1
الفصل 1
“أرجوك، دعني ألتقي بأي رجل كان.”
كان يوماً مظلماً تتساقط فيه الأمطار بخفة متواصلة.
اخترقت امرأة طرقات المطر الحادة، وحين وصلت إلى المكان، صرحت بغرضها لصاحبه دون أي تردد.
بينما كان صاحب المكان يحدق بهدوء في قطرات الماء المتساقطة من رداءها الأسود، تفحص يدها البيضاء الطويلة التي خرجت قليلاً من بين طيات الرداء، وكذلك الفستان الفاخر الذي كانت تخفيه تحته.
من صوتها، بدا واضحاً أنها فتاة صغيرة السن من عائلة نبيلة.
أنهى صاحب المكان حكمه في نفسه.
صحيح أن عمله يقوم على ترتيب لقاءات بين الناس، لكن ذلك يتطلب التمييز فيما بينهم أيضاً.
“أظن… لا يوجد هنا من يناسب ما تبحثين عنه يا آنسة.”
كان المكان في الأصل مخصصاً للقاءات النبلاء، حيث يتعارفون ويتبادلون الأحاديث أو يصنعون صداقات جديدة.
لم يكن في ذلك أي مخالفة للقانون، لكنه كان مسرحاً لكثير من الحوادث المريبة، ولذلك كان مآله إلى الإغلاق قريباً.
آخر ما يريده هو المزيد من المشاكل.
لذلك لم يشأ أن يرتب أي لقاء لتلك الفتاة.
وبينما كان يقلب كتاب الأسماء الضخم أمامه بإهمال ليظهر رفضه، أبدت الفتاة إصراراً شديداً.
“فقط… اجعلني ألتقي بأي رجل، أي رجل كان.”
كان في صوتها نبرة مبتلة، ربما بسبب المطر في الخارج، أو ربما بسبب الرداء الذي ترتديه.
وربما، كانت تبكي فعلاً.
وفجأة، مع صوت مكتوم ثقيل، وُضِعت على الطاولة حقيبة ضخمة ممتلئة بقطع الذهب.
(هل تكون قد عانت خيبة حب؟ إن كان الأمر كذلك، فالأفضل ألا…)
لكن المبلغ الذي قدمته تجاوز بكثير أسعار المكان المعتادة، حتى اتسعت عينا صاحب المكان اندهاشاً.
وفي النهاية، استسلم لبريق الذهب، وقادها غريزياً إلى أفضل غرفة في المبنى.
كل ما كان يتمناه في داخله هو أن تكتفي بالجلوس والحديث فقط، ثم ترحل بسلام.
“شكراً لك.”
بالطبع، لم تكن تلك الفتاة تفكر بذلك مطلقاً.
—
إلينا واصلت السير بلا نهاية عبر ممر مظلم.
لقد تجاوزت منذ زمن الغرفة التي أرشدها إليها صاحب المكان.
كان صدرها يضيق حتى شعرت أنها ستجن.
المرارة في قلبها كانت خانقة لدرجة أنها شعرت بأنها ستموت، ومع ذلك لم تجد مكاناً آخر تذهب إليه سوى هنا، وهو ما زادها بؤساً.
(شخص يحبني… رجل يحبني…
هل حقاً لا يوجد أحد في هذا العالم سيحبني؟)
“ألا يوجد أحد هنا؟”
بمجرد أن تخطت الغرفة التي دُلّت إليها، بدأ ظلام دامس يبتلعها.
أصبح الحزن يثقل صدرها من جديد حتى شعرت أن دموعها ستنزلق ثانية.
ثم فجأة…
تدرج، تدحرج…
انبعث ضوء خافت من فرجة باب موارب، وفي اللحظة ذاتها تدحرج شيء على الأرض.
انحنت لترى، فكان غطاء زجاجة، تفوح منه رائحة خمر نفاذة.
(شخص ما هنا… لا بد أنه من أسقطه.)
أدركت إلينا ذلك، وبلا أي تردد دفعت الباب الضخم بقوة.
ارتطم الباب بصوت عالٍ، ليكشف عن رجل يحتسي زجاجة خمر قوية مباشرة من فمها.
نعم… رجل.
حين لمح وجودها متأخراً قليلاً، كانت عيناه بلا بؤرة واضحة.
زجاجة الخمر في يده، وزجاجات النبيذ الفارغة بجواره، كانت كافية لتفسير حالته.
الكؤوس الملقاة على الأرض، والملابس المبعثرة، كلها دلائل على أنه غارق تماماً في السكر.
توقفت إلينا تنظر إليه طويلاً.
