كان واين، الذي يتمتم بكلمات متلعثمة وهو يمسك بذراعها، حقيقيًا تمامًا. كان يقف أمامها، ملموسًا وحيًا، وليس مجرد خيال. أشار إليها بسرعة وقال: “الشارع خطير، تعالي إلى الرصيف أولاً.”
سحبها واين بلطف، فصعدت ليليانا إلى الرصيف دون أن تدرك تمامًا ما يحدث. قلبها لا يزال يخفق بقوة من الصدمة، وأفكارها مشوشة، غير قادرة على استيعاب الموقف.
“ماذا…؟” تمتمت، وهي تحاول فهم الوضع.
كيف وصل واين إلى هنا؟ ما هذه الصدفة الغريبة؟ لم تستطع إيجاد تفسير منطقي. عيناها تدوران في ارتباك، غير قادرتين على التركيز، وشفتاها عاجزتان عن النطق. لاحظ واين ارتباكها، فبادر بالحديث بنبرة هادئة: “رأيتكِ وأنتِ تمرين، فأردتُ تحيتكِ. كان يجب أن أكون أكثر حذرًا، أعتذر.”
كان وجهه مليئًا بالقلق الصادق. ثم أضاف بحذر، وهو ينظر إليها بعناية:”آه… هل تذكرينني؟ لقد التقينا في تلك الزقاق يومها…”.
“أعرف، أتذكرك.”
ردت ليليانا تلقائيًا، دون تفكير. لم تكن قد تعافت بعد من صدمتها، لكن كلماتها خرجت قبل أن تدرك. عندما رأت وجهه، الذي كان متوترًا، يرتخي ويظهر عليه ابتسامة هادئة مألوفة، تبددت أفكارها المشوشة في لحظة.
“هذا مطمئن. منذ ذلك اليوم، كنتُ أفكر فيكِ كثيرًا.”
“…فيّ؟” سألت ليليانا بدهشة.
“لم أتمكن من شكركِ بشكل صحيح يومها، وكان ذلك يزعجني دائمًا. أنا سعيد حقًا برؤيتكِ مجددًا.”
شعرت ليليانا بقلبها يخفق بقوة غير طبيعية. أن يتذكرها؟ وأن يظهر بنفس الوجه الودود الذي كانت تراه دائمًا؟ كادت الدموع تتساقط من عينيها، لكنها كبحتها بصعوبة. أطرقت رأسها، محاولة إخفاء مشاعرها، وساد صمت محرج بينهما.
“آه، بالمناسبة…” قال واين، وهو يخرج شيئًا من جيبه بحركة مترددة.
كان منديلاً أبيض، نفس المنديل الذي استخدمته لتضميد جرحه في تلك الليلة.
اتسعت عيناها بدهشة.
“كيف… كيف حصلتَ على هذا؟”.
“كنتُ أحمله معي دائمًا، على أمل أن نلتقي مجددًا بالصدفة.”
توقفت الكلمات في حلقها. أن يحتفظ به طوال هذا الوقت؟ حتى لو كان يأمل في لقائها، فهذا كثير! لكن بدلاً من الشعور بالندم لترك انطباع قوي لديه، شعرت بالامتنان. رغم أنها تعلم أنها لا يجب أن تشعر بهذا.
“…شكرًا.”
“لم أكن أتعقبكِ، صدقيني. كنتُ هنا لحاجة ما، ورأيتكِ بالصدفة…”.
“أعرف.”
بالطبع، كانت تعرف. واين ليس من النوع الذي يقوم بأفعال دنيئة.
“شكرًا حقًا.” تمتمت ليليانا بهدوء. لم تكن ممتنة للمنديل نفسه، بل لأنه لم ينسَ وجودها. كان ذلك كافيًا ليجعل قلبها يعتصر بالدفء.
ابتسم واين بلطف، عيناه تنطقان بالصدق.
“لا شكر على واجب. لكن، أمر مدهش، أليس كذلك؟ حملتُ المنديل معي، لكنني لم أتوقع أن نلتقي فعلاً.”
كانت ليليانا تشعر بالشيء نفسه. أي نوع من المقالب الإلهية هذا؟ لكنها كانت قد قررت بالفعل أن تبقى مجرد عابرة سبيل في حياته.
ابتلعت مرارة في حلقها، وأجابت بصوت خافت: “ربما كان حظًا.”
لم تكن تريد قول ذلك. كانت تود سؤاله عما إذا كان قد زار المستشفى، وهل تعافى جرحه، وهل لا يزال يرمي بنفسه في المخاطر دون تردد. لكنها دفنت تلك الأسئلة في قلبها.
