ضحكتِ الفتاةُ بخجلٍ للحظةٍ، ثمّ اقتربتْ وجلستْ إلى يسارِهِ. تدفّقتْ رائحةٌ عذبةٌ إلى أنفِهِ. شعرَ بالحيرةِ والاختناقِ أمامَ هذا التحفيزِ المفاجئِ الذي لم يختبرْهُ من قبلُ.
عندما أمسكتْ يدهُ اليسرى بلطفٍ بيدِها، انتفضَ من الدفءِ الذي انتقلَ من جلدِ يدِها الناعمِ إليهِ.
“‘آه، هل تألمتَ؟’”
“لا…”
لم يكنْ ذراعُهُ هوَ ما يؤلمُهُ. لكن، ما هذا الشعورُ؟
من مكانِ لمستِها، انتشرَ دفءٌ دافئٌ عبرَ ذراعِهِ، ثمّ إلى كاملِ جسدِهِ. شعرَ باضطرابٍ غريبٍ وهوَ يتسرّبُ إلى قلبِهِ. كأنّهُ يؤلمُ. ألمٌ… ربّما هذا هوَ الألمُ. ردّةُ فعلٍ جسديّةٍ غريبةٍ لم يشعرْ بها من قبلُ. شعورٌ غريبٌ.
هل يمكنُ أن تكونَ لمسةُ إنسانٍ بهذهِ النعومةِ والدفءِ؟
نظرَ الفتى، مشدوهًا، إلى يدِها الناعمةِ الملساءِ وهيَ تضعُ يدَهُ على ركبتيها. لم يكنْ يعلمُ أنّ اليدَ يمكنُ أن تكونَ بهذا الهدوءِ. كلُّ الأيدي التي عرفَها كانت خشنةً وعنيفةً: تدفعُ، تضربُ، تسحبُ، أو تمزّقُ.
بينما كانَ الفتى غارقًا في مشاعرَ غامضةٍ لم يفهمْها، بدأتِ الفتاةُ تلفُّ الشريطَ الأخضرَ حولَ ذراعِهِ اليسرى بعنايةٍ، بحركاتٍ مبتدئةٍ بعضَ الشيءِ.
“‘كيفَ أصبتَ هكذا؟ هل ضربَكَ أحدٌ؟’”
“لا تهتمّي.”
“‘لكن، هذا ليسَ مجرّدَ ضربٍ باليدِ، إنّهُ جرحٌ طعنيٌّ.’”
أطلقتِ الفتاةُ تنهيدةً صغيرةً، ثمّ هزّتْ كتفيها ونظرتْ إلى الجروحِ الأخرى المتناثرةِ على جسدِهِ. كانت نظرتُها لا تزالُ دافئةً ولطيفةً، وتعبيرُها مليءٌ بالقلقِ والحسنِ النيةِ فقط، ممّا جعلَ الأمرَ غريبًا ومحرجًا بالنسبةِ لهُ.
‘هيَ لا تعرفُ من أنا، بالتأكيدِ.’
هكذا استنتجَ.
‘إنّها تتصرّفُ هكذا لأنّها لا تعرفُ هويّتي. لو علمتْ من أنا، لتغيّرتْ نظرتُها.’
إذا تحوّلتْ تلكَ العينانِ الصافيتانِ اللامعتانِ إلى عينينِ رماديّتينِ مليئتينِ بالاحتقارِ كما عيونُ الآخرينَ، فسيكونُ ذلكَ خسارةً كبيرةً.
لكن، على الرغمِ من ذلكَ، فإنّ شيئًا كهذا، لم يكنْ مسموحًا لهُ في عالمِهِ، لم يكنْ سوى خطأٍ مؤقتٍ. مثلَ هذهِ الأخطاءِ يجبُ تصحيحُها بسرعةٍ والعودةُ إلى الوضعِ الطبيعيِّ.
هكذا يجبُ أن يكونَ. إخمادُ هذا الشعورِ الغريبِ، والعودةُ إلى عالمِهِ الرماديِّ، هوَ الأكثرُ أمانًا. إذا تكثّفَ هذا الاختراقُ وأصبحَ لا رجعةَ فيهِ، ثمّ تحوّلتْ تلكَ النظراتُ إلى احتقارٍ، فسيكونُ ذلكَ أصعبَ على التحمّلِ.
“‘أخبرتني لأنّكَ قلقٌ عليّ؟ شكرًا. لكن، لا تقلقْ، سأكونُ بخيرٍ.’”
في ذلكَ اليومِ، تصدّعَ عالمُ الفتى الرماديُّ.
