كان من الواضح أن ليليانا، بل وحتى ثيودورو نفسه، قد وقعا في فخ أنطونيو المُحكم. كانت خطته كاللوحة التي رسمها بعناية ليوقعهما في شراكه، حيث كل خطوة محسوبة بدقة لتحقيق أهدافه الخبيثة. شعرت ليليانا بالعجز يغمرها، وكأنها دمية في يد لاعب يتحكم بحركاتها.
‘لا، لا يمكن أن يحدث هذا!’ فكرت، وهي تجلس على الأرض، تحاول الزحف بعيدًا بجسدها الضعيف. لكن خطوات أنطونيو البطيئة، الواثقة، كانت تقترب منها كالنمر الذي يتربص بفريسته. لم يكن في عجلة من أمره، كأنه يعلم تمامًا أن جدارًا صلبًا يقف خلفها، يقطع عليها أي أمل بالهروب. كانت خطواته تحمل نوعًا من الهدوء المُقلق، كأنه يتلذذ برعبها، وكأن كل ثانية من معاناتها تضيف إلى متعته المريضة.
“…آه!” تأوهت ليليانا، وهي تشعر بالجدار البارد يلامس ظهرها، مانعًا إياها من التراجع أكثر. كان الجدار كالحدود التي تفصل بينها وبين أي أمل بالنجاة.
“تخيّلي،” قال أنطونيو بنبرة مملوءة بالخبث، وعيناه تلمعان بنوع من الهوس المريض، “ذلك الوجه البارد الخالي من العاطفة وهو يتكسر أمامي. ألا يبدو ذلك ممتعًا؟”.
اقترب أكثر، وكل خطوة كانت تزيد من توترها، كأن الهواء نفسه أصبح ثقيلًا لا يُطاق. “أنا أتوق إلى رؤية ذلك، إلى درجة الجنون!” أضاف، وصوته يحمل مزيجًا من الغضب والسخرية.
فجأة، أمسك بذراعها بقوة، حتى شعرت وكأن عظامها ستتحطم تحت قبضته الحديدية. كان شيء حاد، كالسكين يغرز في لحمها، وصرخت: “آه…!” لكن صوتها خرج ضعيفًا، مكتومًا، كأن الدواء لا يزال يخنق إرادتها.
“حتى لو لم أحصل على شيء آخر، على الأقل سأرى هذا المنظر. سيكون ذلك تعويضًا عن كل الإهانات التي تلقيتها!” قال، وابتسامة ساخرة تملأ وجهه، كأنه يتلذذ بمعاناتها. كانت عيناه تحملان نوعًا من الرضا المريض، كأن رؤية ضعفها هي انتصاره الأعظم.
***
ربما كانت الجرعة زائدة، أو ربما لم يتحمل جسدها الضعيف تأثير الدواء. استيقظت ليليانا لتجد نفسها في حوض استحمام مملوء بالماء الدافئ، غارقة في ضباب من الأحاسيس الغريبة. كانت تتأرجح بين الوعي واللاوعي، كأنها عالقة في حلم لا تستطيع الفرار منه. فجأة، انتفضت، كأن صاعقة أصابتها، وصرخت: “…آه!”.
“يا إلهي! لقد أفزعتينا!” قالت إحدى النساء الثلاث اللواتي كنّ حولها، وقد بدت مصدومة من حركتها المفاجئة. نهضن بسرعة بعد أن سقطت على الأرض، وحاولن تهدئتها بنبرة خالية من أي دفء: “اهدئي، اهدئي!” كانت لمستهن باردة، ميكانيكية، كأنهن يقمن بواجب روتيني مفروض عليهن. وجوههن كانت شاحبة، خالية من الحياة، كأنهن أشباح تتحرك بلا روح، محكومات بظروف لا يملكن السيطرة عليها.
لكن هذا الهدوء المزيف ساعد ليليانا على استعادة بعض تركيزها. أدركت أنها لا تزال في مرحلة التحضير، وأنها ربما فقدت الوعي لفترة وجيزة. ‘الحمد لله، لم يحدث الأسوأ بعد،’ فكرت، لكن سرعان ما شعرت بثقل الدواء يعود ليغمرها. كانت عيناها تثقلان، وكأن جفنيها مصنوعان من الرصاص. شعرت بجسدها يتحرر قليلاً، لكنه كان غارقًا في شعور بالخدر والانفصال عن جسدها، كأنها تطفو على سحابة. كانت مشاعرها غريبة، مختلطة بين التوتر والاسترخاء الغريب. كلما حاولت التركيز، كانت الأحاسيس تتلاشى، تاركة إياها في حالة من الغموض.
