في ذلك اليوم، كان أفضل يوم مرّ على “إلينا” منذ دخولها إلى قصر دوق “رينيز”.
كانت مرتاحة البال لأنها لم ترَ وجه “فلويد” منذ مدة، والطبيبة “بيانكا” التي لازمَتْها كخادمة طوال اليوم، لم تقل سوى كلماتٍ طيبة.
ربما بعد عدة أيام ستواجه منعطفًا حاسمًا في حياتها، لكنها فكرت أن ذلك ليس اليوم، ولا حتى غدًا، وعاشت يومًا بيوم محاولة البقاء.
“لقد تحسنت حالتكِ كثيرًا. يمكنك الخروج من غرفة النوم الآن، أليس كذلك؟”
“نعم… أعني، أظن أنني أستطيع ذلك.”
“فقط لا تخرجي خلسةً مثل المرة الماضية. لقد أقلقتِنا جميعًا…! لقد فاجأتِني يومها عندما جئتِ مع سموّه.”
“أنا آسفة… لكنني كنتُ فضولية جدًا.”
رغم كل ما يحدث الآن، يبدو أنها ما زالت تحب “فلويد”. صحيح أن قلبها هدأ قليلًا منذ أن توقف عن زيارة غرفتها لأيام، لكنها كانت تشتاق لرؤيته.
كانت تكره مشاعرها هذه، لكنها شعرت أنه من الضروري أن تخرجها. ولهذا ذهبت إلى الجناح المنفصل حيث يتواجد هو…
ليتني لم أذهب.
بعد عودتها إلى الغرفة، خاطبت “بيانكا” –التي كانت تطلب منها منذ البداية التحدث بدون ألقاب رسمية– بطريقة غير رسمية لأول مرة.
خرجت من السرير، وارتدت ثوبًا منزليًا بدلًا من ثوب النوم، وتناولت من الحلويات ما طاب لها.
بدلًا من الشاي المحتوي على الكافيين، شربت عصير فواكه مملوء بالسكر، وأكلت تارت الفراولة المغطى بالكريمة الطازجة.
لم تهتم بما يحدث في الخارج، بل فكرت فقط في الطفل الذي في بطنها. وما كان أسوأ من ذلك؟ شعرت أن الأمور لن تسوء أكثر.
إن قرر “فلويد” أن يتزوجني رغم معارضة الجميع، فسأتبعُه متجاهلةً كلام الآخرين ونظراتهم.
أما إن قال لي، آسف، لا يمكنني أن أمنحكِ سوى مكانة الخليلة… فلن أنكر أن فكرة الهرب سرًا قد راودتني.
“من الجيد أنكِ تأكلين جيدًا. هل كل شيء مريح بالنسبة لك؟ كنا من المفترض أن نعيّن لكِ خادمة خاصة بكِ، كما كانت لديكِ في السابق…”
“قلتُ إنني أشعر بعدم الراحة إن لم تكن بيانكا هنا… ثم من يدري كم سأبقى هنا أصلاً؟”
“لن… لن يحدث شيء من هذا القبيل. على أي حال، هل نرتب أمتعتكِ التي أحضرتِها معك؟ لم يلمسها أحد، وهي موجودة في الغرفة المجاورة…”
وبينما كانت “بيانكا” تغيّر الموضوع كالعادة، سُمِع ضجيج من خارج غرفة النوم. بدا أن عدة أشخاص يتشاجرون مع شخص ما.
ثم سُمِع صوت رجل. بدا شابًا، ومن طريقة حديثه لم يكن من فرسان قصر “فالوا”.
“يا آنسة فالوا! أيمكنني مقابلتكِ مرة واحدة فقط؟!”
نظرت “إلينا” و”بيانكا” إلى باب الغرفة المرتجف بعيون متوسعة من الصدمة.
فـ”فلويد” قد أمر بمنع أي زيارة إليها حفاظًا على راحتها التامة، لذا لم يكن من المفترض أن يأتي أحد.
إذًا، هذا الشخص بالخارج قد خالف أوامر سيد القصر…
“لحظة، سأخرج لأرى من هو… تابعي أكل التارت.”
