لم يجب ثيودورو، بل أمسك بزجاجة الخمر التي كان يحملها، وقلبها دفعة واحدة ليسكب محتواها على الجرح المفتوح. شعرت ليليا وكأن جلدها يُحرق بنيران مشتعلة، فومضت عيناها بضوءٍ خاطف من شدة الألم.
“آه!”.
خرج آنين ليليانا وهي تتشبث بذراعها التي أمسكها ثيودورو بقوة، ملتويةً بجسدها كله في محاولة يائسة للتخلص من الألم. لكن كلما حاولت، ازدادت قوة قبضته عليها، كأنها محبوسة في قبضة حديدية. لم يرمش ثيودورو بعينيه ولو للحظة، بل واصل سكب الخمر حتى آخر قطرة من الزجاجة، غير آبهٍ بمعاناتها.
“هـ، هـ…”.
ارتجفت ليليانا بعنف، ودموعها تتجمع في عينيها المتورمتين، تنظر إليه بنظراتٍ مليئة بالألم والرجاء. لكن فوق رأسها، هبط صوتٌ جاف وقاسٍ، خالٍ من أي أثر للأسف أو الشفقة، صوتٌ بدا وكأنه ليس بشريًا على الإطلاق:”رائحة الدم هذه… مقززة حقًا.”
كان هذا هو التفسير الوحيد لهذا الفعل البشع والوحشي. منذ أن دخلت ليليانا المكتب، كانت رائحة الدم الخافتة التي تفوح منها تثير اشمئزاز ثبودورو. هذا السبب البسيط، ولا شيء غيره، كان كافيًا له.
ربما، من يدري؟ قد يكون قد شعر بالازدراء تجاهها لأنها تجاهلت تحذيراته وارتكبت ما ارتكبت، أو ربما كان يعبّر عن غضبه بطريقته القاسية المعتادة.
نظرت إليه ليليانا بعيونٍ مشتعلة بالغضب، وهي تعض على أسنانها بقوة، لكن حتى هذا التعبير العاطفي بدا مثيرًا للسخرية عندما رمى ثيودورو إليها، بلا مبالاة، كومة من القماش الملفوف.
رغم رؤيتها المشوشة بالدموع، أدركت أنها ضمادات. في الثواني الأولى، وقفت مذهولة، تفتح فمها وتغلقه دون أن تنطق، غير قادرة على استيعاب ما يحدث. هل هذا جزء من لطفه أم مجرد نزوة أخرى من نزواته الأنانية؟ لم تستطع التمييز، ووجدت نفسها تتأرجح بين الغضب والحيرة، وجهها يتلوّن بالأحمر والأزرق.
‘…هل تمزح معي الآن؟’.
لكن، هل كان ثيودورو من النوع الذي يهتم بردود أفعالها؟ استقر على الأريكة المقابلة بنوع من اللامبالاة المريحة، وكأنه يستلقي، ثم فتح فمه بهدوء: “من كان وراء تلك القطعة الفنية؟ سيلفانو؟ لا، دعيني أسأل هذا أولاً: كيف أقنعتِ ذلك الرجل؟”.
أمسكت ليليانا ذراعها المؤلمة، تحاول تهدئة غضبها المتصاعد. هل كان الألم الذي يعتصر ذراعها هو السبب؟ أم كانت تلك الطباع السيئة لمن يعطي الداء ثم يتبعه بالدواء؟ لم تكن كلماتها التي خرجت من فمها رقيقة على الإطلاق: “وهل هذا مهم؟ المهم أنه قرر الانضمام إليّ.”
حدّقت فيها عيناه السوداوين الداكنتين للحظة، ثم سحب اهتمامه فجأة، كأنه فقد أي رغبة في الاستمرار: “حسنًا، إذن.”
…ماذا؟.
في تلك اللحظة، حتى الألم الرهيب الذي كانت تشعر به تلاشى. شعرت ليليانا وكأن زمام المحادثة الذي كان بيدها انتُزع منها في لحظة، تاركًا إياها تواجه وجهًا خاليًا من الاهتمام، وجهًا بدا وكأنه يخترق عينيها بنظراته الباردة.