ابتسمت ليليانا ابتسامة لم تكن تشبهها، كأنها تحت تأثير سحر غريب. ‘ما الضرر إذا استسلمت لهذا الشعور؟’ فكرت للحظة. الماء الدافئ، واللمسات الناعمة للنساء وهن يعتنين بها، كل ذلك بدا مريحًا بشكل غريب. لكن فجأة، استيقظت من هذا الوهم. ‘هل جُننتِ؟’ فكرت، وهي تهز رأسها بقوة محاولة استعادة إرادتها. ‘ما الذي وضعوه في جسدي حتى أفقد عقلي هكذا؟’.
حاولت التنفس بعمق، آملة أن يخفف ذلك من تأثير الدواء. ‘لا يمكن أن أتركهم يحقنون المزيد. إذا فعلوا، سأفقد نفسي تمامًا،’ فكرت بذعر. نظرت حولها ورأت الجرعات المتبقية على رف الحمام، بجوار حقنتين. قبل أن تتمكن من التفكير أكثر، سمعت ضحكة ساخرة من إحدى النساء.
“يبدو أنكِ أدركتِ أن تأثير الدواء يتلاشى، أليس كذلك؟” قالت المرأة بنبرة ساخرة، وكأنها تستمتع بضعفها.
كانت عينا ليليانا، التي بدأت تستعيد بعض الوضوح، ترتجفان. ‘هل هذا هو أفضل حالاتي الآن؟’ فكرت بذعر.
“انتظري، بعد الاستحمام سنحقن جرعة أخرى,” قالت إحدى النساء. ثم أضافت أخرى بنبرة باردة: “وخبر سار آخر، ستحصلين على جرعة كل يوم قبل مقابلة الزبائن.”
تلك الكلمات جعلت عقل ليليانا يتجمد. ‘هل يعني ذلك أنهن يتعاطين الدواء يوميًا؟’ فكرت. كانت تعلم أن العصابة تشتري كميات كبيرة من المخدرات، لكنها لم تكن تعتقد أنها تُستخدم بهذه الطريقة. شعرت بقلبها يهوي إلى قاع معدتها، وغمرتها موجة من اليأس.
“أليس ذلك واضحًا؟” ردت إحداهن بنبرة مملوءة بالمرارة. “بدون هذا، كيف يمكننا تحمل هذا المكان؟”.
أدركت ليليانا أن هؤلاء النساء، مثلهن مثلها، ربما أُجبرن على العمل هنا. ربما كنّ مدينات بمبالغ طائلة، أو ربما أُجبرن بطرق أخرى. فجأة، خطرت لها فكرة.
‘ربما يمكنني استخدام هذا!’ فكرت. بدأ عقلها يعمل بسرعة رغم تأثير الدواء. شعرت بقليل من الذنب لاستغلال معاناتهن، لكنها أقنعت نفسها أن هذا قد يكون لمصلحة الجميع.
“ألا ترغبن في الهروب من هنا؟” قالت ليليانا، موجهة كلامها إليهن بحذر، وهي تحاول الظهور بمظهر الواثقة رغم ضعفها.
تلقت في الحال نظرة حادة كالسكين من إحدى النساء. “ماذا قلتِ؟” كانت نبرتها مليئة بالعداء.
“ساعدنني. إذا نجحتُ، قد يكون هذا فرصتكن للهروب أيضًا,” أضافت ليليانا، محاولة الحفاظ على هدوئها.
“ما هذا الهراء؟” ردت أخرى بنبرة ساخرة، وكأنها تسخر من فكرة الأمل.
“ثيودورو سيزور هذا المكان قريبًا. إذا استطعتُ إخباره أنني أُجبرت على المجيء إلى هنا، فسيتصرف. أنا متأكدة من ذلك!” شرحت ليليانا، محاولة إقناعهن. كانت تعلم أن ثيودورو يكره هذا المكان، وأن تصرفات أنطونيو قد تكون كافية لدفعه إلى اتخاذ إجراء. “كل ما أطلبه هو مساعدتكن في تجنب الجرعة التالية من الدواء. إذا استطعتُ التحدث إلى ثيودورو بعقل صافٍ، سأذكر مساعدتكن، وسيأخذ ذلك بعين الاعتبار.”
