الفصل الثالث، الرعاية المزعجة.(لو تتذكرون هذا يعتبر ارك ثالث للقصة بس تذكير)
الساعة الحادية عشرة صباحًا. تسللت أشعة الضوء المجزأة عبر الستائر المغلقة، تخللها خطوط رفيعة من النور.
لم تكن كافية لإضاءة الغرفة المعتمة، لكن مصباح المكتب الأخضر ذو الإضاءة الناعمة كان يعوض الشمس بلمعانه الهادئ.
كان المكان قاحلًا، خاليًا من أي زخرفة تذكر. شماعة ملابس تكشف عن أغصانها العارية، مكتب مربع واسع عليه بعض الأوراق المبعثرة، خزانة زجاجية تحتوي على زجاجة ويسكي وحيدة، وبضعة أكواب.
لم يكن هناك أي زينة تقليدية، وهذا كل ما في الأمر.
رمش، ثم رمش آخر.
بينما كانت ليليانا تفتح وتغلق جفونها الثقيلة عدة مرات، بدأت تدرك تدريجيًا الغرفة الغريبة التي تحيط بها. فجأة، تردد صوت هادئ بالقرب من رأسها: “هل استيقظتِ؟”.
استدارت ببطء، وعندما رأت وجهًا غريبًا لرجل شاب، انتفضت فزعة ونهضت بسرعة. في تلك اللحظة، اجتاحها ألم حاد يجعل رأسها يدور.
“…آه!”
ربما كان أثر ما حدث الليلة الماضية. شعرت وكأن عظامها تؤلمها إلى درجة أن أطرافها قد تتحطم في أي لحظة.
“أوه، لا يجب أن تتحركي هكذا بعد.”
نهض الرجل، الذي بدا متفاجئًا، وسارع لتهدئتها. كانت يداه، وهما تضعانها على الأريكة، حذرتين للغاية، كما لو كانا تعبيرًا عن الرعاية تجاهها.
“لم أقصد إخافتكِ. أنتِ في أمان، فلا داعي للقلق.”
رافق كلامه كلمات مهذبة ومدروسة، لكن ليليانا ظلت تنظر حولها بعيون مليئة بالقلق الذي لم يتلاشَ بعد.
“أين… أين أنا؟”.
“في مكتب السيد ثيودورو. لم يكن هناك مكان مناسب آخر، فأحضرناكِ إلى هنا. أنا بول، سكرتير السيد ثيودورو.”
عندها فقط، أدركت أن وجه الرجل يبدو مألوفًا بطريقة ما.
كان وجهًا صلبًا كشعره الممشط بدقة، لكنه كان يخفف من صلابته بابتسامة ودودة نوعًا ما. لم يكن وجهًا لافتًا بشكل خاص، لكنها تذكرت أخيرًا: إنه بول غاليانو، السائق والسكرتير الذي يرافق ثيودورو دائمًا.
“هاه…”.
أخيرًا، استرخى جسد ليليانا وهي تطلق زفرة عميقة. كانت تلك اللحظة التي تحررت فيها من التوتر الذي كانت تتشبث به. لقد نجحت في الفرار من نادي لورا بأمان، كما خططت. لم تكن قد تلقت تفسيرًا واضحًا، لكن يبدو أنها ألقت بأفكارها كما هي في ذهنها.
‘يبدو أن ذلك الرجل فهم الموقف وأحضرني إلى هنا.’
كان ذلك محظوظًا. عندما تذكرت كم كانت وقحة في حديثها، شعرت بالحرج فجأة، واحمر وجهها خجلاً. من بين جميع الموظفين الجدد، ربما كانت هي الوحيدة التي تجرأت على التحدث بمثل هذه الجرأة.
في تلك اللحظة، قطع بول شرودها بكلماته: “…أتقدم باعتذار عميق عن ما حدث الليلة الماضية.”
كان وجهه مملوءًا بالأسف وهو يحني رأسه. لكن بدلاً من الامتنان، شعرت ليليانا بالحيرة. لم تتوقع أن يعتذر بول بهذا التهذيب، فلوحت بيدها بسرعة: “لا بأس. أنا بخير الآن.”
“لقد كان شيئًا لم يكن يجب أن تمرّي به، ولم يكن يجب أن يحدث أصلاً. أنا، وكذلك السيد ثيودورو، نشعر بالأسف حيال ذلك.”
هل يشعر ثيودورو بالأسف حقًا؟ أم أنها مجرد كلمات جوفاء؟ عندما تذكرت وجهه الخالي من أي تعبير، بدا لها أنها كلمات فارغة، لكنها تجاهلت ذلك.
واصل بول حديثه: “السيد ثيودورو غائب حاليًا لتأديب السيد أنطونيو. نأمل أن يساعد ذلك في تخفيف بعض الأذى النفسي الذي تعرضتِ له.”
“تخفيف؟ بالطبع، أنا ممتنة لذلك.” ردت ليليا بهدوء، لكنها كانت تكبح بصعوبة شعورًا بالرضا يتسلل إلى قلبها.
