بدأت إيلينا بعد ذلك تتجول لمشاهدة البيوت الصغيرة في الزوايا الخفية من المنطقة التجارية.
وكان من الغريب أن معظم تلك البيوت في المنطقة التجارية كانت مملوكة لذلك العجوز، صاحب البيت الأول الذي رأته. بدا الأمر وكأن هناك من خطط لذلك عمدًا.
وإن كان كل هذا من تدبير فلويد، فقد كانت ستشعر بالبؤس الشديد. لقد قال إنه سيتركها، لكنه لم يتركها بالكامل.
بعيدًا عن ذلك، كان عليها اليوم أن تختار المنزل الذي ستقضي فيه بقية حياتها. منزل يحتوي على غرفة كبيرة للطفل عندما يكبر، ومدفأة حديثة البناء.
وكان عليها أن تشتري منزلًا بأقل سعر ممكن.
> “منزلنا سعره ألفا قطعة ذهبية. إنه بناء جديد، لذا فهو قوي جدًا! ويتكون من طابقين، ويوجد به حديقة صغيرة أيضًا!”
المنازل التي عرّفها لها الآخرون – وليس العجوز الذي قابلته أول مرة – كلها كانت باهظة الثمن. وبالطبع، من المستحيل أن تكون منازل في منطقة تجارية بأسعار زهيدة.
تذكّرت حين زارت هذا المكان من قبل لتوصيل غرض نيابة عن السيدة لاشيتي، سمعت التجار يشكون من ارتفاع إيجارات المتاجر رغم أن تجارتهم مزدهرة.
اضطرت إيلينا، رغم ترددها، إلى سؤال السائق الذي كان ينقل كيس الذهب من قصر دوقية رينيز عن أمر شغل بالها.
قد يظن البعض أنها امرأة لا تهتم إلا بإشباع رغباتها، ويتحدثون عنها بالسوء من خلفها. لكنها كانت مسألة حياة أو موت.
> “هل تعرف… كم يوجد من الذهب في العربة…؟”
سؤالها للسائق جعلها تشعر بالذل. لو كان هناك جحر فأر، لزحفت إليه لتختبئ من الخجل.
لو لم يساعدها فلويد، لكانت جلست تحتضن تركة والديها في الشارع، وماتت جوعًا بعد بضعة أيام.
رغم أنه خرج معها ليحمي الطفل في بطنها….
> “هناك أشياء ثمينة أخرى يمكن بيعها بسعر جيد، ولكن… حسب علمي، الذهب وحده يقدّر بخمسة آلاف قطعة.”
من خلال ما جمعته من معلومات عن أسعار البيوت، فإن خمسة آلاف ذهبية يمكن أن تشتري بها بيتًا صغيرًا في وسط الإمبراطورية، بعيدًا عن المنطقة التجارية.
إنه مبلغ ليس بالقليل. تذكرت أنها حين كانت تعيش في قصر فالوا كانت تحصل شهريًا على عشرين قطعة ذهبية كـ”مخصصات للحفاظ على المظهر.”
> “بهذا المال، كان يمكنني شراء مئة قطعة شوكولاتة من هذا المحل….”
نظرت إيلينا إلى لافتة محل الشوكولاتة القريب، ثم رتّبت أفكارها بهدوء. حتى لو اشترت منزلًا، كان لا بد من التوفير قدر الإمكان.
بعد أن غادرت عائلتها، لم يعد هناك أحد يساعدها. لم يكن بإمكانها إدارة عمل مرتبط بالعائلة مثل السيدة لاشيتي، ولم تكن تمتلك موهبة مميزة، لذا من الصعب إيجاد عمل.
وكان عليها تربية طفل لم يولد بعد بمفردها، وهذا يجعل العمل أكثر صعوبة….
لم تكن تدري أن شكوى الخادمات اللاتي تركن قصر فالوا بعد زواجهن وإنجابهن، ستفيدها في يوم كهذا.
> “المنزل الأول الذي عرضته عليكِ فعلاً جيد، آنسة. صحيح أنه ليس بناءً جديدًا، لكنه واسع، ومُدار بشكل جيد. ولم تحدث فيه أي جريمة قتل، ولا تظهر فيه الأشباح.”
> “ه-هل تخفّضون سعر المنازل التي… تحدث فيها تلك الأشياء؟”
> “بالطبع. لأن الناس يتحاشونها، فنحن نخفض السعر.”
لم تكن قد فكرت في مثل هذه الأمور من قبل. كانت تخاف من الناس أكثر من الأشباح، لكن أن تعيش بمفردها في بيت قد يظهر فيه شبح….
