2
– كيف تتحول الزنابق إلى اللون الأسود.
الفصل الثاني، الزنبق الساقط
مدّ ثيودورو ذراعه وهو يعبئ مسدسه، فانتشر برودة فوهة السلاح على جبهتها مباشرة. حتى تلك اللحظة، لم ينبس بكلمة واحدة لا داعي لها. اكتفى بالنظر إليها بعيون جافة خالية من أي تعبير.
أنزلت ليليانا بصرها بهدوء. وقعت عيناها على مزهرية محطمة. كانت بتلات الزنبق البيضاء النقية مبللة بدماءها المسفوكة. ‘ربما بعد ثوانٍ قليلة، سأكون مثلها تمامًا’، فكرت ليليانا.
كانت توقعاتها صحيحة. سحب ثيودورو الزناد دون تردد.
بانج!
وكان تلك النهاية.
غادر الرجال الذين اقتحموا المنزل دون أن يلتفتوا خلفهم، بعد أن أخذوا المعصم المقطوع. تذكرت ليليانا، وهي تراقب هذا المشهد، يد واين الدافئة التي كانت تملأ جيب معطفها وتمسك بيدها بقوة.
في المنزل الهادئ بعد أن تلاشت الخطوات، كان صوت فرانك سيناترا يتردد من المشغل: The World We Knew.
– “مرة بعد مرة، أظل أتذكر العالم الذي عرفناه…”.
انعكس في عينيها المفتوحتين، اللتين لم تغمضهما بعد، منزل عائلي مضرج بالدماء. هناك، كانت زنبقة حمراء مداسة بوحشية تتدحرج بائسة. كان ذلك آخر مشهد في حياة ليليانا. موتٌ مأساوي وحقير واجهته عند أقدام الانتقام.
***
ديميرسي، شقة إيست بيرل، الرقم 207
كانت غرفة ضيقة، تقشرت دهاناتها الرمادية بالكامل. تفوح منها رائحة العفن الناتج عن بقع الرطوبة المنتشرة هنا وهناك، والنوافذ الزجاجية الباهتة كانت تحول ضوء الشمس الساطع إلى ضباب خافت.
صرير.
كلما تحركت في الفراش، أصدر السرير الحديدي القديم أصواتًا كأنه يئن. لكن الأكثر إزعاجًا كان صوت الروك أند رول المبهج المنبعث من الراديو على الطاولة الجانبية.
تمتمت ليليانا وهي نصف نائمة، مقطبة حاجبيها: “الأغنية… أطفئها من فضلك، واين.”
كانت على وشك الإصابة بالانهيار العصبي. من يشغل أغنية قديمة متأخرة عن الموضة بصخب في الصباح الباكر؟ أخفت رأسها في الوسادة وهي تتأوه. لكن الأغنية لم تتوقف، بل استمرت بنفس الصخب دون أن يُخفض الصوت. واين ليس من النوع الذي يتجاهل كلامها.
“…واين؟”.
شعرت بشيء غريب وفتحت عينيها بصعوبة. فجأة، تدفقت ذكريات الليلة الماضية كالسيل.
“آه!”.
قفزت من السرير وهي تمسك صدرها.
“ما هذا؟ هل أنا على قيد الحياة؟ هل تم علاجي؟”.
لكن لا، لم يكن الأمر كذلك. لمست رأسها وجسدها، فلم تجد أي أثر للضمادات. والأغرب من ذلك، أنها لم تشعر بأي ألم. على العكس، كانت مليئة بالطاقة.
“لا يمكن أن تكون تلك الأحداث حلمًا. ذلك الألم الحاد والواضح لا يمكن أن يكون مزيفًا.” تمتمت ليليانا بحيرة وهي تتفحص الغرفة. عندها، لم تصدق عينيها المشهد الذي رأته.
كانت هذه الشقة الثانية التي انتقلت إليها بعد قدومها إلى فيكتوريا، قبل أن تلتقي بواين. بمعنى آخر، المكان الذي عاشت فيه منذ حوالي عشر سنوات.
“كيف أنا هنا؟ هذا المكان هُدم!”.
تذكرت بوضوح أنها اضطرت للبحث عن منزل جديد بسرعة عندما أعيد تطوير هذه المنطقة.
رميت ليليانا الغطاء واندفعت خارج السرير. نزلت السلالم مسرعة وواجهت الشارع خارج المبنى. كان المشهد الذي استقبلها مطابقًا تمامًا لذكرياتها القديمة.
