“آنسة، أنتِ تنتظرين صاحب السمو الدوق من دون أن تخبريني، أليس كذلك؟”
“همم… هل اكتشفتِ ذلك؟”
في الحقيقة، لم يكن من المناسب حتى أن تقول إنه تم كشفها. كيف يمكنها أن تخدع بيانكا، التي تعيش معها في نفس المنزل، وتبقى بالقرب من باب المدخل في الفجر أو في الصباح الباكر؟
كان من المفترض أن تطلب من بيانكا العودة إلى قصر الدوق منذ وقت، لكنها لم تستطع قول ذلك بعد. وجود بيانكا إلى جانبها كان مريحًا في الحقيقة، خصوصًا بعدما أخبرتها عن فلويد.
وكان من حسن الحظ أن هذا المنزل مكوّن من طابقين. فحتى لو كان فلويد، فلن يتمكن من الدخول عبر نافذة الطابق الثاني.
دفعت إلينا الكرسي الذي أحضرته إلى داخل غرفة الجلوس، وسوت الشال الذي كانت تضعه فوق قميص النوم، ثم فتحت باب المدخل.
لم يكن هناك أي إحساس بوجود أحد، لذا كان من الطبيعي ألا يكون شيء أمام الباب. فقط رياح خريفية عاتية تدل على اقتراب نهاية الخريف كانت تندفع إلى داخل المنزل.
“يا آنسة، ستُصابين بالزكام!”
“فقط لحظة، بيانكا… هل يمكنك مساعدتي في إغلاق الباب؟”
كانت الرياح قوية بما يكفي لجعل الباب لا يُغلق بسهولة. ولم تتمكن إلينا من إغلاق الباب إلا بعد أن جاءت بيانكا تركض، بعد أن ركلت الغطاء الذي كانت تلفّ به نفسها.
لم يأتِ فلويد فجراً بالأمس، لكنها كانت تظن أنه سيأتي اليوم. لكن مع هذا الطقس…
ذلك الشخص الذي كان يساعدها بصمت، لم تتمكن من لقائه حتى الآن. أم أنه ينوي فقط الاستمرار في مساعدتها بهذه الطريقة من دون أن يظهر؟
“أريد أن ألتقي بفلويد، وأتحدث معه بما في قلبي. ألا توجد طريقة لإيصال هذه الرسالة إليه؟”
“هممم… سأحاول إيصالها قدر المستطاع… لكن في الوقت الحالي، فكري فقط في الإفطار. اليوم تمطر، لذا سأقوم بإعداد حساء دافئ، ما رأيكِ، آنسة؟”
“أنا آسفة. أزعجك كثيرًا… أعتقد أن حساء الفطر سيكون لذيذًا.”
بعد أن بدّلت ملابس النوم التي كانت ترتديها، جلست إلينا تمسد شعرها الرطب المتدلي، وألقت نظرة على بيانكا وهي تتجه إلى المطبخ.
بين قصر فالوا وقصر دوق رينيز، لم تتغير مشاعرها كثيرًا بين الماضي والحاضر. جسدها وعقلها في راحة أكبر الآن، لكن فيما يتعلق بفلويظ…
“آنسة… إن أتى سمو الدوق وطلب منكِ العيش معه في قصره، بعد أن تتزوجا رسميًا، ومن دون أي معارضة من الخدم أو انتقاد من الناس، فماذا ستفعلين؟”
بيانكا التي كانت تغسل الفطر في المطبخ، أخرجت رأسها قليلًا وطرحت سؤالًا يعكس أمنية عائلية سعيدة.
ربما لو كان هناك من يدعمها، لكان بإمكانها التفكير بالأمر بإيجابية. ولو كانت شخصًا أكثر صلابة…
لكن كل هذا مجرد افتراض. وإن كان السؤال يدور حول “عندما يتغير فلويد بهذا الشكل”، فالأمر يصبح مختلفًا.
“صحيح أنني ما زلت أحبه، لكن بصراحة، لا أملك الثقة. أنظري… ظننت أنني سأتحمل البقاء في قصر الدوق، لكنني في النهاية هربت، أليس كذلك؟”
كانت تدرك أن ما فعلته أناني. الآن، عندما تفكر في الأمر، كل تلك المشاعر التي أثارتها السيدة لاشيت كانت سطحية للغاية، وتسببت في اتخاذ قرار لا يمكن تحمّله.