لأوّلِ مرّةٍ، تسربَ الضوءُ والدفءُ والألمُ إليهِ.
لم يعدْ بإمكانِ عالمِهِ العودةُ إلى ما كانَ عليهِ.
كانَ ذلكَ بمثابةِ نفسٍ أوّلٍ يُمنحُ لمن كانَ غارقًا في قاعِ الماءِ، لا يعرفُ عالمَ السطحِ.
عندما لم يكن يعرفُ، لم يتوقّعْ شيئًا، لكنْ بعدَ أن عرفَ، لم يستطعْ التخلّي عنهُ.
لم تكنِ الفتاةُ سوى فتاةٍ تمرُّ وتقدّمُ يدَ العونِ لفتى مسكينٍ كما تفعلُ مع الآخرينَ، لكنْ بالنسبةِ لهُ، كانَ ذلكَ عالمًا جديدًا كليًّا.
لم يستطعْ الفتى التفريقَ بينَ هذا العالمِ الجديدِ وبينَها، ولم يرغبْ في ذلكَ. بالنسبةِ لهُ، كانت هيَ العالمُ الجديدُ. عالمٌ لم يُسمحْ لهُ بهِ أبدًا، لكنّهُ، بمجرّدِ لمحةٍ، أصبحَ يتوقُ إليهِ.
العالمُ الذي كانَ يجهلُ برودتَهُ، أصبحَ باردًا جدًّا بعدَ أن شعرَ بالدفءِ مرّةً واحدةً. والمناظرُ التي لم يكنْ يعرفُ أنّها رماديّةٌ، بدتْ كئيبةً ومملّةً بعدَ أن رأى الألوانَ.
شعرَ وكأنّ قدميهِ، اللتينِ كانتا دائمًا تطفوانِ دونَ أن تلمسا الأرضَ، قد لامستا أرضًا تُدعى هذهِ الفتاةَ لأوّلِ مرّةٍ. لم يكنْ يعلمُ أنّهُ جائعٌ، لكنْ بعدَ أن تذوّقَ حلاوةَ الفتاةِ، أدركَ أنّهُ كانَ يتضوّرُ جوعًا.
كانَ ذلكَ الإحساسُ غريبًا وعجيبًا.
أرادَ أن يراها مجدّدًا.
أرادَ أن يلمسَها مجدّدًا.
أرادَ أن تنظرَ إليهِ وتبتسمَ لهُ مرّةً أخرى. أرادَ سماعَ صوتِها العذبِ.
أرادَ أن يلمحَ ذلكَ العالمَ الرائعَ الذي لم يكنْ يعرفُهُ.
لم يكنْ الفتى يعرفُ كيفَ يراها مجدّدًا، ففي اليومِ التالي، عادَ إلى تحتَ تلكَ الشجرةِ. تعمّدَ أن يذهبَ إلى أماكنِ أولئكَ الرجالِ، يستفزُّهم، فيُضربُ أكثرَ، ثمّ يذهبُ إلى الشجرةِ ليستريحَ، منتظرًا ظهورَها.
وظهرتْ.
هذهِ المرّةَ، لم تكنْ ضائعةً. بدا أنّها جاءتْ إلى هنا عمدًا، دونَ أن تنظرَ حولَها، اقتربتْ منهُ مباشرةً. بدتْ فرحةً في البدايةِ، لكنْ عندما رأتْ جروحَهُ، عبستْ وأسرعتْ نحوهُ.
في سلّتِها، كانت تحملُ أدويةً وضماداتٍ وبعضَ الطعامِ.
هه، كم هيَ لطيفةٌ.
لم يتخيّلْ أبدًا أنّهُ سيشعرُ بمثلِ هذهِ المشاعرِ تجاهَ إنسانٍ.
منذُ ذلكَ الحينِ، أصبحَ ذلكَ روتينًا.
كانَ يستفزُّهم عمدًا ليُضربَ. تلكَ الأوقاتُ التي كانت مملّةً في السابقِ، أصبحتْ الآنَ لحظاتِ ترقّبٍ للقائِها. إذا شعرَ أنّ جروحَهُ ليستْ كافيةً، كانَ يصنعُ المزيدَ بنفسِهِ.
عندما يصبحُ لديهِ ما يكفي من الجروحِ، يذهبُ إلى الغابةِ، يجلسُ تحتَ الشجرةِ، وينتظرُها بسعادةٍ. هل ستأتي؟ هل ستأتي اليومَ؟ متى ستأتي؟ الانتظارُ، الترقّبُ، اضطرابُ القلبِ المثيرُ، كلُّ شيءٍ كانَ جديدًا، منعشًا، وحلوًا.