بيتزا لوتز، مطعم وبار سميث، متجر البقالة في إيست بيرل أفينيو. كلها لافتات مألوفة ومحببة، لكنها كان يفترض أن تكون قد اختفت منذ زمن.
نظرت ليليانا حولها بوجه شاحب كالميت. كانت النساء اللواتي يمرن في الشارع يرتدين تسريحات شعر قصيرة، وكان من الصعب رؤية أي امرأة بشعر طويل. ملابس الجميع، رجالًا ونساءً، كانت محافظة وأنيقة، بألوان وتصاميم بسيطة. لم ترَ أي شخص يرتدي تنورة قصيرة كانت رائجة في السابق.
كل شيء كان مطابقًا لشارع كما تتذكره منذ عشر سنوات.
“…”
لم تستطع النطق. مرت صور السيارات التي تعبر الطريق كالظلال أمام عينيها المشتتتين. حتى سيارات الأجرة والحافلات التي تمر بين الحين والآخر كانت من الطراز القديم الذي لم ترَ مثله إلا في الماضي.
“ليليانا، صباح الخير!”.
من الجهة المقابلة للشارع، لوحت امرأة بيدها تحيةً. التفتت ليليانا ببطء، وعندما رأتها، شحب وجهها.
“آه!”.
كانت السيدة ماري من متجر البقالة. تتذكر بوضوح الأخبار التي سمعتها قبل ثلاث أو أربع سنوات عن وفاتها بسبب مرض مزمن. فكيف تقف الآن حية ترزق وتحييها؟.
“هذا مستحيل.”
أصبح وجهها شاحبًا كالموت. تراجعت ليليانا متعثرة ثم هرعت إلى داخل المبنى.
“حلم. أنا أحلم الآن.”
حاولت صفع خديها عدة مرات وهي تصعد السلالم، لكن الألم الحاد في خديها أكد أن هذا ليس حلمًا. كانت تعلم في قرارة نفسها أنه ليس كذلك. كيف يمكن أن يكون حلمًا والإحساس بهذه الوضوح؟.
جلست ليليانا متكئة على باب الشقة، وقد خارت قواها تمامًا، غير قادرة على الوقوف.
“ما الذي يحدث… هل عدت فعلًا إلى الماضي؟”.
وقعت عيناها على جريدة مرصوصة بعناية. هل هذا شعور من يواجه صندوق باندورا؟ على الرغم من خوفها من مواجهة الحقيقة، لم تستطع منع يدها من التقاط الجريدة.
جف حلقها. ثم… ملأت كلمات كبيرة عينيها.
[ديمير تايمز، 4 نوفمبر 1961]
شعرت بدوخة مفاجئة.
“آه… هه… ههه.”
أمسكت ليليانا رأسها وضحكت ضحكة جوفاء.
هل هذا ممكن حقًا؟ أن يموت شخص ويعود إلى الماضي؟. حسنًا، يبدو ذلك مستحيلًا، لكن لم يكن هناك تفسير آخر لهذه الظاهرة. لمست جسدها مرة أخرى. إذا لم يكن حلمًا، كيف يمكن أن تختفي آثار الرصاصة تمامًا؟.
مهما كان السبب، كان عليها الآن أن تقبل الحقيقة.
لقد عادت فعلًا إلى عام 1961.
***
جلست ليليانا أمام الباب لفترة طويلة، تحاول استيعاب الوضع. ثم، فجأة، بدأ قلبها ينبض بقوة. أدركت معنى العودة إلى الماضي. أي أنها حصلت على فرصة لإعادة عيش حياتها الفاشلة.
‘هل يمكنني حقًا أن أبدأ من جديد؟’.
انتشرت الرعشة في جسدها، وقامت ليليانا دون تردد وعادة إلى الشقة 207. لم تكن في حالة تسمح لها باستعادة الذكريات العاطفية أو التجول في الغرفة. أمسكت الهاتف على الفور.
“دعني أتأكد أولًا.”
أدارت الأرقام المألوفة بأصابع مرتجفة، وسُرعان ما سمعت صوت الاتصال. لم يهدأ قلبها.
طوو… طوو… .
كلما طال صوت الاتصال الرتيب، كان قلبها يخفق بقوة أكبر. اختلط القلق والتوقع، فعضت ليليانا شفتيها بقوة.
