مع اقتراب فصل الخريف، حيث يحمل النسيم رائحة الخريف المرّة، كانت ليليانا بويد تدخل، كما هي عادتها، في حالة من الكآبة. دورة دوران الأرض القاسية لا ترحم أبدًا. في الرابع من نوفمبر من كل عام، تعود الرياح الباردة لتثير ذكريات قديمة مؤلمة، تعكر صفو الحياة المنظمة التي بنتها بعناية.
كان أنجيليكو موريتي، شقيفها الأصغر المحبوب الذي كان يُدعى “أنجيلو” بحب كبير، الابن الوحيد لعائلة موريتي. شاب مليء بالحماس والعزيمة، قاد إضرابات النقابات بجرأة وشجاعة، لكنه كان ساذجًا أيضًا. في الرابع من نوفمبر عام 1962، لم يكن ما عاد إليها سوى كجثة.
طوال التحقيق، أظهرت شرطة ديميرسي موقفًا متبلدًا، وبعد ثلاثة أشهر، خلصوا إلى أن وفاته كانت انتحارًا وأغلقوا القضية. كان ذلك أمرًا لا يُصدق. كل الأدلة تشير إلى القتل، فلماذا إذن؟ أنجيلو، الذي كان يتمتع بإرادة قوية للبقاء وروح لا تُكسر، لم يكن ليفعل ذلك أبدًا. فيما بعد، اكتشفت ليليانا أن وفاة أنجيلو كانت مرتبطة بعصابة كوريلا، المافيا التي تدير نقابة سائقي الشاحنات.
رأس ممزق تمامًا برصاصة ماغنوم عيار 357، وجه لم يعد من الممكن التعرف عليه. جسد محطم لم يبقَ منه جزء سليم، لكن وشم الغراب البارز على صدره كان دليلًا لا يمكن إنكاره على أنه أخاها. تلك كانت آخر صورة لأنجيلو، الوحيد المتبقي من عائلتها. سبع سنوات مرت، وما زالت ليليانا غارقة في مستنقع اليأس الذي لم تستطع الخروج منه.
ومرت ثماني سنوات. على الرغم من الفراغ الذي لم يُملأ في قلبها، استمرت السنوات تمر بلا رحمة حتى وصلت إلى عام 1970. في الثالث من نوفمبر عام 1970، في ديميرسي، ولاية جيليجان، اتحاد فيكتوريا.
“ليليانا.”
رجل بشعر أسود مصبوغ، مشط بعناية بالشمع، يرتدي بدلة رمادية أنيقة مع ربطة عنق حمراء، بدا متمردًا إلى حد ما. ملامحه الوسيمة والبارزة ساهمت في هذا الانطباع. لكن الجدية والطيبة في عينيه العسليتين، والدفء في صوته، كشفا عن جوهر واين بويد الحقيقي، المختبئ وراء مظهره الخارجي.
عندما اقتربت خطواته، استدارت ليليانا ببطء. تدفقت خصلات شعرها البلاتينية الوفيرة على كتفيها النحيلتين كالموج. قبل أن تلتفت بالكامل، ضمها واين بحضنه الدافئ.
“ستصابين بنزلة برد إذا تعرضتِ لهذا الهواء البارد.”
رمشت رموشها الطويلة ببطء، ولم تظهر على وجهها الهادئ أي علامة دهشة. ابتسمت بخفة وسألت بهدوء: “متى وصلت؟”.
“للتو. ألم تسمعي صوت الباب؟ ما الذي كنتِ تفكرين فيه؟”.
هزت ليليانا رأسها برفق بدلاً من الإجابة. ابتسامة خافتة ظهرت على شفتيها، لكن مرارة خفية لم تتمكن من إخفائها. كان واين يعلم جيدًا أن اقتراب ذكرى وفاة أخيها هو السبب.
ضمها بقوة أكبر، محتضنًا جسدها الهش.
“ليليانا.”
ناداها مرة أخرى، لكن صوته بدا مختلفًا هذه المرة. كان هناك توتر، ربما فرح أو قلق، يتردد في نهاية كلماته. ابتلع توتره وحرك شفتيه الجافتين عدة مرات.
“اسمعي… لدي أخبار ستسعدكِ.”
“…”
“غدًا سيكون هناك حفل قبول.”
“…”
توسعت عينا ليليانا اللتين كانتا هادئتين حتى تلك اللحظة فجأة. في لحظة عابرة، تجمعت فيهما مشاعر كثيرة ومعقدة: “ماذا قلت؟”.