خيّم الصمت على الحمام، كأن الهواء نفسه توقف عن الحركة. النساء تبادلن النظرات، وكأنهن يزنن مخاطر هذا العرض. كان البخار يتصاعد من الماء، يملأ الغرفة بضباب كثيف يعكس ترددهن. بعد صمت طويل، جاء الرد من إحداهن: “سأتظاهر أنني لم أسمع شيئًا. لا أملك الشجاعة لخوض هذه المغامرة. أنا مقيدة بعائلة بينيديتي، ولن يهتموا بظروفي حتى لو ساعدتكِ. خاصة ذلك الرجل القاسي.”
لم تتحدث الأخريات، لكن صمتهن كان كافيًا ليؤكد موافقتهن على كلامها. شعرت ليليانا بخيبة أمل كبيرة. ‘آه…’ فكرت، وهي تشعر وكأن شرارة الأمل التي أضاءت للحظة قد انطفأت. كيف يمكنها إقناعهن؟ كلماتهن عن “الرجل بلا قلب أو دموع” صدقتها، لأنها تعرف ثيودورو جيدًا. لم يكن من النوع الذي يتحرك بدافع العاطفة.
انتهى الاستحمام في صمت ثقيل. جففن جسدها وألبسنها رداءً. كانت ليليانا هادئة بشكل غريب، تدرك أن لكل منهن ظروفها القاسية. :لا يمكنني لومهن،’ فكرت. قررت التخلي عن أي أمل في مساعدتهن والتركيز على خطة أخرى. ‘ربما لو قاومت عندما يحاولون حقني؟’ فكرت، لكنها أدركت أن هذا لن ينجح. لم تكن في رواية بطولية حيث تستطيع خطف الحقنة واستخدامها ضدهن. كانت تعلم أنها لا تملك القوة الكافية.
بينما كانت تغرق في أفكارها، قالت إحدى النساء: “هيا، انهضي. حان وقت ارتداء الملابس والتزيّن.”
نظرت ليليانا إلى الأمام ورأت امرأتين تحملان الأغراض وتلوحان لها. ثم التفتت إحداهن إلى امرأة ذات شعر أحمر تقف خلف ليليانا: “إن، ماذا تفعلين؟ أنتِ من أحضرت الملابس، فلمَ لا تذهبين وتبدئين التحضير؟”.
“آه، انتهيت الآن، لحظة فقط…!” ردت إن، وهي تبدو مشغولة بترتيب شيء ما. فجأة، رنّ صوت معدني عالٍ. طق! طق! سقط دلو على الأرض، وتناثر الماء على ساقي ليليانا.
“آه!” صرخت ليليانا. التفتت ورأت إن واقفة، عيناها متسعتان كأنها تجمدت. ثم وضعت إن الأغراض التي تحملها وأمسكت بمنشفة.
“آسفة، سأنظف هذا. اذهبا وابدآ التحضير.”
“نحن مشغولات للغاية!” ردت إحدى النساء بنبرة متذمرة، لكنها غادرت مع الأخرى. عندما أصبح صوت خطواتهما بعيدًا، تغير وجه إن فجأة. اقتربت من ليليانا بسرعة وهمست: “الجرعة الثانية ستُحقن قريبًا، ولا يمكنني إيقافها. لكن سأستبدل الجرعة الأخيرة بشيء آخر. هذا أقصى ما أستطيع فعله. بعد ذلك، الأمر متروك لكِ.”
“…!” شهقت ليليانا بدهشة، وشعرت بوميض أمل يعود إليها.
“حياتي بالفعل في الحضيض، فلا شيء يمكن أن يجعلها أسوأ،” قالت إن وهي تبتسم ابتسامة خفيفة، تحمل فيها مزيجًا من اليأس والتحدي.