“…ماذا؟ ألستَ فضوليًا؟”.
“ولمَ أكون كذلك؟ كما قال أحدهم، هذا ليس مهماً.”
يا لها من كلماتٍ قاسية، رُميت بنبرةٍ استفزازية، كأنه يعبث بها. شعرت ليليانا بكبريائها القليل المتبقي يتحطم إلى أشلاء. لكنها لم تستطع أن تدع الأمور تمر بهذه البساطة. لم تكن تريد من ثيودورو أن يظن، ولو للحظة، أنها ربما لجأت إلى وسائل دنيئة لإتمام الصفقة.
“سيلفانو… فكرتُ فيما قد يكون نقطة ضعفه. كل إنسان لديه شيء ينقصه، أليس كذلك؟”.
“…”
“وكانت توقعاتي صحيحة.”
لم يكن ثيودورو يتوقع أن تجيب بهذه الصراحة، فرفع حاجبيه ونظر إليها باهتمامٍ لم ترَ مثله في عينيه من قبل.
“نقطة ضعف، تقولين؟ وما هي؟”.
“الرغبة في أن يُعترف به… أليس كذلك؟”.
ضحك ثيودورو ضحكة خافتة، كأن إجابتها بدت له تافهة لدرجة لا تستحق الجدية. لكنها لم تكن كذلك. لقد نجحت ليليانا في اختراق تلك النقطة الضعيفة لدى سيلفانو، تلك الرغبة الدفينة، واستطاعت أن تجذبه إلى جانبها.
عندما طرحت ليليانا عرضها على سيلفانو، اقترحت عليه أن يذهب معها إلى ديمريسي. رد فعله الأول كان سخرية مريرة: “هل تعتقدين أنني هنا، في ريعان شبابي، بلا سبب؟ هل لديكِ علاقات قوية أو شيء يدعمني؟ ما الذي يجعلكِ تتحدثين بمثل هذه الجرأة؟”.
كان صوته مليئًا بالتهكم والازدراء، لكن عينيه، رغم محاولته إخفاء ذلك، كشفتا عن شيء آخر: يأسٌ خفي، وتوقٌ عميق لشيءٍ ما.
شعرت ليليانا بوخزٍ في قلبها. لم يكن ثيودورو قد وافق صراحةً على دعمها، لكنه لم يرفض بشكل قاطع أيضًا. قررت أن تلعب ورقتها بجرأة، محاولةً إخفاء توترها: “بار دي لوسيا. المكان الذي أغني فيه. إذا كنتَ من ديمريسي، فلا بد أنك سمعتَ به، أليس كذلك؟”.
كانت تلعب على الحافة، لكنها لم تكذب. تركت لسيلفانو أن يتخيل ما يشاء من كلماتها.
توقف سيلفانو للحظة، كأنه يفكر بعمق: “…ثيودورو بينيديتي؟”.
تمتم بصوتٍ خافت، ثم بدا وكأنه أقنع نفسه بشيء ما. رفع جسده المتراخي، وركع أمامها بنظرةٍ متعبة: “العالم يدور بجنون، أليس كذلك؟”.
مرر يده على شعره الأشعث، ومرر لسانه على شفتيه الجافتين. في تلك اللحظة، كانت عيناه تلمعان بحدة، كأنه يحسب خطواته بعناية.
رفعت ليليانا جسدها المرتجف من البرد، ونظرت إليه مباشرة: “سأجعل صاحب ذلك المكان زعيمًا جديدًا لعائلة بينيديتي. مضحك، أليس كذلك؟ كما قلتَ، أنا مجرد تافهة لا تساوي شيئًا، لكنني بحاجة إلى قوتك. يجب أن نقاتل، وقبل ذلك، يجب أن نبقى على قيد الحياة.”