لم تكن هي الوحيدة التي شعرت بالانفعال. قبض واين قبضته المرتجفة، غير قادر على السيطرة على مشاعره المتدفقة.
“سأصبح عضوًا رسميًا. غدًا.”
“يا إلهي!”.
أطلقت ليليانا صيحة قصيرة واندفعت لتعانقه. حفل القبول. أن يصبح عضوًا رسميًا في عائلة المافيا بينيديتي، أليست هذه هي الثمرة التي طال انتظارها؟.
“واين، أخيرًا…”.
“نعم، أخيرًا.”
دقات قلب واين تناقلت إليها من صدره الملاصق لها.
[القضاء على المنظمات الإجرامية التي تهدد النظام القضائي في اتحاد فيكتوريا.]
تحت هذا الهدف الذي وضعه مكتب التحقيقات الفيدرالي، أصبحت عائلات المافيا الخمس الكبرى في ديميرسي هدفًا رئيسيًا في عام 1965. مرت خمس سنوات منذ أن تسلل واين، كمحقق فيدرالي، إلى عائلة بينيديتي. أخيرًا، بدأ هؤلاء الأشخاص المشبوهون والمتعجرفون يقبلونه كعضو حقيقي.
وأن يصبح عضوًا رسميًا في المافيا يعني أن شبكة علاقات واين ستتوسع وتتعمق، مما يعني أنه يمكنه التدخل بعمق أكبر في شؤون عائلة كوريلا، المسؤولة عن وفاة أنجيليكو.
“…كنت أعلم أنك ستنجح.”
“ليليانا، لم أكن لأتمكن من فعل ذلك بدونكِ. لم أكن لأصمد في تلك الأيام.”
لم تنفِ ليليانا ولم تؤكد، بل أغمضت عينيها ببطء. نعم، لم يكن هناك وقت ضائع عبثًا. على الرغم من أنها لم تكن تابعة لمكتب التحقيقات الفيدرالي، فقد دعمت واين بكل ما تستطيع.
“لقد تظاهرت بكوني الزوجة الساذجة التي لا تعرف شيئًا أمام أعضاء المنظمة الذين قدمتهم لي، مرتدية ابتسامة غبية.”
في المنزل، كانت تستمع إلى التسجيلات المسروقة، وتقرأ الدفاتر التي يحصل عليها واين. كل ذلك لكشف الفساد في الشركات والنقابات التي تديرها المنظمة. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد. كانت تهدئ واين عندما كان يعاني من الشعور بالذنب بسبب اختلاطه بأعضاء المنظمة، وكانت ترفع من معنوياتها هي نفسها كلما شعرت بالإحباط.
“الآن نحن نجني ثمار ذلك بأيدينا.”
لم يعد الحزن الماضي يعني شيئًا. تجمعت دمعة زجاجية في عيني ليليانا الدائرتين. وضع واين قبلة على زاوية عينيها، حيث تلألأت الدموع.
“شكرًا، ليليانا.” همس واين وهو ينظر إليها. عكست عيناها الزرقاوان الشاحبتان صورته، لكن رؤيتها غشيتها الدموع. كان شكله المضاء بنور الغروب يلمع ببريق ساطع.
فكرت ليليانا: ‘بعد أن اجتزنا الظلام الطويل، ستكون الأيام القادمة معه مشرقة بنفس القدر.’
لذلك، لم تتخيل ليليانا أبدًا أن كل شيء بنته سينهار في لحظة واحدة في اليوم التالي.
***
في اليوم التالي، الرابع من نوفمبر، مر اليوم بهدوء نسبيًا، على الأقل حتى غروب الشمس. استيقظت ليليانا بنشاط غير معتاد، وقامت بتنظيف المنزل منذ الصباح الباكر. ثم زارت مقبرة سانت بول بمناسبة ذكرى وفاة أنجيلو، وشاركته أخبار واين التي كانت ستسعده لو كان موجودًا.
بحلول الوقت الذي انتهت فيه، كان الوقت قد أصبح عصرًا متأخرًا. عادت ليليانا من التسوق وبدأت في تحضير حفل عشاء صغير. لقد خططت هي وواين للاحتفال معًا بعد انتهاء حفل القبول. حتى تلك اللحظة التي أكملت فيها تحضير الطعام الرائع، لم يكن هناك أي مشكلة.
لكنها شعرت بأن شيئًا ما خطأ حوالي الساعة الثامنة مساءً، بينما كانت تنتظر عودة واين. كان من المفترض أن يكون قد عاد من حفل القبول، لكن الوقت مر وهو لم يظهر. الطعام بدأ يبرد.
