كان تعبير ثيودورو، على غير عادته، جادًا للغاية. اختفت نبرة السخرية التي كان يتحدث بها سابقًا كما لو أنها لم تكن موجودة أبدًا، دون أن تترك أي أثر. سألها بصوتٍ حاد ومباشر: “من أين سمعتِ عن ذلك الرجل؟”.
كان سؤاله مفاجئًا، مثل خنجر يطعن في غفلة، مما جعل ليليانا تشعر بتوترٍ مفاجئ. بالطبع، كانت تعرف الرجل من ذكريات حياتها السابقة، لكن كيف يمكنها أن تكشف عن ذلك؟ لم يكن بإمكانها الإفصاح عن سر كهذا. فكرت بسرعة، ثم أجابت بلهجة متظاهرة بالهدوء: “أتعلم، عندما تكون في مكان مثل هذا، تسمع الكثير من القصص دون قصد.”
ارتفع حاجب ثيودورو الأسود الكثيف قليلاً، كأنما يشك في كلامها.
لكن يبدو أن إجابتها لم تكن غير منطقية تمامًا، إذ لم يستفسر أكثر عن مصدر معلوماتها. بدلاً من ذلك، قال بنبرة حاسمة: “إذا كنتِ قد سمعتِ عنه، فلا بد أنكِ سمعتِ أيضًا أنه لا فائدة من استفزازه.”
صمتت ليليانا، غير قادرة على الرد فورًا. كلماته كانت تحذيرًا واضحًا.
ثم أضاف بحزم: “أنصحك بصدق، انسيه. لا تفكري حتى في التلاعب به ضد أنطونيو أو التخطيط ضده.”
لكن ليليانا لم تكن مهتمة باتباع نصيحته، مهما بدت “صادقة”. شكرت في داخلها على النصيحة، لكنها لم تكن تنوي أخذها على محمل الجد. بثقة متعمدة، ردت بسؤال استفزازي:”حتى أنت، سيد ثيودورو، تعتقد أن رجلاً مثل أنطونيو أقوى من أن يُهزم، أليس كذلك؟”.
أجابها بنبرة ساخرة ممزوجة بالتحذير: “نعم، لذا إذا كنتِ ترغبين في البقاء على قيد الحياة، انسيه.”
فتحت ليليانا عينيها بدهشة مصطنعة. “أوه؟”.
هل كان ثيودورو، الرجل الذي نادرًا ما يعترف بشيء، يقرّ حقًا بقوة أحدهم؟ لم تكن تعتقد أنه من النوع الذي يعترف بسهولة. كان ثيودورو معروفًا بقلة كلامه، وكأن أحدًا لا يمكنه مجاراته في صمته. لكن إذا تحدث بهذا الحجم من الجدية، فلا شك أن سيلفانو ليس شخصًا يمكن الاستهانة به.
‘لم أكن جاهلة به، أعرف جيدًا…’ فكرت ليليانا في نفسها.
سيلفانو جياكوني، قاتل محترف يعمل لصالح عائلة كوريلا، رجل اشتهر بوحشيته وقسوته التي جعلت حتى أعضاء المافيا الآخرين يرتعدون خوفًا. سمعَت أنه يمزق خصومه كما لو كانوا خرقًا بالية، مجنون لا يختلف عن مختل عقلي. لكن تلك الطباع العنيفة هي التي أدت إلى نهايته داخل المنظمة.
‘من وجهة نظر العائلة، كان وجوده خطرًا كبيرًا. كان يؤدي دوره كقاتل محترف ببراعة، لكن أساليبه كانت لافتة للنظر بشكل مفرط.’
في النهاية، قرر رئيس عائلة كوريلا آنذاك تشكيل فرقة لاغتيال سيلفانو. لكن هل مات سيلفانو على أيدي رفاقه؟
بالطبع لا.
بل على العكس، الذين لقوا حتفهم كانوا الخمسة أعضاء الذين أُرسلوا لقتله. أما سيلفانو، فقد علّق جثثهم على هيكل حديدي في مبنى هوفلر الذي كان قيد الإنشاء، كتحذيرٍ علني لكل من يجرؤ على تحديه.
حتى لو كان مدفوعًا بالغضب والشعور بالخيانة، فإن ما فعله لم يكن أمرًا يمكن تجاهله. قتل أعضاء من نفس المنظمة كان ممنوعًا إلا بأمر من الأعلى، لكن سيلفانو خرق هذه القاعدة بكل جرأة، بل وعرض الجثث في وسط المدينة، مما قلب ديمريسي رأسًا على عقب.
كان ذلك تصرفًا قد يعرض المنظمة لخطر التعقب من قبل السلطات.
‘لهذا السبب تم بدأ مجلس المافيا.’
من كل النواحي، كان العقاب المناسب لسيلفانو هو الموت. لكن، بشكل مفاجئ، قرر المجلس نفيه إلى ولاية نورث ويلينغتون بدلاً من إعدامه. والأكثر إثارة للدهشة هو أن الشخص الذي ساهم بشكل كبير في هذا القرار الرحيم كان فيتوريو بينيديتي، والد ثيودورو ولوتشيانو، الذي كان رئيس عائلة بينيديتي في الخمسينيات قبل وفاته.