***
كانت الأريكة المخملية الأرجوانية تُشع بجو من الفسق بمجرد النظر إليها. الستائر الشبكية السوداء التي تتدلى كالظلال، والإضاءة الخافتة التي بالكاد تؤدي وظيفتها، زادت من هذا الجو الغامض والمشحون. لكن ما جعل المشهد يصل إلى ذروة الإغراء كان الفتاة التي كانت مستلقية على الأريكة، وكأنها لوحة حية مرسومة بعناية. كانت ليليانا، مرتدية ثوبًا شفافًا يكشف عن بشرتها البيضاء النقية، مما يثير خيالات مشوبة بالرغبة. خصلات شعرها البلاتينية التي سقطت من تسريحتها بدت كأنها دعوة لاستكشافها، كأنها ثغرة في درعها تدعو إلى الاقتراب. شفتاها المفتوحتان قليلاً كانتا مغريتين، كأنها تدعو لسرقة أنفاسها. وعيناها، الغارقتان في ضباب الدواء، كانتا تنظران إلى عالم آخر، كأنها تائهة في حلم لا نهائي.
كانت ليليانا على وشك مقابلة ثيودورو، لكنها كانت تطفو في عالم آخر بسبب الدواء. رغم استبدال الجرعة الأخيرة بفضل إن، كانت الجرعتان السابقتان كافيتين لجعلها تفقد السيطرة. ‘لا أستطيع… استعادة وعيي،’ فكرت، وهي تحاول مقاومة الثقل في جفنيها. كانت عيناها تفتحان وتغلقان بشكل لا إرادي، كأنها تكافح لتبقى متيقظة.
‘تلك الفتاة ساعدتني، وأنا ممتنة لها، لكن… هل سأتمكن من رد الجميل؟’ فكرت، وهي تشعر بالعجز. كانت تشعر بجسدها يتحرك بطريقة غريبة، كأنها دمية تتحرك بلا إرادة. كل حركة كانت تبدو مغرية بشكل لا إرادي، وهذا جعلها تشعر بالاشمئزاز من نفسها. ‘لو لم تكن إن قد ساعدتني، كيف كان حالي الآن؟’ تساءلت. ربما كانت ستفقد القدرة على التفكير تمامًا، تصبح مجرد قشرة فارغة.
‘هل يجب أن أشعر بالارتياح لأنني تجنبت الأسوأ، أم أن هذا بحد ذاته كارثة؟’ فكرت، وهي تحاول استجماع ما تبقى من إرادتها.
عندما دخل أنطونيو، توقف للحظة، كأنه فوجئ بمظهرها. لعق شفتيه ببطء، كأنه يتذوق النصر، وقال: “يا إلهي، لقد فقدتِ عقلكِ تمامًا.”
اقترب منها بخطوات واثقة، وأمسك بوجهها الشاحب. عندما التقت عيناها الضبابيتان بعينيه، اتسعت ابتسامته الخبيثة: “فتاتنا الجميلة، يبدو أنكِ غارقة تمامًا.”
اقترب أكثر، حتى شعرت بنفسه الحار يلامس وجهها. فجأة، شعرت بشفتيه تلامسان شفتيها في قبلة عنيفة، جشعة. حاولت المقاومة، لكن أصابعه فتحت فمها بقوة، كأنه يريد أن يستولي على كل جزء منها. كانت القبلة فوضوية، مليئة بالجشع، كأنها محاولة لامتلاكها بالكامل. شعرت بالاشمئزاز، لكن جسدها الخاضع للدواء استجاب بشكل غريب، كأن هناك جزءًا منها يستسلم لهذا الإحساس الغريب. كانت مشاعرها تمزقها بين الاشمئزاز والرغبة الغريبة التي أثارها الدواء.
‘لو كنتُ قد تلقيت الجرعة الثالثة، لربما استسلمت له تمامًا،’ فكرت، وهي تحاول التشبث ببقايا إرادتها.
عندما ابتعد أنطونيو، بدا كأن اهتمامه قد خفت. نظر إلى شفتيها اللامعتين وقال بنبرة خالية من الحماس: “ربما يجب أن نغير الدواء. أنتِ قوية جدًا، وهذا ما يجعل كسرك ممتعًا. لكنكِ الآن مطيعة أكثر من اللازم، وهذا ليس ممتعًا.”
نظرت إليه ليليانا، وهي تتنفس بصعوبة. كانت تود أن تبصق في وجهه، لكنها بالكاد استطاعت تحريك وجهها. كانت عيناها تحملان مزيجًا من الغضب والعجز، لكنها كانت تعلم أنها لا تزال تملك فرصة، بفضل إن. كل ما تحتاجه الآن هو أن تبقى واعية بما يكفي لمواجهة ثيودورو.
~~~
لا تنسوا الاستغفار والصلاة على النبي!
حسابي انستا: roxana_roxcell
حسابي واتباد: black_dwarf_37_
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 8"