لم تكنِ الفتاةُ تأتي كلَّ يومٍ، لكنّها كانت تزورُهُ أحيانًا، تحملُ سلّةَ الأدويةِ، تعتني بهِ بلطفٍ، وتتحدّثُ بلا توقّفٍ.
“‘كيفَ يمكنُ لأحدٍ أن يضربَ شخصًا هكذا؟ إنّهم أناسٌ سيّئونَ. لا أستطيعُ القدومَ كثيرًا، لذا أرجوكَ، اعتنِ بنفسِكَ، ألا يمكنُكَ الاختباءُ أو التجنّبُ؟’”
“‘حتّى لو لم تشعرْ بالألمِ، لا تُكثرْ من الجروحِ. حتّى الجروحُ الصغيرةُ قد تتعفّنُ وتؤدّي إلى مرضٍ خطيرٍ.’”
كانت توبيخاتُها العذبةُ كأنّها أغنيةٌ ساحرةٌ تتدفّقُ إلى أذنيهِ.
عندما كانت يدُها الناعمةُ تلمسُهُ وهيَ تنظرُ إليهِ بعينينِ قلقتينِ، كانَ يشعرُ بألمٍ حادٍّ في قلبِهِ، وينتشرُ في جسدِهِ نسيمُ ربيعٍ ناعسٌ.
عندما يغمضُ عينيهِ نصفَ إغماضةٍ ليشعرَ بهذا الإحساسِ الفريدِ، كانت تعبسُ وتسألُهُ إنْ كانَ يستمعُ إليها، وكانت تلكَ النظراتُ المتبادلةُ ممتعةً أيضًا.
لم تكنْ تتخيّلُ أنّهُ يتعمّدُ أن يُضربَ أكثرَ. كانَ يفكّرُ: هل أصنعُ جرحًا جديدًا بالسكّينِ في المرّةِ القادمةِ؟ أينَ يجبُ أن أصنعَهُ؟ وهوَ يستمتعُ بلمستِها. لكن، يجبُ ألا يكونَ واضحًا جدًّا حتّى لا تكتشفَهُ.
للأسفِ، عندما تنتهي من العلاجِ، كانت تجمعُ الأدويةَ والضماداتِ في سلّتِها، ثمّ تُخرجُ بعضَ الطعامِ اللذيذِ الذي أحضرتْهُ مسبقًا وتضعُهُ أمامَهُ. كانت قلقةً أنّهُ لا يأكلُ جيّدًا، وكانَ ذلكَ صحيحًا.
بينما كانَ يتذوّقُ الطعامَ ببطءٍ قدرَ الإمكانِ، كانت هيَ تجمعُ الزهورَ القريبةَ، أو تتأمّلُ أوراقَ الشجرِ، وإذا كانت في مزاجٍ جيّدٍ، كانت ترقصُ لوحدها.
ثمّ، عندما ترى فراشةً صفراءَ مثلَها، كانت تتبعُها، تقفزُ هنا وهناك.
حياةٌ مليئةٌ بالألوانِ واللطافةِ.
حتّى لو كانت مختبئةً بينَ حشدٍ من الناسِ، شعرَ أنّهُ سيجدها دائمًا، في أيّ مكانٍ. كانت دائمًا مشعّةً بالحيويةِ.
لكن، هذا لم يعنِ أنّ حيويتَها كانت قويّةً. بعدَ أن تطاردَ الفراشةَ قليلًا، كانت تلهثُ، ولم تلمسْها ولو مرّةً واحدةً.
كانتِ الفتاةُ ضعيفةَ الجسمِ، فبعدَ القليلِ من القفزِ، كانت تتعبُ بسرعةٍ، وجهُها يحمرُّ، فتجلسُ لترتاحَ طويلًا.
“‘هل أمسكُها لكِ؟’”
“‘لا، لا. أردتُ فقطْ رؤيتَها لأنّها جميلةٌ. إذا أمسكتُها، ستتأذّى الفراشةُ. والمريضُ يجبُ أن يجلسَ ويستريحَ.’”
في نظرِهِ، كانت هيَ، التي تلهثُ وتتعبُ من القليلِ من القفزِ، أشبهَ بالمريضةِ، لكنّهُ لم يقلْ شيئًا وسكتَ موافقًا. أمامَها، كانَ دورُهُ أن يكونَ المريضَ المسكينَ، وكانَ مصمّمًا على أداءِ هذا الدورِ بإخلاصٍ.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 2"