“الشخص بالخارج… أليس أحد أتباع سموّه؟”
“لكن… سموّه صرّح صراحةً أنه سيعاقب أي تابع يحاول مقابلتكِ بالموت…”
“انتظري، بيانكا…”
إن كانوا من أتباع دوقية “رينيز”، فربما رأتهم من بعيد عندما خرجت سرًا في أحد الأيام أثناء غياب بيانكا.
كانت أصواتهم تصل إلى جناح الاجتماعات في الجناح المنفصل.
بعضهم أراد مقابلتها لإقناعها بالتخلي عن منصب دوقة المستقبل.
هل هذا الرجل أحدهم؟
كانت تعلم أن إقناعهم أكثر أهمية من مجرد دحض الشائعات المنتشرة في الخارج.
“أنت لا تليقين بأن تكوني دوقة! لذا… آاااه! اتركوني!”
“أي وقاحة هذه! الكونت جينت!”
بينما كانت الأصوات تتعالى خلف الباب، فقدت “إلينا” شهيتها للحلوى.
وضعت الشوكة جانبًا، وحدّقت في “بيانكا” التي فتحت الباب.
رغم أن المسافة بين السرير وباب الغرفة كانت طويلة، استطاعت رؤية كل شيء.
الرجل الذي تمسك بالباب المفتوح قليلًا وراح يصرخ بأعلى صوته…
كم من الكراهية كان يكنّها لي؟
وكم أراد أن يحطمني بكلماته اللاذعة؟
كان الفرسان يحاولون منعه، لكن كلماته السامة استمرت بالتدفق من فمه.
و”إلينا” لم تكن مستعدة لمواجهة هذا النوع من الشر.
قلة فقط يمكنهم التعامل مع هذا الكم من الكراهية.
“أما يمكنكِ فقط أن تختفي بهدوء؟ سموّه سيتكفّل بدفع الثمن المناسب.”
“هل جننتَ تمامًا؟ أغلق فمك!”
حاول الفرسان منعه، لكن دون جدوى.
كان الرجل مليئًا بالضغينة لدرجة أنه لم يبالِ بجسده، وقاوم بشدة.
“كيف نعلم أن الطفل في بطنكِ هو من نسل سموّه؟ ربما أتيتِ بطفل رجل آخر لتغتصبي منصب الدوقة! آاااه! قلت لكم دعوني! أنتم… سموّه؟!”
عندها ظهر “فلويد” من خلف الباب.
بسبب الفوضى لم يُرَ جيدًا، لكنه كان غاضبًا للغاية، ممسكًا بسيف طويل في يده.
سَرنغ… خرج السيف من غمده بصوت بارد، وكان حادًا بما يكفي لقطع أي شيء فورًا.
كان مظهره مخيفًا.
“قلت لك بوضوح، لا تتجاوز حدودك، الكونت جينت.”
“لكن… لكننا نختار من تصلح كدوقة… آاااه!”
بمجرد أن وُجِّه إليه السيف نحو عنقه، انهار الرجل وصرخ جالسًا على الأرض.
وأي شخص كان سيفعل المثل، فقد كان “فلويد” غاضبًا بحق.
“قلتُ لك لا تقترب من الدوقة المستقبلية ولا من الطفل في بطنها، بأي شكل من الأشكال.”
للحظة… تمنّت “إلينا” لو أن “فلويد” فقط قطع رأس هذا الرجل.
من يقتل بكلماته، عليه أن يدفع الثمن.
“بيانكا” ومساعد “فلويد” الذين كانوا دائمًا بجانبه، صرخوا أيضًا.
كانوا في حالة ذهول من الموقف المفاجئ.
حتى بعد أن حاولوا تهدئته، بدا أنه لا رجوع في قراره.
“سموّك، أرجوك هدئ من روعك! هذه غرفة الدوقة المستقبلية!”
“آنسة، أرجوكِ أغلقي عينيكِ…!”
لم تستطع “إلينا” أن تفهم ما الذي يحدث أمامها.
ماذا فعلت لتستحق كل هذه الكراهية؟
أحست بصداع شديد وكأنها على وشك الانهيار.