‘لا أعرف ما هي المصالح التي كانت وراء ذلك…’
لكن نتيجة لذلك، ظل سيلفانو على قيد الحياة، وعُهد إليه بإدارة مستودع صغير للتهريب في نورث ويلينغتون. شاب في العشرينيات كان يعيش حياة مليئة بالإثارة في المنظمة، أصبح فجأة كعجوز متقاعد في ركن نائي من الريف. ربما لا يزال هناك حتى الآن.
‘لكن ذلك الرجل الذي نسيه الجميع… عاد إلى ديمريسي في أواخر الستينيات، أليس كذلك؟’.
لم يكن عودته بإذن من مجلس المافيا. بشكل غريب، الشخص الذي استدعاه سرًا كان لوتشيانو، رئيس عائلة بينيديتي الحالي. وعمل سيلفانو تحت إمرته كقاتل محترف مرة أخرى، لكن في الخفاء.
هذه هي القصة التي رواها واين، الذي كان يتابع لوتشيانو عن كثب.
‘حتى واين لم يكن يعرف لماذا قرر لوتشيانو إعادته.’
ربما كان هناك رابط خاص جدًا بينهما، أو ربما كانت عائلة بينيديتي مدينة لسيلفانو بشيء ما. أيًا كان السبب، كان ذلك في صالح ليليانا. بل ربما كان ميزة إضافية.
‘سأكتشف السبب تدريجيًا…’.
نظرت ليليانا إلى ثيودورو أمامها، وأكدت بعزيمة لا تتزعزع: “أستطيع إحضاره. إذا نجحت، هل ستعطيني موافقتك؟”.
لم يكن يهمها مدى وحشية سيلفانو. كانت واثقة أنها تستطيع السيطرة عليه، وجعله كلبًا مخلصًا لها، ممسكة بمقود رقبته.
نظر إليها ثيودورو بنظرة متعبة، وكأن رأسه يؤلمه. هل كان الظل في عينيه أغمق مما بدا؟ أم أنه مجرد وهم؟.
“ما اسمك؟” سأل فجأة، بعد توقف قصير.
“ماذا؟” ردت ليليانا بدهشة.
كان السؤال غريبًا، لدرجة أنها ظنت أنها أساءت فهم شيء ما.
رد ثيودورو بنبرة هادئة، كأنه يعرف كل شيء: “ليس هو، أنتِ. ما اسمك؟”.
“ماذا؟” كررت ليليانا، مذهولة مرة أخرى. فتحت فمها وهي ترمش برموشها البيضاء. ساد صمت قصير بينهما.
‘لحظة… هل يعني أنه لا يعرف اسمي حتى الآن؟’ فكرت ليليانا، غير مصدقة. لكن عندما نظرت إلى عينيه الهادئتين، لم تجد أي أثر للمزاح أو السخرية. كان وجهه خاليًا من أي تعبير، هادئًا بشكل محيّر.
شعرت بالغضب يتصاعد بداخلها، لكنه سرعان ما خفت. أخذت نفسًا عميقًا لتهدئة نفسها، ثم أجابت بصوت خافت:”ليليانا موريتي.”
“حسنًا، ليليانا موريتي، لن أطيل الحديث. لقد حذرتكِ بما فيه الكفاية أن من الأفضل لكِ ألا تذهبي.”
“أعرف.”
“لكن إذا كنتِ مصرة على الذهاب، فلن أمنعك بعد الآن.”
كان هذا بالضبط ما أرادته. تخيلت نفسها تعود ومعها سيلفانو إلى جانبها، كدليل على نجاحها. لاحظ ثيودورو إصرارها في عينيها، فضحك ضحكة خافتة ساخرة.
“تتحدثين عن الأمان وتتمسكين بعنادك… ومع ذلك، تسيرين بقدميكِ نحو الموت.”
شعرت ليليانا بقلبها يهتز للحظة، لكنها أخفت ذلك وأجابت بثقة متظاهرة: “سنرى.”
هزّ ثيودورو كتفيه، كأنما لا يرى في كلامها أي قيمة. لم يكن يتوقع منها شيئًا، ولا حتى أدنى أمل.
“إذا أحضرته حقًا، هل يمكنني طلب خدمة واحدة؟” سألت ليليانا، مستغلة الفرصة.
عبس ثيودورو وهو يأخذ نفسًا عميقًا من سيجارته. أطلق الدخان ببطء، ثم قال بنبرة ساخرة: “لماذا لديكِ كل هذه المطالب؟ هل تركتِ شيئًا لديّ؟”.
ارتجفت كتفيها للحظة، لكنها كانت واثقة داخليًا. كانت تعتقد أنه، رغم كل شيء، سيستمع إليها.
“إذا كان بإمكاني جعله يبدو وكأنه مات في حادث في نورث ويلينغتون، هل يمكنك مساعدتي؟ سيكون من الأفضل لك أيضًا إذا تجنبنا أي شائعات أو تعقب.”
“تحدثي عن ذلك بعد أن تحضريه.”