رافقت العجوز الذي يملك عددًا لا يُحصى من البيوت في المنطقة التجارية لتتفقّد المزيد من البيوت بعناية، لكن قلبها مال منذ البداية إلى المنزل الأول الذي رأته.
لقد مشَت كثيرًا حتى بدأت ساقاها تؤلمانها، وبدأت أنظار الناس تتجه نحوها شيئًا فشيئًا، إذ تجولت فتاة غريبة في أرجاء المنطقة التجارية لتفقد البيوت.
> “إذا كنتِ لا تشعرين بتحسن… فما رأيكِ أن تري الطبيب، آنسة؟”
> “ساقاي تؤلماني قليلًا فقط… لا بأس. يمكنك الانصراف الآن.”
> “سأبقى حتى تختاري المنزل….”
كان السائق يتفاعل مع كل تفصيلة تخص إيلينا بحساسية، وكأن فلويد أوصاه بشيء ما. حتى الطفل في بطنها بدا مرتاحًا أكثر مما كان عليه في قصر رينيز.
رغم أنها كانت تظن ذلك، إلا أن السائق لم يكن سائقًا عاديًا، بل أشبه بفارس ماهر في قيادة العربة….
عليها أن تُعيده بسرعة.
> “جدي. هل يمكننا توقيع العقد على المنزل الأول الذي رأيناه؟”
نهضت إيلينا بعد أن دلكت ساقيها المتيبستين، وأبلغت الرجل الطيب الذي كان يرافقها عن قرارها النهائي.
تم تخفيض السعر إلى خمسمئة قطعة ذهبية. البيوت الأخرى التي عرضها العجوز كانت بأسعار مناسبة، وبيوت الآخرين كانت جميلة أيضًا، لكن…
من يعلم ما قد يحدث لاحقًا؟ كان لا بد من توفير المال قدر الإمكان. المنزل الذي خُفّض سعره إلى خمسمئة كان بيتًا ذا طابقين ويحتوي على ثلاث غرف.
خلال التفاوض النهائي، أخبرها العجوز بأنه يمكنه بيع كامل العقار إن رغبت، ولكن عندها لن يكون السعر خمسمئة. إلا أن زوجته تعيش في الطابق الأول، وإن حدث أي أمر مزعج فستكون هناك لتقديم المساعدة.
شراء طابق واحد في هذه المنطقة مقابل خمسمئة ذهبية كان صفقة نادرة، ولم تكن بحاجة لاستخدام القصر بأكمله، لذا وافقت إيلينا برأسها.
كما أن الحديقة المشتركة مع الطابق الأول كانت صغيرة، لكنها كانت موجودة. كان البيت في زاوية المنطقة التجارية كما أرادت، والبيئة المحيطة به كانت جيدة.
لم تحدث فيه جريمة قتل، ولا… تظهر فيه الأشباح، كما قيل.
> “أحسنتِ، يا آنسة صغيرة. هاها، حسنًا. لنذهب لتوقيع العقد.”
كانت قد تفحصت المنزل الأول بدقة حين رأت سعره، فلم يكن هناك حاجة للمزيد من التفكير. أنهت إيلينا العقد بسرعة ثم نظرت إلى السائق.
جاء السائق من العربة التي كانت تقف بعيدًا، يحمل كيس الذهب الثقيل، وسلّمه إلى العجوز.
تمامًا خمسمئة قطعة. وضع الكيس على الميزان ليُريهم، ثم بدأ بنقل بقية الذهب والممتلكات الأخرى الموجودة في العربة إلى منزل إيلينا الجديد.
> “شكرًا لك. حين تعود، أبلغ فلويد… لا، صاحب السمو، أنني ممتنة حقًا.”
> “هل تنوين عدم رؤية سموه مجددًا؟”
> “من يدري….”
وقفت إيلينا على الدرج الموصل بين الطابق الأول والثاني، تنظر إلى البيت المليء بالأغراض. كان لا يزال غريبًا عنها، لكنه سيصبح مألوفًا مع الوقت.
لم تعد تكره فلويد كما كانت، لكن لم تكن تملك الشجاعة للبقاء بجانبه. مع ذلك، فكرت أنها قد تغير قليلاً من قرارها بعدم رؤيته مجددًا طوال الحياة.
> “لاحقًا، الطفل… فقط دعوه يأتي لرؤية وجه الطفل. لكن لا أكثر من ذلك.”
> “آه… حاضر. سأنقل له كلماتك بكل سرور.”
> “لم أقلها بسعادة، كما تعتقد.”
> “وأيضًا… إذا حدث شيء، الرجاء التواصل مع قصر الدوق، آنسة.”