‘لكن…’ فكرت، ‘ربما يمكنني أن أكون أنانية قليلاً، فقط قليلاً.’
“شكرًا على إعادة المنديل، لكن يمكنك الاحتفاظ به. استخدمه عند الحاجة. أنتَ أعطيتني منديلكَ يومها، أليس كذلك؟ أود إعادته، لكنه ليس معي الآن.”
لم تستطع التخلص من رغبتها الصغيرة، فأعادت المنديل إلى يده، آملة أن يظل يتذكرها. ليس أكثر، ولا أقل، فقط هذا الحد.
تلقى واين المنديل بدهشة، وكأنه لم يتوقع هذا التصرف. بدا مترددًا، غير متأكد مما يجب قوله.
“لديّ عمل الآن، يجب أن أذهب.”
تجنبت ليليانا نظراته، واتجهت بسرعة إلى مقعد السائق.
“انتظري!”.
قبل أن تركب السيارة، اندفع واين نحوها وأمسك بباب السيارة.
“ألا يمكننا على الأقل تبادل الأسماء؟”.
شعرت وكأن قلبها سقط إلى الأرض. هل أدرك واين مدى اندفاعه؟ بدا أكثر ارتباكًا منها، وتراجع خطوة إلى الخلف.
“أعتذر، أنا لست هكذا عادةً، لكنني شعرت أنني لا يمكنني أن أترككِ تمرين هكذا. كأنني سأندم إذا لم أفعل شيئًا.”
‘واين، لماذا تتصرف هكذا؟ لماذا لا تستطيع تركي أذهب؟’
فكرت ليليانا، وهي تشعر بقلبها يهتز. أمسكت بالمقود بقوة، محاولة كبح مشاعرها.
لكنه أضاف: “من يدري؟ ربما هناك لقاء آخر.”
‘لن يكون هناك لقاء آخر، أو بالأحرى، يجب ألا يكون’.
نظرته الصادقة وكلماته جعلت عزيمتها تنهار.
“يقولون إن ثلاث مصادفات تصنع قدرًا. إذا التقينا مجددًا وسألتكِ عن اسمكِ، هل ستجيبينني حينها؟”.
أمسكت ليليانا بالمقود بقوة أكبر، وأطرقت رأسها. ‘واين، واين، لماذا تجعل الأمر صعبًا؟ كيف يمكنني دفعك بعيدًا؟’
كادت دموعها تتساقط مرة أخرى. تنفست بعمق، ثم رفعت عينيها إليه. رأت انعكاسها في عينيه، وجهها مشوش، مزيج من الدموع المكبوتة وابتسامة خافتة.
“لا، ما اسمكَ أنت؟”.
“ماذا؟” رد واين، ووجهه يتحول إلى ارتباك. ثم احمر وجهه فجأة، وأجاب بسرعة: “أنا… واين، واين بويد.”
“واين بويد.”
كررت اسمه متمتة، كما لو كانت تسمعه للمرة الأولى. ابتسمت ليليانا بخفة، مستذكرة لحظة تعارفهما الأولى منذ زمن بعيد.
“أنا… ليليانا بوي—” توقفت فجأة، وهي تدرك خطأها. أغلقت فمها بسرعة، وعيناها مفتوحتان على وسعهما.
نظر إليها وين بدهشة: “ماذا؟ ماذا قلتِ؟”.
‘يا إلهي، لماذا قلتِ بويد؟ هل جننتِ؟’ فكرت ليليانا، ووجهها يتحول إلى اللون الأحمر القاني. كانت قد اعتادت على اسمها الجديد، موريتي، لكن عادة استدعاء اسم واين جعلها تنطق باسمهما المشترك دون تفكير.
حاولت التستر على خطأها، لكنها، في ارتباكها، ضغطت على رافعة خاطئة. بدأت المساحات تعمل بقوة، وتناثر سائل التنظيف على الزجاج الأمامي.
“ما الذي يحدث؟” صرخت، وهي تحاول إيقاف الفوضى. لكن السيارة القديمة كانت غريبة عليها، مما زاد من ارتباكها. فجأة، انفجر واين ضاحكًا. كان يضحك بصوت عالٍ، ممسكًا ببطنه، وعيناه تلمعان بالمرح. تحول وجه ليليانا إلى تعبير من اليأس.
‘هذا فظيع، أسوأ موقف على الإطلاق!’ فكرت، وهي تود لو تدفن رأسها في المقود.
“هههههه، أعتذر، دعيني أساعد.”
هدأ واين من ضحكه، وانحنى نحو السيارة، ممسكًا برافعة المساحات.