“هل يعني ذلك أنك ستوافق؟”.
“فقط حاولي إحضاره أولاً.”
ضحك ثيودورو بسخرية، وليليانا أغلقت فمها بإحكام. قررت أن هذا الرجل، رغم مرونته في بعض القرارات، كان متعجرفًا وماهرًا في إهانة الآخرين.
ابتلعت تنهيدة ثقيلة، ثم قالت بنبرة جافة: “سأغادر غدًا. أثق أنك ستتولى الأمور بعد ذلك.”
لم يبدُ غاضبًا، وهو ما اعتبرته ليليانا أمرًا جيدًا. ترددت للحظة، ثم أضافت: “بما أننا هنا، هل يمكنني طلب شيء آخر؟”.
نظر إليها ثيودورو بنظرة مليئة بالذهول، وسحب السيجارة من فمه.
“سيارة غير مستخدمة، هل يمكنك إعارتي واحدة؟ التنقل بالمواصلات العامة صعب، واستئجار سيارة مكلف.”
أطلق ثيودورو تنهيدة قصيرة، ونظر إلى السماء بعينين مليئتين بالضجر. أخذ نفسًا عميقًا من سيجارته الأخيرة، ثم أطفأها في المنفضة بوجه خالٍ من الحماس.
“هل تظنين أن السيارة ستمشي بنفسها؟ لماذا أعيركِ شيئًا لن يعود؟”.
شعرت ليليانا بالغضب يتصاعد داخلها. كيف يمكن لكلماته أن تكون بهذا القدر من الوقاحة؟ ألم يكن فضوليًا حتى بشأن ثقتها بنفسها؟ لكنه ظل متعجرفًا حتى النهاية.
نهض ثيودورو من مكانه دون تردد، وبدأ يعبث بجيبه. تساءلت ليليا: ‘ماذا يفعل الآن؟:.
سمعت صوت رنين معدني، ثم أخرج ثيودورو بضع عملات معدنية من جيبه. برمية أنيقة، ألقاها على الطاولة أمامها. نظرت ليليانا إلى النقود بدهشة، حائرة. ثم سمعت صوته الجاف: “لأجرة القارب.”
“أجرة قارب؟” ردت بدهشة. نورث ويلينغتون ليست مكانًا يتطلب السفر بالقارب، بل يمكن الوصول إليه بالسيارة في بضع ساعات.
“ماذا تعني بأجرة القارب؟”.
“فكري في كلامي جيدًا، ستفهمين.”
لم يعطِ تفسيرًا إضافيًا. غادر الرجل المتعجرف المكان فورًا، تاركًا إياها في حيرة. بعد لحظات، أدركت أخيرًا معنى كلامه.
“أجرة القارب” كانت إشارة إلى أجرة عبور نهر ستيكس إلى العالم الآخر. كان يسخر منها، وكأنها ذاهبة إلى موتها! وقفت ليليانا فجأة، ونظرت حولها في الحانة، لكن ثيودورو كان قد اختفى بالفعل.
***
فتحت ليليا صندوق السيارة المستأجرة وأطلقت تنهيدة طويلة. كانت السيارة قديمة ومتسخة، بالكاد تصلح للاستخدام. لم يكن لديها رفاهية اختيار سيارة أفضل بميزانيتها المحدودة، لكنها تمنت لو أن ثيودورو أعارها إحدى سياراته العديدة.
‘كيف يمكنني لومه؟ لم أثبت له شيئًا بعد.’
لكنها كانت واثقة أن هذه المهمة ستغير كل شيء. ستجعل ثيودورو يندم على معاملتها كشخصية غير مرئية أو مجرد مغنية.
نظرت إلى ساعتها. ‘إذا غادرت الآن، سأصل بحلول الثالثة أو الرابعة عصرًا.’
خطتها كانت زيارة مستودع سيلفانو فور وصولها إلى نورث ويلينغتون. إذا لم يوافق على الفور، ستمنحه يومًا إضافيًا للتفكير. لكنها كانت متأكدة أنه سيوافق في النهاية.
تخيلت رد فعل ثيودورو عندما تعود مع سيلفانو. ابتسمت وهي تغلق صندوق السيارة، ثم استقامت.
فجأة، ظهر شخص من الجهة اليمنى، حيث كان المكان خاليًا قبل لحظات. فزعت ليليانا وتراجعت للخلف دون تفكير.
“انتظري!”.
مدّ الرجل يده بسرعة ليمسك بها. في تلك اللحظة، سمعت صوت بوق سيارة يصم الآذان، وهبت ريح قوية خلفها. أدركت أنها كادت تسقط في الشارع وتُدهس.
تجمدت ليليانا في مكانها، بينما سمعت صوتًا هادئًا وسط الضوضاء: “هل أنتِ بخير؟ لم أقصد إخافتك، أنا آسف.”
‘هل أنا أهلوس الآن؟’ فكرت ليليانا، وهي تحاول استيعاب ما يحدث.
~~~
لا تنسوا الاستغفار والصلاة على النبي!
حسابي انستا: roxana_roxcell
حسابي واتباد: black_dwarf_37_
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 14"