تذكرت ليليانا ما قاله واين ذات مرة عن سيلفانو. كان رجلاً غريب الأطوار بكل المقاييس، لكن أكثر ما يميزه هو هوسه بتدنيس جثث أعدائه بعد موتهم. لماذا؟ ربما كان ذلك مجرد نزوة سادية، أو ربما كان تعبيرًا عن رغبة ملتوية في لفت الانتباه والاعتراف به. ربما، كطفلٍ يتوق إلى الحب والتقدير، كان سيلفانو يريد أن يُرى، أن يُذكر اسمه بمزيج من الخوف والإجلال.
تمسكت ليليانا بهذه الفكرة، ومدت يدها لتمس خده الخشن البارد: “أنت أقسى من أي شخص في ديمريسي… ولذلك تملك قوة لا يستطيع أحد تجاوزها، أليس كذلك؟”.
“…”
“تعال معي إلى ديمريسي. أنت لست من يُترك ليتعفن في مكانٍ كهذا.”
كررت كلماتها كتعويذة، وكأنها تزرع فيه الإيمان بنفسه: “لا أحد يبحث عنك الآن، لكنني أعرف مدى عظمتك. أنت الشخص الوحيد الذي أريده، وأنا من سيضعك في المكان الذي تستحقه.”
استمع سيلفانو إلى همساتها في صمت. وفي لحظةٍ ما، بدأت ابتسامة عميقة ترتسم على شفتيه.
“وهذا كل شيء؟”.
انتزعتها الكلمات من أفكارها، لتدرك أن الرجل أمامها لم يعد سيلفانو، بل ثيودورو. لم تعرف متى توقفت عن الكلام، لكنه كان ينظر إليها بنظرة ملل، يهز ساقه كأنه ينتظر شيئًا أكثر إثارة.
سعلت ليليانا مرتين، ثم عادت إلى الحديث مع ثيدورو: “فكرت في نقاط ضعف أخرى أيضًا. لم أكن لأعتمد على شيء واحد فقط.”
“نقاط ضعف أخرى؟”.
“سمعتُ أن الأشخاص الذين علّقهم سيلفانو في مبنى هوفلر… كانوا في الواقع رفاقه الذين حاولوا قتله. فكرت أن غضبه وخوفه من الخيانة قد يكونان نقطة ضعف أخرى.”
“منطقي جدًا. أعترف بذلك.”
يا للعجب! الرجل الذي كان دائمًا يثير غيظها وافقها الرأي هذه المرة.
شعرت ليليانا بالحرج قليلاً، لكن طباع ثيودورو القاسية سرعان ما عادت: “هل قلتِ له كلامًا فارغًا مثل “لن أخونك”؟ لو قبِل بذلك، لكان أحمق من الطراز الأول.”
كما توقعت، لا يمكن أن ينطق بكلمة لطيفة. تخلت ليليانا عن أي أمل في أن يكون ثيودورو شخصًا أكثر لطفًا، ثم رفعت ذراعها: “إذا كان هناك ثمن، فهذا هو.”
عبس ثيودورو، ونظر إلى ذراعها ثم عاد ليحدق فيها بعدم فهم. بالطبع، من كان عاقلًا لن يفهم تصرفات سيلفانو الوحشية. حتى ليليانا، التي كانت مستعدة نفسيًا، لم تتوقع ذلك.
قبل أن يحدث “ذلك الأمر”، تذكرت ما قالته لسيلفانو: “سنكون شركاء جيدين. لا نملك شيئًا سوى بعضنا، لذا لن نغدر ببعضنا أبدًا.”
كلماتٌ ربما وصفها ثيودورو بالفارغة. لكن سيلفانو، الذي كان يستمع في صمت، نهض فجأة.
تفاجأت ليليانا بالمسافة التي اتسعت بينهما فجأة. هل قالت شيئًا خاطئًا؟ لكنه رمى كلماته بنبرةٍ عادية: “انهضي.”
هل نجحت؟ هل وافق؟.
بينما كانت تحاول فهم نواياه، استدار سيلفانو، تاركًا ظهره العريض أمامها. ثم التفت إليها، وفي يده خنجرٌ يلمع تحت ضوء القمر.
اقترب منها خطوة بخطوة، وهي تشعر بأنفاسها تتسارع: “أنا لا أحب الوعود الفارغة. لقد تعلمت درسًا قاسيًا من قبل.”