‘آه’.
تجمدت ليليانا وهي تشعر برائحته المألوفة ودفء جسده القريب.
كلاك.
توقفت المساحات فجأة، وساد صمت مفاجئ. شعرت بالحرج الشديد، وكأن قلبها المضطرب سيُكتشف في أي لحظة.
“لإيقاف المساحات، اسحبي الرافعة للأسفل. إذا سحبتِها نحوك، يرذاذ سائل التنظيف. هل فهمتِ؟”.
كان صوته هادئًا، كأنه لا يدرك مدى توترها. شعرت ليليانا أنها الوحيدة التي أصابها الدوار من هذه المسافة القريبة. بينما كانت تحاول تهدئة نفسها، استدار واين فجأة. على الرغم من هدوء صوته، كانت هناك بقايا من المرح في عينيه.
“بالمناسبة، هل فكرتِ بالفعل في الوصول إلى هذه المرحلة بعد تبادل الأسماء فقط؟”.
شعرت ليليانا بنار تشتعل في وجهها. أغلقت عينيها بقوة، محاولة كبح رغبتها في الصراخ. ‘لقد أفسدت كل شيء! كنتِ مصرة على إبقائه بعيدًا، والآن تسببتِ في كارثة!’.
***
وصلت ليليانا إلى نورث ويلينغتون عندما كانت الساعة تقترب من الخامسة مساءً. نزلت من السيارة، ومدت جسدها المتصلب من الرحلة الطويلة. رفعت يدها كمظلة فوق عينيها، ونظرت حولها. كانت الشمس تميل نحو الغروب، مضيئة الأرض القاحلة بضوء ساطع يؤلم العينين.
‘تأخرت أكثر مما توقعت.’
كل هذا بسبب واين. أو بالأحرى، بسبب ارتباكها الذي تسبب به. لكنها، في نوبة من العناد، أرادت إلقاء اللوم عليه.
كم مرة ضلت الطريق بسبب أفكارها المشغولة به؟ التفافاتها المتكررة جعلت الرحلة تستغرق وقتًا أطول بكثير من المتوقع.
“هاه…” تنهدت بعمق.
كلماته الأخيرة ظلت تتردد في أذنيها: “آمل أن تحدث صدفة أخرى تشبه القدر، يا ليليانا “بوي”.”
كان صوته يحمل نبرة خفية من المرح جعلتها تود الاختباء من الخجل. ضربت خديها برفق لتعيد تركيزها، ونظرت إلى المشهد أمامها.
كان الطريق يمتد حتى الأفق، محاطًا بأراضٍ شاسعة من الجانبين. هنا وهناك، تنتشر مبانٍ صناعية صغيرة ومستودعات مهجورة. قبل حوالي عشرين دقيقة، مرت ببلدة صغيرة بالكاد تُسمى مدينة، ومنذ ذلك الحين، لم ترَ سوى هذه الأراضي الخالية.
:هل هذا المكان يزوره أحد أصلاً؟’ تساءلت. كانت الأعشاب الضارة تنمو بكثافة أمام المباني المتداعية.
لاحظت لافتة حديدية صدئة بين الأعشاب: [شركة UDG للمنتجات الصناعية].
:حسنًا، يبدو أنني وصلت إلى المكان الصحيح.’
لكن الجو كان قاتمًا ومقلقًا. ابتلعت ريقها، ووقفت أمام الباب الأمامي لمبنى من الطوب القديم.
‘هل أعود أدراجي؟: فكرت للحظة.
الآن وقد وصلت، شعرت أنها ربما كانت متهورة أكثر من اللازم. هنا، يمكن أن تُطلق عليها النار أو تُطعن دون أن يعلم أحد. بدأت فكرة أن سيلفانو قد يكون أكثر مما تستطيع التعامل معه تتسلل إلى ذهنها، مما جعل يدها تتردد على مقبض الباب.
:لا، اهدئي. لقد وصلتِ إلى هنا، لا مجال للتراجع الآن.’ أخذت نفسًا عميقًا، محاولة استعادة شجاعتها. كانت قد خططت لهذا اليوم بعناية، ولم تكن لتدع الخوف يوقفها الآن. دفعت الباب ببطء، ودخلت إلى المستودع، قلبها يخفق بقوة، لكن عزيمتها لا تزال صلبة.
‘سأجعل سيلفانو ينضم إليّ، مهما كلف الأمر.’
~~~
لا تنسوا الاستغفار والصلاة على النبي!
حسابي انستا: roxana_roxcell
حسابي واتباد: black_dwarf_37_
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 15"