا تتعبُ بسرعةٍ وتجلسُ بعدَ القليلِ من القفزِ.
كانَ أحدُ أسبابِ رفضِ والدِها لعرضِ الزواجِ هوَ أنّ جسدَها الضعيفَ لا يتحمّلُ مسؤوليّاتِ زوجةِ أرستقراطيٍّ كبيرٍ.
لكن، حتّى لو كانَ الأمرُ كذلكَ، لا يوجدُ سببٌ لتدهورِ حالتِها إلى هذا الحدِّ.
لم تُصَبْ بمرضٍ معيّنٍ، ولم تُصَبْ بجروحٍ. وضعَها في غرفةٍ دافئةٍ، ألبسَها أفضلَ الملابسِ، وقدّمَ لها طعامًا مغذّيًا وأفضلَ الأدويةِ.
“‘إذا أمسكتَ عصفورًا من الغابةِ وحبستَهُ في قفصٍ، فقد يضعفُ ويموتُ شوقًا إلى الغابةِ.’”
كانت كلماتُ أحدِ الأطبّاءِ مزعجةً، لكنّها تستحقُّ التفكيرَ. لم يفهمْ هذا المفهومَ على الإطلاقِ، لكن، ربّما تكونُ الحيواناتُ الصغيرةُ الضعيفةُ هكذا.
‘لو كنتُ أعلمُ، لكنتُ أبقيتُ أمَّها أو مربّيتَها على قيدِ الحياةِ.’
على أيّ حالٍ، لم يكنْ ينوي تركَها تموتُ بعدَ أن أمسكَ بها بصعوبةٍ، فأخذَها إلى غابتِها، مسقطِ رأسِها.
إذا كانت تموتُ شوقًا إلى الغابةِ، فسيأخذُها إلى الغابةِ. ما الذي يصعبُ في نقلِ القفصِ إلى وسطِ الغابةِ؟ كانَ مستعدًّا لإخراجِها من القفصِ أحيانًا، مع ربطِ خيطٍ بقدمِها بالطبعِ.
في البدايةِ، لم تُظهرْ ردَّ فعلٍ يُذكرُ، لكن، منذُ يومٍ ما، بدأتْ تستعيدُ حيويتَها تدريجيًّا. كانَ منزعجًا من أنّ أوّلَ ردِّ فعلٍ أظهرتْهُ كانَ دفعَهُ بعيدًا، لكنّ ظهورَ ردِّ فعلٍ سلبيٍّ كانَ دليلًا على الحياةِ مقارنةً بموتِها بلا تعبيرٍ كجثّةٍ، فكانَ ذلكَ مفرحًا لهُ.
‘إذا استمرَّ الأمرُ هكذا وتحسّنتْ أكثرَ، ربّما أستعيدُ تلكَ الفتاةَ المشرقةَ التي كانت تضحكُ تحتَ الشمسِ وترقصُ كفراشةٍ. آه، لن تستطيعَ الرقصَ، لكن…’
‘نعم، كانَ قرارًا صائبًا. إذا انتظرتُ أكثرَ، سأتمكّنُ من استعادتِها بالكاملِ،’ فكّرَ.
ثمّ…
اختفتْ.
***
-خشخشة.
تكسّرَ القلمُ الذي كانَ يمسكُهُ إلى أشلاءٍ.
ملأتْ هالةُ القتلِ الغرفةَ فجأةً، فتراجعَ من حولَهُ مذعورينَ.
هه، إذنْ، استعادتْ حيويتَها لأنّها رأتْ فرصةً للهروبِ؟ تلكَ التحسّناتُ التدريجيّةُ في صحتِها وامتلاءُ خدَّيها، كانت استعدادًا للهروبِ؟
كيفَ يجرؤُ أحدٌ على سرقةِ ملكي منّي؟
كنزُهُ الأثمنُ، الذي وضعَهُ في أعمقِ قلبِهِ وحافظَ عليهِ بعنايةٍ، كيفَ يجرؤُ أحدٌ؟
حتّى لو كانت هيَ نفسُها، لن يغفرَ ذلكَ أبدًا.
‘كانَ يجبُ أن أربطَها بإحكامٍ وأضعَها في صندوقٍ وأغلقَهُ بالقفلِ.’
‘لو كانت تنامُ طوالَ اليومِ، لم يكنْ ذلكَ ليهمَّ. حتّى لو أغمضتْ عينيها إلى الأبدِ، ما الفرقُ؟ كانَ يكفي أن تكونَ مستلقيةً في غرفتي، داخلَ قلعتي، على سريري.’
كلُّ هذا الحديثِ عن القفصِ والغابةِ كانَ هراءً. كانَ يجبُ من البدايةِ أن يضعَها في خزنةٍ لا تتسرّبُ إليها ولو شعاعُ نورٍ، ويتركَها نائمةً.
لكن، بجسدِها الضعيفِ وقدمِها المعطوبةِ، لم يكنْ بإمكانِها الهروبُ وحدها. لا بدَّ أنّ أحدًا ساعدَها.
أحدٌ…
تذكّرَ ذلكَ الفارسَ العاميَّ الوقحَ الذي تجرّأَ على الوقوفِ إلى جانبِها سابقًا. كانَ يجبُ أن يقتلَهُ منذُ زمنٍ، لكنْ بعدَ أن أفلتَ مرّةً، اختفتْ آثارهُ ولم يتمكّنْ من العثورِ عليهِ.
‘ذلكَ الذي تجرّأَ على لمسِها بيديهِ القذرتينِ، سأذبحُهُ أمامَ عينيها وأرمي بهِ في الحقلِ، وأربطُها وأعيدها. إذا لم يكنْ كسرُ قدمٍ واحدةٍ كافيًا، فسأكسرُ قدميها الاثنتينِ هذهِ المرّةَ.’
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 5"