وأخيرًا… .
– مرحبًا؟.
كأن قلبها الذي كان ينبض بجنون توقف وسقط. ذلك الصوت، الذي طالما تذكرته في وحدتها، والذي أصبحت عاجزة عن تخيله في النهاية من شدة اليأس. كان صوت أنجيلو بالضبط.
– مرحبًا؟.
“…”
– ما هذا، مكالمة مزحة؟.
كان صوته المتذمر وأسلوبه مطابقين لذكرياتها الباهتة.
‘أنت على قيد الحياة. أنت حي.’
اجتاحتها موجة من الراحة، فلم تستطع الكلام بسهولة. وكما توقعت، جاء صوت أنجيلو المتعجل عبر الخط.
– يا إلهي، سأغلق الهاتف؟.
استفاقت ليليانا من ذهولها المشبع بالفرح.
“انتظر، انتظر، أنجيلو… أنا ليليانا.”
– أختي؟.
أمسكت السماعة بقوة. شعرت بشيء يعتصر قلبها من الداخل.
“…نعم.”
– ما المناسبة؟ هل هناك شيء؟.
مناسبة؟ لا يمكن أن تكون هناك واحدة. لماذا تحتاج إلى سبب للاتصال بشخص اشتقت إليه؟. أخرجت ليليانا بضع كلمات بصعوبة من حلقها الجاف.
“فقط… أردت أن أطمئن عليك.”
– ما هذا؟ ممل. أعيش بشكل جيد إلى حد ما. هل هناك شيء؟ لماذا تسألين هكذا فجأة؟.
“هاه…”.
تلوث وجهها الباهت بالندم، وأطرقت ليليانا رأسها بحزن.
‘على غير العادة…’.
ربما يكون ذلك صحيحًا. في الماضي، كانت واثقة جدًا من أن أنجيلو بخير، وانشغلت فقط بحياتها الخاصة. على الرغم من أنهما كانا العائلة الوحيدة لبعضهما بعد وفاة والديهما… لماذا لم تهتم به أكثر؟.
“لا شيء… فقط شعرت أن علينا، كعائلة، التواصل أكثر.”
– فجأة؟ متى كنا نفعل ذلك؟ هذا محرج. إذا لم يكن هناك شيء، سأغلق. أنا مشغول.
قبل أن تنادي اسمه مرة أخرى، انقطع الاتصال.
طو… طو… طو… .
تردد صوت الخط المقطوع في أذنيها. وقفت ليليانا مذهولة. بدت المكالمة القصيرة كحلم.
“ليس حلمًا. هذا ليس حلمًا.”
ضمت الهاتف إلى صدرها وتنفست بعمق. كانت أنفاسها المرتجفة تتسرب من بين شفتيها. كان من الصعب عليها قبول حقيقة أن أنجيلو على قيد الحياة.
للأسف، لم يكن قلبه يشاركها نفس المشاعر. كان باردًا كصوت انقطاع المكالمة.
فهمت ذلك. أنجيلو لا يمكن أن يعرف الحياة التي مرت بها خلال العشر سنوات القادمة. في هذا الوقت، كانا يعيشان في مناطق مختلفة من ديميرسي، وأصبحا بعيدين عن بعضهما بشكل طبيعي. كانت تعلم أن الحديث المفاجئ عن العاطفة العائلية قد يكون محيرًا له.
“ببطء. لا تعجلي، خذي الأمور ببطء.”
هدأت ليليانا نفسها. ستتقرب من أنجيلو وتحميه من الخطر خطوة بخطوة. الآن عام 1961، وموعد وفاة أنجيلو بعد عام بالضبط. لا يزال لديها متسع من الوقت.
‘حتى ذلك الحين، سأجعل أنجيلو يترك عمله في النقابة، وينتقل إلى هنا، ويجد وظيفة آمنة جديدة.’
~~~
لا تنسوا الاستغفار والصلاة على النبي!
حسابي انستا: roxana_roxcell
حسابي واتباد: black_dwarf_37_
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 4 - 4 - الزنبق الساقط، دي لوسيا. منذ 29 دقيقة
- 3 - 3 - الزنبق الساقط منذ 17 ساعة
- 2 - 2 - الزنبق الساقط منذ 17 ساعة
- 1 - 1 - الزنبق الساقط منذ 20 ساعة
- 0 - 0 - المقدمة. 2025-07-25
التعليقات لهذا الفصل " 2"