(هل لدى هذا الرجل أيضاً قصة حزينة مثل قصتي؟)
كان هو أول من قطع الصمت.
“لماذا تبكين؟”
“هـ… ماذا؟”
رغم سكره الواضح، كان صوته جميلاً للأذن.
لكن ذلك لم يكن هو المهم.
(هل أبكي ثانية؟)
سارعت إلينا تمسح وجنتيها بظهر كفها بقوة.
وحين نظرت إلى يدها، وجدت البلل فعلاً.
“ما الذي يبكيك هكذا؟”
واصل الرجل كلامه المبعثر، وعيناه ما زالتا شاردتين.
لكن كلماته وحدها جعلت دموعها تنهمر من جديد.
لأنه أول شخص يسألها ذلك.
لأنه في الحقيقة… كانت تتمنى سماعه.
وهنا ولدت شجاعة سخيفة بداخلها، لدرجة أنها استطاعت أن تبوح بكلمات غريبة لرجل تلتقيه لأول مرة.
“أريد أن أُحَب.”
“…….”
“ألا يمكنك… أن تحبني؟”
“أوه… إذن لهذا كنت تبكين؟”
بدا للحظة أن عينيه استعادت بعض التركيز.
مد يده، ودفع رداءها جانباً، ثم مرر أصابعه على وجهها المبلل بالدموع.
ثم لفظ تلك الكلمات.
“لو أحببتك… هل ستتوقفين عن البكاء؟ إن كان الأمر كذلك….”
“سأحبك.”
تجمدت إلينا في مكانها، عاجزة عن فهم ما قاله للتو.
(ذلك… هذا ليس كلاماً سهلاً أبداً…
أن يحبني شخص ما…
كيف يمكن لرجل يلتقيني لأول مرة أن يقول إنه سيحبني؟)
لكن الرجل نطقها وكأنها مجرد دعوة لشرب كأس آخر.
حين مد يده داعياً إياها، تبعته دون قوة.
كان عليها أن تتوقف عند هذا الحد، لكن جسدها وقلبها لم يطاوعاها.
(هو مخمور، أما أنا فلا. يجب أن أتوقف الآن…)
لكن في لحظة ما، وجدت نفسها تحمل كأساً مملوءة بخمرة حمراء.
ثم—
“أي نوع من الحب يجب أن أمنحك كي لا تبكي؟ على الأقل… اليوم، أو بالأحرى أمامي، لا أريد أن أراك تبكين.”
كانت أسيرة لكلمة “الحب”، فلم تستطع الهروب.
واصل الرجل ارتشاف زجاجته حتى النهاية، ثم تمتم بصوت خافت:
“لا أحتمل أن أراك حزينة… لماذا تبكين هنا أيضاً؟”
ربما كان قد جاء هو الآخر إلى هذا المكان بسبب حزنه، إذ راح يعبر عن ألمه المكتوم بينما أطبق جفونه الطويلة برقة.
وحين التقت إلينا بوجهه وقد جفّت دموعه، رأته جميلاً.
تحت شعره الأسود الكثيف، برزت عيناه الزرقاوان الصافيتان كالكريستال.
كانت قد رغبت منذ البداية بأن يحبها أي رجل كان، لكن هذا الرجل بدا مختلفاً، مميزاً.
حتى وهو جالس على سرير فوضوي، بدا لامعاً ومتألقاً.
(ربما… أقضي معه هذه الليلة؟
حتى في ليلة واحدة، يمكن أن يوجد شيء اسمه حب.)
كانت قد خرجت من قصرها بنية التمرد والهرب من واقعها على أي حال.
“إذن…”
أخذت إلينا الكأس التي قدمها لها، تديرها بين أصابعها قبل أن تبلل شفتيها بها.
كان طعم الخمر الذي جربته لأول مرة مراً للغاية.
النبيذ لم يكن قوياً عادة، لكنها لم تجد فيه لذة تُذكر سوى في عبق العنب الراقي في نهايته.
أما الخمر القوي الذي كان يشربه الرجل قبل قليل، فيبدو أسوأ بكثير حتى من رائحته.
(كيف يكون شعور السكر؟)
حتى الآن، لم تستطع إدراكه بوضوح.
كل ما أحست به هو خدر طفيف ونعاس ممزوج بجرأة غريبة.
جرأة مختلفة تماماً عن تلك التي شعرت بها قبل قليل.
“إذن… من فضلك، قبّلني.”
تفاجأ الرجل من كلماتها، فعيناه رمشتا بينما تناول زجاجة الخمر من جديد.
كان رداؤها المبتل قد انزاح منذ زمن، فكشف عن نفسها أمامه.