‘أنطونيو… يدفع الثمن الآن، أليس كذلك؟’.
استخدم بول كلمة “تأديب” بشكل مهذب، لكنها كانت تعلم أن الأمر أقرب إلى العنف الوحشي. يا لها من راحة!.
لكن من الواضح أن بول لم يكن يعلم ما يدور في ذهنها. وبوجه يعبر عن الأسف، قدم لها شيئًا ما: “هذا تعبير عن اعتذارنا لكِ، آنسة موريتي. نأمل أن تقبليه برحابة صدر.”
كان ظرفًا ممتلئًا. أدركت على الفور أنه يحتوي على تعويض مالي. كان ذلك مقبولًا إلى هذه النقطة. لكن الكلمات التي أضيفت جعلت كل هذه الرعاية غير مرحب بها على الإطلاق: “من أجل سلامتكِ، قررنا أن نعتبر مسألة الوظيفة التي حصلتِ عليها بالأمس كأنها لم تكن.”
اتسعت عينا ليليانا بدهشة. هل سمعت خطأً؟.
“…ماذا؟”.
“نعتقد أنكِ ستتفقين أن هذا هو الأفضل.”
لا، لم تسمع خطأً. أصبح ذهنها فارغًا، ولم تعرف ماذا تقول.
‘هذا… هذا ليس صحيحًا.’
لقد أصبح الأمر معقدًا بشكل لا يمكن إصلاحه. كبتت ليليا رغبتها في تمزيق شعرها وهي تعض شفتيها. كيف انتهى الأمر هكذا؟.
‘أنطونيو…!’.
نعم، ذلك الأنطونيو، ذلك الوغد الخسيس.
كان هو المشكلة منذ البداية وحتى النهاية. كلما حاولت فعل شيء، لماذا كان يعيق طريقها دائمًا؟. غضبها جعلها تشعر بالغثيان.
في هذه الحالة، بدأت تتساءل إن كان الحظ بجانبها أصلا.
‘ماذا، هل يظنون أنني سأستسلم؟’.
إذا كان هذا ما يعتقده مرتب القدر، فهو مخطئ. مهما فعل، لن يتغير المسار الذي اختارته. عشر سنوات اختفت تمامًا، كأنها حلم تتذكره بمفردها، مع كل الذكريات المنصهرة فيها.
لن تتخلى عن ذلك، مهما كان الأمر مؤلمًا أو عبثيًا.
غرزت ليليانا أظافرها في راحتي يديها المشدودتين، ورفعت ذقنها: “عندما يعود السيد ثيودورو، أرجو أن تسمح لي بمناقشة مسألة العمل. من فضلك.”
كانت نظرتها صلبة، بل وعنيدة، موجهة نحو بول غاليانو. عيناها كانتا تعكسان إرادة حية برفض القرار. صمت بول للحظة. بدا أن مواجهة عينيها لم تكن بالأمر السهل، إذ تجنب نظراتها.
بعد فترة، أطلق تنهيدة خافتة وقال: “…حسنًا، فليكن.”
مهما كان، لن يتغير القرار، لكن بدا أن هذا هو آخر ما يمكنه تقديمه من رعاية. أدركت ليليانا ذلك، وشعرت باليأس مجددًا، لكنها طردت الأفكار السلبية من ذهنها.
‘ما دمت لم أقبل، فالأمر لم ينته بعد. سيكون هناك مخرج بالتأكيد.’
كانت تقاوم لتعيد إحياء ثقتها بنفسها.
***
عاد ثيودورو بعد ساعات، في الثانية بعد الظهر.
بينما كانت ليليانا ترتشف الكاكاو الدافئ، دخل هو حاملاً معه نسمة باردة عبر الباب المفتوح، ينشر هالة أكثر برودة وهو يخلع معطفه ويلقيه جانبًا.
كما هو متوقع، التقط بول المعطف وعلقه بعناية على الشماعة. بدا تيودورو مرهقًا، عيناه غائرتان أكثر مما رأته من قبل، ربما بسبب قلة النوم.
نظر إليها بنظرة خاطفة ثم سأل بول بهدوء: “ما هذا؟”.
كان سؤاله موجزًا، لكن ليليانا استطاعت استشفاف المعنى الضمني: لماذا لا تزال ليليانا موريتي هنا، تحتل مكانًا في مكتبه بدلاً من العودة إلى منزلها؟.
شعرت بجفاف حلقها وهي تبتلع ريقها، بينما أجاب بول نيابة عنها:”لديها شيئ تريد مناقشته.”
خلع ثيودورو سترته المجعدة وألقاها لبول، ثم جلس على كرسي المكتب بوضعية متكاسلة. أشعل سيجارة، وكل حركة منه كانت مليئة باللامبالاة.
ثم قال ببرود: “تكلمي.”
الآن؟ هنا؟ لا يوجد ما يمنع ذلك. المكان مناسب للحديث، وهذا هو الوقت الذي كانت تنتظره.
لكنها شعرت بالحرج. كيف يمكن أن يكون شخصًا لا ينظر إليها حتى، سواء الآن أو سابقًا؟ من أين تعلم هذه العادة الوقحة؟.