لكنها، في النهاية، فهمت سبب كل ما يحدث… وعرفت من سببه…
“توقفوا!”
لأول مرة منذ أكثر من أسبوع، ومنذ أن توقف “فلويد” عن زيارتها، انفجرت دموعها دون صوت.
لم تكن تبكي.
بل كانت دموع امتلأت بالغضب، وبالظلم من عدم قدرتها على فعل شيء.
لقد سئمت. تعبت من كل شيء.
شعرت أنها ستُوصَف طَوال حياتها بأنها مجرد عشيقة لـ”فلويد” في ليلة واحدة.
وأنها ستُنتقد كمن لا تليق به أبدًا.
لم يتبقَ شيء من ذاتها. حتى الجنين في بطنها أصبح هدفًا للسخرية.
“إلينا…”
“ألا ترى؟ حتى أنت تعبت، سموّك! فقط دعني أذهب. تخلّ عني، فحسب.”
كانت الجملة الأخيرة شيئًا لم تكن تريده أبدًا.
لم تكن تريد قولها، لكن شعرت أنه إن لم تقلها، فلن يتركها أبدًا.
ما زالت تحبه.
حتى في هذا الوضع
لماذا لم تقم “إلينا” حتى الآن بتفريغ أمتعتها؟ يبدو أن كل شيء كان استعدادًا لهذا اليوم.
بما أنها ستأخذ كل ما أحضرته معها وترحل، لم تكن هناك حاجة لتفريغ شيء. لم تعد ترغب في البقاء عالقة في هذا المكان، ولو للحظة.
لقد كرهت أن يكون وجود شخص واحد، هو السبب في شجارات ومعاناة الآخرين.
في البداية، كانت تفكر فقط في نفسها والطفل الذي في بطنها.
مهما قال الآخرون، كانت تنوي أن تكون أنانية وتحمي نفسها.
لكن الآن، بدا لها كل شيء بلا جدوى. حتى لو توسلت إلى “فلويد”، وحتى لو تزوجها رسميًا بعد عناء…
ففي النهاية، سواء رحلت بعيدًا وأنجبت طفلًا يشبهه وتكفلت بتربيته بمفردها، أو بقيت معه، ستظل عرضةً للّعنات والهمزات نفسها.
إذًا، ما الفائدة من كل هذا العناء؟
كل ما أرادته “إلينا” هو أن تكون سعيدة. لم تكن ترغب في مكانة اجتماعية عالية، بل كانت تحلم برجل يُحبّها بصدق، تنجب منه طفلًا جميلًا، وتعيش معه في بيتٍ هادئ، مليء بالمودة.
“لقد تعبت كثيرًا… أريد فقط أن أستسلم. لقد ارتكبت أمرًا لا يمكنني تحمّل مسؤوليته… أمرٌ حتى الموت لا يكفي لتحمل تبعاته.”
تركت الغرفة التي فيها السرير، وفتحت باب الغرفة الصغيرة المجاورة.
كانت الأمتعة التي أحضرتها من قصر “فالوا” مكدّسة هناك.
في قصر دوق “رينيز” لم تكن بحاجة إلى تفريغها، فقد زُوِّدت بكل شيء من ملابس وطعام وحتى طبيبة، فلم تكن هناك ضرورة لها.
لكن عند النظر الآن، أدركت أنها كانت قد أحضرت معها الكثير بالفعل.
“إلينا، انتظري. لا تستسلمي… سأتحمّل كل شيء، فقط أرجوكِ…!”
“دعني وشأني. أنا فقط أريد أن أتحمّل مسؤولية الطفل. أرجوك، أرجوك… لأجلي ولأجل الطفل، دعني أذهب… لم أكن أعلم أنك ستكون دوقًا، ولم أطمع يومًا في منصب الدوقة…”
مدّ “فلويد” يده وأمسك بكتف “إلينا”.
بعكس السابق، لم يكن لمسه مزعجًا أو مخيفًا.
فقط، لم تعد تشعر بشيء. لأنها كانت قد قررت بالفعل أن تتخلى عن كل شيء، بما في ذلك مشاعرها نحوه.