وبينما كان ينظر إليها وهي تفتح القفل عند عنقها، انزلق الرداء ليظهر فستانها الأحمر الحريري.
فستانها الثمين، الأغلى بين ما تملكه.
وحين بدأت إلينا بالتحرك بجدية، لم يبقَ الرجل صامتاً.
على سبيل المثال، قال لها اسمه دون أن تسأله:
“ألا ينبغي أن نعرف أسماءنا؟ أنا اسمي فلي. وأنتِ؟”
(حقاً… ربما ستحبني فعلاً.)
وبنفس العفوية التي وضع بها يده على خدها، أراح وجهه على كتفها النحيل.
فلي. هكذا اسمه.
حتى وهي تفكر في الاسم، بدا وكأنه مجرد لقب، لكن ذلك لم يكن مهماً هنا.
(همم… لا أحد هنا يكشف اسمه الحقيقي على أي حال.)
أغمضت إلينا عينيها ببطء.
بهدوء، نطقت بالاسم الذي كان والداها يناديانها به في طفولتها.
“إيلا… أنا إيلا.”
ومع ذلك، لم يطب لي أن أكذب تماماً، فسارعت بصرف نظري بعيداً عن الرجل.
حين أسندت جلستي على حافة السرير وأخفضت بصري نحو ركبتي، وقعت عيناي على الكأس الزجاجية التي كنت أشدّ عليها بكلتا يدي منذ قليل.
في داخل الكأس الشفاف، ارتجف الضوء القرمزي الداكن بطريقة غريبة وكأن فيه سحراً مريباً.
النبيذ الذي صبّه الرجل لي ما زال لم يُشرب كله.
ربما تبقى فيه جرعة أو اثنتان.
وبحزم، ارتشفت إلينا جرعة كبيرة دفعة واحدة.
انتظرها الرجل بصبر، ثم مد ذراعيه الطويلتين فجأة ليجذبها إلى صدره.
“حسناً… إيلا.”
“فلي…”
لم يكن أيٌّ منهما في وعيه الكامل.
لكن كليهما أراد ذلك، فما الذي يمنعهما؟
أليس من المقبول التمرد بهذا القدر على الواقع؟
“آه!”
في لحظة، شعرت بظهرها يستقر على أغطية السرير الناعمة.
وأمام عينيها تجلى رجل أكثر وسامة وجمالاً من أي امرأة.
والآن وقد عرفت اسمه، وجب أن تناديه به بوضوح: فلي.
“طلبتِ قبلة، أليس كذلك؟ إذن… لا بأس أن أفعل، صحيح؟”
“هـ… نعم…”
“لكن… أنا لست جيداً في هذا… هذه أول مرة.”
(أن نبادل القبل… ثم ماذا بعد ذلك؟
هل حقاً لن أندم لاحقاً على ما نحن بصدده الآن؟)
“أتبكين…؟ هل يجب أن أتوقف؟ لكنك أنتِ من طلبتِ أن أحبك…”
لم تدرك حتى الآن متى بدأت دموعها تنهمر مجدداً.
لكن حين استوعبت الأمر، كانت ممددة تماماً على السرير.
مسح الرجل دموعها المتجمعة عند عينيها، ثم أمسك بمعصمها فجأة.
اختفى معصمها النحيل بين طيات الغطاء الوثير، وفي تلك اللحظة طار الكأس الزجاجي الذي كان يحتوي على النبيذ القرمزي في الهواء.
تَرنُح…
لحسن الحظ، ارتطم بالغطاء أولاً، فلم ينكسر، بل تدحرج بهدوء فوق السجادة.
رفعت إلينا رأسها بقلق لا تعرف سببه، بينما أحاط الرجل برقبتها برفق.
(هل يصح أن يحدث هذا؟)
سرت لحظة وعي عابرة وسط ضباب السكر، لكنها تلاشت سريعاً.
“إن لم تريدي… فقط قولي.”
حين لامست شفتاه المغلقتان شفتيها كأنهما تسألان، أطبقت عينيها واستسلمت له دون تردد.
كان الإحساس أقرب إلى الغرابة منه إلى المتعة.
لكن حين رفع شفتيه وعانقها بقوة، أحست بالرضا.
لا… أكثر من الرضا. أحست كأنه يحبها حقاً.
(هو يحبني… فعلاً يحبني.)
حين لامسها ذلك الشعور، ذلك الإحساس الذي طالما تمنت أن تناله، تلاشت كل مخاوفها الأخرى.
في تلك اللحظة، لم يكن أمامها خيار آخر سوى الاستسلام له.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 1"