“م-ماذا تنوي فعله؟”.
“لنقل إننا نوقّع عقدًا. لا تقلقي، لن أقطعك بالسكين.”
عقد؟ أي عقد يُكتب بخنجر؟ هل يريد دمها كتوقيع؟ حاولت التراجع، لكن ظهرها اصطدم بجسم السيارة الباردة، ولم يعد هناك مكان للهروب. ضحك سيلفانو وهو يرى خوفها: “لا داعي للقلق.”
ثم، فجأة، خلع سترته الجلدية القديمة، وشمّر عن ذراعه. الخنجر في يده كان يلمع ببريقٍ مخيف.
فجأة، سحب الخنجر عبر ذراعه بسرعة.
“…!”
انشق جلده، وتدفق الدم كشلالٍ لا ينضب، يغطي ذراعه بلونٍ أحمر داكن. تقطرت قطرات الدم السميكة على الأرض، وغطت جلده.
غطت ليليانا فمها بذهول، غير قادرة على تصديق ما تراه. أما سيلفانو فبدأ يبتسم، كأنه لا يشعر بالألم: “الكلمات تتلاشى، لكن مثل هذا… أفضل، أليس كذلك؟”.
“…”
“هذا دليل على أنني سأساعدك بإخلاص.”
ثم مد يده نحوها، كأنه يقول إن دورها قد حان: “وأنتِ، لن ترميني مجددًا في هذا المكان البائس، أليس كذلك؟”.
ابتلعت ليليانا ريقها بصعوبة. يده، الملطخة بالدم، أثارت فيها رؤية المستقبل المظلم الذي ينتظرها. إذا سارت معه، ستكون خطواتها ملطخة برائحة الدم. ستكون هي من تأمر بإزهاق الأرواح، وسيلفانو سيعود كل ليلة، يداه مغطاة بدماء الآخرين.
لكنها هي من ستصدر الأوامر، وهي من ستحمل وزر تلك الدماء. ستبقى آثار الدم عالقة في ثنايا يديها، مهما حاولت غسلها. ستعيش أيامها مثقلة بالذنب، لكن إذا كان ذلك سيحقق هدفها، إذا كان سيحمي من تحب، فقد قررت ليليانا أنها مستعدة لتحمل كل ذلك.
أغمضت عينيها للحظة، ثم فتحتهما، مصممة. لن تقول إنها لن تخونه، فالكلمات، كما قال، تتلاشى. بدلاً من ذلك، مدّت ذراعها إليه بثبات.
أمسك سيلفانو يدها برقة، كأنه يرافقها في رقصة، ثم ترك قبلة باردة على ظهر يدها. شعرت ليليانا بالقشعريرة، لكن قبل أن تستوعب، رفع كمها، وكشف عن ذراعها. أدارت وجهها بعيدًا، غير قادرة على مشاهدة ما سيحدث.
“سيؤلم.”
لم يمنحها وقتًا للاستعداد. مع كلماته، اخترق صوت الخنجر الحاد الهواء، وقطع جلدها. تناثرت قطرات دمها في الظلام، وصرخت ليليانا من الألم، تنهار تحت وطأته. لكنه أمسك معصمها بقوة، رافضًا تركها.
“آه، آه…”.
كان الألم كالنار التي تلتهم جلدها. حاولت الإمساك بذراعها، لكن الألم كان يشل جسدها بالكامل. نظر إليها سيلفانو من الأعلى، ممسكًا بمعصمها بقوة. تدفق الدم من يديه إلى يدها، مختلطًا بدمها حتى لم يعد بالإمكان التفريق بينهما.
ثم، فجأة، ألقى رأسه للخلف وضحك بصوتٍ عالٍ، كأن هذا المشهد الدموي كان انتصارًا له: “هاها! ههههه!”.
~~~
صار للبطلة تابع مجنون معها، أحس واو المشهد ذكرني بديون و روكسانا (لمحة منهم مو بشكل كامل)
لا تنسوا الاستغفار والصلاة على النبي!
حسابي انستا: roxana_roxcell
حسابي واتباد: black_dwarf_37_
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 20"