لم تكن تملك القدرة على تحمّل كل الانتقادات، ورغم ذلك، ما زالت تحب فلويد.
وبينما كانت تفكر في ذلك، تساءلت: ما الذي تفعله السيدة لاشيت ورينارد الآن في قصر فالوا بعد أن غادرت، وهي الوريثة الوحيدة؟
بعد أن قررت العيش وحدها في هذا المنزل، كانت تأمل أن تستعيد حقوقها في ثروة والديها وعائلتها الضخمة من خلال القضاء، لكنها لم تعد تشعر أنها تستطيع فعل ذلك.
فقط التفكير في الأمور المتعلقة بفلويد كان كافيًا ليثقل عقلها.
“ربما يجب أن أنام مبكرًا اليوم…”
لم تكن تنام جيدًا منذ أيام، بسبب انتظارها لفلويظ الذي لا تعرف متى سيأتي. غمضت إلينا عينيها بتعب، وجلست على الكرسي الذي وضعت عليه وسادة مريحة.
الطفل في بطنها قد تجاوز مرحلة الخطر، لذا لا بأس الآن. لم تكن بعد في المراحل الأولى من الحمل.
وأثناء تفكيرها في ما يمكن فعله إلى أن يُطهى الحساء، احتضنت قطة صغيرة جاءت تركض بعد أن استيقظت من النوم، وبدأت في الحياكة.
كانت قد اشترت خيوط الصوف والإبرة من أجل حياكة وشاح لجدتها في الطابق الأرضي، لكنها ألغت تلك الخطة بعدما عرفت الحقيقة.
وأثناء انشغالها بالحياكة دون التفكير في شيء آخر، بدأت رائحة حساء الفطر اللذيذة تتسلل من المطبخ، مصحوبة بأصوات الأواني.
لم تكن تنوي تحميل بيانكا مسؤولية أعمال المنزل، لكن باستثناء بعض المهام البسيطة، كانت بيانكا دائمًا تبادر بحل الأمور بسرعة، لذا لم تتمكن إلينا من فعل شيء.
“لقد انتهيت تقريبًا! لولا الحليب الذي أرسله سمو الدوق في السلة البارحة، لكنا في ورطة.”
“أنتِ لم تعودي تخفين حتى أن الجدة في الطابق الأول تساعد فلويد بطلباته.”
“ممم… لكنكِ كنتِ تعرفين ذلك بالفعل. كما أنكِ اكتشفتِ أنني أنتظر سمو الدوق، صحيح؟”
“لم أفكر يومًا أنني أستطيع إخفاء الأمر…”
“لكن على أي حال، لن أخبرك بأي شيء آخر… لقد طلب مني سمو الدوق ذلك.”
“يبدو أن كل شيء، من البداية إلى النهاية، يتم بطلب من فلويد.”
شخصية بيانكا لم تتغير عن أيام قصر الدوق. كانت تملأ من حولها بالطاقة الإيجابية.
وكانت من النوع الذي، حين يُسأل باستمرار عن فلويد، تبدأ بالكشف تدريجيًا عن الحقيقة.
“أي شيء آخر لا بأس به، لكن لا تنتظريه حتى تُرهقي نفسك، خاصة في هذا الطقس. سيظهر قريبًا… أنا ذاهبة الآن!”
“أرجوكِ، فقط أخبريني متى ذلك “قريبًا”، ولماذا… هاه؟ فعلًا؟”
وفي تلك اللحظة، وُضعت صَحْنَين من الحساء الساخن على الطاولة، وكان الوشاح الذي كانت تحيكه قد بقي له مقدار نصف كف تقريبًا ليكتمل.
ربما تتمكن من إنهائه اليوم. شكرت إلينا بيانكا على تحضيرها الحساء بنفسها منذ الصباح، وتذوقت منه ملعقة.
“ما رأيكِ؟ هل الطعم جيد؟ كنت قلقة لأنكِ لا تحبين العديد من الأطعمة…”
“لا بأس… أظن أنكِ أعددته بشكل جيد…”
لم يعد طفلها في بطنها يرفض الطعام كما كان سابقًا، لكنها لم تستطع الاستمتاع بالمذاق كثيرًا، فاكتفت بعدة ملاعق وتوقفت.