حركت ليليانا شفتيها المتوترتين، موجهة كلامها إلى الرجل الذي لا ينظر إليها:”سمعت عن قرار الوظيفة… أرجوك، أعد النظر فيه.”
لم يجب ثيودورو، بل استمر في تدخين سيجارته بنهم. ملأ الدخان الكثيف الفضاء بينهما، مما جعل من الصعب تمييز تعابير وجهه.
بعد فترة، رأته يشير بيده لبول: “أرسلها إلى منزلها.”
كانت كلماته قاسية، لكن ما فعله بعد ذلك كان أكثر قسوة. أخرج ثيودورو محفظته من جيب السترة المعلقة، وسحب كومة من النقود وأعطاها لبول:”إذا كان التعويض غير كافٍ، أعطها هذا وقل لها أن تذهب.”
تجمدت ليليانا في مكانها.
:…ماذا؟’.
صمت الجميع، وترددت كلماته الأخيرة في أذنيها. من الذي يتشبث هنا ليحصل على المزيد من المال؟ كيف يراها ثيودورو؟ شعرت بخديها يحترقان من الإهانة.
لم تتوقع أن تنفجر الكلمات من فمها: “لست هنا من أجل المال!”.
جمدت الأجواء، وكلماتها الخشنة جعلت الهواء يبدو كأنه يخترق الجلد. أدركت متأخرة ما قالته، فنظرت بخوف إلى وجهيهما. لحسن الحظ، بدا أن ثيودورو لا يهتم، بينما كان بول يبدو محرجًا. ربما، على عكس سيده، كان يمتلك بعض الإنسانية.
“نعلم ذلك، آنسة موريتي. لكن العمل هنا ليس بالأمر السهل. كل هذا القرار كان لمصلحتكِ، لتجنب أي مشاكل أخرى.” وضع بول كومة النقود في يدها وأضاف: “لا نية سيئة… هذا المبلغ يكفي لتأمين وظيفة جديدة. ومع قدراتكِ، ستجدين مكانًا أفضل بسرعة.”
نظرت ليليانا إلى يدها الممسكة بالنقود. هل سبق لها أن أمسكت بمثل هذا المبلغ من قبل؟. قال إنه يكفي حتى تجد وظيفة جديدة، لكنه كان كافيًا لتعيش برفاهية لأشهر.
‘ربما يظن البعض أن هذا جيد…’.
تجعد جبينها قليلاً. كانت هذه الرعاية مزعجة حقًا. فهمت ما يحاول بول قوله، وكان هناك بعض المنطق في كلامه. لكنها لم تستطع الموافقة على كل شيء.
رفعت ليليانا رأسها، ونظرت إلى ثيودورو، الذي كان يجلس بعيدًا، وليس إلى بول: “قلت لكم، سواء أكنتم سوف تستخدمونني كحساء أو أرز… طلبت من السيد ثيودورو أن يتحمل المسؤولية.”
اتسعت عينا بول، وتحول وجهه إلى الشحوب، لكن الكلمات استمرت تنساب من فم ليليانا كالماء: “أنا بالفعل جزء من هذا المكان… إذا كنت قلقًا بشأن سلامتي، فبدلاً من طردي، فكر في طريقة لضمان سلامتي. إذا لم تكن ترغب في تحمل هذه المتاعب، كان يجب أن تطلب مني مغادرة البار منذ البداية-.”
“آنسة موريتي!”.
صرخ بول وهو يمسك كتفيها.
اختفى الود من وجهه، وحل محله برود قاسٍ. بدا أنه، مهما كان متسامحًا، لا يمكنه تحمل التقليل من شأن ثيودورو. شعرت ليليانا وكأنها تختنق تحت الجو المهدد، لكنها أمسكت قبضتيها بقوة.
لم تنتهِ بعد من كلامها.
“حتى لو غادرت هذا المكان… هل سأكون آمنة حقًا؟ من يدري إن كان السيد أنطونيو سيؤذيني دون أن يعلم أحد؟” كانت كلماتها عنيدة، لكنها لم تكن خاطئة. ولهذا السبب، تراجع بول، مدركًا خطأه، وأزال يديه من كتفيها.
استجمعت ليليانا شجاعتها المتلاشية، ونظرت إلى تيودورو: “استخدم هذا المال لتوفير منزل آمن لي. مكان يمكنني أن أكون فيه محمية.”
“…”
“وإن أمكن، في منطقة تحت إدارتك، سيكون ذلك أفضل.”
كانت تعلم أنها تتصرف بجرأة، لكن لم يكن لديها خيار آخر. عيناها الخضراوان، رغم أنهما مملوءتان بالخوف، كانتا لا تزالان تحملان بريقًا قويًا.
أما ثيودورو، فلم يقل شيئًا. أغلق عينيه المتعبتين، وهو يضغط على صدغيه، وكأن ذلك كل ما سيفعله.
~~~
لا تنسوا الاستغفار والصلاة على النبي!
حسابي انستا: roxana_roxcell
حسابي واتباد: black_dwarf_37_
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 10"