لا، كان لا بد من التخلي.
دخل “فلويد” الغرفة واحتضنها فجأة.
ربما خشي أن يقع خطب ما إن استمر النقاش الحاد بينهما كما حدث من قبل.
لكن “إلينا” كانت قد عقدت عزمها، تمامًا كما فعلت حين خرجت من قصر “فالوا”، متخلّية عن كل شيء لتحمي طفلها.
“لو كنت تحبّني حقًا، أرجوك دعني أذهب. إن بقيت هنا أكثر، سيؤذى الطفل في بطني… لن أستطيع التحمل أكثر من هذا…”
“…لكن، الزواج… إلينا…”
ببطء، ارتخت ذراعا “فلويد” اللتان كانتا تحتضنان خصرها.
كان ذلك بمثابة موافقة منه، حتى لو لم يقل شيئًا.
و”إلينا” اعتبرت صمته هذا قبولًا.
كان وجهه يغمره اليأس، لكنه مع ذلك ساعدها في ترتيب أمتعتها.
وحين قالت له “بيانكا” بضع كلمات، والتي بدت عليها الصدمة، بدأ وجهه يستعيد بعض هدوئه.
مغادرة قصر دوق “رينيز”، حيث أقامت لعدة أسابيع، جرت أسرع مما توقعت.
لحسن الحظ، لم يكن هناك من يدافع عن التابع الذي تجرأ على كسر أوامر الدوق والذهاب لمقابلة المرأة الحامل بطفل الدوق.
ثم إن “إلينا” كانت من طلبت الرحيل بنفسها.
كان من الواضح أن أفراد عائلة “رينيز” كانوا يعاملون “إلينا” كعبء.
أما ذلك التابع الذي جاء لمواجهتها، فلم يكن تابعًا للدوق “فلويد”، بل كان من أتباع “دوق سيلفِستا”، التابع الأقوى داخل الدوقية، وقد تخلّى عنه الجميع بعد الحادثة.
بعد ذلك، توسل إليها “فلويد” كي لا ترحل مباشرة، حتى إنه جثا على ركبتيه طالبًا منها البقاء قليلًا.
لا أحد يعلم ما إن كان ذلك نابعًا من أسفه أم من حنينه الأخير.
لكن بعد ما حدث، سمعت “إلينا” كل شيء عن موقف باقي أتباع الدوقية، مما ترك في قلبها مرارة.
“لو كنتِ غيرتِ رأيكِ الآن…”
“لا، كل ما في الأمر أن كل شيء سيحلّ إن اختفيت أنا. دعنا ننهي هذا هنا…”
ستحدث ضجة لبعض الوقت الآن، لكنها ستخفت سريعًا إن اختفت “إلينا” عن الأنظار.
وهي كانت ترغب بذلك. وربما حتى “فلويد”… ربما أراده هو أيضًا.
لم تعد تخشى أن يُنعت طفلها بابن غير شرعي.
حتى من دون أب، كانت تنوي أن تربيه جيدًا.
بل كانت واثقة أنها ستنجح في ذلك.
“أرجوك، لا تحاول البحث عني مجددًا. لقد قلت إنك ستتخلى عني، لذا أرجوك، لا.”
حين قررت أن تغادر القصر وتستقل عربة عامة لتبحث عن مكان جديد للعيش، حاول “فلويد” منعها بشدة.
حتى إنه هدّدها بأنه لن يسمح لها بالذهاب إن لم تركب عربة القصر الرسمية.
ثم، وضع في تلك العربة مبلغًا ضخمًا يكفي للعيش برفاهية في عاصمة الإمبراطورية، حيث الأسعار مرتفعة، لعشرات السنين.
هل كان ذلك هدية لطفلها المنتظر؟ أم تعويضًا عن تلك الليلة الواحدة…؟
“أنا لم أتخلَّ أبدًا عنكِ يا إلينا… ولا عن الطفل. انتظريني… سأعود لأبحث عنكما قريبًا. وسأكفّر عن كل شيء في ذلك الحين…”
كان “فلويد” فعلًا شخصًا لا يمكن تجاهله حتى في اللحظات الأخيرة.
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 18"