نظرت ليليانا من الباب الأمامي، لكنها لم ترَ سيارته تدخل الحي. عادت إلى المنزل واتصلت بأحد أعضاء المنظمة الذي كان واين يتردد عليه، لكن الإجابة كانت أنهم لا يعرفون شيئًا عنه.
منذ تلك اللحظة، بدأت ليليانا تمشي ذهابًا وإيابًا في غرفة المعيشة، تعض شفتيها من القلق. كم من الوقت مر وهي ترتجف من الخوف؟.
في الساعة العاشرة والنصف مساءً، رن جرس الباب.
هرعت ليليانا إلى الباب، لتجد صندوقًا صغيرًا موضوعًا أمامه. هل هو هدية لحفل القبول؟ أم مزحة من واين؟ نظرت حولها، لكنها لم ترَ من وضع الصندوق.
أغلقت الباب وحملت الصندوق إلى الداخل، ثم فتحته.
“آه…!”.
ما إن رأت محتويات الصندوق حتى شهقت. ألقت الصندوق بعيدًا دون وعي، فسقط على الأرض.
تدحرجت يد بشرية من الصندوق. سدت ليليانا فمها وتراجعت. كانت تلك اليد مألوفة لها. يدٌ داعبت شعرها، لمست خدها، ربتت على ظهرها، وأمسكت بها أينما ذهبوا.
“لا، لا…”.
أرادت أن تظن أنها تشبه يد واين فقط. لكن الخاتم في الإصبع الرابع كان خاتم زواجهما، ولم تستطع إنكار الحقيقة.
“آه… آه…”.
كأن عقلها قد توقف عن العمل، لم تستطع التفكير. سقطت على الأرض عندما خارت ساقاها. اصطدمت بطاولة غرفة المعيشة وسقطت، لكنها لم تشعر بأي ألم. عيناها المشتتتان تتلمسان الأرض.
أمسكت بيد واين. كانت باردة، خالية من أي دفء. الملمس كان مخيفًا وغريبًا بشكل يثير القشعريرة. بكت كحيوان جريح، تداعب اليد بينما يتسخ فستانها الأبيض الأنيق ببقع حمراء.
في تلك اللحظة، سمعت خطوات غريبة في المنزل.
“هل أعجبتكِ الهدية؟”.
استدارت ليليانا ببطء. لكن قبل أن ترى وجه الزائر غير المدعو، دوى صوت طلقة نارية.
بانج!
أمسكت ليليانا صدرها وسقطت.
“آه…!”.
كان الألم حارقًا، كأن النار تلتهم مكانًا ما، ظهرها أو صدرها، لم تعرف. بينما كانت تلهث، اقتربت الخطوات أكثر.
“اللعنة، أخطأت.”
“…ابتعد.”
لم يكن هناك شخص واحد فقط، فقد تدخل صوت آخر. رفعت ليليانا رأسها المرتجف، وعيناها الخضراوان تجمدتا في مكانهما.
“آه…”.
تأوه من بين شفتيها المفتوحتين. كان رجلاً رأته مرة أو مرتين فقط، لكن عينيه لا تُنسى. عيون باهتة، مليئة بالملل والإرهاق، تجعلك تشعر بأن كل شيء في العالم بلا معنى وممل. عيون رجل اعتاد على أخذ الأرواح، لا يمكن نسيان تلك النظرة الباردة واللامبالية.
:ثيو…دورو.’
أخو الزعيم، المعروف بتولي الأعمال العنيفة والقاسية في المنظمة، ونائب الزعيم بلا منازع، ثيودورو دومينيكو بينيديتي.
عندما رأته، فهمت كل شيء في لحظة.
‘كان حفل القبول كذبة…’.
إذا كانوا قد قتلوا واين وجاؤوا لقتلها، فهذا يعني أن هوية واين قد كُشفت. متى بدأوا يشكون؟ كانت الفكرة مضحكة. كانت تعد العشاء بسعادة، غير مدركة أن الموت يقترب.
طوال ست سنوات، لم تلاحظ أي علامة تشير إلى أنهم اكتشفوا الأمر، فظنت أن كل شيء على ما يرام. هل كانت تستهين بهم؟.
غرقت ملامح ليليانا في اليأس والندم. لكن التفكير في الماضي لم يعد له معنى الآن.
تيك.
~~~
لا تنسوا الاستغفار والصلاة على النبي!
حسابي انستا: roxana_roxcell
حسابي واتباد: black_dwarf_37_
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 1"