كانت تشعر بالأسف تجاه بيانكا التي بذلت جهدًا كبيرًا، لكن طعم الحساء أعاد إلى ذهنها نكهة الحساء في قصر فالوا، مما جعل معدتها تنقلب قليلًا.
“إن لم يعجبكِ الطعم… يمكنكِ أن تأكلي عندما يرسل سمو الدوق سلة الطعام لاحقًا. هناك، الشيف في قصر الدوق هو من يُعد الطعام بنفسه، لذلك سيكون مناسبًا لذوقكِ.”
“ماذا؟! هل كان كل الطعام حتى الآن من إعداد شيف قصر الدوق؟”
“آه… قلت ذلك أيضًا… نعم، كان كذلك.”
لم تكن تصدق، لكنه بالفعل كان كذلك. كانت عناية فلويد مذهلة.
وتذكرت إلينا الرسائل القصيرة التي كانت دائمًا تُكتب بخط يده الجميل، مما جعل قلبها يشعر بالحزن قليلاً.
「نامي مبكرًا اليوم.」
「ارتدي شيئًا دافئًا، فالطقس بارد.」
「أرغب برؤيتك قريبًا…」
كان يبدو أكثر فأكثر وكأنه لا ينوي إخفاء هويته بعد الآن. لم تكن متأكدة، لكن يبدو أن بيانكا كانت تنقل له رسائلها باستمرار.
وقفت إلينا
كانت قد اعترفت بالفعل بأن فلويد كان دائمًا يرسل أطعمة تُراعي ذوقها الخاص من خلال الجدة في الطابق الأول، كما اعترفت أيضًا بأنه كان يأتي إلى هذا البيت سرًّا.
“لابد أن سموّ الدوق يقوم الآن بمراجعة الأسباب التي جعلت الآنسة تغادر قصره… قد تكون تلك الأسباب قاسية بعض الشيء، ولهذا لم يأتِ لمقابلتكِ كما يجب. فقط انتظري قليلًا…”
“فلويد قال حقًا إنه سيتزوجني رسميًا…”
“لقد أخبرتكِ من قبل. بقدر ما تُحبين سموّ الدوق، فهو أيضًا يُحبكِ كثيرًا.”
في الحقيقة، لم يكن الأمر غير متوقع. ما أدهشها هو أنه كان مثاليًا للغاية.
وعندما جاء وقت الغداء، وبينما لم تكن إلينا قد تمكنت من ترتيب مشاعرها المضطربة بعد سماعها لكلام بيانكا، وصلت أمامها سلّة مليئة بالطعام الشهي كما هو معتاد دائمًا.
وفي داخل السلة، التي أحضرتها الجدة من الطابق الأول، وُجدت رسالة مكتوبة بخط فلويد الأنيق، لكنها كانت مختلفة عن الرسائل المعتادة.
“سوف آتي لرؤيتك غدًا، هذا وعد.”
كانت الرسالة تحتوي على وعدٍ من فلويد بأنه سيأتي أخيرًا لمقابلتها. وعدٌ جعلها تبكي، ربما من شدّة الفرح. نعم، ربما كانت دموعها نابعة من السعادة.
وحين أرتها لبيانكا على الفور، بدا على الأخيرة بعض الذهول.
قالت إنها كانت قد أوصلت رغبة الآنسة إلى سموّه، لكنها لم تتوقع أن يتخذ قراره بهذه السرعة.
رغم أنها لم تكن متأكدة من أنها ستكون قادرة على البقاء معه لمجرد أنهما سيلتقيان، إلا أنها كانت تتوق لرؤيته. كانت ترغب في النظر إلى وجهه، وفي أن تتحدث معه ولو قليلاً.
وبما أنها سمعت جوابه الواضح، فقد قررت أن تنتظره اليوم بكل تأكيد.
بعد أن تناولت إلينا الغداء الذي أرسله لها، ذهبت إلى النوم مبكرًا على غير عادتها في الأيام الماضية.
وفي وقت الفجر، قبل أن تستيقظ إلينا، سُمِع صوت فتح باب المدخل. وتبعه صوت مواء قطة صغيرة.
“ششت. أمي نائمة.”
لقد كان صوت فلويد بلا شك. وبسبب ذلك الصوت، استطاعت إلينا أن تستيقظ فورًا من نومها، لأنه كان الصوت الذي لطالما تاقت لسماعه.
التعليقات لهذا الفصل " 28"