> “لن أفعل. لن أتواصل. سأعيش كما لو كنت ميتة، كي لا أكون عبئًا على سموه. لذلك أرجو أن لا نلتقي مرة أخرى.”
> “سموه يقلق عليكِ، آنسة—!”
دووم. الباب الذي لم يُغلق بإحكام طوال الوقت، أُغلق أخيرًا. أسندت إيلينا ظهرها إلى الباب الخشبي الثقيل وانزلقت جالسة على الأرض.
لقد انتهى كل شيء.
أكياس الذهب الثقيلة المكدسة في غرفة المعيشة، والأشياء الثمينة التي قد تساوي ثروة لو تم بيعها، وفي وسط كل ذلك، لم يكن هناك سوى هي فقط.
ولو أضفنا شيئًا، فستكون قطة صغيرة تبكي بـ”مياو” خافت.
كانت مرهقة تمامًا اليوم، فقررت تأجيل ترتيب الأغراض للغد بعد أن تنام. لكن شيئًا ما شدّ انتباهها فجأة.
> “
من المؤكد أن هناك رابطًا ما بين فلويد وهذا القط الصغير…
ألقت إيلينا في النهاية بمعطف فلويد، وجعلته لعبة للقط الصغير، ثم ارتمت على السرير المفروش بلحاف ناعم داخل أكبر غرفة في المنزل.
كان السرير أقل نعومة من الذي كان في قصر دوقية رينيز، لكنه كان بحجم مناسب ولم يكن سيئًا على الإطلاق. يبدو أن العجوز الذي قال إنه ظل يعتني به طوال الوقت كان صادقًا.
> “اترك هذا وتعال هنا. سأعطيك شيئًا لذيذًا، حسناً؟”
لوّحت إيلينا بعلبة من طعام القطط كانت في كيس موضوع بجانب السرير، فاقترب القط الصغير وهو يهز ذيله، زاحفًا من أسفل السرير.
ولأن أرجله كانت قصيرة فلم يتمكن من الصعود على السرير، فرفعته إيلينا إلى حضنها. أخذ يدور برأسه ويحرّك فمه وكأنه يمضغ شيئًا.
> “لا تحاول التودد إليّ بلا فائدة. هذا لا ينفع معي.”
خلال تجوالها نهارًا لاختيار البيت، اشترت بعض المكونات لتحضير العشاء، وبعض الحلوى، وأشياء بسيطة يمكن للقط الصغير أكلها.
بقطعة ذهب واحدة، اشترت كمية كبيرة من المكونات، وشوكولاتة واحدة، وشيئًا للقط الصغير أيضًا.
رغم كل ذلك، تبقى معها بعض المال، ما جعلها تدرك كم أن الخمسة آلاف قطعة ذهبية التي منحها إياها فلويد كانت مبلغًا ضخمًا بحق.
صحيح أنها اشترت منزلًا، لكن ما يزال معها حوالي أربعة آلاف وخمسمئة قطعة ذهبية.
> “ربما لا يجب أن أطبخ العشاء الليلة. أشعر بالكسل… أنت كُل هذا، وأنا آكل الشوكولاتة فقط ثم ننام، ما رأيك؟”
تمددت إيلينا على اللحاف وراحت ترمش بعينيها. ترى، هل يمكنها خوض المحاكمة ضد السيدة لاشيتي بمفردها؟ على الأقل، يجب أن تلد طفلها أولًا….
القط الصغير الذي كان يدفن وجهه في طبق الطعام ويُصدر أصوات لعقٍ متواصلة، هرول نحوها أخيرًا بعد أن شبع.
كان فراؤه الأسود الذي يلتفّ حول يدها ناعمًا ودافئًا.
> “ربما من الأفضل أن أنسى كل شيء، أليس كذلك؟ أعيش هنا في هدوء حتى أموت، دون أن أقابل أي أحد.”
الناس الذين يعيشون في هذا الحي لم يكونوا يعرفون أنها كانت على علاقة ما بدوق رينيز. لكن… ماذا لو تعرّف عليها شخص واحد فقط؟
نظراتهم، وكلماتهم، وهمساتهم… لم تكن تملك القوة لتحمّل كل ذلك. كما أنها لم تكن تريد الانخراط مجددًا مع فلويت بسبب أيّ من تلك الأمور.
هل انتهى كل شيء فعلًا؟ كانت تريد أن تختار الخيار “الأقل سوءًا” في أسوأ الأوقات، لكن هل كان هذا هو القرار الصحيح حقًا؟
قضت إيلينا الليل تتحدث إلى هذا الكائن الصغير الذي لا يستطيع الرد عليها.
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 20"